تعرض الكاتب البريطاني-الهندي سلمان رشدي، لمحاولة اغتيال، الجمعة، أثناء استعداده لإلقاء محاضرة في غرب نيويورك بالولايات المتحدة.
وذكرت وكالات الأنباء العالمية أن رشدي تلقى عددا كبيرا من الطعنات، وأنه نُقل إلى المستشفى ليخضع للعناية الطبية المركزة.
أعاد ذلك الحادث الجدل حول رشدي وكتابه الأشهر آيات شيطانية إلى الواجهة. خصوصًا وأن الكتاب تسبب في تهديد حياة صاحبه لما يزيد عن الثلاثة عقود.
نلقي الضوء في هذا المقال على رشدي وكتابه المثير للجدل، كما نستعرض الرأي التراثي حول الآيات التي قصدها رشدي في كتابه.
من هو سلمان رشدي؟
ولد في مومباي بالهند في التاسع عشر من يونيو سنة 1947. ورحل في صغره إلى إنجلترا وتلقى تعليمه الأولي، وحصل سنة 1968 على درجة الماجستير في التاريخ من جامعة كامبريدج.
في العقد الثالث من عمره، نشر رشدي روايته الأولى سنة 1975. بعدها ببضعة سنوات، نشر روايته الثانية "أطفال منتصف الليل"، التي حققت نجاحا كبيرا في الأوساط الأدبية، وفازت بجائزة البوكر سنة 1981.
ألف رشدي بعد ذلك العديد من الروايات الناجحة، التي تباين الاهتمام بها في إنجلترا والعالم الغربي. وكُرم من جانب العديد من الدول الأوروبية، كما نال وسام الفنون والآداب الفرنسي سنة 1999، ومنحته الملكة إليزابيث الثانية لقب "فارس" سنة 2007.
"آيات شيطانية"
تُعدّ تلك الرواية أشهر أعمال سلمان رشدي على الإطلاق، وذلك بسبب الجدل الذي أثارته في الأوساط الإسلامية حول العالم.
و"آيات شيطانية" هي رابع أعمال رشدي الروائية. صدرت في لندن سنة 1988، وهي رواية خيالية تتألف من تسعة فصول.
الشخصيتان الرئيستان في الرواية هما صلاح الدين جمجمة الهندي الذي يعيش في إنجلترا ويحاول أن ينسجم مع المجتمع الإنجليزي حتى لو كلفه ذلك نسيان جذوره، وجبريل فرشته الذي يعمل كممثل في الهند، وتخصص في أداء أدوار الآلهة الهندوسية.
تحكي الرواية أن الأقدار جمعت بين الرجلين عندما جلسا على مقعدين متجاورين في الطائرة المسافرة من بومبي إلى لندن.
وتبدأ بتخيل وقوع حادث إرهابي في الطائرة، فيموت جميع ركابها وينجو اثنان فقط. الأول وهو فرشته الذي يرمز إلى الملاك جبريل، والآخر وهو جمجمة الذي يرمز إلى الشيطان.
اعتمد رشدي في كتابه على بعض الروايات التراثية التي تذكر أن الشيطان تمكن ذات مرة من خداع النبي محمد، فقرأ النبي كلمات إبليس وهو يظن أنها من كلام الله.
وعمل على مناقشة الكثير من المواضيع المتصلة بالدين والغيبيات في روايته، كما نزع هالة القداسة عن المجتمع الإسلامي المبكر، الأمر الذي عدّه الكثيرون استخفافًا وسخرية من الدين الإسلامي ورموزه.
الجدل حول الرواية
أثارت الرواية ردود أفعال غاضبة واسعة النطاق، وبعث متشددون برسائل تهديد لرشدي ولدار النشر التي أصدرت الرواية. ومُنع الكتاب من التداول في أغلبية الدول الإسلامية، كما خرجت عشرات المظاهرات للتنديد به في كل من الهند والباكستان وبنغلاديش وإيران والسودان، وأُحرق عدد كبير من الكتب في إنجلترا من قِبل المسلمين المحتجين.
وتمثلت أشهر ردود الأفعال الغاضبة في الفتوى الصادرة عن رجل الدين الشيعي آية الله الخميني - المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران حينذاك- في فبراير سنة 1989.
أهدر الخميني دم رشدي بصفته "مرتدًا عن الدين الإسلامي"، وقال في فتواه التي نقلها راديو طهران "إنني أبلغ جميع المسلمين في العالم بأن مؤلف الكتاب المعنون (الآيات الشيطانية) الذي ألف وطبع ونشر ضد الإسلام والنبي والقرآن، وكذلك ناشري الكتاب الواعين بمحتوياته قد حكموا بالموت، وعلى جميع المسلمين تنفيذ ذلك أينما وجدوهم؛ كي لا يجرؤ أحد بعد ذلك على إهانة الإسلام، ومن يُقتل في هذا الطريق فهو شهيد".
تجاوبت بعض المؤسسات الدينية الإيرانية مع فتوى الخميني عندما أعلنت عن وضع جائزة مالية كبرى لقتل رشدي، وفي سنة 2012 تم الإعلان عن زيادة قيمة الجائزة لتصل إلى 3.3 مليون دولار.
تعرض رشدي لمحاولة اغتيال شهيرة في أغسطس 1989 من جانب أحد عناصر حزب الله اللبناني.، فشلت بعدما أنفجر الكتاب المفخخ في صاحبه قبل أن يصل ليد رشدي.
وأدت تلك الحادثة لتعيين حراسة مشددة على رشدي، كما ألجأته لتغيير اسمه للتواري عن الأنظار، فاختار اسم جوزيف أنطوان -مزيج بين اسم الأديب البولندي جوزيف كونراد والأديب الروسي أنطوان تشيخوف- اسمًا بديلًا لاسمه الأصلي في محاولة للتخفي عن أعين الملاحقين له.
لم تكن فتوى الخميني الوحيدة ضد رشدي، إذ أصدرت الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي بمكة بيانًا حول موقفها من الرواية المثيرة للجدل.
وجاء فيه: "يعلن المجلس أن هذا الرجل بعمله هذا، يعتبر مرتدا عن الإسلام، الذي نشأ في ظله، وأنه يستحق أن يطبق عليه ما تنص عليه الشريعة الإسلامية. وتجب ملاحقة هذا الشخص بدعوى قضائية جزائية تقام عليه، وعلى دار النشر التي نشرت له هذه الرواية، في المحاكم المختصة في بريطانيا".
لم يصرح البيان بالعمل على قتل رشدي بل طالب بملاحقته قانونيًا في إنجلترا وفي كافة الدول الإسلامية.
من جهة أخرى، رد المفكرون المسلمون على رشدي من خلال تأليف عدد كبير من الكتب التي انتقدوا فيها ما ورد في الرواية المثيرة للجدل.
من أشهر تلك الكتب كتاب "شيطانية الآيات الشيطانية وكيف خدع سلمان رشدي الغرب"، الذي نُشر سنة 1990 من تأليف الداعية الإسلامي أحمد ديدات الذي اشتهر بمناظراته للدفاع عن الإسلام.
في ميزان العلماء والفقهاء
بنى رشدي روايته على واحدة من الروايات الشهيرة الواردة في كتب التراث الإسلامي. تأتي تلك الرواية في سياق تفسير الآية الثانية والخمسين من سورة الحج "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ".
يذكر ابن جرير الطبري في تفسيره لتلك الآية "قيل، إن السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية على رسول الله، أن الشيطان كان ألقي على لسانه في بعض ما يتلوه مما أنزل الله عليه من القرآن ما لم ينـزله الله عليه، فاشتدّ ذلك على رسول الله واغتمَّ به، فسلاه الله مما به من ذلك بهذه الآيات".
تذكر المصادر الإسلامية أن النبي كان يقرأ القرآن أمام الكعبة ذات يوم، وأن المشركين أحاطوا به ليسمعوا ما يقول.
"قرأ النبي سورة النجم ولما وصل للآية التاسعة عشر من السورة (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى)، فألقى الشيطان في روعه أن يكمل قائلًا: (تلك الغرانيق -يقصد الأصنام- العلى. وإن شفاعتهنّ لترتجى".
تؤكد المصادر أن المشركين سمعوا النبي وهو يقرأ تلك الكلمات، فظنوا أنه يوافقهم في تقديسهم للأصنام. فلما رأوه يسجد في آخر السورة سجدوا معه جميعًا. وتناقل الناس هذا الخبر حتى وصل لبعض المسلمين الذين هاجروا للحبشة، فرجع فريق منهم عندها إلى مكة.
وردت تلك الرواية بطرق مختلفة في بعض كتب الحديث. ففي صحيح البخاري مثلًا نُقل على لسان الصحابي عبد الله بن العباس "أنَّ النبيَّ سَجَدَ بالنَّجْمِ، وسَجَدَ معهُ المُسْلِمُونَ والمُشْرِكُونَ والجِنُّ والإِنْسُ"، لكنها لم تذكر الرواية شيئا عن الغرانيق أو إلقاء الشيطان للكلمات في روع النبي، ولكنها بالمقابل لم تفسر السبب الذي دعا المشركين للسجود.
اختلف رأي العلماء والفقهاء في الحكم على قصة الغرانيق. ذهب بعضهم إلى ثبوتها بعدما حسنّوا الأسانيد الخاصة بها. من هؤلاء ابن حجر العسقلاني في كتابه "فتح الباري بشرح صحيح البخاري".
يقول العسقلاني: "الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلًا وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو قوله ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن لترتجى فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنه يستحيل عليه -أي النبي- أن يزيد في القرآن عمدًا ما ليس منه وكذا سهوا إذا كان مغايرًا لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته…".
في المقابل، حكم العديد من العلماء ببطلان تلك القصة بسبب تعارضها مع الاعتقاد بعصمة النبي في أمور الدعوة والتبليغ.
كان بينهم، ابن خزيمة وأبو بكر بن العربي وفخر الدين الرازي. على سبيل المثال يقول الرازي منتقدًا تلك الرواية في كتابه مفاتيح الغيب "هذا رواية عامة المفسرين الظاهريين، أما أهل التحقيق فقد قالوا هذه الرواية باطلة موضوعة واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول...".
وذهب عالم الحديث المعاصر ناصر الدين الألباني إلى الرأي نفسه، حيث استعرض الروايات الواردة في تلك القصة في كتابه "نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق".
وأكد بعدها أن جميع تلك الروايات "مُعَلَّة بالإرسال والضّعف والجَهالة، فليس فيها ما يصلُح للاحتجاج به، لا سيّما في مثل هذا الأمر الخطير"، مضيفاً "ومما يؤكد ضَعفها بل بطلانها، ما فيها من الاختلاف والنّكارة مما لا يليق بمقام النبوة والرسالة".
حاول بعض العلماء أن يجدوا تخريجًا مناسبًا لتلك القصة، من هؤلاء ابن كثير الدمشقي الذي ذكر في تفسيره، أن ":الشيطان أوقع في مسامع المشركين ذلك، فتوهموا أنه صدر عن رسول الله، وليس كذلك في نفس الأمر، بل إنما كان من صنيع الشيطان لا من رسول الرحمن، والله أعلم"، على حد قوله.