في العام 1989 وقبل سنتين من وفاته عن عمر ناهز التسعين عاماً، تفاجأ الموسيقار المصري الشهير محمد عبد الوهاب بقيام محام مصري شاب يدعى عبد الحكيم شدّاد باستصدار فتوى من رجلي الدين المصريين صلاح أبو إسماعيل وعبد الحميد كشك، تجيز تكفيره.
هكذا، وبسبب أغنية لحّنها عبد الوهاب في العام 1977، وكان يفترض أن يغنيها عبد الحليم حافظ، تعرض "موسيقار الأجيال" للملاحقة بتهمة الإلحاد، بعد إصداره الأغنية بصوته.
الأغنية التي استفزت المحامي بدعم من رجال الدين، كان عنوانها "من غير ليه"، وهي من كلمات الشاعر مرسي عزيز جميل.
وقد اعتبر المحامي أن كلمات الأغنية فيها كفر وإلحاد وخروج عن الملّة"، خصوصاً مطلعها: "جايين الدنيا ما نعرف ليه ولا رايحين فين ولا عايزين إيه".
لكن القضاء المصري آنذاك حكم ببراءة عبد الوهاب من التهمة بعد أن شهدت المحاكمة شهادة من رئيس لجنة الفتوى في الأزهر لصالح عبد الوهاب.
هذه الحادثة يرويها الباحث المصري أيمن الحكيم في كتابه "الفن الحرام: تاريخ الاشتباك بين السلفيين والمبدعين"، الصادر في العام 2012، وفيه يوثق لمجموعة من المواجهات بين التطرّف والإبداع في العالم العربي. ويخصص صفحات منه للحديث عن بعض قضايا وحوادث تكفير الفن والغناء والموسيقى.
من بين هذه القضايا، ما تعرّض له الفنان اللبناني مارسيل خليفة عندما أصدر أغنية "أنا يوسف يا أبي" في منتصف تسعينات القرن الماضي وهي من كلمات الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش.
وقد اتهم خليفة من القضاء اللبناني بـ"تحقير الشعائر الدينية"، لأنه أقدم على تلحين "نص قرآني محرّف"، على ما جاء في التهم الموجّهة إليه، على اعتبار أن القصيدة تتخذ من سورة "يوسف" القرآنية إسقاطاً على "القضية الفلسطينية".
صدرت على إثر ذلك، بيانات من مراجع لبنانية دينية، منها دار الإفتاء التي اعتبرت أن "المغني خليفة الذي أدخل آيات من القرآن الكريم في أغنية ليس قارئًا بحسب قواعد التجويد، بل مغنيا أدخلها في أغنية غناها بالمعازف كسائر الأغاني الشائعة على وجه يعتبره فقهاء الإسلام استخفافًا وتحقيرًا وتهاونًا غير لائق بكلام الله تعالى، وهو ليس من الاقتباس الجائز".
أما المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى فقد رأى بأن "حكم الشريعة الإسلامية يمنع بالمطلق تحويل النص القرآني إلى مادة مغناة وملحّنة".
القضية أثارت جدلاً كبيراً في لبنان والعالم العربي وتدخّل رئيس الوزراء اللبناني آنذاك رفيق الحريري لدى القضاء لحفظ الدعوى، وكفّ الملاحقات بحق خليفة. بيد أن القضية عادت وتحركت بعد سنوات ليستكمل الجدل قبل أن يحسمه القضاء اللبناني بتبرئة خليفة من تهمة "تحقير الشعائر الدينية".
وإذا كان الشاعر الصوفي الحسين بن منصور الحلاّج قد تعرض للتنكيل والصلب في بغداد بعد اتهامه بالزندقة في العام 922 ميلادية، فإن فناناً تونسياً يدعى ظافر يوسف سيتعرض في العام 2010، بسبب بيت استوحاه من قصيدة للحلاج، وغنّى كلماته التي تقول "كفرت بدين الله، والكفر عند المسلمين حرام"، إلى موجة من الانتقادات والمقاطعة وقيام عدد كبير من جمهوره في قرطاج بمغادرة حفله، لأنهم اعتبروا أن هذا الكلام يعتبر "كفراً".
هذه الحوادث الثلاث وغيرها الكثير بقيت في سياق "سلمي" لم يتعرض فيها أحد من المتهمين بـ"الكفر" أو "تحقير الشعائر الدينية" أو "الزندقة" أو "الإلحاد"، لأذى جسدي، أو للتصفية الجسدية كما حدث مع مغني الراي الجزائري الشاب حسني، الذي قتل برصاص مجموعة مسلحة قرب منزله في العام 1994.
جرى الحديث حينها عن أن جماعة إسلامية متشددة تبنّت إعدام الشاب الذي كان في طريقه إلى تحقيق شهرة كبيرة في عالم فن الراي.
ومن بين الأسباب التي جرى تداولها لعملية القتل أن "حسني قبّل فتاة في آخر حفل له"، وهو ما أثار غضب الجماعة، التي هددته بالقتل، عبر إرسالة باقة زهور تحتوي على حاجيات غسل الميت.
لكن، يبقى اغتيال حسني لغزاً إذ لم يتم التوصل إلى القتلة الفعليين وتقديمهم للعدالة، وترك مقتله تكهنات كثيرة حول الجهة التي نفذت الاغتيال والأسباب الحقيقية وراء ذلك.
وبعدها بما يقارب عشر سنوات، أدت أغنية "البرتقالة" للفنان العراقي علاء سعد، والتي لاقت شهرة شعبية كبيرة، إلى تحويل كل من شارك فيها إلى هدف محتمل للتصفية الجسدية، بعد نشر صورهم في ميناء أم القصر في البصرة وهددت جماعة متطرفة بقتل جميع من شارك في هذه الأغنية، بحسب خبر نشرته جريدة "اليوم" السعودية في 23 أكتوبر 2004.
وقد جرى تنفيذ التهديد بالفعل، عبر قتل إحدى الفنانات الاستعراضيات اللواتي شاركن في الفيديو كليب الخاص بالأغنية وتدعى هنادي.
و"قد قام خاطفوها بإطلاق أربع رصاصات على جمجمتها لترديها قتيلة على الفور"، والدافع بحسب ادعاء الجماعة، على ما نقل خبر الصحيفة السعودية، هو "رقصها الفاضح في فيديو كليب الأغنية".
ولم تتبن هذه الجماعة المتطرفة رسمياً قتل الراقصة، وقيل أيضاً في وسائل الإعلام انها قتلت على يد أبناء عيشرتها للسبب نفسه. في الحالين التطرف، المستند إما إلى تشدّد ديني أو عصبية اجتماعية، هو ما سلب هذه الشابة البريئة حياتها.
الشب حسني والراقصة هنادي دفعا حياتيهما بسبب التعصّب وحسم الخلافات بوجهات النظر بالتصفية الجسدية، فيما تتكرر عبر العصور الحملات المتشددة ضد الغناء والرقص وسائر الفنون، لأسباب دينية أو اجتماعية. فطاولت فتوى بتكفير المغني الكويتي عبدالله الرويشد والدعوة إلى إقامة الحد عليه وقتله، في العام 2001 لأنه "غنى سورة الفاتحة" في جلسة خاصة، وقبلها بعقود أثيرت ضجة حول أغنية لعبد الحليم حافظ من كلمات الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي اتهمت بأن فيها كفر وإلحاد، حيث يقول مطلعها "جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت/ وسأبقى ماشياً إن شئت هذا أم أبيت/ كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري".
ثم بعدها بعقود جاء إهدار دم المطربة التونسية الراحلة ذكرى (التي قتلت لاحقاً برصاصات زوجها لسبب آخر) لأنها أجابت في مؤتمر صحافي في قطر في العام 2002 عن سؤال حول أسباب هجرة فناني المغرب العربي بفنونهم إلى الخارج، بأنهم "يهاجرون كما هاجر النبي"، وهو ما دفع بالقاضي السعودي إبراهيم الخضيري إلى إصدار فتوى بإهدار دمها لتشبّهها بالرسول والإساءة إليه.
يقول أبو حامد الغزالي في كتابه الشهير "إحياء علوم الدين": "المُلك والدين توأمان. فالدين أصل والسلطان حارس. وما لا أصل له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع". تشير تلك العبارة إلى العلاقة الوثيقة بين الديني والسياسي في التاريخ الإسلامي. استعان السلطان بالفقيه ليشركه معه في قضايا الدولة والحكم. وبالمقابل، كثيرا ما عبّرت الفتاوى الدينية التي أصدرها الشيوخ والعلماء عن الإرادة السياسية للدول وأصحاب السلطة.
في هذا المقال نلقي الضوء على مجموعة من الفتاوى المتعصبة في التاريخ الإسلامي التي بررت لأصحاب السلطة القتل والعنف، كما لعبت دورا مؤثراً في تأجيج الفتن والصراعات الطائفية والاجتماعية عبر القرون.
فتوى الغزالي ضد الإسماعيلية
عاش أبو حامد الغزالي في القرن الخامس الهجري. وحظي بمكانة مرموقة في الدولة السلجوقية التي فرضت سيطرتها على مساحات واسعة في كل من إيران والعراق وآسيا الوسطى. في هذا السياق، كتب الغزالي كتابه الشهير "فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية"، والذي هاجم فيه الشيعة الإسماعيلية، والذين كانوا الأعداء اللدودين للسلاجقة في هذا الوقت.
في هذا الكتاب، هاجم الغزالي جميع طوائف الشيعة قبل أن يفتي بتكفير الإسماعيلية منهم على وجه التحديد بسبب موقفهم من تأويل بعض الآيات القرآنية. فقال: "والذي نختاره ونقطع به أنه لا يجوز التوقف في تكفير مَن يعتقد شيئاً من ذلك، لأنه تكذيب صريح لصاحب الشرع ولجميع كلمات القرآن من أولها إلى آخرها".
بعدها، حكم الغزالي بردة الإسماعيلية: "والقول الوجيز فيهم أنه يُسلك لهم مسلك المرتدين في النظر في الدم والمال والنكاح والذبيحة... ولا سبيل إلى استرقاقهم، ولا إلى قبول الجزية منهم، ولا إلى المن والفداء، وإنما الواجب قتلهم وتطهير وجه الأرض منهم".
اُستخدمت تلك الفتوى على نحو سيء من قِبل السلطة السلجوقية. بموجبها، قُتل المئات من الشيعة في شتى أنحاء إيران، كما اُضطهد الآلاف منهم بسبب انتمائهم المذهبي. بعد سنوات من إصدار تلك الفتوى، اختار الغزالي أن يتنازل عن كل المميزات التي حصل عليها من الدولة السلجوقية، وترك عمله في المدرسة النظامية، لينطلق في رحلة طويلة في العديد من البلدان الإسلامية. على الرغم من أنه لم يُعلن صراحةً عن تراجعه عن فتوى تكفير الإسماعيلية، إلا أن بعض أفكاره الميالة للتسامح ظهرت بشكل واضح في العديد من كتبه المتأخرة، ولا سيما كل من "إحياء علوم الدين"، و"فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة".
فتوى ابن تيمية في أهل كسروان
عاش الفقيه الحنبلي تقي الدين ابن تيمية في القرن السابع الهجري. وعُرف بأفكاره الحادة التي مالت لتفسيق وتكفير العديد من الفرق الإسلامية المعاصرة له. في هذا السياق، اشتهر ابن تيمية بجملته "يُستتاب وإلا قُتل". وهي الجملة التي اعتاد أن يرد بها على العديد من الأسئلة التي وجهت إليه من قِبل طلابه ومريديه، كما تُعد فتوى تكفير أهل كسروان (في لبنان حاليا) واحدة من بين أكثر الفتاوى الدموية التي قال بها ابن تيمية طوال حياته.
يذكر الباحث جمال باروت في كتابه "حملات كسروان.. في التاريخ السياسي لابن تيمية" أن هناك اختلافاً كبيراً حول دين ومذهب أهل كسروان الذين أفتى ابن تيمية بتكفيرهم. والمُرجح أنهم كانوا من الشيعة الإمامية الاثني عشرية. يذكر باروت أن أهل كسروان هاجموا الجيش المملوكي المنهزم أمام المغول في معركة وادي الخزندار سنة 699ه، وأن المماليك كانوا ينتظرون الفرصة المواتية للانتقام منهم.
أفتى ابن تيمية بتكفير أهل كسروان، ومنح المماليك بذلك السند الشرعي للقتال. يقول ابن تيمية واصفا أهل كسروان: "إن اعتقادهم أن أبا بكر وعمر وعثمان، وأهل بدر وبيعة الرضوان، وجمهور المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان وأئمة الإسلام وعلماءهم أهل المذاهب الأربعة وغيرهم ومشايخ الإسلام وعبادهم، وملوك الإسلام وأجنادهم، وعوام المسلمين وأفرادهم، كل هؤلاء عندهم كفار مرتدون، أكفر من اليهود والنصارى، لأنهم مرتدون عندهم، والمرتد شرّ من الكافر الأصلي".
بموجب تلك الفتوى تحركت الجيوش المملوكية في سنة 1304 إلى منطقة كسروان. وقُتل المئات من السكان المسالمين، في واحدة من أبشع المذابح الدموية التي عرفها التاريخ الإسلامي.
وبعث ابن تيمية رسالة تهنئة إلى الملك الناصر بعد نجاح حملته ضد أهل كسروان. يقول فيها: "إن ما من الله به من الفتح والنصر على هؤلاء الطغام هو من عزائم الأمور التي أنعم الله بها على السلطان وأهل الإسلام".
من الجدير بالذكر، أن تلك الفتوى تخالف العديد من الفتاوى الدينية التي قال بها علماء مسلمون آخرون على مر القرون. وهي الفتاوى التي لا ترى في الاختلاف المذهبي سبباً للكفر أو الخروج عن الدين.
فتاوى الصراع العثماني الصفوي
في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، اندلعت الحرب الدموية بين العثمانيين والصفويين. كانت العراق ميداناً لتلك المواجهات الدموية التي اختلط فيها السياسي بالديني. وتبادل الطرفان الانتصار والهزيمة لمرات عديدة، قبل أن تُعقد بينهما بعض المعاهدات السلمية في منتصف القرن السادس عشر.
خلال تلك المعارك الطاحنة، تم استدعاء الأبعاد المذهبية في الصراع. كان العثمانيون على مذهب أهل السنة، بينما كان الصفويون شيعة إمامية اثني عشرية. وتبادل الطرفان العديد من الفتاوى الدموية التي عملت على صبغ الحرب بالصبغة الطائفية.
على سبيل المثال، في سنة 1541م، كتب أحد رجال الدين العثمانيين السنة، ويُدعى حسين بن عبد الله الشرواني، رسالة بعنوان "الأحكام الدينية في تكفير القزلباش". أفتى الشرواني في تلك الرسالة بجواز قتل الشيعة. وقال إن "مَن قتل واحداً من هذه الطائفة الملعونة، فكأنما قتل وغزا سبعين نفراً من أهل الحرب بل أكثر". على الجهة المقابلة، كتب العالم الشيعي محمد باقر المجلسي كتابه الموسوعي "بحار الأنوار"، وأفتى فيه بتكفير عدد كبير من الصحابة. وقال بأن "كل مَن يحبهم -أي الصحابة- كافر، وكل مَن يشك في كفرهم فلعنة الله ورسوله عليه وعلى كل مَن يعتبرهم مسلمين، وعلى كل مَن لا يكفّ عن لعنهم".
فتوى قتل الإخوة للحفاظ على العرش
هناك أيضاً بعض الفتاوى التي أباحت إراقة الدماء للحفاظ على العرش والمُلك. من أشهر ذلك النوع من الفتاوى فتوى قتل الإخوة التي أفتى بها بعض رجال الدين في الدولة العثمانية. يذكر المؤرخ التركي المعاصر خليل إينالجيك، في كتابه "تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار"، أن السلطان محمد الفاتح أكد صراحةً على حق السلطان الجديد في التخلص من أعدائه المحتملين، حتى ولو كانوا من إخوته. نص الفاتح على ذلك في القوانين التي أصدرها تحت اسم "قانون نامة". ورد في تلك المجموعة: "وأيّ شخصٍ يتولّى السُّلطة من أولادي فمن المناسب أن يقتل الإخوة من أجل نظام العالم". لكن العديد من الباحثين يشككون في صحة "قانون نامة"، ويشددون على أن السلطان محمد الفاتح لم يصدر أبداً نصاً بإباحة قتل الأخوة.
وبغض النظر عن مدى صحة "قانون نامة"، فإن بعض الفقهاء لم يترددوا في تأييد هذا الطرح. على سبيل المثال، قال الفقيه الحنبلي مرعي بن يوسف الكرمي في كتابه المشهور "قلائد العقيان في فضائل آل عثمان": "ومن فضائل آل عثمان قتل أولادهم الذكور خوفاً من الفتن، وفساد ملكهم واختلاف الكلمة وشق العصا بين المسلمين، وهذا الأمر لم يسبقهم إليه أحد فيما أعلم. وهو وإنْ كان أمراً ينفر منه الطبع السليم بحسب الظاهر، لكنه في نفس الأمر خير كبير ونفع كثير".
أيد الكرمي فتواه بآراء مجموعة من الفقهاء والعلماء الذين أجازوا للسلاطين العثمانيين القتل والاغتيال في سبيل الحفاظ على السلطة. بموجب تلك الفتوى تم قتل العديد من الأمراء العثمانيين، كما أقدم بعض السلاطين على إعدام إخوته خوفاً من تمردهم عليه في المستقبل.
هوجمت تلك الفتوى على نطاق واسع من جانب أكثر رجال الدين المسلمين في القرون السابقة. واُعتبرت فتوى شاذة، وأنها سقطة في تاريخ الدولة العثمانية.
فتوى الخميني بهدر دم سلمان رشدي
صدرت في سنة 1988م رواية آيات شيطانية للكاتب البريطاني سلمان رشدي. أثارت الرواية ردود أفعال غاضبة واسعة النطاق. بعث متشددون برسائل تهديد للمؤلف ولدار النشر التي أصدرت الرواية. ومُنع الكتاب من التداول في أغلبية الدول الإسلامية، كما خرجت عشرات المظاهرات للتنديد به في كل من الهند، وباكستان، وبنجلاديش، وإيران، والسودان، وغيرها. وأُحرق عدد كبير من نسخ الرواية في إنجلترا من قِبل المسلمين المحتجين.
لكن تظل الفتوى الصادرة عن رجل الدين آية الله الخميني، المرشد الأعلى السابق للجمهورية في إيران أشهر ردود الأفعال الغاضبة. أهدر الخميني دم سلمان رشدي بصفته مرتداً، وقال في فتواه: "إنني أبلغ جميع المسلمين في العالم بأن مؤلف الكتاب المعنون "الآيات الشيطانية" الذي ألف وطبع ونشر ضد الإسلام والنبي والقرآن، وكذلك ناشري الكتاب الواعين بمحتوياته قد حكموا بالموت، وعلى جميع المسلمين تنفيذ ذلك أينما وجدوهم؛ كي لا يجرؤ أحد بعد ذلك على إهانة الإسلام، ومن يُقتل في هذا الطريق فهو شهيد".
بسبب تلك الفتوى، تعرض رشدي للعديد من محاولات الاغتيال. كانت آخر تلك المحاولات تلك التي وقعت في الثاني عشر من أغسطس سنة 2022م، عندما تعرض الكاتب البريطاني للطعن في عنقه من قبل متطرف أثناء استعداده لإلقاء محاضرة في قاعة بولاية نيويورك الأميركية. من جهة أخرى، تعرضت فتوى الخميني لانتقاد العديد من المفكرين المسلمين، والذين رأوا فيها دعوة لنشر الإرهاب الفكري.
فتوى تصفية جماعة الإخوان المسلمين
سقط حكم الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي في الثالث من يوليو سنة 2013م. زُج بعناصر جماعة الإخوان المسلمين في السجون. وشهدت مصر سلسلة من أحداث العنف التي لم تتوقف على مدار عدة سنوات. في هذا السياق، أفتى بعض رجال الدين المؤيدين للسلطة الجديدة بإباحة اللجوء للقوة ضد عناصر جماعة الإخوان المسلمين لكونها "جماعة إرهابية تخريبية" تستهدف إسقاط الدولة المصرية.
كانت فتوى مفتي مصر الأسبق علي جمعة من أشهر تلك الفتاوى على الإطلاق. أفتى جمعة في أحد المؤتمرات التي حضرها العشرات من القيادات العسكرية بجواز قتل عناصر الجماعة. شبههم في فتواه بالخوارج ووصفهم بكلاب أهل النار. وتابع قائلاً: "اضرب في المليان، إياك أن تضحي بأفرادك وجنودك من أجل هؤلاء... طوبي لمن قتلهم، وقتلوه... كان يجب أن نطهر مدينتنا من هؤلاء الأوباش... يجب أن نتبرأ منهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب". انتقد الكثيرون كلام علي جمعة، وشددوا على خطأ تلك الفتوى وأنها صدرت لأهداف سياسية.
فتاوى داعش ضد الأيزيديين
في سنة 2014م، اجتاحت قوات تنظيم "داعش" شمال العراق. وتمكنت من السيطرة على الموصل ونينوى، ليجد الأيزيديون الذين يعيشون في تلك المنطقة أنفسهم أمام واحد من أكثر التنظيمات المتطرفة في العالم في الفترة الأخيرة.
في أقل من ثلاثة أيام، استعبد داعش أكثر من 6400 أيزيدي معظمهم من النساء والأطفال. وبعد شهرين من احتلال سنجار، وزع التنظيم على مقاتليه كتيبا من 10 صفحات بعنوان "سؤال وجواب في السبي والرقاب"، أباح فيه سبي الأيزيديات، كما يرد في مقال سابق على "ارفع صوتك".
تعرضت فتوى داعش في حق الأيزيديين للانتقاد من قبل الكثير من الشخصيات والمؤسسات الإسلامية. من بينها دار الإفتاء المصرية، التي وإن لم تنكر تشريع الإسلام للسبي في الأصل، فقد اعتبرته بات محرما في الوقت الراهن.
في سنة 2015، أصدرت الدار، بناء على طلب من اتحاد علماء كردستان العراق، فتوى تقول إن مشاركة الدول الإسلامية في الاتفاقيات المتعلقة بإلغاء الرق في العالم تلغي الرق شرعيا.
واستشهدت دار الإفتاء بالاتفاقية الدولية لتحرير الرق في برلين سنة 1860 التي شاركت فيها دولة الخلافة العثمانية واتفاقية منع الرق سنة 1926 التي وقعتها الدول الأعضاء في عصبة الأمم.
بالنسبة لدار الافتاء المصرية، تعطل هذه الاتفاقيات كل أحكام الرق شرعيا. تقول الدار "بذلك ارتفعت كل أحكام الرقيق وملك اليمين المذكورة في الفقه الإسلامي لذهاب محلها، وصار الاسترقاق محرما لا يجوز".