من اليمين: ناصر الوحيشي وقاسم الريمي قائدا التنظيم اللذان قتلا على التوالي في 2015 و2020، وعلى اليسار القائد الحالي خالد باطرفي.
من اليمين: ناصر الوحيشي وقاسم الريمي قائدا التنظيم اللذان قتلا على التوالي في 2015 و2020، وعلى اليسار القائد الحالي خالد باطرفي.

كان الفرع اليمني للقاعدة دائما فرعا خطيرا في أدواره وجغرافية نشاطه. أسندت إليه القيادة العامة للتنظيم مهام حساسة جدا، منها القيام بعمليات عابرة للحدود، وحل الخلافات التي قد تنشب في الأفرع الأخرى، كما انطوى قرار تعيين ناصر الوحيشي، زعيم القاعدة في اليمن الأسبق، نائبا عاما لأيمن الظواهري على رغبة قديمة في نقل القيادة العامة لتنظيم القاعدة من أفغانستان إلى اليمن، إضافة إلى كون اليمن جزءا من جزيرة العرب أي ضمن النطاق الجغرافي الذي لا يجب لغير المسلمين التواجد فيه حسب أدبيات تنظيم القاعدة.

 ورغم إخفاق حملته الأولى التي أطلقها في السعودية سنة 2003، وانتهت بتفكيك كل خلاياه واعتقال أو تصفية قادته، إلا أنه استطاع إحياء نفسه من جديد في اليمن ودمج الفرع السعودي واليمني في تنظيم واحد سنة 2007 ما شكل تحديا للأمن العالمي منذ ذلك التاريخ.

 

حروب أمنية

 

كان اليمن مسرحا مبكرا لعمليات اغتيال استهدفت قادة في القاعدة. في 2002، نفذت طائرة من دون طيار أول ضربة جوية لها خارج أفغانستان أسفرت عن مقتل أبو علي الحارثي مبعوث أسامة بن لادن إلى اليمن والمسؤول عن الهجوم على المدمرة الأميركية يو إس إس كول في خليج عدن، وناقلة النفط الفرنسية ليمبورغ. ومن حينها، والضربات الجوية التي تستهدف عناصر وقادة القاعدة لم تتوقف، بل إن وتيرتها سترتفع وتركيزها سيزداد دقة مع اغتيال ناصر الوحيشي في يونيو 2015، لتبدأ الحلقة القيادية في التفكك تحت ضربات جوية أتت على معظم الصف الأول للتنظيم: حارث النظاري، إبراهيم الربيش، مأمون حاتم، نصر الآنسي، جلال بلعيدي، سعيد الشهري، قاسم الريمي، وأسماء وازنة أخرى تم تحييدها خلال بضع سنوات فقط.

حاولت القاعدة تطويق الشرخ الأمني الذي استشرى في صفوفها، فحظرت استعمال الهواتف النقالة على عناصرها، وركزت في إصداراتها على مواضيع الاختراق والتجسس، وشنت حملات اعتقال واسعة للمشتبه بهم في تسريب أسرار التنظيم والإبلاغ عن إحداثيات مقراته وتحركات قادته. وأخيرا نفذت عمليات إعدام في الساحات العامة ضد أفراد بدعوى تورطهم في نشاطات تجسسية لصالح جهات معادية.

أدت هيمنة الهاجس الأمني على تنظيم القاعدة في اليمن إلى تضخم جهازه الأمني واستفراده بصلاحيات موسعة بقيادة المصري أبو صالح إبراهيم البنا، وساد بين القادة والعناصر جو من التوجس والريبة دفع القائد السابق قاسم الريمي إلى القول بأن الأفراد الموثوقين في جماعته لا يتجاوزون المئة وسيخضع ما سواهم للفحص والتحري. وانعكس الطابع الأمني على الأداء العسكري والإعلامي للتنظيم، حيث انكفأ على نفسه في مناطق كثيرة وفضل الدخول في حالة من الكمون الأمني على الظهور العلني والسيطرة الميدانية. وعلى الصعيد الإعلامي طغى موضوع التجسس والحروب الأمنية على إصداراته المرئية، حيث نشرت مؤسسته الإعلامية عدة أفلام تناولت الموضوع مثل سلسلة "هدم الجاسوسية" و "أسرار وأخطار" وسلسلة "حصاد الجواسيس" وغيرها

 

قادة جواسيس

 

لم يكن أحد بمنأى عن الاعتقال والتحقيق في ظل نفوذ الجهاز الأمني واضطلاعه بمسؤولية الكشف عن الخلايا التجسسية داخل التنظيم. ومع استفحال الاستهداف المباشر للقادة الكبار، توسعت دائرة التحقيق لتشمل قيادات الصف الثاني. وكانت المفاجأة عندما تم اعتقال عدد من القادة والمسؤولين بتهمة التجسس وتقديمهم للقضاء الأمني في التنظيم الذي أصدر بحقهم أحكاما بالإعدام تم تنفيذها في وقت لاحق.

وكان من بين القادة الذين أدينوا بالتجسس أحمد عبد الله صالح الخزمري، المشهور بأبي مريم الأزدي، وهو "منظر جهادي" صاعد، كان ضمن لائحة المطلوبين الـ85 التي أصدرتها السعودية في فبراير 2009. حينها، غادر السعودية متجها إلى أفغانستان حيث استقر في منطقة وزيرستان الحدودية، والتقى بكبار قادة القاعدة في أفغانستان كأبي يحيى وعطية الله الليبيين وعبد الله العدم وغيرهم، ونشر عشرات الكتب والمقالات في المواقع والمنتديات "الجهادية" منذ 2010، ثم دخل إلى سوريا في 2013 ومنها انتقل إلى اليمن حيث استأنف نشاطه التنظيري هناك إلى غاية اعتقاله وإعدامه.

كانت المفاجأة عندما تم اعتقال عدد من القادة بتهمة التجسس وتقديمهم للقضاء الأمني الذي أصدر بحقهم أحكاما بالإعدام تم تنفيذها.

وتم أيضا إعدام فياض الحضرمي المسؤول الأمني الميداني، وهو قيادي قديم انضم إلى تنظيم القاعدة في العراق عام 2003، وكان عضوا في "كتيبة الاستشهاديين" التي أسسها أبو مصعب الزرقاوي، وقد كلفه الأخير بمهمة في السعودية حيث تم اعتقاله وأمضى في السجن 6 سنوات. بعد إطلاق سراحه، دخل اليمن والتحق بصفوف القاعدة، وتنقل في المناصب والمسؤوليات إلى أن شغل منصب المسؤول الأمني الميداني، وهو منصب حساس يخول لصاحبه الاطلاع على معطيات التنظيم وملفاته السرية. اعتقل في حملة اللجنة الأمنية وأدين بالتجسس وحكم عليه بالإعدام.

وهناك أيضا، عبد الله بوازير ويعرف أيضا بسعيد شقرة. كرس هذا القيادي 10 سنوات من حياته لتنظيم القاعدة في اليمن، مقاتلا في صفوفه ومضطلعا بمسؤوليات عدة داخله، آخرها رئاسة للجنة المالية، وهي اللجنة المكلفة بتدبير ميزانية التنظيم، وترتيب أموره المالية، قبل أن يعتقل في حملة اللجنة الأمنية ويعدم بتهمة التجسس.

وصف تنظيم القاعدة في اليمن الرجال الذين أعدموا بـ"الجواسيس الخونة" وتوعد بملاحقة كل من ثبت تورطه في زرع شرائح التعقب في سيارات ومقرات التنظيم، أو الترويج لأفكار وتوجهات تخالف سياساته، فهو لا يحصر التعامل مع أعدائه في التخابر معهم عبر تمرير المعلومات أو تزويدهم بالإحداثيات ولكنه يدرج أيضا ضمن "أعمال التجسس" تداول الشائعات، وترويج أفكار تخالف استراتيجية التنظيم وتوجهاته. وقد حذر قاسم الريمي زعيم التنظيم السابق عناصره بالقول: "من يضع نفسه موضع الشبهة فلا يلومن إلا نفسه".

 

تصدع التنظيم

 

اعتقد تنظيم القاعدة أن مقاربته الأمنية الصارمة ستنجح في تحصين بيته الداخلي، وترميم الثغرات التي شكلت منفذا لعمليات اختراق وصلت إلى أرفع المناصب، ولم يكن يدرك أنها ستحدث تصدعات عميقة في بنيته التنظيمية لم يختبر التنظيم مثلها منذ تأسيسه. ففي 19 أبريل 2020، خرج مجموعة من القادة  في تسجيل صوتي بعنوان "معذرة إلى ربكم" نددوا فيه بما سموه أفعالا "تذكر بجرائم دولة البغدادي" قام بها تنظيم القاعدة في اليمن، ونعوا قيادات تم إعدامها " بحجج هي أوهن من بيت العنكبوت" أبرزها: أبو مريم الأزدي وفياض الحضرمي وسعيد شقرة، وتحدثوا عن خروقات شابت عمليات الاعتقال والتحقيق، وطالبوا أيمن الظواهري وشيوخ "التيار الجهادي" بالتدخل وإرغام قيادة القاعدة في اليمن على المثول أمام "لجنة قضائية" مستقلة لكشف حيثيات ما جرى مع الشخصيات التي تم إعدامها.

أعلن المحتجون ضد قيادة القاعدة اعتزالهم، وعلقوا عملهم في التنظيم. وطالبوا بتدخل أيمن الظواهري.

أعلن المحتجون اعتزالهم، وعلقوا عملهم في التنظيم. وكان من أبرز هؤلاء كل من أبو عمر النهدي، ومنصور الحضرمي، ومصعب الشرقي، وحسان القصيمي، وعزام الإبي، وأبو داوود الشروري، وحسين قروش العدني وغيرهم. واقترحوا لحل الخلاف عقد محاكمة مستقلة خارج التنظيم تعيد النظر في الملفات الأمنية للشخصيات التي تم إعدامها، ومراسلة أيمن الظواهري بشأن ما جرى وانتظار رأيه في الموضوع.

قبل الخروج الإعلامي للمعتزلين، أرسلت القاعدة وفدا في تشرين الثاني 2019 للتفاوض معهم ومحاولة الوصول إلى حل يرضي الجميع، فاتفق الطرفان على إرسال المعتزلين مذكرة إلى أيمن الظواهري يشرحون فيه حيثيات الأحداث، ويتولى خالد باطرفي، القائد الجديد للتنظيم بعد مقتل قاسم الريمي في يناير 2020، إرسالها دون الاطلاع على فحواها، ثم عقد محاكمة مستقلة للنظر في القضايا المثيرة للجدل.

خالد باطرفي
سعودي على قائمة 'الإرهابيين العالميين' الأميركية.. من هو؟
أضافت وزارة الخارجية الأميركية خالد باطرفي، القيادي السعودي في "تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية" إلى قائمتها لـ"الإرهابيين العالميين"، وحظرت أصوله وممتلكاته في الولايات المتحدة، ومنعت الأميركيين من التعامل معه.

لكن الاتفاق تعذر تنفيذه، بعدما أصر خالد باطرفي على تحرير المذكرة المزمع إرسالها إلى الظواهري لدواع أمنية، الأمر الذي رفضه المعتزلون، واعتبروه إخلالا بشرط سرية المذكرة. وفي 28 مارس 2020، عقد الطرفان جلسة حوار أخرى، شددت خلالها القاعدة على رفضها إجراء أي محاكمة يشارك فيها طرف ثالث لأن ذلك يعني تسريب أسرار التنظيم إلى جهات خارجية، واقترحت بدلا من ذلك إجراء محاكمة داخلية على أن ترسل الأحكام الصادرة عنها إلى شيوخ التيار الجهادي لتمييزها، أو إرسال ملفات القضايا المثيرة للجدل إلى أيمن الظواهري ويكون رأيه فيها ملزما للطرفين. المعتزلون بدورهم رفضوا مقترحات قيادة القاعدة وأصروا على مطلبهم في عقد محاكمة مستقلة لا يشارك فيها قضاة التنظيم، كونهم طرفا في النزاع لأن أحكام الإعدام صادرة عنهم، وأبدوا استعدادهم لقبول مقترح تصوير جلسات المحاكمة بالفيديو وإرسالها إلى شيوخ التيار الجهادي لمراجعة الأحكام عند صدورها، وهو الاقتراح الذي رفضته قيادة القاعدة جملة وتفصيلا. ومع استعصاء الأزمة وتمسك كل طرف بمواقفه قرر المعتزلون إنهاء علاقتهم بالقاعدة والانشقاق عنها، ومراسلة الظواهري بطرقهم الخاصة، ورفع شكوى إليه، بشأن ما اعتبروه انحرافا لقيادة القاعدة في اليمن.

 

وتستمر المعضلة

 

خلال بضع سنوات فقط، أعلن تنظيم القاعدة في اليمن تفكيك عشرات الخلايا التجسسية التي توغلت عميقا داخله إلى درجة التماس المباشر مع أمرائه ومؤسسية، وبث عشرات الاعترافات لأشخاص زعم أنهم متورطون في أعمال تجسسية. المنشقون عن التنظيم من جهتهم أكدوا وجود أبرياء كثر حصد الجهاز الأمني أرواحهم بسبب المساطر التي اعتمدها الجهاز في تحقيقاته مثل التعذيب الوحشي للمشتبه فيهم، والاعتماد على ما يسمى "القرائن"، ويقصد بالقرائن الاكتفاء بتظافر المؤشرات في إثبات التهم بدل الأدلة القاطعة التي لا يرقى إليها الشك. وتعتبر مسألة "حجية القرائن" إحدى نقاط الخلاف بين القاعدة في اليمن والمنشقين عنها، إذ يجادل هؤلاء أن القادة الذين تم إعدامهم استند القضاة في إدانتهم إلى قرائن متوهمة. "قرائنكم لا ترتقي إلى مرتبة القرائن المتوهمة.. قرائنكم لا تدخل في دائرة القرائن الظنية فضلا عن القطعية، ولمعرفتنا بخبايا المحاكمات والقرائن المزعومة ندرك لماذا يصر القوم على عدم النزول للمحكمة الشرعية المستقلة" يقول المنشقون في بيان لهم.

لم تمنع حملة التطهير الواسعة التي شنتها اللجنة الأمنية وأسفرت عن إعدام العشرات من "الجواسيس" المفترضين من تواصل عمليات الاستهداف المباشر لقادة كبار في التنظيم، حيث قتل قائد التنظيم السابق قاسم الريمي في 29 يناير 2020. وبعد حوالي عامين، كانت الضربة الأكبر باستهداف صالح عبولان المعروف بأبي عمير الحضرمي المسؤول العسكري للتنظيم وأحد القادة التاريخيين للقاعدة. الملفت أنه لم يكن للرجل أي نشاط علني من قبل، ولم يظهر في الإعلام، وظل يعمل في صمت وخفاء إلى أن تم اغتياله في غارة جوية بواسطة طائرة من دون طيار. وفي 22 مايو 2022، أي بعد 20 عاما على اغتيال أبي علي الحارثي، المسؤول عن استهداف المدمرة الأميركية يو إس إس كول، أعلن الجهاز الأمني لتنظيم القاعدة في اليمن في إصدار مرئي عن اعتقال وإعدام الرجل الذي ساعد المخابرات الدولية في تحديد مكانه، في إشارة من الجهاز إلى أن حملته لا يؤطرها أفق زمني محدد، وستستمر رغم اعتراض المنشقين واحتجاجهم. وتوحي إعادة بث مقاطع إعدام الجواسيس المفترضين في الإصدار المذكور إشارة إلى أن حملات التطهير قد حصلت على الضوء الأخضر من زعيم القاعدة أيمن الظواهري، وإذا كانت مذكرة المنشقين قد وصلت إليه فيبدو أن موقفه من الخلاف لم يكن لصالحهم.

 

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".