صدرت رواية "آيات شيطانية" عام 1988، وتسببت في ردود أفعال غاضبة في الكثير من البلدان. الإسلامية
صدرت رواية "آيات شيطانية" عام 1988، وتسببت في ردود أفعال غاضبة في الكثير من البلدان. الإسلامية

تعرض الكاتب البريطاني-الهندي سلمان رشدي، لمحاولة اغتيال، الجمعة، أثناء استعداده لإلقاء محاضرة في غرب نيويورك بالولايات المتحدة.

وذكرت وكالات الأنباء العالمية أن رشدي تلقى عددا كبيرا من الطعنات، وأنه نُقل إلى المستشفى ليخضع للعناية الطبية المركزة.

أعاد ذلك الحادث الجدل حول رشدي وكتابه الأشهر آيات شيطانية إلى الواجهة. خصوصًا وأن الكتاب تسبب في تهديد حياة صاحبه لما يزيد عن الثلاثة عقود.

نلقي الضوء في هذا المقال على رشدي وكتابه المثير للجدل، كما نستعرض الرأي التراثي حول الآيات التي قصدها رشدي في كتابه.

 

من هو سلمان رشدي؟

ولد في مومباي بالهند في التاسع عشر من يونيو سنة 1947. ورحل في صغره إلى إنجلترا وتلقى تعليمه الأولي، وحصل سنة 1968 على درجة الماجستير في التاريخ من جامعة كامبريدج.

في العقد الثالث من عمره، نشر رشدي روايته الأولى سنة 1975. بعدها ببضعة سنوات، نشر روايته الثانية "أطفال منتصف الليل"، التي حققت نجاحا كبيرا في الأوساط الأدبية، وفازت بجائزة البوكر سنة 1981.

ألف رشدي بعد ذلك العديد من الروايات الناجحة، التي تباين الاهتمام بها في إنجلترا والعالم الغربي. وكُرم من جانب العديد من الدول الأوروبية، كما نال وسام الفنون والآداب الفرنسي سنة 1999، ومنحته الملكة إليزابيث الثانية لقب "فارس" سنة 2007.

 

"آيات شيطانية"

تُعدّ تلك الرواية أشهر أعمال سلمان رشدي على الإطلاق، وذلك بسبب الجدل الذي أثارته في الأوساط الإسلامية حول العالم.

و"آيات شيطانية" هي رابع أعمال رشدي الروائية. صدرت في لندن سنة 1988، وهي رواية خيالية تتألف من تسعة فصول.

الشخصيتان الرئيستان في الرواية هما صلاح الدين جمجمة الهندي الذي يعيش في إنجلترا ويحاول أن ينسجم مع المجتمع الإنجليزي حتى لو كلفه ذلك نسيان جذوره، وجبريل فرشته الذي يعمل كممثل في الهند، وتخصص في أداء أدوار الآلهة الهندوسية.

تحكي الرواية أن الأقدار جمعت بين الرجلين عندما جلسا على مقعدين متجاورين في الطائرة المسافرة من بومبي إلى لندن.

وتبدأ بتخيل وقوع حادث إرهابي في الطائرة، فيموت جميع ركابها وينجو اثنان فقط. الأول وهو فرشته الذي يرمز إلى الملاك جبريل، والآخر وهو جمجمة الذي يرمز إلى الشيطان.

اعتمد رشدي في كتابه على بعض الروايات التراثية التي تذكر أن الشيطان تمكن ذات مرة من خداع النبي محمد، فقرأ النبي كلمات إبليس وهو يظن أنها من كلام الله.

وعمل على مناقشة الكثير من المواضيع المتصلة بالدين والغيبيات في روايته، كما نزع هالة القداسة عن المجتمع الإسلامي المبكر، الأمر الذي عدّه الكثيرون استخفافًا وسخرية من الدين الإسلامي ورموزه.

         

الجدل حول الرواية

أثارت الرواية ردود أفعال غاضبة واسعة النطاق، وبعث متشددون برسائل تهديد لرشدي ولدار النشر التي أصدرت الرواية. ومُنع الكتاب من التداول في أغلبية الدول الإسلامية، كما خرجت عشرات المظاهرات للتنديد به في كل من الهند والباكستان وبنغلاديش وإيران والسودان، وأُحرق عدد كبير من الكتب في إنجلترا من قِبل المسلمين المحتجين.

وتمثلت أشهر ردود الأفعال الغاضبة في الفتوى الصادرة عن رجل الدين الشيعي آية الله الخميني - المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران حينذاك- في فبراير سنة 1989.

أهدر الخميني دم رشدي بصفته "مرتدًا عن الدين الإسلامي"، وقال في فتواه التي نقلها راديو طهران "إنني أبلغ جميع المسلمين في العالم بأن مؤلف الكتاب المعنون (الآيات الشيطانية) الذي ألف وطبع ونشر ضد الإسلام والنبي والقرآن، وكذلك ناشري الكتاب الواعين بمحتوياته قد حكموا بالموت، وعلى جميع المسلمين تنفيذ ذلك أينما وجدوهم؛ كي لا يجرؤ أحد بعد ذلك على إهانة الإسلام، ومن يُقتل في هذا الطريق فهو شهيد".

تجاوبت بعض المؤسسات الدينية الإيرانية مع فتوى الخميني عندما أعلنت عن وضع جائزة مالية كبرى لقتل رشدي، وفي سنة 2012 تم الإعلان عن زيادة قيمة الجائزة لتصل إلى 3.3 مليون دولار.

تعرض رشدي لمحاولة اغتيال شهيرة في أغسطس 1989 من جانب أحد عناصر حزب الله اللبناني.، فشلت بعدما أنفجر الكتاب المفخخ في صاحبه قبل أن يصل ليد رشدي.

وأدت تلك الحادثة لتعيين حراسة مشددة على رشدي، كما ألجأته لتغيير اسمه للتواري عن الأنظار، فاختار اسم جوزيف أنطوان -مزيج بين اسم الأديب البولندي جوزيف كونراد والأديب الروسي أنطوان تشيخوف- اسمًا بديلًا لاسمه الأصلي في محاولة للتخفي عن أعين الملاحقين له. 

لم تكن فتوى الخميني الوحيدة ضد رشدي، إذ أصدرت الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بمكة بيانًا حول موقفها من الرواية المثيرة للجدل.

وجاء فيه: "يعلن المجلس أن هذا الرجل بعمله هذا، يعتبر مرتدا عن الإسلام، الذي نشأ في ظله، وأنه يستحق أن يطبق عليه ما تنص عليه الشريعة الإسلامية. وتجب ملاحقة هذا الشخص بدعوى قضائية جزائية تقام عليه، وعلى دار النشر التي نشرت له هذه الرواية، في المحاكم المختصة في بريطانيا".

لم يصرح البيان بالعمل على قتل رشدي بل طالب بملاحقته قانونيًا في إنجلترا وفي كافة الدول الإسلامية.

من جهة أخرى، رد المفكرون المسلمون على رشدي من خلال تأليف عدد كبير من الكتب التي انتقدوا فيها ما ورد في الرواية المثيرة للجدل.

من أشهر تلك الكتب كتاب "شيطانية الآيات الشيطانية وكيف خدع سلمان رشدي الغرب"، الذي نُشر سنة 1990 من تأليف الداعية الإسلامي أحمد ديدات الذي اشتهر بمناظراته للدفاع عن الإسلام.

 

في ميزان العلماء والفقهاء

بنى رشدي روايته على واحدة من الروايات الشهيرة الواردة في كتب التراث الإسلامي. تأتي تلك الرواية في سياق تفسير الآية الثانية والخمسين من سورة الحج "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ".

يذكر ابن جرير الطبري في تفسيره لتلك الآية "قيل، إن السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية على رسول الله، أن الشيطان كان ألقي على لسانه في بعض ما يتلوه مما أنزل الله عليه من القرآن ما لم ينـزله الله عليه، فاشتدّ ذلك على رسول الله واغتمَّ به، فسلاه الله مما به من ذلك بهذه الآيات".

تذكر المصادر الإسلامية أن النبي كان يقرأ القرآن أمام الكعبة ذات يوم، وأن المشركين أحاطوا به ليسمعوا ما يقول.

"قرأ النبي سورة النجم ولما وصل للآية التاسعة عشر من السورة (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى)، فألقى الشيطان في روعه أن يكمل قائلًا: (تلك الغرانيق -يقصد الأصنام- العلى. وإن شفاعتهنّ لترتجى".

تؤكد المصادر أن المشركين سمعوا النبي وهو يقرأ تلك الكلمات، فظنوا أنه يوافقهم في تقديسهم للأصنام. فلما رأوه يسجد في آخر السورة سجدوا معه جميعًا. وتناقل الناس هذا الخبر حتى وصل لبعض المسلمين الذين هاجروا للحبشة، فرجع فريق منهم عندها إلى مكة.

وردت تلك الرواية بطرق مختلفة في بعض كتب الحديث. ففي صحيح البخاري مثلًا نُقل على لسان الصحابي عبد الله بن العباس "أنَّ النبيَّ سَجَدَ بالنَّجْمِ، وسَجَدَ معهُ المُسْلِمُونَ والمُشْرِكُونَ والجِنُّ والإِنْسُ"، لكنها لم تذكر الرواية شيئا عن الغرانيق أو إلقاء الشيطان للكلمات في روع النبي، ولكنها بالمقابل لم تفسر السبب الذي دعا المشركين للسجود.

اختلف رأي العلماء والفقهاء في الحكم على قصة الغرانيق. ذهب بعضهم إلى ثبوتها بعدما حسنّوا الأسانيد الخاصة بها.  من هؤلاء ابن حجر العسقلاني في كتابه "فتح الباري بشرح صحيح البخاري".

يقول العسقلاني: "الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلًا وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو قوله ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترتجى فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنه يستحيل عليه -أي النبي- أن يزيد في القرآن عمدًا ما ليس منه وكذا سهوا إذا كان مغايرًا لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته…".

في المقابل، حكم العديد من العلماء ببطلان تلك القصة بسبب تعارضها مع الاعتقاد بعصمة النبي في أمور الدعوة والتبليغ.

كان بينهم، ابن خزيمة وأبو بكر بن العربي وفخر الدين الرازي. على سبيل المثال يقول الرازي منتقدًا تلك الرواية في كتابه مفاتيح الغيب "هذا رواية عامة المفسرين الظاهريين، أما أهل التحقيق فقد قالوا هذه الرواية باطلة موضوعة واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول...".

وذهب عالم الحديث المعاصر ناصر الدين الألباني إلى الرأي نفسه، حيث استعرض الروايات الواردة في تلك القصة في كتابه "نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق".

وأكد بعدها أن جميع تلك الروايات "مُعَلَّة بالإرسال والضّعف والجَهالة، فليس فيها ما يصلُح للاحتجاج به، لا سيّما في مثل هذا الأمر الخطير"، مضيفاً "ومما يؤكد ضَعفها بل بطلانها، ما فيها من الاختلاف والنّكارة مما لا يليق بمقام النبوة والرسالة".

حاول بعض العلماء أن يجدوا تخريجًا مناسبًا لتلك القصة، من هؤلاء ابن كثير الدمشقي الذي ذكر في تفسيره، أن ":الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك، فتوهموا أنه صدر عن رسول الله، وليس كذلك في نفس الأمر، بل إنما كان من صنيع الشيطان لا من رسول الرحمن، والله أعلم"، على حد قوله.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".