أثار حرق مواطن من أصل عراقي يعيش في السويد نسخة من المصحف موجة عالمية من الاستنكار. ووصف المستنكرون العمل بأنه يحضّ على الكراهية ويستفز الحساسيات الدينية، ويوقظ التطرف.
ووصف الأزهر في بيان هذا الفعل بأنه "دعوة صريحة للعداء والعنف وإشعال الفتن"، فيما أعلنت دول كثيرة حول العالم استنكار هذا الفعل.
ويفتح ما حدث الباب واسعاً على نقاش الخط الرفيع الفاصل بين حرية التعبير وبين خطاب الكراهية، وكيف يمكن التوفيق بين الدفاع عن حرية التعبير وفي الآن عينه مكافحة خطاب الكراهية الذي خصصت له الأمم المتحدة يوماً دولياً في الثامن عشر من شهر يونيو من كل عام.
لم تمض أكثر من ١٠ أيام على احتفال العالم بهذا اليوم الدولي، حتى وضع الشاب العراقي الذي أحرق نسخة من المصحف في السويد معظم دول العالم أمام نقاش مسألة الحرية وعمّا إذا كانت مطلقة لا تحدها ضوابط، والمدى الذي يمكن إن تصل إليه.
وعشية الاحتفال بهذا اليوم، دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك الجميع إلى التعاون من أجل بناء عالم "أكثر احتراماً وتحضّراً"، ومن أجل اتخاذ إجراءات فعالة لإنهاء خطاب الكراهية. وقال: "ندرك تمامًا أنّ تفشّي الكراهية يستخدمه أولئك الذين يرغبون في زرع الانقسامات والتضحية بالآخرين وتحويلهم إلى كبش فداء بغية صرف الانتباه عن القضايا الحقيقية".

"حرية التعبير مقدسة ومكرسة بالتشريعات الدولية"، كما تقول لـ"ارفع صوتك" المدربة على التواصل ومحاربة خطاب الكراهية تانيا غرّة. وتشدد أن لهذه الحرية "أطرا وضوابط منذ كتابة شرعة حقوق الإنسان"، مضيفة أن "هذا الإطار فضفاض ولكن شيئاً فشيئا مع التطور بدأنا نلاحظ ما هو الإطار الأمثل"، وهو أن "حرية التعبير مطلقة دون مضايقة، أي من دون أن يضايقني أحد حينما أعبّر عن رأيي ولكن أيضاً دون أن أضايق غيري حينما أعبّر عن رأيي".
و"المضايقة"، حسب غرّة، كلمة مطاطة إذ إن "ما يضايقك ليس بالضرورة هو ما يضايقني". ومع الوقت، تضيف غرّة، "صدرت ورقة عمل مدينة الرباط سنة 2012 التي ناقشت مكافحة خطاب الكراهية، وهذا يعني أن ليس كل ما يقال يندرج ضمن حرية الرأي، بل هناك ما يندرج ضمن خطاب الكراهية".
ومع حلول العام 2019، كانت الأمم المتحدة قد طوّرت مفهوم خطاب الكراهية وتعريفه، ليصير "كل خطاب كلامي أو مكتوب أو تصرّف يزدري ويستخدم الإهانة لمكونات فرد أو جماعة، من إثنية أو عرق أو ميول جنسية أو دين وكل ما يشكل الأنا لكل فرد موجود على الكرة الأرضية"، بحسب غرة.
وتتابع غرّة أن بعض القوانين في بعض الدول غير الديمقراطية التي تحمل عناوين من مثل تجريم "ازدراء الأديان"، يتم استخدامها لـ"كمّ الأفواه". وبالتالي "يصير القانون الذي يفترض أن يحمي من خطاب الكراهية سيفاً ذا حدّين"، بحسب غرّة، حيث "يجب أن تتضمن القوانين إشارة إلى مكافحة خطاب الكراهية مع إقرار الحق في حرية التعبير وصونها والتمييز بينهما".
و"خطاب الكراهية له أسس وتعريفات"، تتابع المدرّبة على التواصل اللاعنفي، "وليس كل ما يزعجنا يمكن أن يندرج ضمن خطاب الكراهية حتى لا يستخدم كتعبير فضفاض لكم الأفواه". وتوضح أن "خطاب الكراهية هو الذي يدعو إلى إلغاء الآخرين أو أذيتهم، أو التنمّر والتمييز على العرق أو الدين أو الهوية الجنسية والذي قد يؤدي إلى أعمال عنف".
وفي هذا السياق، تصف تصرف الشاب العراقي الذي أحرق نسخا من المصحف في السويد بأنه "تمادٍ واستغلال لما يسمى حرية التعبير المطلقة" وهو مصنف برأيها ضمن "خطاب الكراهية".
وحرية التعبير، إذ "تكفل للشاب حقه في أن ينتقد الدين الاسلامي وأي دين آخر"، بحسب غرة، لكنه "لا يجب أن يستغلها لتجييش المشاعر والدعوة إلى الكراهية التي قد تؤدي إلى استفزاز وتوتر وأعمال عنف".
وتعتقد غرّة أن السويد سمحت له بالقيام بذلك، "لأنها تخشى على حرية التعبير في البلاد"، وتعقّب: "لكن كان يمكن التعامل بذكاء مع هذه الحالة من قبل السلطات السويدية".
وتتابع غرة أن "لقوانين الرادعة وحدها لا يمكن أن تمنع بشكل كامل استخدام خطاب الكراهية من قبل أفراد أو جماعات، ويجب بالتالي العمل على سحب الأرضية الحاضنة لهذا الخطاب، من خلال التربية والتوعية والبرامج الإعلامية من خلال سياسات واضحة لوسائل التواصل الاجتماعي التي يجب أن تنخرط أكثر في مكافحة خطاب الكراهية".
وتضيف: "عندها يصبح هذا الخطاب في حال صدوره عن أفراد متزمّتين ومتشددين مجرّداً من الأرضية التي تستقبله وتحتضنه وتصفق له".

وتعتبر غرة أن هناك ازدواجية معايير في التعامل مع خطاب الكراهية في الدول الغربية. تقول: "ماذا لو قام أحد في أوروبا أو أميركا بممارسة "حريته" وإلقاء خطاب فيه عداء للسامية؟ كيف سيتصرف معه القانون الذي يجرّم هذا النوع من خطاب الكراهية ضد اليهود؟". وتجيب أن القانون سيكون حازماً في منع هذا النوع من خطاب الكراهية المعادي للسامية، فيما يبدو التعامل مع خطاب الكراهية ضد المسلمين أكثر تسامحاً من قبل القوانين الغربية بسبب ما تصفه غرّة بأنه "رهاب الإسلام" المنتشر في هذه البلدان.
وبالتالي فإن "الموازين غير مكرّسة في هذا المجال، والمنطق ليس واضحاً" على حدّ تعبيرها.
والحل لمثل هذه الظواهر ومحاولات الاستفزاز المتطرفة، حسب غرة، يكون في "بناء مجتمع متقبل للتنوع، وإيجاد رأي عام يعرف قيمة حرية التعبير"، وهي "مسؤولية لديها ضوابط وليست حرية مطلقة".
وتختم غرة بأن القوانين التي تعاقب الاعتداء على حريات الآخرين هي "بمثابة سيف ذي حدين"، وأيضاً القوانين التي تحمي حرية التعبير المطلقة حتى لو تضمنت خطاب كراهية "هي أيضاً سيف ذو حدين.. ويحتاج الأمر إلى الكثير من العمل والمتابعة والتوعية لتحقيق التوازن والتفريق بين حرية التعبير المسؤولة وخطاب الكراهية الذي يجب أن يبقى منبوذاً".