يحظى سيد قطب بتقدير واسع من قبل الجماعات المتطرفة في مختلف أنحاء العالم، خاصة تنظيم القاعدة.
يحظى سيد قطب بتقدير واسع من قبل الجماعات المتطرفة في مختلف أنحاء العالم، خاصة تنظيم القاعدة.

 عادت أفكار المفكر المصري سيد قطب إلى الواجهة من جديد، مثيرة الكثير من الجدل في الفترة الأخيرة. أثار الكاتب الصحفي والمؤلف والسيناريست بلال فضل الحديث مجددا عن قطب عندما قدم حلقة على قناته على يوتيوب بعنوان "هل كان سيد قطب إرهابيا؟ الحقيقة آه". أكد فضل أن القمع الذي مورس على نطاق واسع في الحقبة الناصرية تسبب في تحويل قطب من أديب وشاعر إلى إرهابي تكفيري من الطراز الأول. وأشار إلى أن أفكار قطب -كالجاهلية والاستعلاء واعتزال المجتمع والمفاصلة مع الأنظمة الحاكمة- كانت المصدر الذي انبثقت منه التنظيمات المتطرفة فيما بعد. استند فضل في طرحه لاثنين من أهم الباحثين الذين درسوا أفكار سيد قطب، وهما الكاتب الصحفي حلمي النمنم، والباحث الأكاديمي شريف يونس. كما احتكم فضل لعدد من النصوص الواردة في كتب قطب والتي ظهرت من خلالها أفكاره الراديكالية المتشددة.

أثارت حلقة فضل العديد من ردود الأفعال على ساحة مواقع التواصل الاجتماعي. فبينما وافق كثير، وأغلبهم من العلمانيين والليبراليين، فضل في أطروحته، فإن الأغلبية الغالبة من الإسلاميين رفضتها واتهمتها صاحبها بالتعسف. الداعية عصام تليمة -المقرب من جماعة الإخوان المسلمين- رد على بلال فضل على قناته على اليوتيوب بحلقة هو الآخر بعنوان "ردًا على بلال فضل… سيد قطب ليس إرهابيًا". طالب تليمة بالالتفات إلى "طبيعة قطب الأدبية" قبل الحكم على أفكاره. وذكر أن مصطلح الإرهاب ورد في القرآن في سياق المدح، وأن من اتهموا قطب بالإرهاب لم يضعوا تعريفا محددًا له. وحسب تليمة، فإن كل ما قيل عن دور سيد قطب في تنظيم 1965 لُفق بواسطة أعدائه الذين حاكموه وأعدموه! وأضاف الداعية المصري أن استخدام قطب لمصطلح الجاهلية لم يأت بمعنى الجاهلية الكاملة التي سبقت الإسلام، ولكنه قصد به بعض الأفكار التي تتعارض مع روح الإسلام.

نلقي الضوء في هذا المقال على أفكار سيد قطب التي استمر تأثيرها قائمًا رغم انقضاء ما يزيد عن النصف قرن عن وفاة صاحبها. لنعرف كيف قُيمت تلك الأفكار من جانب المؤيدين والمعارضين.

 

من هو سيد قطب؟

 

ولد سيد قطب في إحدى قرى محافظة أسيوط عام 1906م، وانتقل مع أهله إلى القاهرة في سن مبكرة. أكمل قطب مراحل تعليمه الابتدائية والثانوية ثم التحق بكلية دار العلوم. عقب تخرجه من الجامعة قدم قطب نفسه للأوساط الثقافية في مصر بصفته ناقدا أدبيا في أربعينيات القرن العشرين، بعدما نشر كتابيه "كتب وشخصيات" و"النقد الأدبي: أصوله ومناهجه". كان قطب كذلك أول من لفت الأنظار إلى الروائي نجيب محفوظ الذي قدم رواياته الأولى في تلك الفترة.

في سنة 1948، سافر قطب إلى الولايات المتحدة الأميركية بمنحة دراسية قدمتها له الحكومة المصرية، ورجع من أميركا بعد سنتين. رغم قصر تلك الفترة إلا أنها أثرت كثيرًا في أفكار قطب، استاء الأديب المصري مما اعتبره النزعة الرأسمالية الغالبة على الأميركيين، وأعلن هذا الاستياء في مجموعة كبيرة من المقالات التي نشرها تباعا في مجلة "الرسالة" والتي انتقد فيها ما رآه غيابا للقيم الأخلاقية والدينية في المجتمع الأميركي.

سيد قطب في قفص الاتهام خلال المحاكمة التي انتهت بإعدامه عام 1966.

بعد رجوعه إلى مصر، انضم قطب لحزب الوفد، ثم تركه لينضم إلى حزب السعديين. وفي 1945م نشر سيد قطب مجموعة من المقالات التي هاجم فيها جميع الأحزاب السياسية على حد سواء. بعدها تعرف على حركة الضباط الأحرار، وعُرف بأنه المدني الوحيد في مجلس قيادة الثورة. أدت الخلافات المتزايدة التي وقعت بين قطب وقادة الثورة إلى قربه من جماعة الإخوان المسلمين. التحق قطب بالجماعة بشكل رسمي في سنة 1953م وترأس مجلتها الصحفية لينشر عشرات المقالات التي هاجمت الضباط الأحرار. اتهم قطب بالمشاركة في التخطيط لاغتيال جمال عبد الناصر في 1954م وحكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عامًا، ولكن أُفرج عنه سنة 1964م. بعد سنة واحدة فحسب قُبض على سيد قطب للمرة الثانية ووجهت له تهمة إنشاء تنظيم يهدف إلى قلب نظام الحكم وتدبير عمليات إرهابية ضد بعض الشخصيات القيادية وتدمير عدد من المنشآت العامة. صدر ضده حكم بالإعدام، ونفذ في 29 أغسطس 1966م.

 

أفكار مثيرة للجدل

 

صنف سيد قطب العشرات من الكتب. تنوعت بين النقد الأدبي والرواية والشعر والسياسة والشأن العام والدين. يمكن القول إن أكثر كتب قطب إثارة للجدل والنقاش كانت تلك التي ألفها أو أعاد كتابتها في المرحلة الأخيرة من حياته أثناء اعتقاله في مستشفى سجن ليمان طرة. هذه الكتب هي "في ظلال القرآن"، و"معالم في الطريق".

ظهرت في الكتابين أفكار قطب الصدامية التي اعتمدتها الكثير من الحركات الجهادية فيما بعد. على سبيل المثال، يحضر مفهوم الجاهلية كأحد المفاهيم المهمة في الخطاب القطبي. يذكر قطب في كتابه "في ظلال القرآن" بعد أن تحدث عن قصة فرعون مع بني إسرائيل "وهذه التجربة التي يعرضها الله على العصبة المؤمنة ليكون لها فيها أسوة، ليست خاصة ببني إسرائيل، فهي تجربة إيمانية خالصة. وقد يجد المؤمنون أنفسهم ذات يوم مطاردين في المجتمع الجاهلي، وقد عمت الفتنة وتجبر الطاغوت، وفسد الناس، وانتنت البيئة - وكذلك كان الحال على عهد فرعون في هذه الفترة - وهنا يرشدهم الله إلى أمور: اعتزال الجاهلية بنتنها وفسادها وشرها - ما أمكن في ذلك - وتجمع العصبة المؤمنة الخيرة النظيفة على نفسها، لتطهرها وتزكيها، وتدربها وتنظمها، حتى يأتي وعد الله لها. اعتزال معابد الجاهلية واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد. تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي؛ وتزاول فيها عبادتها لربها على نهج صحيح؛ وتزاول بالعبادة ذاتها نوعاً من التنظيم في جو العبادة الطهور". تظهر الفكرة مرة أخرى في موضع آخر من الكتاب، وهو ذلك الذي يؤكد فيه قطب "إنه ليست على وجه الأرض دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي".

في كتابه الأشهر "معالم في الطريق"، يرفع قطب راية الصدام مع جميع الأنظمة السياسية الحاكمة، ويصفها بأنها جميعا من الطاغوت، فيقول: "إنَّ الأرض لله، ويجب أن تخلص لله، ولا تخلص لله إلَا أن ترتفع عليها راية لا إله إلّا الله، وليس الطريق أن يتحرَّر النّاس في هذه الأرض من طاغوت روماني أو فارسي إلى طاغوت عربي، فالطاغوت كلّه طاغوت...". في السياق نفسه، يستعيد قطب المفاهيم الفقهية التقليدية التي اعتادت أن تقسم العالم لفسطاطين/ معسكرين متمايزين. وينفي صفة الإسلام عن جميع الدول الإسلامية التي لا تطبق الشريعة، فيقول منظرًا لمبدأ الحاكمية "إنَّ هناك داراً واحدة هي دار الإسلام، تلك التي تقوم فيها الدولة المسلمة، فتهيمن عليها شريعة الله، وتُقام فيها حدوده، ويتولَّى المسلمون فيها بعضهم بعضًا، وما عداها فهي دار حرب، علاقة المسلم بها إمَّا القتال، وإمَّا المهادنة على عهد الأمان، ولكنَّها ليست دار إسلام، ولا ولاء بين أهلها وبين المسلمين".

 

بين النقد والدفاع

 

أثارت أفكار قطب عاصفة من الجدل في الأوساط الإسلامية والثقافية على حد سواء. رأى الكثيرون، بين أنها قدمت الغطاء الفكري للإرهاب والتطرف والعنف، فيما دافع عنها آخرون بوصفها اجتهادا فكريا يؤخذ منه ويرد.

يذكر المفكر المصري محمد عمارة أن الشيخ محمد الغزالي كان أول من انتقد مفهوم الحاكمية عند سيد قطب عندما أكد أن "الحاكمية كلمة دخيلة، فإذا كان لا حكم إلا لله، فهي كلمة حق أريد بها باطل". بحسب ما يذكر عمارة، فإن الغزالي أرجع خطأ قطب، فيما كتبه عن الحاكمية، إلى سببين رئيسين. أولهما: الظلم الذي وقع عليه من قبل نظام جمال عبد الناصر. الأمر الذي جعله "ينفرد برأي أملته عليه ظروف المحنة التي وقع فيها…".  والسبب الثاني: "أن قطب من الناحية الفقهية كان ضحلًا، ليس متعمقًا أو جامعًا لما لا بد منه من الأحكام الفقهية، ولذلك يقول كلامًا يستحيل أن يقبله الفقهاء… ولذلك غلبت عليه عاطفة اعتزال المجتمع وضرب الحاكم".

رد الأزهر على الأفكار التي أوردها قطب في كتاب المعالم بتقرير تفصيلي طويل كتبه الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي، رئيس لجنة الفتوى. جاء في هذا التقرير "لأول نظرة في الكتاب يدرك القارئ أن موضوعه: دعوة إلى الإسلام، ولكن أسلوبه أسلوب استفزازي، يفاجأ القارئ بما يهيّج مشاعره الدينيّة، وخاصة إذا كان من الشباب، أو البسطاء، الذين يندفعون في غير رؤية إلى دعوة الداعي باسم الدين، ويتقبّلون ما يوحى إليهم من أحداث، ويحسبون أنها دعوة الحق الخالصة لوجه الله، وأن الأخذ بها سبيل إلى الجنة".

في سياق آخر، أوضح الكاتب جمال قنديل في كتابه "سيد قطب: رمز الشموخ في زمن الانكسار" تأثير أفكار قطب في التنظيمات الجهادية المعاصرة، فذكر أن تنظيم "داعش" نشر عدة مقالات تؤكد على سير التنظيم على خطى سيد قطب. من ذلك مقالة تحت عنوان "انتصارات الدولة الإسلامية.. معالم في الطريق". أيضًا اعترف أمير "جبهة النصرة"، أبو محمد الجولاني، في 2015 بتدريسهم كتب سيد قطب، لعناصر التنظيم. الأمر نفسه ظهر فيما كتبه الأمير السابق لتنظيم القاعدة أيمن الظواهري، في كتابه "الوصية الأخيرة" عندما ذكر أن قطب "أكد مدى أهمية قضية التوحيد في الإسلام وأن المعركة بين الإسلام وأعدائه هي في الأصل معركة عقائدية حول قضية التوحيد، أو حول من يكون الحكم والسلطان".

على الجهة المقابلة، دافع الكثير من الإسلاميين عن قطب وأكدوا أن منتقديه اختزلوا خطابه في بعض النقاط، وأنهم لم يحسنوا فهم أفكاره. على سبيل المثال يذكر المفكر الإسلامي سالم البهنساوي في كتابه "الحكم وقضية تكفير المسلم" أن سيد قطب "لا يحكم على المسلمين في عصرنا بالكفر لمجرد أن الحاكم قد حكمهم بغير ما أنزل الله، فهو لا يفترض أنهم يرضون هذا، بل يوضح أن الكفر يتحقق فقط بالنسبة لمن لا يرضي بحكم الله ورسوله منهم أو من يتولى عنه، ويرفض قبوله، مفضلًا عليه حكم الجاهلية الحديثة. وعبارة "من لا يرضى بحكم الله، أو من يتولى ويرفض قبوله" لا تحتمل التأويلات فأقواله هذه صريحة في أنه لا يقول بكفر الشعوب المسلمة، إلا إن عارضت حكم الله أو تركته واحتكمت مختارة إلى غيره، لأن عدم الرضا لا يتواجد ولا يتحقق إلا بهذين الأمرين: "المعارضة الصريحة لحكم الله، أو المعارضة الضمنية بالاحتكام إلى حكم آخر…".

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".