امرأة أفغانية ترتدي البرقع تسير في شارع في قندهار في 25 ديسمبر 2022.
امرأة أفغانية ترتدي البرقع تسير في شارع في قندهار في 25 ديسمبر 2022.

منذ أيام، أصدرت سلطات طالبان في أفغانستان قرارا يمنع النساء من إظهار ووجوههن أو إعلاء أصواتهن في الأماكن العامة، وذلك بموجب حزمة من القوانين الجديدة التي تم تمريرها في إطار "جهود" وزارة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". أعادت تلك القوانين الجدل حول مفهوم الحسبة الإسلامي، والكيفية التي تطور بها ليتخذ العديد من الأشكال المعاصرة في بعض الدول الإسلامية.  كيف طُبق هذا المفهوم في العقود الأخيرة في كل من السعودية وأفغانستان وإيران؟ ولماذا تعاني النساء -على وجه الخصوص- من التطبيقات المعاصرة لهذا النظام؟

 

الحسبة تاريخياً

تأسست فكرة الحسبة في الإسلام على قاعدة أساسية، وهي "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وهي القاعدة التي تم اقتباسها من الآية رقم 104 من سورة آل عمران. في كتابه "الأحكام السلطانية" يعرف أبو الحسن الماوردي الحسبة بإنها "أمر بالمعروف إذا ظهر تركه، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله".

تذكر المصادر الإسلامية أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب كان أول من وضع نظام الحسبة في الدولة الإسلامية. وكان يتولاه بنفسه أحيانا. ولكن بدأ تطبيق الحسبة كنظام رسمي معتمد منذ أواخر العهد الأموي ومطلع العهد العباسي. وكان يجري تطبيقها في الأسواق والشوارع والحمامات العامة. وعُرف القائم على تلك الوظيفة بالمحتسب.

في هذا السياق، يذكر المؤرخ ابن جرير الطبري في كتابه "تاريخ الأمم والملوك" أن الخليفة العباسي الثاني أبا جعفر المنصور نقل أسواق بغداد إلى منطقة باب الكرخ، وإنه "عَيَّن لها محتسبِينَ يُراقبون شئونها، ويضبطون مخالفاتها".

بشكل عام، عُرفت وظيفة المحتسب في مختلف البلاد الإسلامية، شرقاً وغرباً. وتغيرت صلاحيات المحتسب بحسب قوة الدولة وتدخلها في المجال العام، كما تباينت اختصاصاته من مكان إلى آخر. ورغم اختفاء تلك الوظيفة من أغلب المدونات القانونية الحديثة، إلا أنها أخذت أشكالا أخرى في بعض البلدان الإسلامية التي تميل للأخذ بالتفسيرات الدينية المحافظة.

 

"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في السعودية

في سنة 1940م، أعلنت المملكة العربية السعودية عن تأسيس "الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، والتي عُرفت اختصاراُ باسم الهيئة. على مدار العقود السابقة، تمتعت الهيئة بنفوذ واسع في الشارع السعودي، بعدما أوكلت إليها مهام الإشراف على تطبيق نظام الحسبة.

في هذا السياق، مارس المنتسبون للهيئة عملهم في التأكد من تطبيق القواعد العامة في الشارع، ومنع الاختلاط بين الجنسين، والتأكد من التزام النساء بارتداء الملابس الواسعة التي تتفق مع الفهم التقليدي للشريعة الإسلامية، فضلاً عن إجبار المحلات التجارية على الإغلاق وقت الصلاة.

في سنة 2002م، وجهت انتقادات شديدة للهيئة بسبب تقاعسها عن إنقاذ ضحايا حادثة حريق شب في مدرسة حكومية متوسطة للبنات في مدينة مكة. ذكر التقرير الصادر عن منظمة هيومان رايتس واتش بخصوص تلك الحادثة أن العديد من أفراد الهيئة أعاقوا جهود فرق الإنقاذ لأن الطالبات اللاتي حاولن الفرار من النيران لم يكنَّ يرتدين الزي العام الإجباري للفتيات والنساء. تسبب ذلك الحادث في وفاة 15 فتاة بالإضافة إلى إصابة العشرات.

في سنة 2009م، اُنتقدت الهيئة مجددا على نطاق واسع فيالتقرير الصادر عن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية. انتقد التقرير العديد من الممارسات التي يقوم بها أعضاء الهيئة. ومنها على سبيل المثال تفتيش الممتلكات الخاصة دون مبرر، والقبض على النساء دون محرم، والإجبار على التوقيع على محاضر دون قراءتها، وتفتيش أجهزة الجوال، ورفض السماح للمقبوض عليهم بالاتصال بذويهم.

ورصد التقرير أيضا بعض الحالات التي تم فيها سب المتهمين ببعض الألفاظ غير اللائقة ومعاملتهم بقسوة. ودعا التقرير إلى "تحديد سلطات وصلاحيات منسوبي الهيئة بشكل دقيق". في سنة 2016م، أُثيرت الضجة من جديد حول دور الهيئة وصلاحياتها، بعدما انتشر مقطع فيديو لفتاة تتعرض للضرب والسحل على أيدي بعض المنتسبين للهيئة، وذلك بدعوى ارتدائها ملابس غير لائقة. على إثر تلك الضجة، تم إعفاء مدير عام هيئة الأمر بالمعروف بمنطقة الرياض.

في أبريل 2016م، وبالتزامن مع خطة الإصلاح التي وضعها ولي العهد محمد بن سلمان. تمت إعادة النظر في اختصاصات وصلاحيات الهيئة. وصدر قرار من مجلس الوزراء السعودي بالحد من صلاحيات الهيئة التنفيذية. في هذا السياق، مُنع رؤساء وأعضاء الهيئة من إجراءات الضبط الجنائي والإداري والتحفظ والمتابعة والمطاردة والإيقاف والاستجواب والتثبت من الهوية والتحقيق والقبض. واقتصر دور الهيئة على "الدعوة للمعروف والنهي عن المنكر بمبدأ اللين والرفق فقط".

 

"شرطة الأخلاق" في إيران

فُرض الحجاب بشكل رسمي على الإيرانيات عقب انتصار "الثورة الإسلامية" سنة 1979. في تلك الفترة، نُظر إلى "الشادور" -الزي التقليدي الذي ترتديه النساء المحجبات في إيران- باعتباره زياً إسلامياً، يرمز لمبادئ الثورة من جهة، ويخالف التقاليد الغربية من جهة أخرى. في سنة 1983، فرض البرلمان الإيراني عقوبات مختلفة بحق الممتنعات عن ارتداء الزي الإسلامي. ولكن لم تُطبق تلك العقوبات بشكل صارم لعدم وجود جهة مشرفة على التحقيق في المخالفات.

تغير الوضع سنة 2005، عقب وصول الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد إلى السلطة. قرر نجاد إنشاء وحدة خاصة تابعة للشرطة الإيرانية، تحت اسم "غشتي إرشاد" أو "شرطة الأخلاق"، أو "دوريات التوجيه". وعُهدت إلى تلك الوحدة مهمةُ فرض قوانين اللباس الإسلامي على النساء والفتيات في الشوارع والأماكن العامة.

بحسب بعض التقارير الإخبارية، فإن العمل في وحدة شرطة الأخلاق سار على نهج حازم في السنوات السابقة. بموجب ذلك النهج، يتم اعتقال النساء والفتيات غير الملتزمات بالزي الإسلامي. ويتم نقلهن إلى ما يُعرف باسم "مراكز التعليم والإرشاد" في بعض الأحيان، أو إلى مراكز الشرطة في أحيان أخرى. بعدها، كان يُطلب من المتهمات حضور دروس إلزامية حول الحجاب والقيم الإسلامية، ثم يتم الاتصال ببعض أقاربهن لإحضار زي محتشم لارتدائه قبل الخروج من مركز الشرطة.

تعرضت شرطة الأخلاق لانتقادات شديدة طيلة عملها. وفي سنة 2022، تعالت الأصوات المُنتقدة عقب وفاة الشابة الكردية مهسا أميني. اُحتجزت أميني من قِبل عناصر شرطة الأخلاق في طهران في الثالث عشر من سبتمبر بسبب ارتداء "ملابس غير محتشمة". بعد ثلاثة أيام توفيت في المستشفى، ووجهت أصابع الاتهام لشرطة الأخلاق. على إثر ذلك، اندلعت المظاهرات في مختلف المدن الإيرانية، وقُتل فيها المئات من المتظاهرين.

تسببت تلك المظاهرات في الحد من صلاحيات شرطة الأخلاق. وفي الرابع من ديسمبر 2022م، أعلن المُدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، حلّ "شرطة الأخلاق، في خطوة بدت وكأنها استجابة للضغط الشعبي المستمر. وأعلن جعفري أن البرلمان والقضاء يعملان على مراجعة القانون الذي يفرض على النساء وضع غطاء للرأس.

 

"وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في أفغانستان

عرفت أفغانستان تطبيق مفهوم الحسبة من خلال ما عُرف باسم "وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". ذكرت بعض التقارير الإخبارية أن الوزارة كانت موجودة بالفعل في أفغانستان قبل وصول حركة طالبان إلى السلطة. لكنها توسعت بشكل كبير خلال فترة حكم طالبان الأولى بين سنتي 1996 و2001. في تلك الفترة، عملت الوزارة على تطبيق مبادئ الحسبة الإسلامية، وفق فهمها التقليدي للشريعة بحسب المذهب الحنفي. قامت الوزارة بإجبار النساء على ارتداء الملابس المحتشمة، وحظرت الموسيقى والرقص، كما عاقبت الرجال على حلق اللحى، وعاقبت المتخلفين عن أداء الصلاة.

توارت وزارة الأمر بالمعروف عن المشهد الأفغاني عقب الاجتياح الأميركي والإطاحة بطالبان في 2001م. ولكنها أطلت برأسها من جديد في سنة 2006م، بعدما قام الرئيس الأفغاني الأسبق حامد كرزاي بتأسيس وزارة مشابهة -أقل قوة ونفوذاً- بعد ضغوط من المحافظين. وفي سنة 2021م، أُعيد تأسيس الوزارة بمسماها القديم، واستعادت قوتها عقب نجاح طالبان في استعادة السلطة.

بشكل عام، استأنفت الوزارة عملها في تعقب جميع الحالات "الخارجة عن الشريعة". وأعلن المسؤولون في الوزارة أنهم تمكنوا من مصادرة وتدمير أكثر من 21 ألف آلة موسيقية خلال العام الماضي، كجزء مما أسموه بـ"حملة إصلاحات مجتمعية" تقوم بها حكومة طالبان.

في يوليو الماضي، قالت بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في أفغانستان إن عناصر وزارة الأمر بالمعروف تسببوا في خلق "مناخ من الخوف والترهيب" بين الناس، وحددت البعثة "وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" باعتبارها المنتهكة الرئيسية لحقوق الإنسان في حكومة طالبان.

منذ أيام، سُلطت الأضواء من جديد على نشاط الوزارة بعدما أصدرت وثيقة قانونية متضمنة 35 بنداً. بحسب بعض التقارير، فإن العديد من بنود القانون الجديد تعمل على تقييد حرية المرأة. على سبيل المثال يخص البند 13 النساء وينص على أنه "يفرض على المرأة تغطية جسمها في الأماكن العامة وتغطية وجهها لتجنب الفتنة وإغواء الآخرين. كما يفرض على النساء ارتداء ملابس فضفاضة وطويلة لا تشف ولا تصف"، كما تحظر المادة 19 عزف الموسيقى وسفر النساء بدون محرم أو اختلاط الرجال بالنساء الأجانب، والعكس.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.