ما إن ارتُكبت جريمة الهجوم على الروائي البريطاني سلمان رشدي حتى بات أكثر سؤالين يتردّدان في وكالات الأنباء: ما مدى تضرّر "رشدي" من حادث الطعن؟ ومن هو الشخص الذي حاول قتله؟
حتى الآن، لا نعرف الكثير عن مُنفِّذ الجريمة؛ اسمه هادي مطر، أميركي الجنسية، عُمره 24 عامًا، لا ينتمي لأي تنظيم سياسي ديني، بشكل معلن على الأقل، أظهرت حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي دعمه لـ"الحرس الثوري الإيراني"، كما أن هاتفه احتوى على صور لقاسم سليماني القائد العسكري السابق لفيلق القدس.
لم تتضح المزيد من المعلومات عن خلفيات المتهم، لكن تلك التفاصيل المتاحة لحد الآن تشي بأننا أمام عضو جديد يمكن أن نضيفه إلى قائمة "مجانين الفتاوى"؛ هؤلاء الشباب الصغار الذين لا يمتلكون معرفة دينية عميقة ولا ينتمون أحيانا لأي تنظيم مُسلح. ورغم ذلك، لم يتوانوا عن ارتكاب جرائم اغتيال بشعة ضد كتّاب ومفكرين عادة ما يتّضح أنهم لا يعرفون عنهم شيئا ولم يقرأوا أيّا من أعمالهم.
فمن أبرز أعضاء قائمة "مجانين الفتاوى"؟
منفذ محاولة قتل نجيب محفوظ: تشرّفت بقتله!
كشف المستشار أشرف العشماوي، الذي تولّى التحقيق مع المتهمين بالقضية، أنهم كانوا لا يُحسنون القراءة والكتابة. وأكّد أن أحدهم كان لا يعرف النُطق الصحيح لـ"صاحب نوبل" فكان ينطقه "محفوظ نجيب" أي أنه كان لا يعرفه من الأصل.
في كتابه "في حضرة نجيب محفوظ"، قال الكاتب محمد سلماوي إنه تمكّن من مقابلة القاتل محمد ناجي محمد مصطفى حينما كان يُعالج من الإصابات التي لحقت به جرّاء القبض عليه، يحكي قائلا: "وجدته شابًا قمحي اللون، عوده رفيع، في العشرينات من عُمره، وعلمتُ أنه من ملوى بالمنيا، وأنها حاصل على دبلوم صنايع ويعمل فنّي إصلاح أجهزة إلكترونية".
أكّد مصطفى لسلماوي أنه لم يقرأ شيئًا من روايات محفوظ، وأنه قام بمحاولة الاغتيال تنفيذًا لأوامر أمير الجماعة، اعتمادًا على فتاوى الشيخ عمر عبد الرحمن. وبرغم أنه لم يقرأ كُتبه فإنه أكد له أن "نجيب محفوظ هاجم الإسلام في كُتبه، لذا أهدر دمه، ولقد شرّفتني الجماعة بأن عهدت إليّ بتنفيذ الحُكم".
وتابع: "لقد أطعت الأوامر بدون تردد. هناك آخرون مُكلّفون بالتفكير، أما أنا فكنتُ مكلفًا بالتنفيذ".
قاتل ناهض حتر: لا أعرفه!
في 2016، اغتيل الكاتب الأردني ناهض حتر أمام قصر العدل بالعاصمة عمان، بينما كان في طريقه لحضور جلسة تحقيق معه بشأن "إثارة النعرات المذهبية" عقب نشره صورة تسخر من نظرة الإرهابيين إلى الله اعتُبرت لاحقًا تجديفًا بحقّ الذات الإلهية. أثارت الصورة جدلاً واسعًا في الأردن حُوكم بسببه "حتر" أمام القضاء.
على عتبة المحكمة، بُوغت "حتر" بـ3 رصاصات أودت بحياته.
القاتل هو "رياض اسماعيل أحمد عبد الله"، رجل أردني في الـ50 من عُمره. عمل سابقًا إمام مسجد لكنه فُصل من عمله. ينحدر رياض من منطقة الهاشمي الشمالي، التي كان يعيش فيها "حتر".
مصادر قضائية كشفت أن القاتل يعمل مهندسًا، وسبق له السفر إلى الكويت والعراق قبل أن يعود إلى الأردن، وأنه كان يعمل مهندسًا في وزارة التربية والتعليم، التي يقع مقرّها بالقُرب من مبنى قصر العدل.
خلال التحقيقات معه، أكد أنه لا يعرف حتر ولم يقرأ له أيًّا من كتاباته، وإنما أغضبه الكاريكاتير الذي نشره فبحث عن صورته عبر "فيسبوك"، وعرف من مواقع الأخبار موعد محاكمته فقرّر قتله أمام دار القضاء لأن "أي شخص يسيء للذات الإلهية يجب قتله" على حد تعبيره.
في ديسمبر 2016 قضت محكمة أمن الدولة الأردنية بإعدام "قاتل حتر" شنقًا حتى الموت، وفي أول رد فعل للقاتل على هذا الحُكم هتف "حسبي الله ونعم الوكيل، لله العزة ورسوله والمؤمنين". وفي مارس 2017 نُفِّذ فيه حُكم الإعدام بصحبة عددٍ من المنتمين لتنظيم "داعش".
قاتل فرج فودة: لا أجيد القراءة، لكنهم أخبروني أنه مرتد!
قاد تلك العملية أبو العلا عبد ربه، عضو الجماعة الإسلامية، والذي لم يكن أحد الكوادر الشهيرة بالجماعة حينها، لكن اسمه أصبح ملء السمع والبصر منذ عملية الاغتيال وحتى يومنا هذا.
في 1992، خاض فودة مناظرة شهيرة -في معرض الكتاب بالقاهرة- انتقد فيها بعنف جماعات الإسلام السياسي ومشاريعها لإقامة دولة إسلامية في مصر.
في اعترافاته أمام جهات التحقيقات، كشف القاتل أنه لم يقرأ كتابًا واحدًا لفرج فودة. وهو ذات ما قاله شريكه في الجريمة عبد الشافي رمضان الذي يعمل في بيع السمك ولا يُجيد القراءة، وأنه اركب جريمته بناءً على فتوى عمر عبد الرحمن مفتي الجماعة الإسلامية.
نلقي الضوء في هذا المقال على عشرة كتب كانت في قلب العاصفة
حين سُئل "رمضان" خلال التحقيقات عن كيفية تحققه من إطلاق مفتي جماعته لهذه الفتوى طالما لا يستطيع القراءة، أجاب "لم أقرأها، ولكنّهم قالوا لي".
نال عبد ربه عفوًا رئاسيًا، عام في 2012، خلال فترة حُكم الرئيس محمد مرسي عضو جماعة الإخوان. لاحقا، استضافته عدة وسائل إعلامية مصرية في لقاءات كشف فيها: "شاهدتُ المناظرة في معرض الكتاب، وبعدها قرّرتُ تنفيذ حُكم الإعدام عليه لأنه مُرتد عن الإسلام".
في 2017، قُتل عبد ربه في غارة جوية ضد أفراد تنظيم داعش في سوريا.
قاتل الأقباط في كنيسة مار مرينا: تعليمي ضعيف لكن "وليد" علّمني!
في ديسمبر 2017، هاجم إرهابي كنيسة "مار مينا" في حي حلوان بالقاهرة، وأطلق النار عشوائيًا على عدد من الأقباط الذاهبين إلى الكنيسة وعلى أفراد قوة الحراسة القابعة على المدخل ما أدّى لقتل 9 من رواد الكنيسة وعُنصر أمني.
عقب إلقاء القبض على مُرتكب تلك الجريمة، واسمه إبراهيم إسماعيل، تبيّن أنه تلقى تعليمًا متوسطًا ويعمل في تصليح نوافذ وأبواب المنازل.
خلال التحقيقات، أكد أنه لم يقرأ أي كُتب في حياته، وكل المعلومات الدينية التي يعرفها وصلته من شخص جنّده يُدعى وليد كان يعمل على عربة لبيع المأكولات للناس في الشارع.
عقب الإيقاع به، تبيّن أنه سبق وأن تورّط في جريمة قتل أخرى بالقاهرة بعدما قتل 3 أفراد وأصاب 5 آخرين كانوا جالسين على مقهى "يلعبون النرد (الطاولة)"، وهي اللعبة التي كان يعتقد بكُفر من يلعبها.
عقب وقوع مظاهرات 30 يونيو التي انتهت بالإطاحة بالرئيس الإسلامي محمد مرسي. حثّ وليد صديقه على استهداف على رجال الأمن والمسيحيين، فقرّر مهاجمة الكنيسة وقتل من فيها.
وفي مايو 2019، قضت محكمة جنايات القاهرة بإعدام إسماعيل شنقًا.