بقلم علي عبد الأمير:

في الدعوة للمشاركة في النقاش حول تساؤل مفاده: شباب العراق اليوم.. عون لبلادهم أم عالة عليها؟ ولماذا وكيف هم عون للعراق، ولماذا وكيف يبدون أحيانا عالة عليه؟ جاءت مداخلات مهمة، لكن أصحابها فضلوا قراءة السؤال بما يتوافق وزاوية النظر التي يرون بها إلى القضايا الكبرى في بلادهم، ومنها مسؤولية الشباب عن صنع المستقبل ورسم ملامحه.

تركة الماضي؟

يقول الناشط الشاب، عمر نزار، لموقع (إرفع صوتك) "على الرغم من أن مهمة الشباب في كل بلد هي الأهم، وهي المرتكز الوحيد في كل تغيير، وعلى الرغم من أن شبابنا يحمل في دواخله إحساسا بالمسؤولية، لكن تركة الجريمة السياسية تجاه البلد التي انتهجتها الدولة وحجم التقصير بهذه الشريحة، وحجم التربية العسكرية للشباب، كلها أسباب جعلت شبابنا سلاحا ذا حدين. ففي نفس الوقت الذي نعول عليهم في التغيير، نحن نعتبرهم أحد أسباب واقعنا المعاصر في مؤشراته السلبية".

لكن رائد الأسدي يبدو رافضا لأي تشكيك بقدرة الشباب العراقي على تقديم النافع لبلادهم، ويقول في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) "أبدا لم يكن شباب العراق عالة على وطنهم، لا سابقا ولا حاليا، فلطالما كانوا وقودا لحروب عبثية خاضها النظام السابق واليوم هم ضحايا للإرهاب وجدار مقاومته. الظلم والإجحاف الذي يعيشه الشباب اليوم تتحمل الحكومة وزره، كونها أغلقت بوجههم أبواب الأمل بسبب سوء التخطيط وغياب الرؤية المستقبلية، فأصبحت غاية الدراسة والتعليم التعيين في دوائر الدولة، وهذه الطامة الكبرى، بسبب إهمال القطاع الخاص، وتغييبه كرافد رئيسي لاقتصاد أي بلد، مما أدى إلى البطالة والبطالة المقنعة، وثانياً التعسف الذي تمارسه الأحزاب الدينية تجاه الشباب وكبت حرياتهم والتدخل في خياراتهم الشخصية، وهو ما يدفع الشباب إلى الهجرة أو القبول بالخيارات الوحيدة المتاحة ألا وهي العسكرة".

ليسوا عونا للبلاد؟

وثمة من ينقل السجال إلى مستوى آخر، كما يرى حارث الخضري بقوله إن "الأغلب من شبابنا اليوم لن يشكلوا عونا للبلد، ضمن عملية خلق بلد ديموقراطي حقيقي"، فهم يخضعون من وجهة نظره لـ"لأنساق الثقافية التي شكلت وعي مجتمعاتهم على مدى سنوات وبالنتيجة وعيهم هم.. أنساق تشربوها بالبيت والعشيرة والمدرسة والمسجد والحسينية. إنها مفاهيم العشيرة والمذهب والدين والقومية. إن شبابنا لم يخرجوا، إلا في حالات نادرة، عن هذه السلطات، فجولة بسيطة عبر موقع "فيسبوك" تؤكد أن الأغلبية عندما تتحدث لا تستطيع أن تخفي تأثرها بالأنساق المشار إليها، نجد ذلك يتجلى أكثر ما يتجلى عندما نقترب من حدود الطائفية. فكثير من ديموقراطيينا وعلمانيينا، إزدواجيون، يعتمدون في تقديم أنفسهم على ألقابهم العشائرية أو أصلهم كـ(سادة) رغم أنهم ينادون بدولة علمانية بدون ألقاب. هم يساهمون في تكريس محنة البلد".

الإقتصاد هو الحل

ويعتقد سهيل كبة أن حلاً اقتصاديا يمكن أن يعمّق الإسهام الإيجابي للشباب في صوغ مستقبل بلادهم، موضحا في رده على سؤال من (إرفع صوتك) أن " ثلاثة محاور لو تم تفعيل الاستثمار فيها لتمت الفائدة من جهود الشباب وكانت عونا للمجتمع ومنفعة للشباب، والمحور الأول هو الاستثمار في التعليم، إذ من دون هذا القطاع لا يمكن لأي بلد أن يتطور أو يخطو إلى الأمام، والمحور الثاني ويعتمد على الاستثمار في قطاع الصحة، لما له من دور فاعل بتحصين الأجيال من الأمراض والأوبئة وتقديم الخدمات للسكان، والمحور الثالث وهذا الأهم وهو قطاع البناء والإعمار مما يحفز على حركة السوق ويعيد دورة الاقتصاد ويجعل من الشباب ربان سفينة التحريك".

وقريبا من هذا المعنى يعتبر كاظم كاظم العلاقة بين المواطن والوطن، هي "علاقة تبادل منفعة"، إذا ما وضعت الشعارات جانبا، لكنه يستدرك أنه "في حالة العراق فالمعادلة صعبة. الشاب بأغلب الأحيان لا يشعر بالانتماء للبلد، وينتظر أي فرصة لتركه، كما أن الحكومات لم تقدم شيئا للشاب حتى يتمسك ببلده، بل هي لم تطوّر الشاب حتى يكون مفيدا لبلده".

*الصورة: يشكل الشباب محور الاحتجاجات ضد الفساد وسوء الخدمات في العراق/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بقلم مايكل عادل:

كان مأمولاً أن تُفتح كل تلك الملفّات عقب إتمام الموجة الأولى من ثورة 25 يناير عام 2011. فالملفات المسكوت عنها كانت قد زادت عن الحد وربما كانت هي أهم محرّكات الثورة آنذاك كالطائفية والحريّات وقضايا المرأة والمساواة.

ولكن الأمر الصادم لم يكن مجرّد عدم مناقشة تلك القضايا والعمل عليها على النحو المُنتظر، وإنما هو حالة الردّة المثيرة للدهشة في تلك الأمور -خاصة قضايا المرأة. بالإضافة لطفو أضعاف ما كان ظاهراً من عوامل اختلال مفهوم المساواة على المستوى المجتمعي، رغم الجهود المبذولة من الأفراد والمؤسسات.

لعل أحد أهم أسباب تلك الردّة المباغتة هو عدم تقدير حجم الخلل بدقّة من قِبل العاملين على إصلاحه، بالإضافة إلى رد الفعل الشرس من فئات المنتفعين من سيادة منطق التفرقة سواء على أساس الجنس أو الدين. فهناك على سبيل المثال الجماعات الدينيّة التي ظهرت بقوّة في المجال العام والعمل السياسي الرسمي بعد الثورة، والتي لم تكتفِ بخوض المعترك السياسي رسمياً بل صارت مقرّبة إلى السُلطة الحاكمة بقدر كبير خلال الفترة الانتقاليّة الأولى في وقت ابتعاد القوى المدنية والمجتمع المدني، الأمر الذي وصل إلى الخصومة نتيجة رفض الممارسات الأمنيّة ضد الحراك الثوري.

وبناء على ذلك أصبح الصوت العالي في المجتمع -بعد الصوت الرسمي- للجماعات الدينية كالإخوان والتي لم تدرج على قائمة أولوياتها قضايا كتلك بقدر اهتمامها بقضايا الأحزاب والانتخابات وخارطة الطريق.

عطفاً على ما سبق، كان من أقوى أسلحة الحرب على أي تحرك أو عمل في إطار قضايا المرأة في مصر ما يُسمّى بالعُرف والعادات والتقاليد. والعرف هنا ليس شأناً أخلاقياً بالمرّة، بل على سبيل المثال في صعيد مصر من المعتاد أن تجد سيّدة على رأس أسرة أو كبيرة عائلة تتحكم في تقسيم التركات وحصص الأفراد من الأرض أو توزيع الدخل الناتج عن بيع الغلّة. وهذا أيضاً من العُرف. ولكن العرف الذي يقصدونه الآن حين يكون الحديث في المساواة أو حقوق المرأة هو مجموعة من الأفكار العشوائية المختلطة بالرجعيّة واهتزاز الثقة، والتي اتخذت نزعة إجرامية غير مسبوقة في فرضها كرد فعل على أي بوادر تحرر ظهرت بعد الثورة. فأصبح التحرش ليس مجرد حدثٍ يومي كما كان، بل تطور إلى ما يشبه الواجب الذي يمارسه الموتورون بشكل روتيني مضيفين إليه بعض العنف والتحدي والسباب. بالإضافة إلى الدفاع المستميت عن أي إجرام يطال المرأة بداعي تجاوزها سواء في الملبس أو الحديث مثلاً.

وإجمالاً للأمر، فإن ملف المرأة يمر بأصعب مراحله خلال السنوات الأخيرة نتيجة لعدة عوامل، منها سوء تقدير المعنيّين بالقضية بالإضافة إلى طفو الجماعات الدينية على الساحة السياسية وتصدّرهم المشهد، بالإضافة إلى عدم وجود إرادة حقيقية من قِبَل الحكومات المتعاقبة لتحقيق أي خطوة للأمام –على الأقل على المستوى الرسمي- في القضايا العديدة ضمن ملف المرأة والمساواة.

ربما يأتي التحرك الرسمي الوحيد في عهد الرئيس الانتقالي عدلي منصور، الذي أصدر حزمة قوانين جاء ضمنها قانون التحرش. ولكن الأزمة ليست دائماً في القوانين بقدر أن تحقيق المساواة يعتمد بشكل أساسي على الشق التوعوي والتعليمي والذي تتحمل مسؤوليّته الدولة جنباً إلى جنب مع المجتمع المدني.

عن الكاتب مايكل عادل: صحافي وشاعر ومدوّن وباحث مصريّ، عمل في عدد من الصحف العربية كالسفير والأخبار اللبنانية ومؤسسة الأهرام المصريّة وكذلك مدوّناً في "هافينجتون بوست" بنسختها العربيّة.

لمتابعة مايكل على صفحته على تويتر اضغط هنا. وعلى فيسبوك اضغط هنا.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.