يوصف مخيم الهول الذي يؤوي نحو ٥٠ ألف شخص، بأنه "مخيم الموت"، لكثرة عمليات الاغتيال التي تتم فيه- تعبيرية
يوصف مخيم الهول الذي يؤوي 50 ألفا، بأنه "مخيم الموت"، لكثرة عمليات الاغتيال التي تتم فيه- تعبيرية

سلط إعلان قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تحرير امرأة أيزيدية في مخيم الهول، تمّ خطفها واحتجازها مدّة 10 سنوات من قبل تنظيم داعش، الضوء على قدرة التنظيم على مواصلة ارتكاب جرائم داخل سوريا أو العراق بعد مضي سبع سنوات على إعلان طرده من آخر معاقله في الباغوز.

وقالت "قسد"  إن الفتاة (24 عاماً) تعرّضت للاغتصاب وأُجبرت على الزواج من متطرفين، وتم إنقاذها مع ابنها وابنتها خلال عملية أمنية في المخيم الذي يقع في شمال شرق سوريا ويأوي نازحين سوريين ولاجئين عراقيين غالبيتهم من عوائل مسلحي داعش.

ويُعد مخيم الهول (45 كيلومتراً شرق الحسكة) واحداً من أكثر المخيمات سوءاً داخل الأراضي السورية، حتى وصف بأنه "مخيم الموت".

ويعود تاريخ إنشائه إلى  حرب الخليج الثانية عام 1991، حين استقبل لاجئين عراقيين.

وبعد إغلاقه بسنوات، أعيد فتحه إثر تدفق المهاجرين العراقيين نحو سوريا عقب غزو العراق عام 2003.

 

السيطرة "المستحيلة"

ارتبط اسم مخيم الهول خلال السنوات الماضية بالكثير من عمليات الاغتيال التي نُسبت إلى عناصر أو متعاونين مع تنظيم داعش داخل أقسام المخيم، كان ضحاياها نساء سوريات أو عراقيات وأجنبيات، ما دفع قوات الأمن التابعة لـ"قسد" إلى تنفيذ عمليات أمنية عديدة في المخيم الصحراوي.

لطالما أثار ذلك التكهنات حول مدى قدرة داعش على العمل داخل أسوار المخيم، الذي بات أشبه بـ"مدينة صغيرة لا يمكن السيطرة عليها كلياً"، كما يقول شيخموس أحمد، رئيس مكتب شؤون النازحين واللاجئين في الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا.

ويوضح أحمد لـ"ارفع صوتك" أن  "قسد" تقوم فعلياً بالسيطرة الأمنية خارج المخيم لحماية قاطنيه وأفراد المنظمات الإنسانية العاملة هناك، غير أن المخيم "يقطنه 50 ألف شخص عاشوا فترة طويلة في كنف تنظيم داعش، واستطاع بعضهم إنشاء أنفاق تحت الخيام للتواصل مع العالم الخارجي".

وهذا ما يجعل عناصر أو مناصري التنظيم "بمثابة خطر حقيقي حتى الوقت الحاضر، ليس على مخيم الهول فقط، إنما في كافة الأراضي السورية والعراقية"، وفق تعبير أحمد.

ويشير  إلى أن "قسد" أفشلت مؤخراً مخططاً لمهاجمة مخيم الهول، تم تدبيره من خلايا داعش النائمة في المخيم وعناصر آخرين من التنظيم خارجه.

ويعتقد أحمد أن عناصر داعش داخل المخيم "لديهم القدرة على التحكم بسكانه وفرض فكر التنظيم المتطرف على النساء والأطفال تحت التهديد بالقتل أو اللجوء إلى محاكم شرعية".

أما من يمتلك الدور الأكبر في التأثير على النساء هناك، بحسب أحمد، فهنّ "المهاجرات (الأجنبيات)"، حيث يفرضن على الأخريات "الزواج أو ارتداء ألبسة محدّدة" كما يمتلكن "جهازاً للحسبة، يراقبن عبره تحركات وتصرفات نساء المخيم".

 

"دويلة صغيرة"

غالبية سكان المخيم من حملة الجنسية العراقية، بواقع 20 ألف نسمة، تليهم فئة النازحين من الجنسية السورية، ثم أعداد كبيرة من عوائل تنظيم داعش من مختلف الجنسيات الأجنبية.

ورغم مضيّ سنوات على إعلان القوات العراقية و"قسد" النصر على تنظيم داعش، إلا أن عام 2023 شهد زيادة لافتة في عودة عمليات داعش في الدولتين بنسبة تشكل ثلاثة أضعاف ما كان عليه الوضع عام 2022، كما يؤكد الباحث في مركز "عمران" للدراسات الإستراتيجية، سامر الأحمد.

ويقول لـ"ارفع صوتك" إن محافظة الحسكة التي تضم مخيم الهول "شكلت ثالث أكثر منطقة في سوريا تشهد عمليات للتنظيم المتطرف بعد محافظتي دير الزور ودرعا، بسبب إشكالية حوكمة لا تزال تعانيها مناطق قسد، بسبب انتهاكات الأخيرة وإقصائها لبعض مكونات المنطقة، لا سيما العرب".

ويوصف مخيم الهول، وفق الأحمد، بأنه "مركز تفريخ" لعناصر ومناصرين جدد لداعش، نتيجة "إخفاق برامج التعافي، والتركيز فقط على الجانب الأمني، وغض الطرف من قبل قوات سوريا الديمقراطية عن عمليات تدريس الفكر الجهادي لأطفال المخيم منذ أكثر من عامين".

و"استغلّ التنظيم أيضاً سوء الوضع الإنساني في المخيم لتجنيد المزيد من العناصر"، يتابع الأحمد، معتبرا أن الهول اليوم "أشبه بدويلة صغيرة تحوي المئات من أفراد التنظيم الذين يمتلكون المال والسلاح والتأثير"، وهو ما يجعل احتجاز رهائن داخله "أمراً سهلاً" مقارنة بعمليات أمنية أخرى يقوم بها عناصر التنظيم.

في السياق نفسه، يؤكد مدير شبكة "الجيوستراتيجي" للدراسات في ألمانيا، إبراهيم كابان، أن عناصر داعش "ما زالوا يحتجزون المزيد من الرهائن داخل مخيم الهول".

ويقول في تصريح لارفع صوتك إن التنظيم "تفوّق في جانب الاتصالات والاستخبارات داخل المخيم، ما جعل العناصر المحاصرين في تواصل دائم مع القيادات وعناصر آخرين في الخارج".

والحل، برأي كابان، لإحكام السيطرة على مخيم الهول هو "تفكيكه"، مستدركاً "غير أن هذا لا يمكن تحقيقه إلا بجهد دولي يتمثل بإعادة الدول لرعايها الموجودين فيه، وتكثيف برامج إعادة التأهيل للقاطنين، لا سيما الأطفال".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".