بدأت الاحتجاجات بعد الإعلان عن مقتل شاب تحت التعذيب في معتقل تابع للهيئة.

"الشعب يريد إسقاط الجولاني" هتاف يتردّد في التظاهرات الغاضبة التي تشهدها مدن وبلدات إدلب وريف حلب، منذ الجمعة الماضية، للمطالبة بإسقاط زعيم "هيئة تحرير الشام" المعروف بـ "أبي محمد الجولاني"، بعد الإعلان عن مقتل شاب تحت التعذيب في معتقل تابع للهيئة.

ومنذ العام 2017، تبسط "هيئة تحرير الشام" التي كانت تعرف بـ "جبهة النصرة"، والتي تصنفها الولايات المتحدة الأميركية تنظيماً إرهابياً، سيطرتها على محافظة إدلب، ومناطق في ريف حلب الغربي، لتتقاسم بذلك السيطرة مع فصائل "الجيش الوطني"، المدعومة من تركيا، على مناطق شمال غرب سوريا.

 

تضييق على الحرّيات

 

"الشعب يريد إسقاط الجولاني" و"جولاني ولاك.. ما بدنا إياك".. هذه بعض الهتافات التي أطلقها المتظاهرون ضد هيئة تحرير الشام وزعيمها.

يعلق الناشط الإعلامي "أبو بكر الشامي" على تلك الهتافات بالقول: "تعيد إلى الأذهان العبارات التي أطلقها المتظاهرون السوريون ضد الرئيس السوري بشار الأسد إبان الانتفاضة الشعبية ضده عام 2011".

ويوضح "الشامي" لموقع "ارفع صوتك" أن هذه "المظاهرات ليست الأولى من نوعها في محافظة إدلب، إلا أنها أخذت مؤخراً زخماً واسعاً مع تزايد أعداد المشاركين فيها من مدنيين وناشطين".

 

وفيما تتعدّد أسباب الاحتجاجات، فإن شراراتها الأولى جاءت بعد الإعلان عن مقتل شاب تحت التعذيب في معتقل تابع لـ"هيئة تحرير الشام" بتهمة "العمالة".

ولذلك تركّزت أهم مطالب المحتجّين حول ممارسات "جهاز الأمن العام" التابع للهيئة، والذي يصفه المتظاهرون بـ"جهاز الظلم العام" في إشارة إلى انتهاكاته ضد المدنيين، وممارسات الملاحقة والاعتقال والتعذيب لمعارضي الهيئة والناشطين المدنيين، "ويطالبون بإطلاق سراح جميع المعتقلين الموقوفين في قضايا غير جنائية"، بحسب "الشامي".

 

احتكار وحماية "غائبة"

 

ورغم تصدر قضية التضييق على الحريات وانتهاكات جهاز الأمن في الهيئة مطالب المتظاهرين، تبرز مطالب إضافية منها "احتكار" قادة الهيئة -وعلى رأسهم الجولاني- لأهمّ المفاصل الاقتصادية في المنطقة، في ظل أزمة معيشية خانقة يعاني منها السكان.

عبد الكريم سرميني (43 عاماً) يقول لموقع "ارفع صوتك" إن "قادة الهيئة يحتكرون كل شيء، من المواد الغذائية إلى المحاصيل مروراً بالمحروقات والتعليم، وصولاً إلى ملف المعابر التي تُحصّل الإتاوات والضرائب بين مختلف المناطق".

ويتابع " شاركت في االمظاهرات منذ بدايات الثورة السورية ضد بشار الأسد، والآن ضد هيئة الجولاني لأسباب لا تختلف كثيراً عن الأسباب القديمة".

 

"باتت هيئة تحرير الشام جهاز أمنياً يعدّ أنفاسنا فقط". بهذه العبارة يختصر الثلاثيني منذر الكنج سلوك الهيئة، ويشرح الشاب أسباب المشاركة في الاحتجاجات.

يقول: "الهيئة أنهت وجود فصائل "الجيش الحر" في منطقة إدلب بذريعة مقدرتها على الحفاظ على أمن المنطقة، لكنها في الحقيقة جعلتنا مجرّد هدف سهل لقوات النظام السوري المحيطة بمناطقنا".

 

دوافع ذاتية

 

الباحث في مركز "كاندل" المختصّ بالجماعات الإسلامية، عباس شريفة، يرجع الحراك الشعبي المناهض للهيئة إلى جملة من العوامل الذاتية المرتبطة بسلوك الهيئة.

 يقول لـ"ارفع صوتك" حول دلالة المظاهرات: "حجم التجاوزات والمظالم التي ترتكبها تحرير الشام ضد المجتمع المحلي وضدّ عناصرها، وسقوط فرضيّة تميّزها بالضبط الأمني، حيث تبيّن أن المفصل الأمني لديها يفتقد أدنى معايير المهنية.. يضاف إلى ذلك الضغط الاقتصادي وانعدام الأفق وممارسات الأمن العام وتغييب المجتمع المدني عن إدارة إدلب وملفات الفساد"، كلها أسباب دفعت إلى خروج المتظاهرين، كما يوضح.

وفي وقت يرجع فيه مراقبون الاحتجاجات إلى رغبة تركيا في إضعاف الهيئة وحصر نفوذها، ينتقد شريفه تلك التفسيرات ويرى أن تفسير وقوف تركيا وراء المظاهرات الحالية "ينطوي على احتقار مبطّن للناس في إدلب وانتقاص من كرامتهم أنهم لا يتحركون إلا لأجندات الدول".

ويعتبر أن الحراك الشعبي الحالي يدخل ضمن سياقات سبقت هذه المظاهرات، وأسباب ولّدت الدوافع الذاتية للخروج بمظاهرات تطالب بإجراء إصلاحات بنيوية وحقيقية في تنظيم هيئة تحرير الشام المسيطر على إدارة إدلب.

ويسعى "أبو محمد الجولاني" الذي لا يعرف الناس عنه الكثير، إلى تغيير الصورة النمطية حول تشكيله العسكري.

وبدأ الجولاني الأمر بإعلان الانسلاخ عن تنظيم القاعدة عام 2016، ثم محاولات تصدير صورة مختلفة للخارج عبر تشكيل إدارة مدنية تُعرف باسم "حكومة الإنقاذ".

ورغم تلك المحاولات، لا يتمتع الجولاني بشعبية واسعة في الأوساط المدنية، كما يقول سكان لـ"ارفع صوتك" في معرض انتقادهم لممارسات الهيئة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".