Aftermath of deadly attack on Moscow concert hall
من موقع الهجوم الذي تبناه تنظيم داعش في روسيا- تعبيرية

الحرة- ضياء عودة- في ذات التوقيت الذي صادف الذكرى الخامسة لإنهاء "خلافته" على الأرض في سوريا بعث تنظيم داعش الإرهابي رسالة من نار للعالم، مفادها أنه "لم ينته" ولم يعد نشاطه يقتصر على استهداف دورية هنا وتفجير مركز أمني والخوض باشتباكات هناك بل أصبح يتخطى الحدود.

وأسفر الهجوم الذي تبناه في مركز "كاركوس سيتي" بموسكو عن مقتل 130 شخصا وإصابة أكثر من 100 آخرين، ورغم إعلان أجهزة الأمن الروسية إلقاء القبض على المنفذين الأربعة نشرت وسائل إعلام مقربة من التنظيم صورا دعائية تشير إلى نيته تنفيذ المزيد من الهجمات، وخاصة في دول أوروبية.

على مدى السنوات الماضية كانت أنظار العالم والدول والمسؤولين الأممين تتجه على نحو كبير إلى سوريا والعراق و"مخيم الهول" الذي يضم عائلات وأبناء مقاتلي داعش الأسرى والقتلى. 

وبينما كانت تصدر التحذيرات من "قنبلة موقوتة" في الشمال الشرقي لسوريا لم يكن متوقعا أن تنفجر في موسكو بالسياق المفاجئ الذي جاءت فيه، أو حتى كما حصل في إيران عندما فجّر عنصران من داعش نفسيهما بجموع من الناس كانوا يحيّون ذكرى مقتل قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني في كرمان.

 

"خارطة تحذيرية"

وترسم خريطة نشرها "معهد واشنطن" حديثا صورة تحذيرية للشكل والنشاط الخاص بتنظيم داعش في الوقت الحالي، وتوضح كيف أن عملياته باتت تتصاعد بالتدريج ليس في سوريا فحسب كما يدور الحديث ويتركز الاهتمام دائما، بل في عموم المناطق التي ينتشر فيها أفراده بالعالم.

التنظيم تمكن من تنويع عمل أفرعه وفق المعهد الأميركي حيث تقود "ولاية خراسان" في أفغانستان العمليات الخارجية، وفي المقابل تبسط ولايات متعددة أخرى السيطرة الإقليمية في أفريقيا. 

وفي غضون ذلك يواصل أنصار "داعش" التخطيط لهجمات إرهابية كبرى أيضا، لا سيما في تركيا، ولكن سلطات إنفاذ القانون أحبطت معظمها (باستثناء تفجيرات يناير 2024 في كرمان بإيران). 

منذ آذار 2023 أعلنت إدارة الإعلام المركزية لـ"داعش" مسؤولية التنظيم عن 1121 هجوما، ووفقا للبيانات الصادرة عنه أدت هذه الهجمات إلى مقتل أو إصابة حوالي 4770 شخصا.

وصدرت معظم هذه الإعلانات عن "تنظيم الدولة - ولاية غرب أفريقيا" (المتمركز بشكل أساسي في نيجيريا وجنوب شرق النيجر) تليه ولايات "داعش" في سوريا والعراق وأفريقيا الوسطى (مقرها في جمهورية الكونغو الديمقراطية) وموزمبيق. 

وقد شهدت "ولاية خراسان" الهجمات الأكثر ضررا في المتوسط كما يورد "معهد واشنطن" إذ أودى كل حادث بحياة حوالي 14 شخصا.

"يجب اعتبار مؤامرات (تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان) أكبر تهديد عالمي يطرحه التنظيم اليوم"، حسبما حذرت ورقة المعهد المذكور.

وتوضح أنه في العام الماضي خطط الفرغ الأفغاني لإحدى وعشرين مؤامرة أو هجوما خارجيا في تسع دول، مقارنةً بثماني مؤامرات أو هجمات في 2023 وثلاث فقط بين عام 2018 ومارس 2022.

وبعدما حصل إحداها بصدى كبير وقوي في موسكو وقبلها إيران تثار تساؤلات عن طبيعة المسار الذي يسلكه داعش الآن ونقاط توزع قوته حول العالم.

 

"الخلافة وما بعدها"

يعتبر شهر نوفمبر 2014 محطة فاصلة على صعيد الحياة المتعلقة بتنظيم داعش، ففي هذا التوقيت أعلن الناطق باسم "أبو محمد العدناني" عن قيام "الخلافة" وتنصيب أبو بكر البغدادي "كخليفة".

قبل عشر سنوات كسر داعش الحدود بين سوريا والعراق، وبالتزامن مع ذلك أيضا أعلن عن "ولايات" خارج أراضيه الأساسية في البلدين المذكورين، بما في ذلك مناطق مختلفة في أفريقيا والقوقاز وجنوب شرق آسيا. 

ووفق ما يوضح خبراء في شؤون الجماعات المتشددة لموقع "الحرة" اختلفت حدة وقوة كل فرع في داعش عن الآخر خلال السنوات الماضية، لاعتبارات تتعلق بالساحة الجغرافية من جهة وللسياسة التي كان يعتمدها التنظيم الإرهابي في السابق.

ينشط داعش الآن في سوريا بمجموعات تنتشر في منطقة البادية السورية مترامية الأطراف ويأخذ شكل المفارز في العراق، والمكونة من أعداد محدودة وشرسة في ذات الوقت، كما يقول الخبراء. 

وإلى ما هو أبعد من البلدين يتواجد في أفغانستان وباكستان وإيران تحت اسم "داعش-خرسان"، ووفق تقديرات الأمم المتحدة في عام 2021 لدى هذه الجماعة ما يصل إلى 2200 مقاتل أساسي متمركزين في مقاطعتي كونار ونانجارهار.

للتنظيم نفوذ واسع في القارة السمراء أيضا، وخلال السنوات الماضية "لم تسلم أي من المناطق الجيوسياسية الخمس كما حددها الاتحاد الأفريقي من نشاطه"، كما يقول الباحث في "معهد دراسات الأمن"، مارتن إيوي.

ويوضح بالقول: "شهدت 20 دولة على الأقل في أفريقيا نشاطا مباشرا لداعش. ويتم استخدام أكثر من 20 آخرين للخدمات اللوجستية، وحشد الأموال والموارد الأخرى".

إيوي أشار إلى وجود محاور إقليمية أصبحت ممرات لعدم الاستقرار في أفريقيا، وأضاف أنه "لا يزال حوض بحيرة تشاد أكبر منطقة عمليات للتنظيم، بينما الصومال هو النقطة الساخنة للقرن الأفريقي".

ويوضح الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، ماهر فرغلي لموقع "الحرة" أن "ولاية غرب إفريقيا" تعتبر من أهم المراكز التابعة لداعش، ويشير إلى أن الأخير ينتشر في دول الساحل والصحراء، وتصل حدوده إلى موزمبيق ومالي وبوركينا فاسو ومناطق صحراوية في جنوب ليبيا.

فرغلي يوضح أيضا أن التنظيم الإرهابي موجود في وسط آسيا كما هو حالة "داعش – خرسان"، ويتحدث عن تنظيمات تتبع له في أوزبكستان وفي "ولاية القوقاز" التي اندمجت في وقت سابق ضمن الجماعة التي نفذت هجوم موسكو.

"داعش خراسان اكتسب ويكتسب الصيت الآن بسبب عملياته الخارجية وهو الأكثر قوة في العمليات الخارجية في دول كبيرة مثل روسيا ويحاول تنفيذ عمليات في أوروبا"، حسبما يتابع الباحث فرغلي.

ويرى أن "داعش يحاول الآن نقل المركز إلى وسط آسيا وخاصة إلى المناطق التي تحظى بطبيعة جغرافية جيدة وتواجد إسلامي"، على حد تعبيره.

 

"ضعيف مركزيا قوي فرعيا"

قبل أن يخرج "داعش – خرسان" إلى دائرة الضوء وبقوة أخبر رئيس القيادة المركزية الأمريكية المشرعين في مارس 2023 أن الجماعة أصبحت أكثر جرأة، وأن أوروبا أو آسيا كانت أهدافا أكثر ترجيحا للهجمات الإرهابية التي تنطلق من أفغانستان.

وفي تقرير تقييم التهديدات لعام 2023 الصادر عن وكالات المخابرات الأمريكية، قال مكتب مدير المخابرات الوطنية إن داعش-خراسان "يكاد يكون من المؤكد أنه يحتفظ بنية تنفيذ عمليات في الغرب وسيواصل جهوده للهجوم خارج أفغانستان".

وفي وقت سابق من 2023 حذر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تقرير له من أن تنظيم "داعش-خراسان" كان يخطط أو ينفذ "مؤامرات عملياتية" في أوروبا. 

وقال المجلس إن سبعة أشخاص مرتبطين بالجماعة اعتقلوا في ألمانيا العام الماضي بينما كانوا يخططون لهجمات إرهابية شديدة التأثير، بما في ذلك الحصول على أسلحة وأهداف محتملة.

يعتقد الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، محمد صفر أن "داعش ومن خلال هجوم موسكو أراد التأكيد على مواصلة النشاط، وإيصال فكرة وجود الشبكات التي تصل سوريا بتركيا بروسيا وأيضا أوكرانيا". 

ومن الواضح أن لديه الآن "شبكات" ولا يمكن القول إن نشاطه قائم على استراتيجية "الذئاب المنفردة"، كما كانت تذهب الترجيحات في السابق، وفق صفر.

ويضيف لموقع "الحرة": "العمليات الكبيرة التي تتجاوز الحدود لها ترتيب ودعم لوجستي ومالي وترتيب آخر على صعيد اختيار الأهداف"، وهو ما يقود إلى أن ما يحصل بعيدا عن أي قرار لمجموعة فردية.

ويوضح الباحث فرغلي أن داعش الآن بات ضعيفا في مركزه في إشارة إلى سوريا والعراق وقويا في "الولايات البعيدة".

ويقول: "المركز (في البادية السورية والحدود العراقية السورية) وبعض مناطق الشمال السوري. في هذه المناطق يتواجد على مستوى القيادات والعناصر لكن ليس مثل قوة الأفرع".

ويضيف: "سابقا كان قويا في مركزه وضعيفا في أفرعه.. الآن بات المشهد على العكس".

 

"استقطاب وتقديم غطاء"

ورغم التقدم المطرد الذي أحرزته الدول الأعضاء بالأمم المتحدة في الحد من القدرات العملياتية لتنظيم داعش، لا يزال لديه والجماعات التابعة له القدرة على شن هجمات تسفر عن خسائر كبيرة في صفوف المدنيين وعن معاناة إنسانية، وفق تقرير أصدره الأمين العام للأمم المتحدة، في فبراير 2024.

وجاء في التقرير أيضا أن "تنظيم والجماعات المنتسبة له ظلوا يواجهون استنزافا في القيادة ونكسات مالية، ومع ذلك احتفظوا بقدرتهم على شن هجمات إرهابية والتخطيط لتهديد خارج مناطق عملياتهم".

ويشير الباحث صفر إلى أن "داعش تمكن خلال السنوات الماضية من استقطاب مجموعات في أفريقيا وأفغانستان في مسار لافت".

ويقول إن هذه المجموعات انضمت إليه "مقابل الغطاء الذي قدمه له بالإضافة إلى التمويل، وهو ما حصل بالنسبة لحركة بوكو حرام وتنظيم داعش – ولاية غرب أفريقيا".

وفيما يتصل بالموارد المالية للتنظيم، يشير تقرير الأمين العام الصادر في فبراير الماضي إلى أنها ما تزال تعتمد على السياق.

ويوضح أن "التنظيم في غرب أفريقيا واصل جمع الأموال محليا من الأنشطة الإجرامية بما فيها ابتزاز الصيادين والمزارعين وسرقة الماشية والاختطاف طلبا للفدية".

وبدأ مؤخرا في استكشاف الأنشطة الزراعية مثل الفلفل الأحمر في البلدان المجاورة لبحيرة تشاد.

وبرغم أن الدول الأعضاء أوردت زيادة في استخدام العملات المشفرة، إلا أن وسيلة المعاملات المالية الغالبة المستخدمة من جانب داعش والجماعات المنتسبة إليه ظلت تتمثل في حاملي الأموال النقدية والأنظمة البديلة للتحويل المالي (الحوالة)، وفق التقرير.

وظلت معظم الجماعات المنتسبة لداعش مستقلة ماليا، وقيل حسب التقرير الأممي  إن "بعض هذه الجماعات تستعمل وسائل التواصل الاجتماعي لجمع الأموال عن طريق العملات المشفرة (العملات الرقمية)".

 

"روابط إيديولوجية"

من متابعة نشاطات التنظيم يبدو واضحا أنها تراجعت إلى أدنى مستوياتها في العراق، وتقدمت بشكل واضح في سوريا عدديا وفي ولايات أخرى نوعيا، حسبما يوضح الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، رائد الحامد.

ومن بين الولايات "خرسان" التي نفذت هجوم كرمان في إيران، وهجمات عدة في أفغانستان، وهجوم المركز التجاري في موسكو.

الحامد يرى في حديثه لموقع "الحرة" أن "هذه العمليات (النوعية) ورغم أهميتها وحجم التداعيات المترتبة عليها لا تعكس حجم انتشار أو التوزيع الجغرافي لمراكز ثقل التنظيم عدديا".

وذلك لأن "عمليات كبرى مثل هجمات كرمان وموسكو لا تحتاج للتنسيق والإعداد لها، بينما تتم عملية تنفيذها بأعداد محددة قد تقل عن عشرة أشخاص على صلة مباشرة وعملية بالهجمات"، حسب الباحث.

ويعتقد الباحث أن "ولاية الشام هي المركزية للتنظيم وهي الأكثر أهمية من باقي الولايات بما فيها ولاية العراق التي ينحدر من مدنها قادة الصف الأول منذ إقدام ابو بكر البغدادي على (تعريق) القيادة، وإعطاء غير العراقيين مواقع قيادية أقل أهمية في مركز القرار الممثل بمجلس الشورى ومن بعده اللجنة المفوضة".

ويشير إلى أن "حجم الانتشار في ولاية الشام هو الأكبر عدديا لعوامل أهمها أن سوريا دولة هشة أمنيا، وأن مساحات شاسعة من البلاد خارج سيطرة أي من القوى المحلية أو الإقليمية أو الدولية أو قوات النظام".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك
الخاطفون عمدوا لتحطيم طائرتين في الطوابق العليا من البرجين الشمالي والجنوبي لمجمع مركز التجارة العالمي في نيويورك

بعد 23 عاما على هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، يواصل ناجون وعائلات الضحايا معركة قانونية طويلة لمساءلة السعودية التي يقولون إن مسؤوليها لعبوا دورا في التخطيط للهجمات الدامية.

وينتظر الناجون وعائلات الضحايا قرارا هاما لقاضٍ فيدرالي في نيويورك بشأن قضية اتهام السعودية بدعم خاطفي أربع طائرات شاركت بالهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاغون في 11 سبتمبر 2001.

وتنفي المملكة هذه المزاعم بقوة.

ويحيي مسؤولون سياسيون وعسكريون ومواطنون عاديون، الأربعاء، الذكرى الـ23 للهجمات بفعاليات خاصة في نيويورك والعاصمة واشنطن وعدد من المدن الأميركية الأخرى.

وفي جلسة استماع عقدت أمام المحكمة الجزئية في مانهاتن في نهاية يوليو الماضي، للنظر في طلب السعودية إسقاط القضية، عرض محامو الضحايا ما قالوا إنها أدلة عن شبكة الدعم التي تضم مسؤولين سعوديين عملوا في الولايات المتحدة، والتي سهلت تحركات خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والبنتاغون في فيرجينيا، وسقطت واحدة في بنسلفانيا.

وقال محامي المدعين، جافين سيمبسون، خلال جلسة 31 يوليو إن الشبكة السرية "أنشأتها ومولتها وأدارتها ودعمتها السعودية والمنظمات التابعة لها والدبلوماسيون داخل الولايات المتحدة".

وبعد انتهاء الجلسة، طالب أكثر من ثلاثة آلاف شخص من عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر كلا من الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، ونائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، بمعارضة أي اتفاق للسلام بالشرق الأوسط مع السعودية قبل أن تحاسِب الحكومة الأميركية المملكة على أي دور محتمل في هجمات عام 2001

وضمت المجموعة المسؤولة عن هجمات سبتمبر 19 شخصا من "تنظيم القاعدة"، بينهم 15 سعوديا، إلا أن الروابط المحتملة بين الحكومة السعودية والإرهابيين ظلت محل تساؤلات لسنوات.

ونفت السعودية أي تورط حكومي في الهجمات.

ولطالما قالت الولايات المتحدة إن الرياض لم يكن له أي دور وإن "تنظيم القاعدة" تصرف بمفرده.

وفي 2016، أصدر الكونغرس تشريع "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي سمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة السعودية، وهو ما مهد الطريق أمام مطالبات قضائية عدة من عائلات الضحايا بالحصول على تعويضات من المملكة.

وتنتظر عائلات الضحايا قرارا من قاضي المحكمة الجزئية في مانهاتن، جورج دانيلز، بشأن ما إذا كان بالإمكان المضي قدما في القضية، وهو ما قد يفتح المجال أمام ظهور المزيد من الأدلة، وفق "سي أن أن".

وفي جلسة يوليو، اتهم محامو أهالي الضحايا مواطنين سعوديين اثنين بأنها دعما اثنين من خاطفي الطائرات، وهما نواف الحازمي وخالد المحضار، بعد وصولهما إلى جنوب كاليفورنيا عام 2000.

وقالوا إن الدبلوماسي السعودي، فهد الثميري، الذي كان يعمل في القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، كان جهة الاتصال الرئيسية بين "تنظيم القاعدة" والخاطفين الاثنين في لوس أنجلوس، وفقا لملفات المدعين أمام المحكمة.

وقالوا إن الثميري عمل مع سعودي آخر هو عمر البيومي، في دعم الخاطفين الاثنين أثناء وجودهما في كاليفورنيا، وفقا لملفات المحكمة.

وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد رفعت السرية عن مذكرة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) في ديسمبر 2021، كشفت عن شكوك قوية بشأن ارتباط السعودية رسميا بالخاطفين الذين نفّذوا اعتداءات 11 سبتمبر، لكنها لم تتمكن من تقديم الإثبات الذي كانت تنتظره العائلات التي تقاضي الرياض.

وكشفت المذكرة عن وجود ارتباطات بين البيومي، الذي كان حينها طالبا، ونواف الحازمي وخالد المحضار.

وساعد البيومي، الذي كان طالبا وعمل أيضا مع مقاول سعودي، الخاطفين عند وصولهما إلى البلاد، وفقا لتقرير لجنة 11 سبتمبر 2004. وذكر التقرير في ذلك الوقت أنه ساعدهما في العثور على شقة في سان دييغو وفتح حساب مصرفي ووقع على عقد إيجارهما.

وقد دعمت المعلومات التي أصدرها "أف بي آي" في وقت لاحق ادعاء المدعين بأن البيومي والثميري قاما بتنسيق شبكة الدعم في جنوب كاليفورنيا بتوجيه من مسؤولين سعوديين.

لكن تقرير عام 2004 قال إنه لم يجد أي دليل في ذلك الوقت على أن البيومي ساعد الخاطفين عن علم.

وأكدت المملكة أن البيومي كان طالبا وكان يتردد على مسجد في سان دييغو، وساعد بدون علم الخاطفين باعتبارهم قادمين جدد لا يجيدون الإنكليزية.

وفي جلسة الاستماع في يوليو، أثناء مناقشة اقتراح إسقاط الدعوى، ركز مايكل كيلوج، محامي السعودية، بشكل كبير على البيومي، قائلا إن أي مساعدة قدمها للخاطفين كانت "محدودة وبريئة تماما".

وتشير الأدلة التي أعدها محامو المدعين إلى أن البيومي التقى بمسؤول دبلوماسي سعودي في القنصلية قبل لقاء الخاطفين لأول مرة في مطعم في لوس أنجلوس، بعد أسبوعين من وصولهما إلى كاليفورنيا. وساعد البيومي في تسهيل انتقال الخاطفين من لوس أنجلوس إلى سان دييغو في غضون أيام من ذلك الاجتماع.

ويقول محامو المملكة إن البيومي التقى بالخاطفين بالصدفة في مطعم حلال بالقرب من مسجد معروف وكانت اتصالاته بهما "محدودة".

وقال محامي المملكة أيضا إنه لا يوجد دليل على أن الثميري فعل أي شيء لمساعدتهما، لكن محامي عائلات 11 سبتمبر قدم نتائج مكتب التحقيقات الفيدرالي التي تفيد بأن الثميري كلف أحد المصلين في المسجد باستلام الخاطفين من المطار، وإحضارهما إليه عندما وصلا لأول مرة إلى لوس أنجلوس، في منتصف يناير 2000.

وفي إفادة عن بعد تم إجراؤها في هذه الدعوى القضائية في عام 2021، أقر البيومي بأنه ساعد الخاطفين على الاستقرار في سان دييغو بدون علم بنواياهم، وقال إنه لم يكن متورطا في الهجمات.

وتضمنت الأدلة المعروضة البيومي وهو يلتقط صورا في واشنطن العاصمة، على مدار عدة أيام في عام 1999، وقال المدعون إنها قام بالتقاط الصور بغية معرفة مداخل وخارج مبنى الكابيتول.

ولطالما اعتقد المسؤولون أن الكابيتول ربما كان الهدف الأصلي للطائرة التي تحطمت في بنسلفانيا.

من جانبهم، قال محامو المملكة ان البيومي كان مجرد سائح في إجازة عندما صور جولته في الكابيتول وزيارته لمسؤولي السفارة السعودية.

وفي الجلسة، شاهد القاضي دانييلز فيديو لجولته، ويسمع في الفيديو البيومي وهو يقول: "هؤلاء هم شياطين البيت الأبيض". ووصف محامي السعودية اللغة التي استخدمها بأنها "مؤسفة"، لكنه قال إنها أُخرجت عن سياقها. ورد القاضي بأن العبارة لا تتوافق مع سائح يزور "مبنى جميلا".

وتحدث أهالي الضحايا عن اتصالات هاتفية متكررة بين البيومي ومسؤولين سعوديين، خاصة خلال فترة مساعدته الحازمي والمحضار، وتحدثوا عن دفتر مكتوب يحتوي على معلومات اتصال لأكثر من 100 مسؤول حكومي سعودي.

وقال محامو المملكة إن وجود جهات الاتصالات هذه مرتبطة بدوره التطوعي في المسجد.

وبعد انتهاء جلسة الاستماع، أعلنت وزارة الدفاع عن صفقة إقرار بالذنب مع العقل المدبر المزعوم للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنين آخرين من المعتقلين الآخرين معه في سجن غوانتانامو. ووافق هؤلاء على الاعتراف بالذنب بتهم التآمر مقابل الحكم عليهم بالسجن المؤبد.

وأثار إعلان صفقة الإقرار بالذنب ردود فعل قوية من أسر الضحايا بعد خروجهم من جلسة الاستماع.

وبعد يومين فقط، ألغى وزير الدفاع، لويد أوستن، صفقة الإقرار بالذنب في مذكرة مفاجئة وكتب أن "المسؤولية عن مثل هذا القرار يجب أن تقع على عاتقي".

وإلغاء الصفقة يعني إعادة "عقوبة الإعدام" لتصبح مطروحة مرة أخرى بحق هؤلاء.

لكن القضية أثارت جدلا قانونيا. ويقول محامون إن قرار أوستن غير قانوني.

ووسط هذا الجدل، تأمل أسر الضحايا أن تجلب لهم الدعوى القضائية المرفوعة على السعودية "العدالة التي كانوا يسعون إليها لأكثر من 20 عاما".