حافظت طالبان على علاقتها بالقاعدة رغم تعهدها بعدم فعل ذلك حسب اتفاقية الدوحة.
حافظت طالبان على علاقتها بالقاعدة رغم تعهدها بعدم فعل ذلك حسب اتفاقية الدوحة.

عام 1994م عاش أسامة بن لادن واحدة من أسوأ فترات حياته، بعدما ضاقت به السُبل عقب إسقاط السعودية جنسيتها عنه ومُطالبة السودان له بمغادرة أراضيه على الفور. بين ليلة وضحاها، أصبح بن لادن بلا جنسية وبلا مأوى يستطيع العيش فيه هو وأعضاء تنظيمه المُسلح. 

جاء الحل من أفغانستان، والتي كانت تمرُّ هي الأخرى بأوضاعٍ صعبة عقب انسحاب الاتحاد السوفييتي وتفكك النظام الحاكم. حالة التفكك تلك تحديدًا هي التي مثّلت طوق النجاة لبن لادن بعدما قرّر العودة إلى أفغانستان التي كانت تشهد حربا أهلية وحالة فوضى لم تتمكّن أي قوة من السيطرة عليها حتى تلك اللحظة.

في هذه الأثناء، لم تكن طالبان قد نجحت في السيطرة على البلاد بعد، لكنها أظهرت بأسًا كبيرًا وسط باقي الفصائل القتالية المتصارعة على حُكم افغانستان، وبدا للكثيرين أن استحواذها على العاصمة قندهار وبسط سيطرتها على مقاليد الأمور مسألة وقت لا أكثر.

 

بن لادن والقاعدة.. ما قبل الإيواء

 

قبل ذلك الزمن، امتلك بن لادن علاقات وثيقة بقادة طالبان، بعدما انخرط في مرحلة "الجهاد الأفغاني" لفترة طويلة من الزمن، وفّر خلالها تدريبات عسكرية لطلاب المدارس، وساهم في جمع الأموال من الأثرياء العرب بعدما تم الترويج للنضال ضد السوفييت بأنه حرب لنُصرة الإسلام ضد شيوعية الروس الذين يريدون القضاء عليه. وأنشأ بن لادن حينها معسكرًا لتدريب المقاتلين العرب في جاجي عام 1986م.

بعد ذلك بعامين، شكّل هؤلاء المقاتلون العرب في أفغانستان النواة التي نشأ منها تنظيم القاعدة الذي سيتزعّمه بن لادن. وعقب رحيل السوفييت عام 1989م، أي بعد عشر سنوات من الاحتلال الدامي، فشل الرئيس الأفغاني الجديد برهان الدين رباني في السيطرة على البلاد برغم "تاريخه الجهادي" الطويل، وشهد عهده تصارع فصائل عدة على حُكم أفغانستان، وهي المعركة التي حسمتها طالبان لصالحها في نهاية الأمر، وكان للقاعدة دور في ذلك.

نشأ هذا التعاون برغم الاختلاف البيّن في أهدافٍ الحركتين؛ امتلك تنظيم القاعدة أيدولوجية مخالفة تمامًا لطالبان. فتنظيم بن لادن يسعى لما يراه "جهادا عالميا" يحارب فيه أميركا. أما طالبان، فلم تكن تمتلك إلا طموحًا محليًا لا يتعدى بسط سيطرتها على أفغانستان وإدارتها "لإمارتها الإسلامية" المرتقبة. وفي الوقت الذي سعت فيه طالبان لنيل اعتراف دولي بدولتها، كانت القاعدة تعتبر استهداف العالم بأسره جزءًا من أجندته.

 

دعم بن لادن لحركة طالبان

 

بعد فترة محدودة قضاها بن لادن في السودان عاد بعناصر تنظيمه إلى أفغانستان في مايو عام 1996م. في البداية لم يتمتّع مسلحو القاعدة بشعبية وسط أقرانهم في طالبان، بعدما نظر الطالبيون لهم باعتبارهم "أثرياء ومترفين"، فيما اعتبر رجال القاعدة الأفغان بأنهم "برابرة غير متعلمين".

بحسب كتاب "العدو الذي خلقناه: أسطورة اندماج القاعدة وطالبان في أفغانستان" لأليكس ستريك وفان لينشوتين، فإن الاجتماع الأول بين بن لادن والمُلا محمد عُمر زعيم طالبان عُقد في أغسطس 1996م. ناقش فيه الرجلان الحرب ضد الولايات المتحدة وكيفية اجتذاب المجنّدين إلى أفغانستان. وطرح فيه بن لادن رغبته في تخليص السعودية من "الأميركيين واليهود" (يقصد القواعد الأميركية في السعودية)، وهي المعركة التي رفض المُلا عُمر الانسياق إليها معتبرًا أن الوضع الحالي لحركته لا يسمح لها إلا بخوض معركة وحيدة وهي ترسيخ وجود الحركة في أفغانستان.

فور وصوله إلى أفغانستان، بدأ بن لادن في تنفيذ خطة واسعة لدعم حركة طالبان ومنحها المزيد من القوة في مواجهة خصومها المتصارعين على السٌلطة؛ فقدّم مساعدات مالية بقيمة ملايين الدولارات إلى الحركة، كما دشّن معسكرات تدريب لرفع كفاءة مقاتلي طالبان خلال عملياتهم العسكرية. وكذلك، شكّل مجرد وجود بن لادن في كنف طالبان حافزًا أمام أنصاره حول العالم لدعم الحركة بالمزيد من أموال الزكاة والصدقات، التي استعانت بها الحركة لشراء أسلحة متطورة، قبل أن تنجح في سبتمبر 1996 في السيطرة على كابل.

في دراسته "روايات جنود طالبان عن القاعدة في أفغانستان"، أجرى رحمة الله أميري، الباحث في الشأن الأفغاني، لقاءات عِدة مع عددٍ من كوادر طالبان. قال أحدهم: "علمونا (يقصد رجال القاعدة) كيف نقاتل".

وقال مقاتل آخر: "كان العرب يأتون إلينا لرؤية قادة طالبان، ويقضون وقتًا طويلاً في تدريب الجنود والمقاتلين.. كانوا يضعون الخطط لقادة طالبان المحليين ويقدّمون لهم المشورات الفنية".

يؤكد صادق الركابي في كتابه "الانتحار الجماعي" أن العلاقة بين الطرفين توثّقت عقب زواج أحد أبناء بن لادن من إحدى بنات الملا عُمر.

وبحسب ستريك، فإن المُلا عُمر لم ينسَ أبدًا لبن لادن دعمه له في التخلص من أعدائه الشماليين، وإنه في بداية عام 1997م كان يزور بن لادن باستمرار. لكن هذا لم يمنع ظهور بعض الخلافات على السطح: كان الملا عمر يأمل أن يساعد العرب حركته في عملية إعادة بناء البلاد عقب السيطرة على الحُكم، لكن بن لادن لم يكن مشغولاً ببناء دولة في أفغانستان بقدر اهتمامه بتنظيمه ومشروعه الحربي الخاص، لذا امتنع عن تمويل إعادة الإعمار.

تفاقمت تلك الخلافات بسبب رغبة قادة طالبان أن يخفّف بن لادن حدة هجماته ضد الغرب في وسائل الإعلام العالمية، وهو الطلب الذي رفضه زعيم القاعدة مِرارًا، بل تحدّاه في مايو 1998م حينما نظّم مؤتمرًا صحفيًّا أعلن فيه تشكيل "الجبهة الإسلامية للجهاد ضد اليهود والصليبيين"، وهي الخطوة التي أشعلت غضب قادة طالبان وعلى رأسهم المُلا عمر، الذي اعتبر أن أفاعيل بن لادن ستجلب على الأفغان نقمة العالم بأسره!

لكن مع ذلك، تمسّك المُلا عُمر بعدم التخلّي عن بن لادن وعارَض رأي بعض مستشاريه بضرورة تسليمه إلى السعودية. بل بلغ توطُّد العلاقة بين التنظيمين، في العام 1999، حدًّا استرعى انتباه المؤسسات الدولية، فتبنّى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراره رقم 1267، الذي أطلق حزمة عقوبات على القاعدة وطالبان وفرض قيودا صارمة على تمويلهما أو توريد الأسلحة لهما، وحذّر من "تعاون الشر" القائم بين الحركتين.

لم تعطّل هذه الإجراءات استمرار التعاون بين القاعدة وطالبان. فبعد صدور هذا القرار بعامٍ واحد، أعلن بن لادن مبايعته للملا عُمر زعيم تنظيم طالبان. وهو ما أكّد للعالم أن الرجلين يسيران في مركبٍ واحد، وأن طالبان لن تكفَّ عن حماية القاعدة فيما لن تتوقف القاعدة عن مساعدة طالبان في ترسيخ أقدامها في أفغانستان.

مثّلت هذه المساعدات جائزة كبرى لطالبان التي لم تكن قد نجحت في فرض سيطرتها على كامل أفغانستان بعد، وإنما بسطت سيطرتها على قرابة 90% من مساحة البلاد، بعدما ظلَّ جيب في الشمال متمردًا عليها بسبب رفض زعيمه أحمد شاه مسعود الاستسلام للحركة مشكلاً قوة عسكرية عُرفت بِاسم "التحالف الشمالي".

إزاء الرفض الدولي المتصاعد لطالبان، تزايد التعاطف العالمي مع "التحالف الشمالي"، وأصبح يشكل خطورة كبرى على النظام الطالباني. عرضت طالبان على مسعود السلام أكثر من مرة لكنه رفض. وحتى عندما نجحت في الاستيلاء على "مزار شريف"، أحد معاقل تحالف الشمال استمرّ مسعود رافعًا راية العصيان، وظلَّ رمزًا لرفض سيطرة الحركة على البلاد.

فجأة، اغتيل مسعود بشكلٍ غامض قبل يومين من وقوع أحداث 11 سبتمبر. وبالطبع فإن طالبان كانت المتهم الأول بقتله إلا أنها -وقتها- لم تكن تعترف بالعمليات الانتحارية وسيلة قتالية ولا تحبذ استخدامها. لذا فإن أغلب التحليلات رجّحت أن القاعدة نفّذت تلك العملية هدية لحليفتها.

يقول صادق الركابي في كتابه "الانتحار الجماعي": "خطّط لهذه العملية وأشرف عليها أيمن الظواهري وبعض رفاقه من الجهاد الإسلامي أحد أجنحة القاعدة، بعدما أرسل لمسعود جهاديين تنكّروا في زيِّ صحفيين يطمعون في إجراء مقابلة معه ثم قتلوه. تركت هذه العملية تحالف الشمال دون قائد وأزاحت آخر عقبة أمام سيطرة طالبان التامة على البلاد.

مثّلت هذه العملية دفعة كبيرة لمكانة القاعدة داخل طالبان، وأسكتت جناح الأقلية الذي كان يُنادي بالتخلي عن بن لادن. عقب وفاة مسعود دان الشمال لسيطرة طالبان. ووفقًا لدراسة "دور الدين والفكر والهوية في تحالف طالبان مع القاعدة في أفغانستان" لمحمد أيوب مرداد أستاذ العلاقات الدولية، فإنه بدون الدور الذي لعبته القاعدة، لم تكن طالبان لتستطيع مواصلة البقاء في السُلطة.

 

طالبان تعود إلى الحكم

 

بعد الاجتياح الأميركي لأفغانستان سنة 2001، تحولت حركة طالبان إلى حرب العصابات المسلحة، فيما غادر الكثير من قادة القاعدة البلاد بالتزامن مع لجوء زعيمي التنظيم، بن لادن والظواهري، إلى التواري عن الأنظار.

لكن الحركتين حافظتا على علاقتهما وبشكل علني حتى. أكد بن لادن بيعته للملا عمر أكثر من مرة. وبعد مقتله في 2011، جدد الظواهري البيعة لزعيم طالبان الملا عمر. وبعد موت الأخير، أعلن الظواهري بيعته لخلفه أختر منصور، ثم مجددا لهبة الله أخوند زاداه.

لكن في الأشهر الأخيرة التي سبقت اتفاق الدوحة، بدا أن طالبان تحاول، علنيا على الأقل، وضع مسافة مع القاعدة. وظل مسؤولوها يؤكدون أن القاعدة لم تعد تنشط في أفغانستان، قبل أن يتعهدوا في اتفاق الدوحة بضمان ألا تصبح أفغانستان منصة للجماعات الإرهابية من أجل استهداف أميركا وحلفائها.

رغم كل هذا، ظلت علاقة طالبان بالقاعدة إحدى علامات الاستفهام الكبرى. فالحركة اتخذت موقفًا عائمًا من إدانة القاعدة. فبعدما أكدت تسمكها باتفاق الدوحة وأنها لن تسمح لأي تنظيمات عسكرية باستخدام أراضيها لمهاجمة الغير، فإن ذبيح الله مجاهد المتحدث بِاسم طالبان أعلن عدم وجود أي دليل على تورُّط القاعدة في هجمات سبتمبر بالرغم من اعتراف قيادات القاعدة أنفسهم بتدبير تلك الهجمات وآخرهم أيمن الظواهري.

فقدت القاعدة أغلب قادة الصف الأول خلال عشر سنوات فقط.
النزيف يتواصل.. القاعدة فقدت أغلب قادة الصف الأول في 10 سنوات
لم تكن الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة لتنظيم القاعدة، عندما قتلت زعيمه ومؤسسه أسامة بن لادن في مايو 2011 ضربة عادية. فإضافة إلى أنها أطاحت برأس التنظيم، كانت العملية بداية النهاية لقادة التنظيم الذين قتل العشرات منهم خلال الأعوام الـ١١ الماضية.

وبحسب تعبير رحمة الله أميري، فطالما أن طالبان لم تُدِن القاعدة بشيء، فإنها لم تكن لتتخذ ضدها أي إجراءات ولن تلتزم بتعهداتها الدولية، وأبرزها اتفاقية الدوحة.

هذا الموقف غير الواضح دلَّ على أن طالبان لم تتخلّ عن حليفتها التاريخية. وفي مايو 2022 نشرت الأمم المتحدة تقريرًا أكدت فيه أن العلاقة بين القاعدة وطالبان "لا تزال وثيقة"، معتبرة أن عودة الحركة للسيطرة على حُكم أفغانستان منح القاعدة حرية التصرّف للعمل في البلاد من جديد.

وبحسب التقرير، فإن التنظيم جدّد مبايعته لهبة الله أخوند زاده الزعيم الحالي لحركة طالبان، والذي سمح للمئات من عناصر القاعدة بالانتشار في عددٍ من مقاطعات أفغانستان.

وبرغم نفي طالبان المستمر لإيوائها أي حركات إرهابية، فإن عملية اغتيال أيمن الظواهري، زعيم القاعدة، منذ أيام، في كابل تؤكد العكس تماما. فالرجل قتل في منزلٍ في العاصمة تعود ملكيته لأحد مساعدي سراج الدين حقاني وزير داخلية طالبان.

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".