صورة أرشيفية لعناصر من القوات الأزوادية في مالي- ا ف ب
صورة أرشيفية لعناصر من القوات الأزوادية في مالي- ا ف ب

يكاد حصار جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" لتمبكتو شهره الثاني، دون أن يتمكن الجيش المالي وقوات فاغنر من فكّه، إذ تعيش المدينة الأثرية الواقعة شمال مالي في عزلة تامة منذ أن قرر فرع تنظيم القاعدة في الساحل بشكل مفاجئ قطع كل الطرق المؤدية إليها مطلع أغسطس الماضي.

وأمس الاثنين، أعلنت الجماعة، في بيان، فرض حصار جزئي على مدينة "غاو" الواقعة على ضفاف نهر النيجر وتبعد عن تمبكتو 320 كلم إلى الجنوب الشرقي، ويقطنها حوالي 86000 نسمة.

حصار المدن والقرى في مالي كان دائما تكتيكا عقابيا تلجأ إليه الجماعات المتشددة لتأكيد نفوذها، وعقاب من تتهمهم بالتعاون مع خصومها، لكن هذه المرة أخذ طابعا استثنائيا في دواعيه وملابساته. فماذا تريد القاعدة هذه المرة من حصارها لأشهر مدن الساحل الأفريقي؟

 

حصار تمبكتو

خلال السنوات الماضية أعلنت "نصرة الإسلام" في الساحل، مراراً، عن حصارها لبعض القرى والمدن في مناطق متفرقة من مالي، في سياق حربها على الحكومة والقوات المتحالفة معها سواء كانت فرنسية (قبل خروجها من البلد) أو تابعة لشركة فاغنر الروسية، كان آخرها ما أعلنت عنه الجماعة من فرضها حصارا خانقا أواخر يوليو الماضي على بلدة بوني.

آنذاك، بررت خطوتها في بيان أصدرته في أوائل أغسطس الماضي، بأن أهالي البلدة تعاونوا مع قوات فاغنر والجيش المالي. ولتبرير حصار بلدة كل أهلها من المسلمين وهو ما يتنافى حتى مع أدبيات التيار الجهادي نفسه، أكد البيان أن الذين رفضوا التعاون مع فاغنر قد "خرجوا من البلدة قبل تطويقها وقطع الإمدادات عنها، ولم يبق منها سوى المدانين بالتعاون".

نجاح تكتيك الحصار في إرغام القرى وأعيانها على الرضوخ لرغبات الجماعة، دفع بجماعة "نصرة الإسلام" إلى اتخاذه تكتيكا ناجعا لتوسيع سيطرتها ومد نفوذها على مساحات شاسعة في شمال ووسط البلاد، ليأتي حصار  تمبكتو منذ حوالي شهرين مؤكداً إصرار الجماعة على التمسك بتكتيكها رغم تداعياته الكارثية على المدنيين.

في 12 أغسطس الماضي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي رسائل صوتية منسوبة إلى المدعو "طلحة أبو هند" وهو قيادي بارز في "نصرة الإسلام"، ودرج على توقيع بياناته بـ"والي ولاية تمبكتو"، أعلن فيها أن المدينة العريقة التي يقطنها 35000 نسمة باتت تحت الحصار، وحذر الشاحنات القادمة من الجزائر و موريتانيا والمناطق الأخرى من دخولها. 

بعض أهالي المدينة حسب ما نقلته وكالة رويترز، ظنوا أن الأمر يتعلق فقط بتطور عسكري مؤقت كما كان يحدث في السنوات السابقة، لكن الأحداث اللاحقة واستمرار الحصار لأسابيع بدد آمالهم في عودة سريعة إلى حياتهم الطبيعية.

في الأيام اللاحقة لإعلان تطويق مدينة تمبكتو، وقعت تطورات أكدت أن الأمر لا يتعلق فقط بعقاب مؤقت لمدينة "المزارات والأضرحة" بل بخطة إعادة تمكين للجهاديين، وسيطرتهم على مدن إقليم أزواد الرئيسية.

بدأت "نصرة الاسلام" عمليات موسعة في محيط تمبكتو استهدفت الجيش المالي وقوات فاغنر في منطقة بير، كما استهدفت قوات حفظ السلام الأممية (مينوسما).

وفي 18 أغسطس الفائت، عادت قوافل من شاحنات محملة بالبضائع قادمة من الجزائر، أدراجها، بعد تهديدات باستهدافها. وعلى امتداد الشهر نفسه وقعت اشتباكات متعددة حاول فيها الجيش المالي وقوات فاغنر فتح طرق برية إلى داخل المدينة لكن دون جدوى.

في 28 الشهر نفسه، أعلن رئيس بلدية تمبكتو أن المدينة تعاني نقصا حادا في الأغذية والمواد الأساسية وارتفاعا كبيرا في الأسعار، مناشدا الجماعة فتح الطرق إلى المدينة أمام الإمدادات الغذائية.، وشكّل لجنة تضم 30 شخصية دينية وعرقية بارزة لرفع مناشدات الأهالي إليهم.

وتأكيدا على المضي قدما في خططها، هاجمت "نصرة الإسلام" مطار تمبكتو، ما أدى إلى إلغاء كافة الرحلات الجوية من وإلى المدينة اعتبارا من 11 سبتمبر الماضي. غير أن الحدث التراجيدي الأبرز وقع في 7  سبتمر، عندما تم استهداف عبّارة تمبكتو النهرية ثلاثية الطوابق قرب قرية زارهو (90 كلم شرق تمبكتو) أثناء نقلها مواطنين عبر خط غاو-موبتي على نهر النيجر، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات ممن كانوا على متنها.

ورغم أن الجماعة المتطرفة نفت مسؤوليتها عن الحادث في بيان لها، إلا أن الحكومة المالية أشارت بأصابع الاتهام نحوها.

 

سباق النفوذ

معطيات كثيرة استجدت في مالي خلال الفترة التي أعقبت استيلاء الجيش على السلطة في مايو 2021 وتشكيل مجلس عسكري عيّن أسيمي غويتا رئيسا انتقالياً للبلاد، أبرزها خروج القوات الفرنسية في 15 أغسطس 2022 بإلحاح من السلطة العسكرية الحاكمة، وإحلال عناصر شركة فاغنر الروسية مكانها، وتصاعد هجمات القاعدة وداعش حتى خرجت مناطق واسعة من قبضة الحكومة، وإقرار دستور جديد في يونيو الماضي بنسبة مشاركة لا تتعدى 38%، مع تعذّر تصويت عدد من المناطق بما فيها مدينة غاو -معقل الحركات الأزوادية- بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، وهو ما يعتبره ماليون طعنا في تمثيلية الدستور.

تحركات الجيش المالي وقوات فاغنر في شمال البلاد بعد خروج القوات الفرنسية والأممية، وقصفها مواقع محسوبة على الحركات الأزوادية، دفع الأخيرة إلى التنصل من اتفاق السلام الذي وقعته مع باماكو في الجزائر عام 2015، والبدء في حشد قواتها العسكرية، وتوحيد صفوفها تحت اسم "الجيش الوطني لأزواد" مع سحب كافة ممثليها من العاصمة، وشروعها في اقتحام القواعد العسكرية للجيش المالي، والسيطرة على قرى ومدن أزواد،  آخرها السيطرة على بلدة بمبا الواقعة بين تمبكتو وغاو، الاثنين.

هناك إذاً سباق محموم بين تنظيمي القاعدة وداعش والحركات الأزوادية للسيطرة على المدن والمواقع الإستراتيجية في إقليم أزواد، وكل منها يعتبر نفسه "دولة"، لها الحق في حكم الشمال وفرض نفوذها عليه.

من جانبه، عزز داعش مواقعه في منطقة ميناكا، وأعلن في 25 أغسطس الماضي عن مدّ نشاطات "الحسبة" إلى مناطق جديدة، سعياً لفرض "دولة" الأمر الواقع.

أما جماعة "نصرة الإسلام"، فترى نفسها "إمارة إسلامية شرعية"، وباتت بياناتها تحمل عناوين مثل "إمارة تمبكتو، ولاية غاو.."، بينما نسقت الحركات الأزوادية تحركاتها وأكدت في بياناتها أنها "الممثل الشرعي" لشعب أزواد، وشكلت تبعاً لذلك "الجيش الوطني لأزواد".

بالتالي، هناك ثلاثة مشاريع متضاربة في توجهاتها الفكرية وخلفياتها الأيديولوجية، وكل واحد منها يحاول قضم ما استطاع من المدن والقرى، ليفرض نفسه بديلا عن حكومة باماكو التي باتت سيطرتها تنحسر عن الشمال يوما بعد يوم، وملء الفراغ الذي خلفه انحساب القوات الفرنسية.

 

سيناريو 2012

المعطيات الميدانية والسياسية في مالي آخذة في التبلور لتشيكل مشهد مطابق تماما لمشهد 2012 مع تغييرات طفيفة على مستوى حضور فاعلين جدد، وواقع معقد يصعب التكهن بمآلاته، بعد انسحاب الجيش الفرنسي.

في 2012 اجتاح تحالف هش جمع الحركات الأزوادية وتنظيم القاعدة وحركة "التوحيد والجهاد" وتنظيم "أنصار الدين"، إقليم أزواد، وفرض سيطرته على المدن الرئيسية: غاو، وكيدال، وتمبكتو. وأعلن نظاما إسلاميا ما لبث أن تفكك على وقع خلافات حادة بين الفرقاء الأزواديين والجهاديين، ثم جاء التدخل الفرنسي وقوّض "الإمارة" وبدد أحلام الجهاديين.

هذا السيناريو يتكرر الآن إلى حد ما، فجماعة "نصرة الإسلام" هي فرع القاعدة في مالي وتضم أيضا جماعة "أنصار الدين" بزعامة إياد أغ غالي، وداعش هي نفسها حركة "التوحيد والجهاد"، وتنسيقية حركات أزواد (سيما) هي نفسها "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" التي تحالفت مع القاعدة في 2012 مع توسع في مكوناتها.

صحيح أن هذه الجماعات والحركات لا يجمعها أي تحالف موثق كما هو الحال في 2012 لكن بوسع المراقب أن يلحظ أنها تتجنب الصدام مع بعضها البعض في الوقت الراهن، كما رجح متابعون للشأن المالي أن يكون هناك اتفاق بعدم الاعتداء بين الجيش الوطني لأزواد وبين "نصرة الإسلام والمسلمين".

وتعتبر مدينة غاو من المعاقل الرئيسة لتنسيقية الحركات الأزوادية، وقيام القاعدة بفرض الحصار عليها يعني أن السيطرة على المدن الكبيرة في أزواد يدخل في صميم خططها لبسط النفوذ في الشمال المالي.

والأسباب وراء ذلك: أولا، قطع الطريق على تنظيم داعش الذي يعتبر السيطرة على المدن خيارا إستراتيجيا، يعبر عن "التمكين" و"سلطة الخلافة". ثانيا، لأن القاعدة ستحتاج إلى أوراق ضغط وتفاوض في حال قررت تقاسم السلطة مع الحركات الأزوادية، وإعادة بعث "وثيقة أزواد"، وهي وثيقة كتبها زعيم القاعدة السابق في الدول المغاربية، المدعو "أبو مصعب عبد الودود"، وأشار فيها إلى إمكانية تقاسم السلطة مع الحركات الوطنية الأزوادية.

وكانت حسابات على تويتر، تداولت قبل أيام، أخباراً عن رفع جزئي للحصار عن مدينة تمبكتو، لكنّ بيان الجماعة الذي تلاها، أكد أن الحصار ما زال قائما وأنها لم تلتق أي وسيط في هذا الشأن.

ثم فاجأت "نصرة الإسلام"، أمس الاثنين، الجميع، ببيان أعلنت فيه فرض حصار جزئي على مدينة غاو يشمل "منع تزويد المدينة بالمحروقات".

والعيون الآن على مدينة كيدال، ما يعني دخول إقليم أزواد برمته في دورة جديدة من الفوضى والمعارك، يختلط فيها الإرهاب بالتمرد العرقي، ويدفع المواطن البسيط قسطا كبيرا من ثمن كل ذلك.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".