ظهر المعتزلة في نهاية القرن الثاني الهجري بالتزامن مع نهاية الدولة الأموية، ووصلوا إلى أوج قوتهم في بداية الدولة العباسية.
ظهر المعتزلة في نهاية القرن الثاني الهجري بالتزامن مع نهاية الدولة الأموية، ووصلوا إلى أوج قوتهم في بداية الدولة العباسية.

عرفت الحضارة العربية الإسلامية ظهور العديد من الفرق المذهبية والعقائدية. كانت المعتزلة من ضمن تلك الفرق. تتحدث المصادر التاريخية عن نشأة المعتزلة على يد أحد تلاميذ الحسن البصري، وهو واصل بن عطاء المتوفى 131هـ. يذكر عبد الكريم الشهرستاني في كتابه "الملل والنحل" تلك القصة، فيقول: "دخل رجل على الحسن البصري، فقال: يا إمام الدين لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة وهم وعيدية الخوارج، وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان، بل العمل على مذهبهم ليس ركنًا من الإيمان، فلا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهم مرجئة الأمة، فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقادًا؟ ففكر الحسن في ذلك. وقبل أن يجيب، قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقًا ولا كافر مطلقًا، بل هو في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر، ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن، فقال الحسن: اعْتَزَلَنا واصل، فسمي هو وأصحابه المعتزلة".

اشتهر المعتزلة بتأويلهم للعديد من الآيات والأحاديث. وأكدوا أن العدل الإلهي هو الصفة الأهم لله. اعتمدوا كذلك على العقل وعدّوه طريقًا موازيًا للنص الشرعي. واصطدموا بأهل السنة -سواء كانوا من أهل الحديث (السلفية) أو الأشاعرة أو الماتريدية- فغلبوا أحيانًا وانهزموا أحيانًا أخرى.

حظي الفكر المعتزلي بمكانة مهمة في الذهنية الجمعية السائدة في الأوساط الثقافية المعاصرة. أعتاد المنادون بالإصلاح على النظر للمعتزلة بوصفهم الآباء الأوائل للتنوير والعقلانية. وردد الكثير من المفكرين الآراء المعتزلية القديمة باعتبارها أفكارا سابقة لعصرها. نلقي الضوء في هذا المقال على الوجه الآخر للمعتزلة، لنرى كيف سقط الكثير من علماء المعتزلة هم أيضا في فخ التكفير والتفسيق والتبديع، وكيف عمل بعض المعتزلة على البطش بالمعارضين.

 

الأصول الخمسة والتكفير

 

بنى المعتزلة رؤيتهم العقائدية على خمسة أصول وهي التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. يمكن القول إن تلك الأصول تسببت إلى حد بعيد في ميل المعتزلة لإقصاء الآخر الفكري، حتى وصل الأمر لتفسيقه وتكفيره في الكثير من الأحيان.

تسبب الأصل الثاني -العدل- في أن المعتزلة أعلوا كثيرًا من شأن العقل. قال المعتزلة: إن العقل قادر على تمييز الأشياء الحسنة والأشياء القبيحة. وذهبوا لما يُعرف بقاعدة التحسين والتقبيح العقليين، والتي تعني أن الأشياء تكون في ذاتها قبيحة أو حسنة، وأن العقل قادر على أن يميز القبح أو الحسن فيها بدون الرجوع للنص الشرعي. بنى المعتزلة على تلك القاعدة قولهم أن الثواب والعقاب الإلهيين مرتبطان –بالمقام الأول– بالعقل. فبه يعرف الناس الحق من الباطل، وبه يميزون ما فيه صلاحهم، وما يؤدي لفساد أحوالهم. وعلى الرغم مما في هذا الرأي من وجاهة، إلا أنه تسبب في قسوة أحكام المعتزلة على جميع من خالفهم عقائديًا. على سبيل المثال، قال الكثير من علماء المعتزلة أن أهل الفترة -ويُقصد بهم الأمم التي عاشت ولم ترسل لها الرسل– سوف يُعاقبون ويُحاسبون يوم القيامة لأن الحُجة قامت عليها بما مُنِحوا إياه من العقل. يقول المفسر المعتزلي جار الله الزمخشري، المتوفى 538هـ، في كتابه "الكشاف" في هذا المعنى: "… الحجة لازمة لهم – أي أهل الفترة – قبل بعثة الرسل؛ لأن معهم أدلة العقل التي بها يُعرف الله، وقد أغفلوا النظر وهم متمكنون منه …".

تسبب أصل العدل أيضًا في رفض المعتزلة لأحاديث شفاعة النبي. وضح القاضي عبد الجبار، المتوفى سنة 415ه، وهو من أشهر علماء المعتزلة على الإطلاق، ذلك في كتابه "متشابه القرآن" عند تناوله الآية الثامنة عشر من سورة غافر "مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ". يقول عبد الجبار: "إن الله تعالى بيّن في هذه الآية أن الظالم لا يشفع له النبي، وأن الشفاعة لا تكون إلا للمؤمنين لتحصل لهم مزية في التفضل وزيادة في الدرجات مع ما يحصل له صلى الله عليه وسلم من التعظيم والإكرام".

فيما يخص أصل المنزلة بين المنزلتين. نقل الشهرستاني عن واصل بن عطاء قوله: "...والفاسق لم يستكمل خصال الخير، ولا استحق اسم المدح، فلا يسمى مؤمنًا، وليس هو بكافر أيضًا؛ لأن الشهادة وسائر أعمال الخير موجودة فيه لا وجه لإنكارها، لكنه إذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير توبة؛ فهو من أهل النار خالدًا فيها؛ إذ ليس في الآخرة إلا فريقان: فريق في الجنة، وفريق في السعير؛ ولكنه تخفف عنه النار ... ". يتضح من ذلك أن المعتزلة أقروا بخلود مرتكب الكبيرة في النار. يتعارض ذلك مع الكثير من الآراء السنية التي تذكر أن مرتكب الكبيرة سوف يُعاقب في النار لفترة ثم يدخل الجنة في نهاية المطاف.

بالنسبة لأصل الوعد والوعيد. شرحه الشهرستاني بقوله: "واتفقوا -أي المعتزلة- على أن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة، استحق الثواب والعوض. والتفضل معنى آخر وراء الثواب. وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها، استحق الخلود في النار، لكن يكون عقابه أخف من عقاب الكفار، وسموا هذا النمط: وعدًا ووعيدًا". رفض المعتزلة إمكانية توبة الله على العبد الذي استحق النار، وقالوا: إن الوعيد المذكور في النص القرآني سوف يقع دون شك.

بيّن أبو الحسن الأشعري المتوفى، 324ه، أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند المعتزلة ودوره في إذكاء نيران التكفير عندهم. قال في كتابه "مقالات الإسلاميين" "قالت المعتزلة: إذا كنا جماعة، وكان الغالب عندنا أنا نكفي مخالفينا، عقدنا للإمام ونهضنا فقتلنا السلطان وأزلناه، وأخذنا الناس بالانقياد لقولنا وفي قولنا في القدر، وإلا قتلناهم". ببساطة، يقول المعتزلة هنا أنهم إذا رأوا في أنفسهم القدرة على الإطاحة بالحاكم، فإنهم سيقتلونه ويرغمون الناس على تبني أفكارهم وإلا فإنهم سيقتلونهم.

يؤكد جميع ما سبق أن الأصول العقائدية عند المعتزلة لعبت دورًا مهمًا في شحن الذهنية المعتزلية الجمعية بأفكار الإقصاء والتفسيق والتكفير. يشير الباحث علي بن عبد العزيز بن علي الشبل إلى ذلك في كتابه "الجذور التاريخية لحقيقة الغلو والتطرف والإرهاب والعنف"، بقوله: "إن الغلو والتطرف المذموم بحمل السلاح على المسلمين ووضع السيف فيهم ناشئ مبتدع، ظهر لدى الخوارج ثم طوره المعتزلة من خلال أصولهم الثلاثة: إنفاذ الوعيد. والمنزلة بين المنزلتين. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

يمكن رصد تلك الأفكار بسهولة في كتابات وممارسات العشرات من أعلام المعتزلة عبر القرون. على سبيل المثال يقول القاضي عبد الجبار في كتابه "شرح الأصول الخمسة": "وأما من خالف في العدل، وأضاف إلى الله تعالى القبائح كلها من الظلم، والكذب، وإظهار المعجزات على الكذابين، وتعذيب أطفال المشركين بذنوب آبائهم والإخلال بالواجب، فإنه يكفر أيضًا...".

تذكر المصادر التاريخية أن العديد من علماء المعتزلة قالوا بأن "حال المسلم المخالف لهم في الأصول الخمسة كحال اليهود والنصارى!". تتحدث الكتب المعتزلية أيضًا عن المتكلم المعتزلي محمد بن عمر الصيمري الذي كان يكفر البلدان الإسلامية: "كان مذهبه في الدار… أن الدار إذا غلب عليها الجبر والتشبيه، فهي دار كفر". في السياق نفسه، كان المعتزلي أبو موسى المردار يكفر من يقول برؤية الله في الآخرة، كما كفر كل من شك في كفرهم. وتوسع في أمر التكفير حتى كفر جميع من خالفه. أما المعتزلي أبو عمران الرقاشي فكفر كل من اتصل بالسلطان أو تلقى منه الهدايا والجوائز. بينما أجاز المتكلم المعتزلي هشام الفوطي قتل المخالفين للمعتزلة عن طريق الغدر والغيلة!

بالغ المعتزلة في استخدام سلاح التكفير حتى قام الكثير منهم بتكفير بعض أعلامهم، ومن هؤلاء كل من أبي الهذيل العلاف، وإبراهيم النظّام، وبشر بن المعتمر. علق المتكلم المعتزلي أبو حيان التوحيدي، المتوفى 414هـ، في كتابه "البصائر والذخائر" على ظاهرة التكفير التي استشرت في العقل المعتزلي، فقال: "وأرى المعتزلة في دهرنا يتسارعون إلى التكفير كتسارع الورد إلى المنهل، وما أدري ما يبعثهم على ذلك إلا سوء الرعة-الورع- وقلة المراقبة...".

 

محنة خلق القرآن

 

ظهر بطش المعتزلة بمخالفيهم في حادثتين تاريخيتين مشهورتين. وقعت الأولى في النصف الأول من القرن الثالث الهجري، فيما وقعت الحادثة الثانية في النصف الأول من القرن الخامس الهجري.

يُعدّ الاستقواء بالسلطة الحاكمة واستخدامها للقضاء على المعارضين القاسم المشترك للواقعتين. لم ير المعتزلة بأسًا في الاستعانة بالحاكم لفرض رأيهم على المجتمع. يقول الجاحظ، المتوفى 255، موضحًا ذلك المنهج في كتابه "رسالة في خلق القرآن": "...والنابتة (يقصد أهل الحديث ومن سيعرفون لاحقا بالسلفية) اليوم في التشبيه مع الرافضة، وهم دائبون في التألم من المعتزلة، غدرهم كثير، ونصبهم شديد، والعوام معهم، والحشو يعطيهم. الآن معك أمران: السلطان، وميلهم إليه، وخوفهم منه".

وقعت الحادثة الأولى سنة 218هـ. بعث الخليفة العباسي عبد الله المأمون في تلك السنة برسالة إلى نائبه في بغداد إسحاق بن إبراهيم، وأمره "اجْمَع من بحضرتك من القضاة واقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين إليك، فابدأ بامتحانهم فيما يقولون، وتكشيفهم عما يعتقدون في خلق القرآن وإحداثه، وأعلمهم أن أمير المؤمنين غير مستعين في عمله ولا واثق في من قلده واستحفظه من رعيته بمن لا يوثق بدينه، وخلوص توحيده ويقينه، فإذا أقرُّوا بذلك ووافقوا أمير المؤمنين فيه، وكانوا على سبيل الهدى والنجاة فمُرْهم بنص من يحضرهم من الشهود على الناس، ومسألتهم عن علمهم في القرآن، وترك شهادة من لم يقر أنه مخلوق محدث ولم يره، والامتناع عن توقيعها عنده، واكتب إلى أمير المؤمنين بما يأتيك عن قضاة أهل عملك في مسألتهم، والأمر لهم بمثل ذلك، ثم أشرف عليهم وتفقد آثارهم حتى لا تنفذ الله إلا بشهادة أهل البصائر في الدين، والإخلاص للتوحيد".

يذهب الكثير من الباحثين إلى أن المعتزلة مسؤولون مسؤولية كاملة عما وقع من اضطهاد وتعصب في تلك المحنة. كان كبار علماء المعتزلة من أمثال ثمامة بن الأشرس وأبو الهذيل العلاف والجاحظ وبشر المريسي وأحمد بن أبي دؤاد أحاطوا بالخليفة المأمون، فأثّروا عليه ودفعوه دفعًا للقول بخلق القرآن وبحمل الناس على هذا القول. يشهد على ذلك ما ذكره ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية": "استحوذ عليه -يقصد المأمون- جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل، وزينوا له القول بخلق القرآن، ونفي الصفات عن الله عز وجل".

حرض المعتزلة خلفاء بني العباس -المأمون والمعتصم بالله والواثق بالله- على تعقب أهل الحديث الرافضين للقول بخلق القرآن. وتعددت أوجه العقاب لتشمل الفصل من الوظائف القضائية، والمنع من التحديث، وقطع الأرزاق والأعطيات التي كانت تجريها الدولة عليهم، بالإضافة إلى بعض العقوبات البدنية كالحبس والجلد. تذكر المصادر التاريخية أن الكثير من العلماء السنة عانوا الأمرين في تلك المحنة. مات بعضهم في الحبس، ومنهم كل من أبي يعقوب البويطي، ومحمد بن نوح، ونعيم بن حماد الخزاعي. واُقتيد أحمد بن نصر الخزاعي لبلاط الخليفة الواثق بالله. وجرى امتحانه في مسألة خلق القرآن، فلما رفض القول بمقالة المعتزلة، قُتل على يد الخليفة، وعلّق رأسه منصوباً على مرأى من العامة، بحسب ما يذكر ابن جرير الطبري في كتابه "تاريخ الرسل والملوك".

كان أحمد بن حنبل أشهر من تعرض لأذى المعتزلة في تلك المحنة. يذكر أبو العرب التميمي، المتوفى 333ه، في كتاب "المحن" أن ابن حنبل ضُرب "سوطين شُق منهما خصريه وسالت أمعاؤه"!، وأن أحد الجلادين الذين شاركوا في تعذيبه، قال: "ضربت أحمد بن حنبل ثمانين سوطًا لو ضربته فيلاً لهدمته"!

وردت أخبار تحريض المعتزلة على تعذيب ابن حنبل في العديد من المصادر. ذكر ابن المرتضى في كتابه "طبقات المعتزلة" أن القاضي المعتزلي محمد بن سماعة قال للمعتصم لما قام بتعذيب أحمد بن حنبل: "يا أمير المؤمنين، هذا موقفٌ أدَّيت حقَّ الله فيه، وأرضيتَه به، فشكر الله لك ذلك". وتتحدث الروايات أيضا عن الدور المهم الذي لعبه المتكلم المعتزلي أحمد بن أبي دؤاد في إيذاء ابن حنبل عندما شجع المعتصم على ضربه، فقال: "إنك إن لم تضربه انكسر ناموس الخلافة"، كما شجعه على قتله والتخلص منه مرة أخرى، فقال له: "يا أمير المؤمنين، اقتله، هو ضال مضل".

 

عميد الملك الكندري واضطهاد الشافعية

 

وَضَح اضطهاد المعتزلة لمخالفيهم للمرة الثانية بالتزامن مع تأسيس الدولة السلجوقية. تولى المعتزلي عميد الملك الكندري، المتوفى 456هـ، الوزارة في تلك الفترة لاثنين من سلاطين الدولة السلجوقية، وهما طغرلبك وألب أرسلان على الترتيب.

يذكر شمس الدين الذهبي في كتابه "سيّر أعلام النبلاء" أن الكندري تحامل على الأشاعرة الشافعية الموجودين في المملكة "فكان يؤذي الشافعية، ويبالغ في الانتصار لمذهب أبي حنيفة". وكان المعتزلة يتبعون المذهب الفقهي الحنفي.

ذكر القزويني، المتوفى 682 هـ، أخبار ذلك الاضطهاد في كتابه "آثار البلاد وأخبار العباد". وتحدث عن المحنة التي أصابت الكثير من علماء السنة في تلك الفترة، فقال: "...وحكي أن الملك لما صار لطغرلبك السلجوقي واستوزر أبا نصر الكندري… أمرا بلعن جميع المذاهب يوم الجمعة على رؤوس المنابر. فعند ذلك فارق الأستاذ أبو القاسم -أبو القاسم القشيري المتوفى 465هـ- مملكة طغرلبك وقال: لا أقيم في أرض يُلعن بها المسلمون! وإمام الحرمين -أبو المعالي الجويني المتوفى 478هـ- أيضًا ذهب إلى أرض الحجاز…".

بقي اضطهاد الكندري لعلماء السنة قائمًا لفترة في دولة السلطان ألب أرسلان. عُزل الوزير المعتزلي بعدها من منصبه وأُعدم وتنفس السنة الصعداء بعد أن تولى الوزير الشافعي الأشعري نظام الملك الطوسي السلطة. يذكر الباحث المصري أحمد أمين في كتابه "ظهر الإسلام" الأثر العظيم الناجم عن البطش المعتزلي بالأشاعرة في حقبة وزارة الكندري، فيقول: "حكى بعضهم أن اضطهاد الأشاعرة في هذه الحادثة يشبه اضطهاد الأمويين للعلويين…".

 

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".