في ذكرى مرور عامين على استيلائها على حُكم أفغانستان، نجحت حركة طالبان في فرض سيطرتها على البلاد بعدما قضت على أهم حركات المعارضة لحُكمها وشدّدت قبضتها في عموم البلاد.
فلم يعنِ هذا أن حياة الأفغان باتت أفضل من ذي قبل، بل على العكس فإن سيطرة طالبان -بلا معارضة تُذكر- على السُلطة في البلاد مكنّها من تطبيق سياساتها المتطرفة في شتّى المجالات، وهو وضع عانت منه جميع فئات المجتمع الأفغاني.
النساء: كل شيء ممنوع
منذ عودة طالبان إلى حُكم أفغانستان في أغسطس من العام 2021 أعيد فرض الحجاب الإلزامي و حُرمت الفتيات من الذهاب إلى المدرسة بعد الصف السادس.
ووفقاً لإحصائيات دولية فإن 80% من النساء اللواتي بلغن سن الدراسة لم يلتحقن بأي مؤسسة تعليمية.
في العام الثاني من الحُكم فُرضت سلسلة جديدة من قرارات الحظر على النساء مثل ارتياد الحدائق والصالات الرياضية والجامعات فضلاً عن إغلاق صالونات التجميل في عموم البلاد، وبحسب حقوقيين فإن طالبان أصدرت 51 حظراً ضد النساء منذ وصولها إلى السُلطة.
أيضاً منعت طالبان النساء من العمل في المنظمات غير الحكومية بما فيها المؤسسات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، الأمر الذي قلّل من فُرص العمل المتاحة أمام النساء في ظل تدهور الموضع الاقتصادي وانتشار البطالة في عموم البلاد.
وبحسب منظمة العدل الدولية فإن مشاركة المرأة في الوظائف انخفضت بنسبة 25%، ووفقاً لاستطلاع آخر أجرته الأمم المتحدة فإن 68% من النساء الأفغانيات يشعرن بأن سلامتهن مهددة.
منْعُ طالبان النساء من التعليم أدخل البلاد في أزمة متناقضة، وهي أن قواعد طالبان تحظر حصول المرأة على رعاية طبية إلا من امرأة مثلها، في الوقت نفسه فإن الفتيات بتن ممنوعات من التعليم ودراسة العلوم ومنها علوم الطب، الأمر الذي خلق أزمة كبيرة في نقص الكوادر الطبية النسائية في أفغانستان، وهو ما حذّرت منه هيثر بار عضوة منظمة "هيومن راتيس ووتش" مؤكدة أن عشرات النساء معرضات للموت في أفغانستان بسبب نقص المتخصصات في الرعاية الصحية.
وبحسب تقرير أممي فإن هذه الظروف نشرت الاكتئاب بين الفتيات الأفغانيات وزادت من ميلهن إلى الانتحار.
اليوم وفي ظِل احتفالات الحركة باستيلائها على كابل، نظمت 100 امرأة أفغانية مظاهرة ضد سياسات حركة طالبان في إسلام أباد عاصمة باكستان، صرّحت إحدى المشاركات "15 أغسطس يوم أسود، أفغانستان سقطت في حفرة من الظلام".
هذا الوضع الصعب لخّصته الناشطة الحقوقية محبوبة سراج المرشحة لنيل جائزة نوبل للسلام هذا العام، بتصريح قالت فيه إنه "لم يعد هناك شيء اسمه حرية المرأة، يتم محو النساء ببطء من المجتمع في أفغانستان".
استهداف المدنيين برعاية الدولة
على الرغم من أن قادة طالبان تعهدوا في مؤتمر صحفي عقدوه بعد يومين من السيطرة على كابل، بالعفو عن المسؤولين الحكوميين السابقين وفرض الأمن في البلاد، فإن تقارير حقوقية كشفت عن تنفيذ طالبان ألف حادث عنف استهدفت بها المدنيين منذ وصولها إلى السُلطة وحتى منتصف هذا العام.
لم تقتصر هذه الهجمات على مسؤولي النظام السابق، وإنما شملت أيضاً عشرات النساء والصحفيين. واحدة من أشهر هذه الحوادث جرت مع طالبة الطب إيلها التي اتهمت قاري سعيد خوستي المتحدث الرسمي بِاسم وزارة الداخلية في طالبان، بإجبارها على الزواج منه واغتصابها.
وفقاً لتقديرات أممية فإن 1.6 مليون أفغاني فرّوا من بلادهم فور سيطرة طالبان على أفغانستان أغلبهم رفضت الدول المجاورة استقبالهم وتحوّلوا إلى لاجئين يعيشون ظروفاً صعبة في مخيمات الإيواء وبعضهم أُجبر على العودة القسرية إلى أفغانستان.
وضع اقتصادي صعب
حاول قادة طالبان إدارة الاقتصاد بشكلٍ مختلف عن تجربتهم السابقة فأبقوا على الكيانات الرئيسية التي ورثوها من النظام السابق مثل وزارة المالية والبنك المركزي، كما فرضوا نظاماً صارماً لتحصيل الجمارك وشنوا حملات منتظمة لمكافحة الفساد والرشوة.
أيضاً حقّقت طالبان نجاحاً كبيراً في حظر زراعة الخشخاش الذي يُصنّع منه مخدّر الأفيون، وبحسب تحقيق أجرته "بي بي سي"، فإن مقاطعة هلمند التي كانت مسؤولة عن نصف إنتاج البلاد من الخشخاش انخفضت المساحة المزروعة فيها من 129 ألف هكتار في 2022 إلى 740 هكتاراً فقط في أبريل 2023، كما انخفضت المساحات المزروعة في مقاطعة ننجرهار من 7 آلاف هكتار العام الماضي إلى 865 هكتاراً فقط هذا العام.
هذه الجهود لم تفلح في انتشال الاقتصاد الأفغاني من أزمته، فحظر الخشخاش حرم الأسر الريفية من مداخيل تقدّر بمليار دولار سنوياً، وبحسب تقديرات مجلس الأمن فإن الاقتصاد الأفغاني انكمش بما يقرب من 30% وصولاً إلى 40% منذ استيلاء طالبان على الحُكم.
هذا الوضع السيء مرشّح للتفاقم في ضوء العُزلة الدولية المفروضة على الحركة والتي دفعت الدول الكبرى إلى الإحجام عن تقديم أي مساعدات للخزانة الأفغانية، وهو ما تطرّق إليه البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة مشيراً إلى أن "التوقعات الاقتصادية صعبة للغاية، الانخفاض الكبير في المساعدات الدولية سيؤدي إلى زيادة الضغوط على سعر الصرف".
ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة فإن أفغانستان تعيش أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم؛ فثُلث عدد سكانها (28 مليون نسمة) في حاجة إلى مساعدات إنسانية، منهم 4 ملايين فرد يعانون من سوء تغذية حاد بينهم 3.2 مليون طفل دون الخامسة.
الباحثة فيريشتا عباسي لخّصت تجربة حُكم طالبان بأن الأفغان يعيشون "كابوساً إنسانياً وحقوقياً".
عُزلة دولية وأرصدة مجمدة
فور سيطرة طالبان على كابول سحبت الدول الغربية جميع موظفيها من أفغانستان ولم يبقَ إلا بعثة صغيرة تمثل الاتحاد الأوروبي، فيما فضّل الدبلوماسيون الغربيون المعنيون بأزمة أفغانستان الإقامة في إمارة قطر.
في ظِل الوضع الحقوقي المتردي في أفغانستان انهالت الانتقادات الدولية على طالبان وأحجمت أغلب دول العالم عن الاعتراف بها، وبسبب قلقهم من أن تقع أموالهم في أيدي طالبان أحجمت المنظمات الإنسانية عن ضخ المزيد من المساعدات في عموم أفغانستان.
العام الماضي وصلت إلى أفغانستان مساعدات بقرابة 3 مليارات دولار، أما هذا العام فستتقلّص قيمة المساعدات لنحو مليار دولار فقط وفقاً لأكثر الترجيحات تفاؤلاً.
هذه العُزلة الدولية تفرض تحدياً كبيراً على حركة طالبان التي مثّلت المساعدات الدولية قرابة 80% من موازنتها، خاصة مع مرور أفغانستان طيلة العامين الماضيين بحالة شديدة من الجفاف، على الصعيد المناخي، أثّرت على أنشطة الزراعة.
الشهر الماضي سعت الحركة للتخفيف من وطأة الوضع الاقتصادي الصعب فأجرت مباحثات استثمارية في الصين وكازاخستان وقطر.
من جانبهم أعرب قادة الحركة عن رغبتهم في رفع العقوبات الدولية المفروضة على بلادهم والإفراج عما يزيد عن 7 مليارات دولار (قرابة 40% من إجمالي إنتاج البلاد) مجمّدة في البنوك الأمريكية، فيما أعلنت الولايات المتحدة عن نيتها استغلال 3.5 مليار دولار من الأموال المجمدة في تأسيس صندوق يقدّم العون الاقتصادي لأفغانستان، لكن هذه الخطوات يبدو أنها لن تحدث قريباً في ظل سوء العلاقات بين طالبان وبين أمريكا وأوروبا.