في عام 1999 استُخدمت الطائرات المسيرة عسكرياً لأول مرة للقيام بعمليات استطلاع وتحديد أهدافٍ محتملة. وفي فبراير 2011 جرت تجربة إطلاق صاروخ من طائرة مسيرة "بريداتور"، وكانت بداية لاستعمال الطائرات الموجَّهة كسلاحٍ قاتل بعد استخدامها لسنوات في أغراض المراقبة والاستطلاع.
بمرور الوقت حدثت تطورات ضخمة في تكنولوجيا البطاريات والكاميرات وأجهزة الاستشعار، الأمر الذي انعكس إيجاباً على صناعة الطائرات المسيرة، وجعلت الواحدة منها أكثر قُدرة على الطيران والاستقرار الدقيق والرصد.
ومنذ شهرين، باتت الطائرات المسيرة حديث العالم بعدما شنّت 8 طائرات مسيّرة هجمات على موسكو وجّهت خلالها عدة قذائف لمبانٍ روسية، سبقت هذا الهجوم غارة روسية تكوّنت من 20 طائرة مسيّرة أضرمت النيران في عدة مبان بالعاصمة الأوكرانية كييف.
ورغم ضعف نتائج الغارتين فإنها أشرّت على مخاطر كبيرة لهذه الطائرات وقدرتها على تنفيذ هجماتٍ نوعية داخل دول تمتلك أنظمة دفاع جوي متطورة، ما زاد من أهمية النظر إلى "الدرونز" كسلاح أثبت نجاحاً كبيراً في عدة مناطق ساخنة حول العالم، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب.
بالعودة إلى نوفمبر 2001، حيث شهد العالم أول عملية اغتيال بواسطة "الدرونز"، حين استعانت واشنطن بها لقتل محمد عاطف المصري القائد العسكري في تنظيم القاعدة، وأحد المتّهمين بتدبير هجمات 11 سبتمبر، وفي 2022 قُتل بواسطتها أيضاً أبو علي الحارثي عضو تنظيم القاعدة في اليمن.
بعد ذلك، زاد الاعتماد على الطائرات المسيّرة لملاحقة الإرهابيين حول العالم. وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فإن الولايات المتحدة الأميركية نفّذت 14 ألف غارة جوية حول العالم بِاستخدام الطائرات المسيرة لقصف أهداف إرهابية.
وفي السنوات الماضية دعّمت واشنطن من هجماتها الجوية بعد تصاعد تهديدات جماعات إرهابية باستهداف المصالح الأميركية.
ومن أشهر المستهدفين بالطائرات المسيرة أنور العولقي، وهو رجل دين يمني متطرف وأحد منظري تنظيم القاعدة، وقد قُتل في سبتمبر 2011. كذلك السعودي إبراهيم عسيري خبير المتفجرات بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي قُتل عام 2017.
نجحت المسيرات الأميركية إلى حدٍّ كبير في تقليل الخسائر في صفوف المدنيين اليمنيين، وبحسب تقارير إعلامية فإن عدد المدنيين الذين أصيبوا خلال "ضربات المسيّرات" في اليمن لم يزد عن 58 فرداً من بين 393 إرهابياً أسقطتهم الضربات الجوية الدقيقة.
أيضاً في عام 2011 استعانت قوات الناتو بـ"الدرونز" لتنفيذ ضرباتٍ دقيقة ضد جيش القذافي خلال قمعه الدموي للتظاهرات الشعبية التي عارضت النظام الحاكم.
وقد يكون النجاح الأبرز لاستخدام تلك الطائرات، استهداف أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة في أفغانستان، العام الماضي.
وينضم طبعا إلى المستهدفين قادة آخرون من بينهم الملا أختر منصور زعيم طالبان الذي قتل عام 2016، وكذلك المتطرف المعروف "الجهادي جون".
أهميتها
ينسجم الاعتماد المتزايد على الطائرات المسيرة مع الإستراتيجية العسكرية الأميركية، التي تسعى للحدِّ من قُدرات الإرهابيين دون التورط في خوض اشتباكات مباشرة معهم على أراضيهم، خاصة إذا لجأ القادة المستفيدون إلى مناطق جبلية وعرة التضاريس يصعب الوصول إليها عسكرياً حتى مع استخدام عناصر من القوات الخاصة.
وهو ما علّق عليه جوشوا شوارتز، الباحث في علوم الأمن والسياسة في مقال نشرته "واشنطن بوست"، مؤكداً أن الطائرات المسيرة "أثبتت كفاءة كبيرة في تعطيل عمل الجماعات الإرهابية، لأنها تدفع الإرهابيين إلى تقييد تحركاتهم وتقليل اتصالاتهم وإغلاق معسكراتهم التدريبية خوفاً من الاستهداف جواً".
وأيضاً فإن القادة "ذوي المهارات العالية" سيضطرون لعدم الظهور المباشر في ساحات المعارك، الأمر الذي سيُضعف من قُدرة جماعاتهم على تحقيق انتصاراتٍ حاسمة، بحسب شوارتز.
وهكذا، بتكلفة مالية قليلة نسبياً وبنسبة مخاطرة ضئيلة وفي وقتٍ زمني صغير أمكن للدول أن تنفّذ هجماتٍ دقيقة ومباشرة على قادة التنظيمات الإرهابية عبر استخدام الطائرات المسيرة. حتى أن "جميع الدول التي أعلنت استخدامها للطائرات المسيرة انخفضت بها نسبة الهجمات الإرهابية من 35% إلى 75%"، كما أكد شوارتز.
وجاء في مقاله، أنه ورغم "المحاذير الأخلاقية" التي يثيرها الاستخدام المتكرر لهذه الطائرات، إلا أنها "أثبتت فعالية كبيرة في التصدّي للهجمات الإرهابية حول العالم".
سلاح الإرهابيين.. أيضاً!
وفقاً للباحث رأفت محمود، فإنه رغم نجاح الضربات الأميركية في إسقاط قيادات إرهابية خطرة في أفغانستان وليبيا والصومال وباكستان واليمن، إلا أنها "خلّفت أضراراً جانبية ضخمة في صفوف السكان المحليين الذين تزايد شعورهم بالعداء ضد واشنطن، بسبب انتهاكها السيادة القومية لبلادهم بأسلحتها المتطورة".
وقال في دراسته، إن "مثل هذه الضربات كانت تزيد من مشاعر التعاطف بين الإرهابيين وتدفعهم لتنفيذ عمليات تفجيرية انتقامية ضد الولايات المتحدة وحلفائها"، ونقل عن وسائل إعلام محلية بأن الضربات الأميركية "تزيد من التطرف في باكستان".
وهو ما أكّد عليه البروفيسور ديفيد دن، أستاذ العلاقات الدولية، حين قال إن تنظيم داعش "كان أول تنظيم إرهابي استعان بالطائرات المسيرة محلية الصنع لتنفيذ عملياته مثلما فعل حينما استعان بدرون لرصد وقتل بعض مقاتلي البشمركة".
وفي أفريقيا، تزايَد اعتماد الجماعات الإرهابية على الطائرات المسيّرة ليس فقط لإجراء عمليات قتل مباشرة ولكن لجمع معلوماتٍ استخباراتية وتصوير مقاطع فيديو دعائية للترويج لنشاطاتها.
في مقاله أيضاً، حذّر ديفيد دن من أن الطائرات المسيرة "قد تكون سلاحاً مثالياً بين أيدي الإرهابيين"، قائلاً "هذه الطائرات الصغيرة رخيصة وسهلة الشراء والتشغيل، وتسمح لمُشغليها بتنفيذ عمليات بعيدة دون الكشف عن هويتهم".
ومن المتوقع أن تزداد قُدرة هذه الطائرات القتالية عقب تزويدها بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي ستزيد من قُدرتها على القنص وتنفيذ الأعمال النوعية في قلب مواقع العدو المفترض.
وبحسب مؤشر الإرهاب العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام هذا العام، فإن الاعتماد على الطائرات المسيّرة لشنِّ هجماتٍ إرهابية "ينمو بسرعة"، وعدّد التقرير 65 منظمة باتت قادرة على استخدام "الدرونز" في عملياتها منها داعش وبوكو حرام والحوثي.
وحذّر التقرير من أن أحداً لم يهتم باتخاذ تدابير مضادة لمنع استخدام الإرهابيين للطائرات المسيرة، الأمر الذي قد يجعلها مصدرا كبيرا للقلق في المستقبل.