قضت محكمة في لندن، أمس الثلاثاء، على الداعية الإسلامي البريطاني الجنسية الباكستاني الأصل أنجم تشودري بالسجن مدى الحياة بتهمة إدارة "جماعة المهاجرون"، التي تحظرها بريطانيا بوصفها منظمة إرهابية.
جاء في حيثيات الحكم أن "جماعة المهاجرون" منظمة متشددة تهدف إلى نشر الشريعة الإسلامية في العالم قدر المُستطاع "باستخدام وسائل عنيفة حيثما تطلب الأمر".
فمن هو أنجم تشودري؟ وماذا نعرف عن "المهاجرون"؟ وكيف أثرت أفكار تشودري في تزايد العمليات الإرهابية التي وقعت في بريطانيا؟
كان محامياً
ولد أنجم تشودري في لندن عام 1967 لعائلة باكستانية الأصل. بدأ بدراسة الطب في الجامعة، ثم اتجه إلى القانون والتحق بجامعة "ساوثهامبتون" وتخرج منها كمحام، وتخصص بعدها في القضايا المدنية والقضايا المرتبطة بملف حقوق الإنسان.
بشكل عام، لم يلفت تشودري الأنظار في فترة دراسته، أو في السنين الأولى بعد تخرجه. كما لم يُعرف بتدينه في تلك الأوقات، على العكس من ذلك كان معتاداً على تناول المشروبات الكحولية والمشاركة في الحفلات الليلية مع أقرانه.
في التسعينيات، وقع تغيير مهم في مسيرته بعدما التقي بالداعية الإسلامي السوري المولد عمر بكري محمد في مسجد في وولريتش. أعجب المحامي بأفكار الداعية، ولم يمر وقت طويل حتى تحول تشودري ليصبح أحد كبار الدعاة الإسلاميين المعروفين في بريطانيا.
في سنة 1996، قام بكري وتشودري بتأسيس جماعة "المهاجرون". تولى بكري قيادتها فيما عين تشودري نائباً له. تمحورت أفكار الجماعة حول ضرورة تطبيق أحكام الدين الإسلامي في بريطانيا، كما نظمت بعض المظاهرات من حين لآخر لمطالبة الحكومة البريطانية بتطبيق الشريعة الإسلامية.
سنة 2004، وبالتزامن مع تزايد الضغوط الحكومية ضد الجماعة، قام تشودري وبكري بحل جماعة "المهاجرون"، وأعادوا تنظيمهها تحت أسماء مستعارة مختلفة، بما في ذلك "إسلام 4"، و"مسلمون ضد الحروب الصليبية"، و"الطريق الإسلامي"، و"مدرسة لندن للشريعة"، و"أهل السنة والجماعة"، و"الغرباء".
في 2005، حدث تغيير مهم في ما يخص الوضع القانوني لتلك التنظيمات بعدما وقعت تفجيرات لندن، التي تسببت في حل السلطات البريطانية لعدد من الجماعات الإسلامية المتشددة، وكانت "المهاجرون" على رأس القائمة. في السنوات التالية، حظرت الحكومة البريطانية النسخ الأخرى من الجماعة.
بحسب المركز العربي لدراسات التطرف، أثرت أفكار بكري وتشودري بشكل كبير على عضوي جماعة "المهاجرون" مايكل أديبولاجو ومايكل أديبوالي، اللذين قاما سنة 2013 بقطع رأس الجندي البريطاني فوسيلير لي ريجبي في جنوب شرق لندن.
كما قام تشودري بتحويل عبد اللطيف محمد جميل إلى التطرف، وهو أحد الانتحاريين التسعة الذين فجروا أنفسهم في سريلانكا، أبريل 2019، مما أسفر عن مقتل أكثر من 250 شخصاً خلال عيد الفصح.
من جهة أخرى، ارتبطت الجماعة ببعض الإرهابيين المعروفين خارج حدود بريطانيا، على رأسهم "أبو حمزة المصري" الذي صدر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة (2015) لإدانته بتهم ترتبط بالإرهاب.
العلاقة مع داعش
بعد حل "المهاجرون" ورحيل عمر بكري محمد من بريطانيا، تحول أنجم تشودري إلى رمز للتيار الإسلامي الراديكالي في بريطانيا. وظهر ذلك في العديد من التصريحات الإعلامية التي أدلى بها وتسببت في إثارة الجدل والغضب.
على سبيل المثال، دعا تشودري إلى تحويل قصر "باكنغهام" الملكي إلى مسجد. ودافع عن منفذي هجمات 11 سبتمبر. وفي يناير 2015 ظهر في برنامج على قناة "فوكس نيوز" ودافع عن الهجمات الإرهابية على مكاتب صحيفة "شارلي إبدو" في باريس. في مايو من السنة نفسها، أطلق حملة على وسائل التواصل الاجتماعي لتحذير المسلمين الذين يعيشون في بريطانيا من المشاركة في الانتخابات البرلمانية، واصفاً المشاركة بأنها "تتعارض مع ثوابت الشريعة الإسلامية".
خطاب تشودري ازداد تطرفاً بالتزامن مع الصعود السريع لتنظيم داعش في العراق وسوريا داعش، حيث أعلن عن ولائه لداعش في عدد من المحاضرات التي بثها بين أتباعه، كما شجع المسلمين البريطانيين على السفر لسوريا للمشاركة في "الجهاد" و"إقامة دولة الخلافة".
بسبب تلك التصريحات ألقي القبض على تشودري. وفي صيف 2016 تمت إدانته بتهم الحث على الالتحاق بداعش والتحريض على الهجمات الإرهابية، وإضفاء الشرعية على "دولة الخلافة" التي دعا إليها أبو بكر البغدادي في ذلك الوقت. وحُكم عليه بالسجن 5 سنوات في سجن "بيلمارش" مشدد الحراسة جنوب شرق لندن.
في أكتوبر 2018، غادر تشودري السجن بعدما أمضى نصف العقوبة، وفُرض عليه 20 شرطاً حين إطلاق سراحه، من بينها حظره من الحديث على الملأ، وفرض قيود على مكالماته الهاتفية واستخدامه للإنترنت وحظر اتصاله بأشخاص يشتبه في تورطهم بقضايا تطرف، إلا بموافقة مسبقة من السلطات. كما أُجبر على الإقامة في منزله تحت المراقبة في لندن لمدة ستة أشهر، وطُلب منه ارتداء جهاز تعقب "جي بي اس".
رغم كل تلك القيود، ظل تأثير تشودري حاضراً في الأوساط الجهادية في السنوات الأخيرة. أشارت بعض التقارير لصلته ببعض العمليات الإرهابية التي شهدتها بريطانيا مؤخراً، أبرزها مقتل شخصين طعناً على جسر لندن على يد المتطرف الإسلامي عثمان خان في نوفمبر 2019.
وكشفت وسائل إعلامية وقتها عن علاقة الصداقة التي جمعت بين خان وتشودري، كما نشرت صحف بريطانية عدة صورة للرجلين وهما يقفان بجوار بعضهما البعض.
في أغسطس 2021، عاد تشودري لإثارة الجدل إعلامياً مرة أخرى بسبب تصريحاته بخصوص عودة حركة طالبان للحكم في أفغانستان. دعا أبو لقمان -وهو الاسم الذي يُعرف به تشودري بين أتباعه ومناصريه- حكومة طالبان إلى إلغاء كل آثار الثقافة الغربية في أفغانستان، وحظر الأنشطة "غير المجدية" مثل الموسيقى والدراما، ومنع اختلاط الرجال بالنساء. كما طالب حركة طالبان بتطبيق جميع الحدود الواردة في الشريعة الإسلامية بما في ذلك "قطع أيدي اللصوص ورجم الزناة، وتنفيذ عقوبة الإعدام على المرتد، وجلد شاربي الخمور".
في يوليو 2023، اعتقل تشودري مرة أخرى، ووجهت له اتهامات متعددة تتعلق باستمرار نشاطه الإرهابي المحظور، وظل قيد المحاكمة حتى قضت محكمة إنجليزية بالأمس بسجنه مدى الحياة، ليُسدل الستار بذلك على قصة واحد من أبرز الدعاة الإسلاميين المُتهمين بالتطرف والإرهاب في أوروبا.