فيلما "الرسالة" و""عمر المختار" من أهم أفلام المخرج مصطفى العقاد.

في التاسع من نوفمبر 2005، شهدت العاصمة الأردنية عمان ثلاثة تفجيرات ضخمة باستخدام أحزمة ناسفة، استهدفت ثلاثة فنادق، وأُطلق عليها حينها اسم "الأربعاء الأسود" بسبب دمويتها.

تبنى تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" هذه التفجيرات، التي كان أحد أشهر ضحاياها المخرج العالمي مصطفى العقاد الذي قتل متأثراً بجراحه بعد يومين، وكان مع ابنته في باحة استقبال فندق "غراند حياة" حيث تواجدا هناك لحضور حفل زفاف. وقد فارقت ابنته الحياة على الفور.

وقع الانفجار الأول في الساعة التاسعة والنصف مساء في مدخل فندق "الراديسون ساس"، فيما ضرب الانفجار الثاني فندق "غراند حياة"، ثم بعدها بدقائق استهدف انفجار ثالث فندق "دايز إن". وصل عدد الضحايا إلى 57 قتيلاً وما يزيد على 115 جريحاً.

وقد أثار مقتل العقاد حينها في الهجمات صدمة كبيرة.

ولد مصطفى العقاد في مدينة حلب السورية عام 1935 ودرس في مدارسها. وكان يحلم منذ طفولته بدراسة الإخراج السينمائي.

قبل أن يكمل عامه العشرين، غادر العقاد عام 1954 إلى الولايات المتحدة ليدرس الإخراج في إحدى جامعات ولاية كاليفورنيا، وتخرج منها في العام 1958 ليبدأ رحلة شاقة في سوق العمل، أوصلته إلى أبواب هوليوود في العام 1962 ليعمل فيها مخرجاً ومنتجاً منفذاً وممثلاً.

قبل مقتله في التفجير الإرهابي، كان المخرج السوري المعروف قد أغضب الكثير من المتشددين بسبب تناوله سيرة النبي محمد في السينما.

وقد أثار فيلم "الرسالة" بمجرد نشره جدلا واسعا، وصل صداه إلى الولايات المتحدة، حيث أقدمت مجموعة من المتشددين على اختطاف رهائن في ثلاثة أماكن مختلفة في العاصمة واشنطن. وكان أحد مطالب المجموعة وقف الفيلم الذي كانت تعتقد أنه يظهر صورة النبي محمد.

مُنع فيلم "الرسالة" من العرض أيضاً في مصر لمجرد أن عنوانه الأولي كان "محمد رسول الله".

وبحسب دراسة أجراها الباحث المصري أمل الجمل، وهو يحمل دكتوراه في النقد الفني، ومتخصص في النقد السينمائي، "اعترضت على الفيلم "رابطة العالم الإسلامي" في السعودية على مشروع الفيلم، فانسحب بعض مموليه، لكنه نجح في الحصول على موافقة الأزهر والمجلس الشيعي الأعلى في لبنان، وتم تصوير الفيلم دون تجسيد شخصية النبي.

هكذا خرج الفيلم، الذي يتحدث عن سيرة النبي محمد، دون أن يظهر النبي نفسه صورة أو صوتا أو ظلا، كما حرص المخرج على التأكيد على ذلك في مقدمة الفيلم.

ويتابع الجمل أن "الغريب في الأمر أن حكم رجال الدين الذي يقرر بأن تصوير الأنبياء "ممنوع وغير جائز شرعاً"، يصفه عدد من الكتاب الإسلاميين بأنه مبالغة لأنه لا يوجد نصّ قرآني أو حديث شريف أو إجماع من الفقهاء يحرّم تصوير شخصيات الأنبياء.

في مقابلة أجرتها "نيويورك تايمز" مع العقاد في العام 1998، يقول المخرج السوري إنه أنتج فيلم "الرسالة" لينقل قصة الإسلام، قصة ملايين المسلمين إلى الغرب".

في عام 1981، أخرج العقاد فيلم "أسد الصحراء.. عمر المختار" بالإنجليزية، وتناول فيه قصة كفاح الشعب الليبي ضد الاحتلال الإيطالي تحت قيادة عمر المختار الذي ينتهي الفيلم بإعدامه.

يقول العقاد إنه انتقل إلى إنتاج سلسلة أفلام الرعب (هالووين) لأنه كان صعباً عليه أن يعيش من عائدات الأفلام الدينية. وفي هذا السياق أصبح العقاد المنتج المنفذ العالمي الوحيد الذي شارك في جميع سلسلة أفلام "هالووين" من عام 1978 حتى عام 2002.

وينقل الناقد والمخرج المسرحي السوري الراحل رياض عصمت (كان سفيراً لسوريا وشغل منصب وزير الثقافة بين عامي 2010 و2012)، في مقال نشره في موقع "الحرة"، عن العقاد خلال حوار أجراه معه في مكتبه في لوس أنجلوس عام 1988، ونشر في مجلة "الجيل" اللبنانية كيف أن "جون كاربنتر جاءه بسيناريو كتبه مع ديبرا هيل، فتحمس العقّاد لإنتاجه، وأولى مهمة إخراجه وتأليف لحنه المشهور لجون كاربنتر نفسه، ليحقق فيلم "هالووين" الأول (1978) نجاحاً منقطع النظير ويجني أرباحاً طائلة".

ويرى عصمت أن مقتل العقّاد "نتيجة تفجير انتحاري أقدم عليه متطرف إسلامي في بهو فندق خمس نجوم"، يعتبر "من أشدّ النهايات عبثية للمخرج الذي كرّم الإسلام ورسوله عالمياً بفيلم "الرسالة".

وقبل أيام، اختتمت أعمال المهرجان المصري الأميركي للسينما والفنون في مدينة نيويورك في دورته الثالثة التي عقدت في الفترة بين الثالث والخامس من نوفمبر، وكانت هذه الدورة مهداة "إلى النجم المصري الراحل أحمد زكي والمخرج العالمي مصطفى العقاد"، وهذه اللفتة دليل إضافي على أن اسم العقّاد لا يزال حاضراً كأحد أبرز المخرجين والمنتجين العرب الذين عرفتهم السينما العالمية.   

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".