بعد أن أعلن تنظيم داعش - ولاية خراسان مسؤوليته عن الهجوم الدموي في العاصمة الروسية موسكو، ازداد الاهتمام بمعرفة المزيد عن هذا الفرع من التنظيم الإرهابي، الذي يوصف أحيانا بأنه أكثر تطرفا حتى من التنظيم المركزي، إلى درجة أن "داعش خراسان" يتهم طالبان بأنها "ليست متشددة بما يكفي" فيما يتعلق بنظام الحكم الإسلامي!
فما هي حكاية هذا التنظيم، وكيف بدأ بالظهور في تلك المنطقة من العالم؟
بحسب كتاب "الدولة الإسلامية في خراسان" للباحث الإيطالي أنطونيو غيوستوزي، فإن المجموعات المرتبطة بداعش كانت، حتى نهاية العام 2014، تتعامل مع بعضها البعض ككيانات منفصلة، وكانت مراكز دراسات وأجهزة استخبارات عالمية تعتبر أن عناصر داعش في منطقة خراسان يشكلون نوعاً من فرانشايز (إمتياز "تجاري")، ولم يكن هناك أي قناعة بأن هذه العناصر قادرة على إنشاء تنظيم كبير متصل بالتنظيم المركزي الأساسي بعد هزيمة داعش في العراق وسوريا.
حتى سكان المناطق التي نشط فيها عناصر التنظيم، تفاجأوا بظهوره العلني، كما يلاحظ غيوستوزي، ناقلاً شهادة أحد مشايخ منطقة كاجاكي في أفغانستان. يقول هذا الشيخ: "أعتقد أنني أول من رأى داعش في منطقتنا.. كنت أعمل في أرضي ورأيت مجموعة مكونة من حوالي ستة أو سبعة رجال مسلحين يرتدون أقنعة وملابس سوداء، وبعضهم يرتدي زيًا عسكريًا. اعتقدت أن هذه المجموعة قد تكون قوة خاصة لطالبان. في فترة ما بعد الظهر عندما اجتمعت مع مشايخ آخرين للتشاور، ذكرتُ هذه المجموعة وتبين لي أن أحداً لم يسمع عنها منهم. وبعد حوالي شهر سمعنا أن مجموعة جديدة باسم "داعش" بدأت العمل في منطقة كاجاكي وتمركزت في منطقة لوي نايشا. عندها فهمت أن المجموعة التي رأيتها تنتمي إلى داعش. في المرة التالية، عندما رأيت مجموعة مماثلة في السوق كان لديهم مكبرّ صوت وأعلنوا أنهم ينتمون إلى داعش وأنهم يوالون أبو بكر البغدادي. كما ذكروا اسم الملا عبد الرؤوف خادم كزعيم لهم".
في يناير 2015، تغير كل شيء، بحسب غيوستوزي. ففي السادس والعشرين من ذلك الشهر فاجأ أبو محمد العدناني، المتحدث باسم داعش، الجميع بإعلان إنشاء ولاية خراسان في التنظيم عبر تسجيل صوتي.
وتشمل خراسان، حسب غيوستوزي افغانستان وباكستان، وكل منطقة وسط آسيا، وإيران، وبعض المناطق من الهند وروسيا.
منذ ذلك الوقت، يتابع غيوستوزي في كتابه، بدأ عناصر داعش التابعون لولاية خراسان يزورون القرى في المنطقة تحت مسمى "داعش" بشكل صريح، وأحياناً كانوا يستخدمون مسمى "الخلافة الاسلامية".
وبحسب الباحث الإيطالي، فإن النقاشات حول الأمور التنظيمية والأسئلة عن التراتبية العسكرية كانت غير مستحبة، بحسب شهادات حصل عليها من مقاتلين سابقين في التنظيم.
ينقل عن أحدهم قوله: "أنا أتبع الملا عبدالكاظم من أوراكزاي في باكستان. لا أعرف من هو المسؤول عن رئيسي المباشر، ولا نحتاج إلى معرفة ذلك. ما أحتاج إلى معرفته هو هوية رئيسي المباشر، ومن هو الخليفة، أمير المؤمنين، الذي هو أبو بكر البغدادي".
في العام 2021، وبعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، تعرضت حركة طالبان التي استعادت السلطة في كابول إلى هجوم نفذه التنظيم.
وأودى هذا الهجوم الذي استهدف مطار كابول، بحياة مئة مدني أفغاني و13 جندياً أميركياً، ليكون الأكبر ضد القوات الأميركية منذ عام 2011 في أفغانستان، والأكثر دموية للتنظيم ضد الولايات المتحدة على الإطلاق.
عرضت الولايات المتحدة مبلغ 10 ملايين دولار مقابل الإدلاء بمعلومات "تؤدي إلى تحديد هوية أو مكان" زعيم التنظيم في ولاية خراسان سناء الله غفاري، المعروف باسم شهاب المهاجر.
وقالت الخارجية الأميركية إن غفاري، وهو من مواليد 1994، "المسؤول عن الموافقة على جميع عمليات تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان (...) وإيجاد التمويل لتنفيذ هذه العمليات"،
وأدرجته الخارجية الأميركية في تشرين نوفمبر 2021 على القائمة السوداء لـ"الأجانب الإرهابيين".
في تقرير نشرته وكالة "فرانس بريس"، يشرح مدير مركز أبحاث مشروع مكافحة التطرف وخبير الأمم المتحدة السابق في مجال الإرهاب، هانز جيكوب شندلر، أن الفرع المحلي للتنظيم في أفغانستان تأسس على يد عناصر من تنظيم داعش جاؤوا من سوريا والعراق.
ويؤكد شندلر للوكالة أن "روابط وثيقة للغاية تربطهم مع المركز، أكثر من أي فرع آخر"، ويحصلون منه على الأموال التي يحتاجونها.
من جهته، يشير لوكاس ويبر، أحد مؤسسي شبكة الأبحاث "ميليتانت واير"، في تقرير الوكالة، إلى أن "تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان فرض نفسه كأكثر فرع لتنظيم الدولة الإسلامية توجهاً دولياً. ونشر دعايات بلغات عدة أكثر من أي فرع آخر منذ أوج الخلافة (المعلنة) في العراق وسوريا".
ويضيف أن "هذه الرؤية الدولية تتضمن حملة طموحة وعدوانية لتعزيز قدراتها العملياتية الخارجية ومهاجمة مختلف أعدائها في الخارج".
وبحسب تقرير "فرانس بريس"، أصبحت روسيا الهدف المفضل لتنظيم داعش - ولاية خراسان التي انتقدت على وجه الخصوص غزوها لأوكرانيا وتدخلاتها العسكرية في إفريقيا وسوريا، بحسب ويبر.
والهجوم الأخير في موسكو يذكّر بالهجوم الانتحاري الذي استهدف السفارة الروسية في أفغانستان عام 2022، بحسب ويبر، الذي يشير إلى أن الجماعة "تعمل على توسعها في آسيا الوسطى وروسيا"، مع إطلاق "وسائل إعلام ناطقة بالروسية لتعزيز دعمها والتحريض على العنف في البلاد".
من جانبه، يؤكد شندلر أن موسكو، المنشغلة بحربها في أوكرانيا، "تشكل الهدف المفضل للتنظيم الإرهابي". وأوضح أنها "تمثل رمزية كبيرة"، مؤكداً أن هجوماً مثل ذلك الذي تم تنفيذه الجمعة ليس مكلفاً أو معقداً.
من جهتها، لاحظت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في تقرير نشرته، أن التنظيم بدأ بتنفيذ هجمات في أنحاء مختلفة من أفغانستان خلال السنوات الأخيرة، "مستخدماً العنف لتقويض علاقات طالبان مع حلفائها، وإظهار أنها غير قادرة على ضبط الأمن".
وبحسب الصحيفة، فإن هجمات التنظيم "أصبحت أكثر جرأة خلال الفترة الأخيرة، حيث امتدت إلى خارج البلاد، فقتلت أكثر من 43 شخصا في هجوم استهدف تجمعا سياسياً شمالي باكستان في يوليو الماضي".
وقتل التنظيم كذلك "ما لا يقل عن 84 شخصا، إثر تفجيرين انتحاريين في إيران، في يناير الماضي"، قبل أن ينفذ هجومه الأخير في موسكو الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 133 شخصاً.