يعد سيف العدل أحد أبرز قادة القاعدة والخليفة المحتمل لتنظيم القاعدة.
يعد سيف العدل أحد أبرز قادة القاعدة والخليفة المحتمل لتنظيم القاعدة.

مرت أسابيع طويلة على مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، ولازال التنظيم يلتزم الصمت إزاء هوية قائده الجديد. مؤيدو القاعدة أرجعوا التأخير إلى الوضع الأمني لسيف العدل داخل إيران؛ وهو الوضع الذي يحول دون تواصل فعال وسريع بينه وبين القيادات الأخرى، لأن تعيين قائد جديد يحتاج إلى مشاورات موسعة يدلي فيها جميع زعماء الأفرع الأخرى برأيهم، وقد تستغرق هذه الإجراءات وقتا طويلا قبل أن تستقر الآراء على موقف موحد.

لكن هذه الفرضية قد لا تكون دقيقة تماما، فالقاعدة، على الأقل من خلال الوثائق المسربة، حسمت مبكرا في مسألة ما بعد الظواهري، حتى قبل أن يقتل الأخير بصاروخ أميركي في كابل، كما أن سيف العدل وطوال السنين التي كان فيها "محتجزا" في إيران لم يكن يجد يوما صعوبة في إيصال صوته إلى حيث يريد.

 

مجمعات "احتجاز"

 

في عام 1990، اتفق سيف العدل مع عناصره في معسكر تدريبي بأفغانستان على توريط أبو حفص المصري، القيادي البارز في القاعدة حينها، في كمين وهمي كدليل على نجاح الفريق في استيعاب دروس "دورة الكمائن" التي تجري في المعسكر. لكن عوض أن تدخل سيارة أبو حفص المصري منطقة الكمين كما كان متوقعا، دخلت بالصدفة سيارة أخرى يستقلها "الجهادي" المصري مصطفى حامد (أبو الوليد المصري) وعائلته. بعد الاعتذار من سوء التقدير الذي حصل وحالة الهلع التي سببها الكمين، تعرف سيف العدل لأول مرة على مصطفى حامد. وستكون تلك اللحظة فارقة في حياة الرجل. في 6 ديسمبر 1991، أي بعد عام من واقعة الكمين، سيتزوج سيف العدل أسماء؛ البنت الكبرى لمصطفى حامد في حفل بالغ الرمزية، شهد قرانه جلال الدين حقاني مؤسس شبكة حقاني ووالد سراج الدين حقاني وزير داخلية طالبان الحالي. أسماء ستلعب لاحقا دورا أساسيا في حياة سيف العدل.

عقب التدخل الأميركي في أفغانستان، والإطاحة بطالبان، دخل سيف العدل مع قيادات أخرى من القاعدة وعائلاتها إلى إيران. استقر الجميع بداية في منازل آمنة بمدينة شيراز، لكن في أبريل 2003، قامت السلطات الايرانية باعتقالهم. واستنادا إلى إفادة سليمان أبو غيث الناطق الرسمي باسم القاعدة لمحققي مكتب التحقيقات الفيدرالي، فإن قادة القاعدة تنقلوا إثرها عبر مواقع احتجاز مختلفة، تفاوتت فيها طريقة تعامل الإيرانيين معهم؛ من تضييق شديد إلى بذل قسط من الامتيازات المحسوبة، بدا أن سيف العدل قد استأثر بالنصيب الأكبر منها.

اعتقل قادة القاعدة أولا في منشأة تابعة للمخابرات الإيرانية في طهران، قضوا فيها عاما و8 أشهر. خمسون يوما الأولى منها في زنازين انفرادية. وتم إخطارهم بصدور قرار سيادي بالاحتفاظ بهم، وتمتعوا بمعاملة جيدة نوعا ما. بعد ذلك جرى نقلهم إلى موقع آخر عبارة عن مجمع عسكري يحتوي مسجدا وملعبا لكرة القدم، وسمح لهم بالتحرك داخله. وفي هذا الموقع ستلتحق أسماء بزوجها سيف العدل. بعد 6 أشهر، تم نقلهم مجددا إلى موقع محصن بلا نوافذ يوجد في المجمع العسكري ذاته، قضوا فيه زهاء أربع سنوات. وأثناء وجودهم في هذا الموقع التحقت بهم عائلة بن لادن وأبناؤه؛ سعد وعثمان وحمزة.

احتجت العائلات على الظروف المزرية في هذا الموقع، والتي سببت مضاعفات نفسية لبعض الأطفال، وطالبت النساء بتحسين شروط العيش والسماح للأطفال بمتابعة دراستهم. أخمدت السلطات الإيرانية هذه الاحتجاجات بالقوة لكنها استجابت لبعض المطالب، فقامت بنقل العائلات إلى شقق مستقلة شيدت خصيصا للمحتجزين في منطقة مسورة، وفي هذه الشقق قضى قادة القاعدة سنواتهم اللاحقة، إلى أن تمكن بعضهم من الفرار والوصول إلى سفارات بلدانهم الأصلية كما هو الحال مع أبي حفص الموريتاني، رئيس اللجنة الشرعية للقاعدة، وإيمان ابنة أسامة بن لادن، أو الخروج بموجب صفقة تبادل للمعتقلين بين القاعدة وإيران كما حدث سنتي 2010 و2015.

 

أزمة التواصل

 

جاء في إفادة سليمان أبو غيث أن السلطات الإيرانية حظرت على قادة القاعدة استعمال أي وسيلة من وسائل التواصل خلال فترة وجودهم في مواقع الاحتجاز المشار إليها، بمن فيهم أبرز قياديين: أبو محمد وأبو الخير المصريان، خصوصا في السنوات الأربع الأولى. ولم تسمح بها إلا في 2011، عندما وضعت آلية لتمكين المحتجزين من التواصل مع الخارج. وسمحت لكل معتقل بتصفح الإنترنت مرة واحدة كل أسبوع.  وتقوم آلية التواصل تلك على وضع بريد الكتروني مشترك بين كل المحتجزين، وعندما يريد أحدهم إرسال رسالة ما فعليه كتابتها يدويا وتسليمها للسلطات، وبعد مراجعتها تقوم بإرسالها نيابة عنه. وتتولى السلطات أيضا توزيع الرسائل الواردة إلى المعنيين بها بعد إخضاعها للفحص والمراجعة. وبهذه الطريقة استطاع بعض المحتجزين أخيرا التواصل مع عائلاتهم خارج إيران.

لقد انتظر سليمان أبو غيث 8 سنوات قبل أن يتمكن أخيرا من الحديث مع شقيقه في الكويت، وتفاجأ عندما علم أن زوجته استخرجت قرارا من المحكمة بالطلاق لأنها اعتقدت أنه ميت بسبب غيابه الطويل في السجون الإيرانية.

وبينما كان هذا حال أبو غيث وقادة آخرين في القاعدة داخل مواقع الاحتجاز كان بوسع سيف العدل في الواقع إيصال صوته إلى أي مكان. لقد ظل قائدا فاعلا في القاعدة طوال المدة التي قضاها رهن الاحتجاز المفترض داخل إيران. و واكب مثلا الحملة الدامية التي أطلقها تنظيم القاعدة في السعودية ابتداء من 2003 وأدلى برأيه في كثير من العمليات التي نفذتها القاعدة في العقديين الماضيين.

صدر العدد الأول من مجلة "البتار" في ديسمبر 2003، وهي مجلة إلكترونية متخصصة في المواضيع العسكرية والأمنية كان تنظيم القاعدة في السعودية يصدرها في ذروة نشاطه. ومنذ العدد الأول إلى العدد الأخير (22 عددا)، التزم سيف العدل بكتابة عمود ثابت في المجلة حول الأمن والاستخبارات. وقد تزامن صدور العدد الأول مع فترة وجود سيف العدل في موقع الاحتجاز الأول الذي قضى فيه عاما و8 أشهر، ولم يكن يسمح مطلقا للمحتجزين فيه بأي نوع من أنواع التواصل مع الخارج.

الملفت هنا أن الأمر يتعلق بالعدد الأول للمجلة، ما يفتح مجالا للافتراض بأن سيف العدل كان على اطلاع بشؤون القاعدة في الخارج، بما في ذلك التحضير لإصدار مجلة جديدة.

وساهم سيف العدل، وهو ضابط سابق في الجيش المصري واسمه الحقيقي محمد صلاح الدين زيدان، أيضا بمقال في العدد الثاني من مجلة "صوت الجهاد" الصادر في أكتوبر 2003. فكيف استطاع الرجل مواكبة مجريات الأحداث في السعودية، ومتابعة نشرات القاعدة والمساهمة فيها؟ بل ترددت شائعات حينها وصل صداها إلى أسامة بن لادن -كما بينت وثائق أبوت أبات- مفادها أن سيف العدل طرد يوسف العييري من القاعدة لأنه كان معارضا للتفجيرات في السعودية.

 

امتيازات خاصة

 

لا شك أن وضع سيف العدل داخل مرافق الاحتجاز الإيرانية كان مختلفا عن وضع القادة الآخرين في القاعدة. ففي الوقت الذي عانى فيه أبو غيث ليخبر زوجته في الكويت أنه ما زال على قيد الحياة، كان سيف العدل يرسل مقالاته إلى المجلات والمواقع الجهادية. بل احتفظ بمكانته كقائد عسكري بارز في القاعدة، حتى إن سعد بن لادن نجل أسامة بن لادن كان يراسله ليأخذ إذنه في تنفيذ عمليات انتحارية ضد القوات الأميركية في أفغانستان، كما اعترف بذلك سيف العدل في أحد كتبه. وعلى مدار عقدين من وجوده في إيران، نشر عشرات المقالات والكتب حول مواضيع ذات علاقة بالشؤون الأمنية والعسكرية وأساليب حرب العصابات وعمليات التمرد. وهي المقالات التي نشر معظمها قبل 2015 وهو العام الذي أطلقت فيه السلطات سراحه بموجب صفقة تبادل بين إيران وتنظيم القاعدة في اليمن.

من الواضح أن أسماء، زوجة سيف العدل، لعبت دورا أساسيا في تواصله مع العالم الخارجي، وهو ما أكده سليمان أبو غيث في إفادته، فهي ابنة مصطفى حامد (أبو الوليد المصري) الكاتب الجهادي المشهور وصاحب موقع "مافا" السياسي الذي حظي بمعاملة خاصة في إيران، إذ لم يكن عضوا في القاعدة، وجاهر مرارا بالتنديد ببعض موقف التنظيمات الجهادية وآرائها المتطرفة إزاء الشيعة. ولا يخفي في الوقت ذاته إعجابه الشديد بزوج ابنته سيف العدل. وقد تبادل الرجلان كثيرا عبارات المديح في نصوصهما المنشورة، ونوها بعمق الصداقة التي تجمعهما، وإن وقفا على مستوى القناعات الأيديولوجية في طرفي نقيض أحيانا. من خلال أسماء وجدت كتابات سيف العدل طريقها الى النشر سواء في موقع والدها "مافا" السياسي الذي نشرها باسم "عابر سبيل" أو مواقع ومنتديات أخرى.

لا شك أن السلطات الإيرانية كانت على علم برواج مقالات سيف العدل على الإنترنت، لكنها اختارت غض الطرف عنها رغم أنها فرضت على المحتجزين الآخرين آلية مجحفة للتواصل مع ذويهم تمثلت في البريد الإلكتروني المشترك ومراجعة كل الرسائل الصادرة والواردة منه. فهل تجاهلت السلطات الإيرانية نشاطات سيف العدل مراعاة لخصوصية علاقتها بصهره مصطفى حامد، أم أنها فعلت ذلك انسجاما مع عقيدتها السياسية الرامية إلى نشر ما أمكن من الفوضى في محيطها؟

الثابت أن إيران على علم بنشاطات سيف العدل. فمن غير المعقول أن يغيب عنها ذلك، وهي التي تملك جيشا من التقنيين تسللوا إلى أنظمة إلكترونية شديدة التحصين، وجيشا آخر من المحللين يتابعون ما ينشر على المواقع والمنصات العربية والأجنبية. إيران في الواقع لم يزعجها وجود قادة القاعدة على أراضيها أو نشاطهم انطلاقا منها. فعندما قرر سليمان أبو غيث مغادرة إيران، ومحاولة الوصول إلى الكويت، أخبره الإيرانيون -كما يشهد بذلك هو نفسه- أن بوسعه العودة إلى طهران متى اعتقد أن رحلته لن تكلل بالنجاح، فقادة القاعدة لم يكونوا يوما ضيوفا ثقلاء على إيران.

 

الأمير القادم

 

في سنة 2010، كتب عطية الله الليبي إلى أسامة بن لادن يخبره أن سيف العدل ورفاقه في إيران سيأتون إلى منطقة وزيرستان، حسب ما كشفته وثائق أبوت أباد. ورجح خبراء أمنيون أن يكون سيف العدل قد دخل فعلا إلى أفغانستان ورجع في وقت لاحق إلى إيران. ومن غير المستبعد أن يتردد هؤلاء القادة ذهابا وإيابا من وإلى إيران لأسباب كثيرة منها أن القاعدة، حسب وثائق سرية سربها أعضاء في هيئة تحرير الشام، قد حسمت مسبقا في هوية القادة الذين سيخلفون أيمن الظواهري في حال وفاته، هذه الوثائق مؤرخة بتاريخ 2014، وبناء عليها فإن خلفاء الظواهري هم على التوالي: أبو الخير المصري وأبو محمد المصري وسيف العدل وناصر الوحيشي. واشترطت الوثائق أن يكون الأمير الجديد موجودا في أفغانستان أو في فرع من فروع القاعدة. فكيف قررت القاعدة بشكل مسبق مبايعة قادة موجودين في إيران، لو لم يكن في حسبانها وجود إمكانية مغادرتهم لها في الوقت الذي يريدون؟ وبما أن القادة المذكورين قد قتلوا جميعا باستثناء سيف العدل، فسيكون بشكل شبه حاسم هو الخليفة المنتظر للظواهري. وتجذر الإشارة إلى أن عبد الرحمن المغربي، الذي يروج اسمه كخليفة محتمل للظواهري، من الموقعين على تلك الوثائق.

بعد إطلاق سراح قادة القاعدة في إيران عام 2015، دخل بعضهم إلى سوريا واختار آخرون البقاء في طهران، فكيف قرر النائب الثاني (أبو محمد المصري) والثالث (سيف العدل) للظواهري البقاء في إيران لو لم يتأكدا من قدرتهما على مغادرتها وقتما يريدان؟ لقد قتل أبو الخير المصري في 2017 في سوريا، ثم أبو محمد المصري في 2020 في إيران، وبقي سيف العدل مع ذلك في إيران، ببساطة لأنه يدرك أن باستطاعته الخروج منها متى رأى أن وقت الخروج قد حان.

أبو محمد المصري
قيادي القاعدة الذي قتل بالرصاص في شوارع طهران.. من هو أبو محمد المصري؟
يعد عبد الله أحمد عبد الله، الملقب بأبي محمد المصري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة.
ويعتبر المصري (58 عاما) من المؤسسين للقاعدة، ويُعتقد أنه أول من قاد التنظيم بعد الظواهري.

وضمن الأوصاف التي قدمها الموقع، فإن المصري مولود في وقت قريب من عام 1963 في مصر، ويتميز بلون داكن لشعره وعينيه، ويحمل الجنسية المصرية ويتحدث العربية

سيف العدل مدين لإيران رغم ظروف الاحتجاز التي مر بها لأنها سمحت له دون غيره بهامش من الحرية وظفه للقيام بدوره كقائد عسكري في القاعدة ونائب لأميرها، ومدين لصهره وزوجته أسماء لأنها كانت بمثابة سكرتيرة مخلصة تولت مهمة توصيل بريده السري وقتا طويلا.

أما موقف أسامة بن لادن السلبي من سيف العدل ورفضه إسناد منصب قيادي رفيع له، فراجع إلى تمرد هذا الأخير على أوامر بن لادن أكثر من مرة، وتحفظه على بعض قراراته وصل الى حد إصدارهما أوامر متضاربة الى عناصر القاعدة، كما كشفت عن ذلك رسالة خاصة بعث بها سيف العدل إلى خالد شيخ محمد عقب التدخل الأمريكي في أفغانستان.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".