في خريف عام 1992، بدأت آنا سوندبرج القادمة من الطبقة الوسطى البرجوازية في مدينة "هالمستاد" على الساحل الغربي في السويد، دراسة علم الأديان في كلية سانت لارش، في جامعة لوند العريقة. كانت تبلغ من العمر 21 عاما وتعيش في غرفة في السكن الجامعي، وتتسكع في الدوائر اليسارية برفقة الأصحاب، وتبحث عن معنى الحياة، كما تقول.
"لقد فكرنا كثيرا وتساءلنا عن الوجود. الحياة العادية التي تتضمن الحصول على وظيفة والأسرة لم تكن مقنعة بما فيه الكفاية. لكن مناقشاتنا لم تؤد إلى أي نتيجة، وانتهى الأمر بالعديد من أصدقائي في نهاية المطاف في أماكن غريبة نوعا ما".
في حديقة المدينة المركزية عام 1994، التقت آنا سوندبرج مع وليد، وهو شاب وسيم من أصل جزائري. كان هذا الشاب يتحدث بشكل جميل عن الروحانيات. بدأ عالمها الآن مشبعا بالقدر الكافي، غارقا في الأساطير، كما لو أن بعدا إضافيا لم تكن تعرفه قد انفتح. بعد أسبوعين من "المواعدة"، تزوجت آنا ووليد، واعتنقت الإسلام.
"لقد سقطتُ على الفور. كنت أطرح الأسئلة حول كل شيء. في البداية بدا كل شيء فارغا وبلا معنى. كنت وحدي في قارب في بحر هائج، لكنني الآن وجدت رجلاً تولى قيادة دفة التوجيه وقادني إلى اليمين"، كما تقول آنا.
أقنع وليد زوجته الشابة أن "الأشياء محددة سلفا، وكل شيء له معنى"، مزق ملابسها القديمة، وصورها، وأعطاها اسما جديدا: هند. وانفصلت عن أصدقائها القدامى، وانضمت إلى "المجتمع السلفي" في لوند.
بعد ذلك، ولمدة 16 عاما، عاشت آنا سوندبرج في دوائر "الجماعات الجهادية العالمية". وكانت جزءا من شبكات إرهابية حول العالم.
في كتاب "الإرهابي المحبوب: 16 عاما مع الإسلاميين المتشددين"، تحكي آنا، الأم لأربعة أطفال الآن، عن الدين والمجتمع، والزواج، والأطفال، والإرهاب. وتستعيد "حياتها الجهادية" التي غادرتها، وتنأى بنفسها عنها تماما اليوم.
مزق وليد ملابس آنا القديمة، وصُورها، وأعطاها اسما جديدا: هند. انفصلت عن أصدقائها القدامى، وانضمت إلى "المجتمع السلفي" في لوند.
تصف سوندبرج في كتابها، بلا خجل أو تردد، كيف عاشت هي ووليد، مثل آخرين كثر في "المجتمع السلفي" في لوند، على مزيج من المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الحكومة، وإعانات الإسكان وإعانات الأطفال.
"لم يكن لدى وليد وظيفة، لكنه عاش على الإعانات المرضية، والمساعدات الأخرى التي استطاع الحصول عليها بالخداع". تذكر آنا، أنه في ربيع عام 1995، أصدر أبو قتادة الفلسطيني فتوى بجواز السرقة لمسلم في الدول الغربية: "كانت هناك حرب بين المسلمين والغرب وكانت ممتلكات الكفار غنائم حرب مشروعة".
أرادت آنا أن تكون مسلمة محافظة، فقامت بوضع النقاب مع زوجة وليد الثانية في عام 1997. "لقد بدونا مثل النينجا". وتصف شعورها حينها بـ"اللذيذ".
"تعلمت كيف يجب أن يكون الرجل، وكيف يجب أن تكون المرأة، كيف تذهب إلى المرحاض، كيف تمارس الجنس، وكيف تعتني بالأطفال وما إلى ذلك. وعندما كنت أخرج إلى الشارع، كنت أنظر مباشرة إلى الأمام أو إلى الأسفل على الأرض. كنت آكل بيدي اليمنى، ويدي النظيفة، وأنام على جنبي الأيمن حسب رواية الرسول. تم تنظيم الحياة حتى أدق التفاصيل".
أصبح تدين آنا سوندبرج قويا لدرجة أنها اختارت أخيرا ترك زوجها الأول (وليد) سنة 1999، لأنها اعتقدت أنه كان متساهلاً للغاية في ممارسة الإسلام. بعد ذلك، ومن خلال صديقات في الدوائر الإسلامية، تواصلت آنا مع رجل يعيش في لندن، سمع أنها مطلقة وأبدى اهتماما بالتقرب منها. تزوجا عن بعد وسافرت آنا إلى برلين حيث انتقل زوجها الجديد سعيد عارف، الذي سيصبح لاحقا مطلوباً دولياً ومطارداً من قبل الولايات المتحدة الأميركية بتهمة الإرهاب.
في الكتاب، ترسم آنا صورة دقيقة عن سعيد عارف، وهو من أصل جزائري. "مع بشرته الفاتحة وشعره البني امخطّط باللون الرمادي الفاتح، كنت أعتقد دائماً أنه يبدو بوسنياً أكثر منه عربياً. قال إن أول شعيرات رمادية جاءت بالفعل في العشرينات من عمره. إنه طويل القامة، ولكنه رقيق الأطراف، وله عينان بنيتان داكنتان ولا يجفل أبداً. كان رجلاً مهذباً وودوداً وذا خبرة، وكان محترماً دائماً. كان شخصاً لطيفاً وسهل التعامل معه. إنه جاد ومنضبط، ولكن لديه أيضا جانب مرح وغالبا ما يمزح مع أولادي. يلقي بهم على ظهره ويصرخ "من يريد شراء هذا الصبي؟" ويجعلنا جميعا نضحك. لكن جديته هي التي أحبها أكثر من غيرها. ثقتي به كلية".
أصبح تدين آنا سوندبرج قويا لدرجة أنها اختارت أخيرا ترك زوجها الأول وليد سنة 1999، لأنها اعتقدت أنه كان متساهلاً للغاية في ممارسة الإسلام.
في برلين، حملت آنا بطفلها الأول من سعيد. وكانت تعيش في شقتها مع الأطفال طوال الوقت، بينما كان سعيد على اتصال بـ"أخوة آخرين"، كما كان يطلق عليهم.
"لم أتمكن من معرفة ما كان يفعله، لكنني أدركت أن هناك شيئا كبيرا يُدبر له بعد أن داهمت قوات ألمانية شبه عسكرية لمكافحة الإرهاب في 26 ديسمبر 2000، عنوانين في فرانكفورت. ألقي القبض على أربعة جزائريين للاشتباه في قيامهم بالتخطيط لهجوم إرهابي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية نهاية ديسمبر. نُفذت المداهمة بعد تلقي بلاغ من المخابرات الفرنسية والبريطانية، التي كانت تراقب وتتنصت على الرجال لعدة أسابيع".
بعد ذلك بفترة قصيرة، انتقل الزوجان إلى معسكر تدريب سري على الحدود مع الشيشان. هناك عاشت الأسرة في منزل من الإسمنت بدون كهرباء مليء بالجرذان وبنادق الكلاشينكوف، كما تصفه آنا.
يقع المنزل في قرية صغيرة في جورجيا، على ضفاف نهر متعرج، في ممر وادي بانكيسي الذي كان يستخدمه المقاتلون الشيشان قاعدة لهم، لشن هجمات على روسيا المجاورة أسفل جبال القوقاز الخضراء.
يتدرب زوجها سعيد مع زملائه "الجهاديين" خلال النهار. تقول إنها لا تعرف أبدا ما إذا كانت الأصوات من طلقات التدريب، أو ما إذا كانوا ضحايا هجوم من القوات الروسية. لكن آنا كانت سعيدة. لقد وجدت أخيراً رجلاً يحبها ويحترمها! "في نظري سعيد كان مناضلا من أجل الحرية"، تقول.
ببراعة نفسية، تبني آنا بشكل منهجي، إطارا تلو الآخر، تتدفق الشخصيات جنبا إلى جنب مع المشاعر المتضاربة في كثير من الأحيان. السرد صادم وأحيانا سريالي، جاف أحيانا، يشبه أسلوب الاستجواب، مليء بالحقائق والرسائل والتعليقات من المؤلف المشارك الصحافي جيسبر هوور وابنها أنس.
تصوير حياة العائلة في الوادي كان أقوى أجزاء الكتاب. "كانت الحياة قاسية، ولكنها اتسمت بالتكافل الاجتماعي والهدوء الفائق والشعور بأن كل ما حدث كان مهمًا ومصيرياً. أحيانًا، تحدث سعيد بإعجاب عن معلمه". لم يكن هذا المعلم سوى أشهر إرهابي عالمي.
في غمرة انخراطها في عالم السلفية الجهادية، كانت آنا تتمنى أن يصبح أبناؤها أيضًا "مقاتلين جهاديين". في ذلك الوقت، لم تكن الشابة السويدية تتصور أنه يوجد شيء أعظم، أو أجمل، أو أكثر قداسة من القتال من أجل الإسلام!.
ولكن كيف سيكون رد فعلها عندما تعرضت الولايات المتحدة لهجوم 11 سبتمبر المأساوي الذي تبناه قائد زوجها أسامة بن لادن؟
مزيج من المشاعر المتناقضة. هنا، كتبت فرحة، ولكن أيضا خائفة وحزينة: "انتصر الأبطال، تغلب داود على جالوت! لكني أشعر بالحزن في الداخل أيضًا. الكثير من القتلى. الآلاف. هل كان ذلك حقيقيا؟ أشعر بالخوف والرعب من انتقام أميركا. سيكون فظيعا. ما هي عواقب كل هذا علي وعلى الأطفال؟"
في الأجزاء الأخيرة من الكتاب تروي آنا أنه "عندما بدأت الولايات المتحدة الحرب في العراق عام 2003، رأى سعيد أن جبهة قتال جديدة قد فتحت، وأن سوريا قاعدة مناسبة للبدء في التخطيط لعمليات جديدة". لذلك، انتقلت العائلة إلى دمشق في سوريا عام 2003. كانت الأسرة قد توسعت مع وجود ابنة رابعة.
لكن في دمشق، انهار كل شيء. ألقت أجهزة المخابرات السورية القبض على سعيد عارف بعد ستة أسابيع من دخوله البلاد. لم يتم إخبار آنا بالسبب مطلقًا، لكنها عاشت مع الأطفال لفترة تحت الإقامة الجبرية في شقق مختلفة، بما في ذلك بعض الوقت في سجن للنساء. كانت حينها حاملا أيضا.
لجأت آنا إلى السفارة السويدية لمساعدتها في الخروج من سوريا. وبضغط من وزارة الخارجية، تم إعادة آنا وأطفالها إلى السويد.
لم تكن رحلة العودة إلى السويد مجرد رجوع إلى الوطن الأم، بل بداية لرحلة أخرى: الخروج من السلفية. استقرت العائلة لبعض الوقت في شقة في ضواحي مدينة هالمستاد مسقط رأسها.
بدأت الحماسة الدينية لدى آنا بالتلاشي. في عام 2004، انتقلت آنا مع أطفالها إلى ستوكهولم. هناك، التحق الأطفال ببعض المدارس الإسلامية. تواصلت آنا مع الجالية الإسلامية هناك، لكن بوتيرة أقل. بدأت تشعر بالوحدة الشديدة في نقابها. في نفس الوقت الذي كانت تتبادل فيه الرسائل مع سعيد عارف، بدأت في الشك والقيام بأشياء ممنوعة: مثل مشاهدة التلفزيون! لكنها لم تخلع حجابها إلا في صيف عام 2007.
في عام 2010، طلبت آنا الطلاق من سعيد. كان الجهادي الجزائري المعروف يقضي حينها عقوبة سجن طويلة في مارسيليا في فرنسا، قبل أن يوضع رهن الإقامة الجبرية.
فجأة هرب سعيد من الإقامة الجبرية في عام 2012. ولم تدر به آنا إلا وهو على باب بيتها، يريد أن يرى أطفاله. أبلغت آنا الشرطة، ليهرب سعيد مرة أخرى ويشق طريقه إلى جبهة النصرة التابعة للقاعدة في سوريا.
في عام 2015، قُتل سعيد عارف، الذي كان يُنظر إليه في ذلك الوقت على أنه أحد أخطر الإرهابيين في العالم، بقصف جوي في سوريا.
قصة آنا سوندبرج مستفزة. ومع ذلك توفر تجربة قراءة لا تريد أن تتركها، هي تصوير متباين للرغبة والعلاقات المختلة، وفرص الحياة المحدودة، مشبعة بشعور من اللاواقعية الشبيهة بالحلم.
أثناء قراءة الكتاب، شعرت أكثر من مرة أنها دائمًا ما تبدو وكأنها تدخل العالم السلفي وعيناها مفتوحتان. لم أقرأ في أي مكان أنها مجبرة على أي شيء. مرارًا وتكرارًا، على سبيل المثال عندما تسافر إلى السويد للولادة، تحصل على فرصة للعودة إلى "الحياة الطبيعية". لكنها تعود مرة أخرى إلى هناك.
ربما، أحد التفسيرات التي قد تشرح سبب بقائها طويلاً في البيئة الجهادية، هو أنها كانت فخورة جدًا، بحيث لا تعترف لنفسها وللآخرين بأنها اتخذت قرارًا خاطئًا وانتهى بها الأمر هنا
في نفس الوقت، كنت أرغب في رؤية المزيد من المراجعات الذاتية منها حول الخيارات التي اتخذتها. وأتساءل لماذا المؤلف المشارك جيسبر هوور غير مرئي إلى هذا الحد.
تكمن قوة الكتاب في قدرة آنا على التحليل الذاتي، والصدق الصادم، وأنها تخرج من دور الضحية الكلاسيكي. شهادة آنا سوندبيرج فريدة من نوعها على المستوى الدولي أيضا. قلة من الرجال - وتقريبا لا نساء - تجرأوا أو تمكنوا من توثيق الحياة اليومية للجهاديين من الداخل.
اليوم، تعمل آنا معلمة في مدرسة ابتدائية وقد أنشأت مأوى للنساء. وهي أيضًا ناشطة في حزب الخضر كسياسية في بلدية العاصمة ستوكهولم، وتعرف نفسها على أنها ملحدة.
تقدم آنا أيضا تصويرا مثيرا للغاية عن رحلة العودة الطويلة إلى السويد، وعدم اليقين، والخوف، ونفاد الأموال، والأمراض، والولادات الوشيكة، والإقامة الجبرية في دمشق، واختفاء سعيد، والاستجواب، وزنزانات السجن، والانتظار، والاشتباك.
في حالة آنا سوندبرج، يكون البحث عن الحقيقة أكثر تعقيدا. لقد صادفنا مزيجا من المغامرة، وانخفاض الثقة بالنفس، والاهتمام الصادق بالإسلام، والرغبة في التغيير والابتعاد قدر الإمكان عن رتابة الحياة في السويد، ناهيك عن السبب الأكبر لكل هذا: الحب!.
لقد تطلبت آنا الكثير من الشجاعة لكتابة تاريخ عائلتها الشخصي، حيث إنها قصة حساسة يمكن أن تثير ردود فعل قوية. لكن يبدو أنها توصلت إلى استنتاج مفاده أن القرار كان صائبًا.
اليوم، تعمل آنا معلمة في مدرسة ابتدائية وقد أنشأت مأوى للنساء. وهي أيضًا ناشطة في حزب الخضر كسياسية في بلدية العاصمة ستوكهولم، وتعرف نفسها على أنها ملحدة.