المغرب – بقلم زينون عبد العالي:

على طول الأرصفة المحيطة بساحة "باب الأحد" التاريخية بالعاصمة الرباط يصطف عشرات الشباب الحالمين بغد أفضل، بعدما سئموا الانتظار، وأخذ منهم اليأس مأخذه، فيما يدفع آخرون عربات متحركة لبيع المأكولات، بينما يفترش بعضهم جنبات الرصيف لعرض سلعهم واستجداء المارة للشراء منهم.

واقع مزري

"درست خمس سنوات وحصلت على شهادة الماجستير، لم أجد وظيفة تليق بي وتحفظ كرامتي، مما دفع بي إلى هذه الحرفة لأسترزق بها في انتظار الفرج"، بهذه الكلمات يصف محمد بلشقر بائع الذرة المشوية في ساحة "باب الأحد" حاله مع البطالة في المغرب.

ويضيف بلشقر الذي اقترب من إكمال عقده الثالث، في حديث لموقع (إرفع صوتك) "أصبحت حياتنا بلا معنى، درسنا وعانينا الأمرين للحصول على شهادة حلمنا بأنها ستكون مخلصنا من اليأس والتهميش، لكن وجدنا أنفسنا بين أحضان البطالة".

"لولا هذه المهنة لكنت عاطلا. هي تصبّرني وإن كنت لا أربح سوى دراهم معدودة تعينني على مصاريف المعيشة أنا وأمي"، يقول محمد وهو يشوي الذرة على نار هادئة فوق عربة مجرورة.

يختلف مدخول محمد باختلاف أيام الأسبوع، فيربح يوماً 100 درهم مغربي (ما يعادل 12 دولارا أميركيا) وأحياناً أخرى أقل من ذلك أو أكثر، لكن ليس راضيا عن هذا العمل "خاصة وأنني أفنيت حياتي زهرة شبابي في البحث والتحصيل دون جدوى"، يضيف المتحدث بنبرة يائسة.

عمل لا يضمن المستقبل

وبنبرة حادة يطبعها اليأس من الواقع يقول شاب وقف أمام عربة محمد ليشتري ذرة مشوية "إننا نريد خدمة بلادنا، غير أن قلة فرص الشغل وضعف الاهتمام الحكومي بالشباب يرفع درجات اليأس والإحباط في صفوفنا".

ويضيف الشاب الذي أدى ثمن الذرة مضاعفا (5 دراهم) لبلشقر،"حتى وإن كان ثمنها خمسين درهما فهي لن تضمن له مستقبلا، يجب الضغط على الحكومة لتوفير حلول أفضل لشبابنا".

في الجهة المقابلة للساحة، يتصاعد دخان كثيف من عربة يقف وراءها شاب نحيف، ملامح وجهه تدل على قسوة الظروف التي يعيشها، إنه الشاب المغربي عبد الرحمن الدويب، 28 عاماً، الذي يبيع المأكولات لزائري الساحة.

وفي حديث معه، قال عبد الرحمن "لم تشفع لنا شهاداتنا ولا أفكارنا في الحصول على عمل كريم، مما حذا بنا إلى البحث عن بدائل كامتهان بيع المأكولات في الساحات والأرصفة والكورنيش، عوض الاستسلام للبطالة واليأس".

يضيف عبد الرحمن الذي ترك مقاعد الدراسة في الجامعة بعدما انعدمت ظروف اتمامها، فهو كبير العائلة ومعيلها الوحيد، أنه وجد نفسه في مواجهة واقع مؤلم، يقتضي التضحية بالدراسة للاستمرار في الحياة.

"التهميش والاقصاء الممنهج لشباب اليوم آفة خطيرة تهدد مجتمعنا، فبعد الارتفاع المهول في الجريمة بشتى أنواعها في عدة مدن، أصبحنا اليوم وجهة للاستقطاب من طرف الجماعات المتطرفة التي تغري بالمال والمستقبل"، يتابع الشاب في حديثه لموقع (إرفع صوتك).

"البعض يرانا بائسين وذلك صحيح، هذا العمل لا يحقق سوى التعاسة، لأني أظل واقفا طيلة اليوم علّني أبيع ما يكفي من سندويتشات لسداد ثمن البضائع التي أشتريها ودواء أبي المريض، فلا حياة سعيدة ولا عمل كريم يقيني حر الشمس ودخان الفحم أمامي"، يضيف الدويب الذي فضل عدم الاستمرار في الحديث.

حلم مؤجل

أنس الشعر، 27 عاماً، شاب مغربي غادر مقاعد الدراسة مبكرا، فلا هو ضمن شهادة ولا عملا يضمن له مدخولا يكفيه.

ينصب أنس طاولة تعلوها بضع قطع من اللحم المفروم والخبز والخضروات، يرحب بالمارين أمامه وأغلبهم ركاب مستعجلون لإيجاد مقعد في سيارات الأجرة المتراصة في المحطة.

قال أنس، الذي يمني نفسه بامتلاك مطعم صغير (سناك) يقيه تعب الوقوف بين ضجيج السيارات، إن هذا الأمر "يظل معلقا، فالإيجار باهظ  بالعاصمة ولا أعتقد أن السلطات ستمنحني ترخيصا لإقامة مشروعي الخاص، ما دمت معدوم الإمكانيات".

"السلطات تضيّق علينا ولا تمنحنا الفرصة للعمل بكرامة"، يقول أنس بامتعاض قبل أن يستدرك، "أحيانا يغضون الطرف وأحيانا أخرى يصادرون كل شيء دون التفكير في حالنا".

بطالة في ارتفاع

وبحسب إحصائيات رسمية أعلنت عنها المندوبية السامية للتخطيط في المغرب فإن نسبة البطالة في المغرب ناهزت 10 في المئة خلال السنة الجارية، مشيرة إلى أن الظاهرة تستفحل بشكل كبير في أوساط الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24 سنة حيث وصلت إلى 23 في المئة.

وكشفت الإحصائيات أن معدل بطالة الشباب حاملي الشهادات خصوصا منهم خريجي المعاهد والمدارس العليا، شهد منحى تصاعديا خلال السنوات الأخيرة، حيث قارب نسبة 9.5 في المئة. ويتخذ عدد كبير من الشباب المغرب من بعض المهن الصغيرة حلا مؤقتا في مواجهة البطالة وانتظار فرصة عمل قد تأتي وقد تبقى مجرد حلم يراود آلاف الشباب المغاربة.

*الصورة: "حتى وإن كان ثمنها خمسين درهما فهي لن تضمن له مستقبلا"/إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بقلم مايكل عادل:

كان مأمولاً أن تُفتح كل تلك الملفّات عقب إتمام الموجة الأولى من ثورة 25 يناير عام 2011. فالملفات المسكوت عنها كانت قد زادت عن الحد وربما كانت هي أهم محرّكات الثورة آنذاك كالطائفية والحريّات وقضايا المرأة والمساواة.

ولكن الأمر الصادم لم يكن مجرّد عدم مناقشة تلك القضايا والعمل عليها على النحو المُنتظر، وإنما هو حالة الردّة المثيرة للدهشة في تلك الأمور -خاصة قضايا المرأة. بالإضافة لطفو أضعاف ما كان ظاهراً من عوامل اختلال مفهوم المساواة على المستوى المجتمعي، رغم الجهود المبذولة من الأفراد والمؤسسات.

لعل أحد أهم أسباب تلك الردّة المباغتة هو عدم تقدير حجم الخلل بدقّة من قِبل العاملين على إصلاحه، بالإضافة إلى رد الفعل الشرس من فئات المنتفعين من سيادة منطق التفرقة سواء على أساس الجنس أو الدين. فهناك على سبيل المثال الجماعات الدينيّة التي ظهرت بقوّة في المجال العام والعمل السياسي الرسمي بعد الثورة، والتي لم تكتفِ بخوض المعترك السياسي رسمياً بل صارت مقرّبة إلى السُلطة الحاكمة بقدر كبير خلال الفترة الانتقاليّة الأولى في وقت ابتعاد القوى المدنية والمجتمع المدني، الأمر الذي وصل إلى الخصومة نتيجة رفض الممارسات الأمنيّة ضد الحراك الثوري.

وبناء على ذلك أصبح الصوت العالي في المجتمع -بعد الصوت الرسمي- للجماعات الدينية كالإخوان والتي لم تدرج على قائمة أولوياتها قضايا كتلك بقدر اهتمامها بقضايا الأحزاب والانتخابات وخارطة الطريق.

عطفاً على ما سبق، كان من أقوى أسلحة الحرب على أي تحرك أو عمل في إطار قضايا المرأة في مصر ما يُسمّى بالعُرف والعادات والتقاليد. والعرف هنا ليس شأناً أخلاقياً بالمرّة، بل على سبيل المثال في صعيد مصر من المعتاد أن تجد سيّدة على رأس أسرة أو كبيرة عائلة تتحكم في تقسيم التركات وحصص الأفراد من الأرض أو توزيع الدخل الناتج عن بيع الغلّة. وهذا أيضاً من العُرف. ولكن العرف الذي يقصدونه الآن حين يكون الحديث في المساواة أو حقوق المرأة هو مجموعة من الأفكار العشوائية المختلطة بالرجعيّة واهتزاز الثقة، والتي اتخذت نزعة إجرامية غير مسبوقة في فرضها كرد فعل على أي بوادر تحرر ظهرت بعد الثورة. فأصبح التحرش ليس مجرد حدثٍ يومي كما كان، بل تطور إلى ما يشبه الواجب الذي يمارسه الموتورون بشكل روتيني مضيفين إليه بعض العنف والتحدي والسباب. بالإضافة إلى الدفاع المستميت عن أي إجرام يطال المرأة بداعي تجاوزها سواء في الملبس أو الحديث مثلاً.

وإجمالاً للأمر، فإن ملف المرأة يمر بأصعب مراحله خلال السنوات الأخيرة نتيجة لعدة عوامل، منها سوء تقدير المعنيّين بالقضية بالإضافة إلى طفو الجماعات الدينية على الساحة السياسية وتصدّرهم المشهد، بالإضافة إلى عدم وجود إرادة حقيقية من قِبَل الحكومات المتعاقبة لتحقيق أي خطوة للأمام –على الأقل على المستوى الرسمي- في القضايا العديدة ضمن ملف المرأة والمساواة.

ربما يأتي التحرك الرسمي الوحيد في عهد الرئيس الانتقالي عدلي منصور، الذي أصدر حزمة قوانين جاء ضمنها قانون التحرش. ولكن الأزمة ليست دائماً في القوانين بقدر أن تحقيق المساواة يعتمد بشكل أساسي على الشق التوعوي والتعليمي والذي تتحمل مسؤوليّته الدولة جنباً إلى جنب مع المجتمع المدني.

عن الكاتب مايكل عادل: صحافي وشاعر ومدوّن وباحث مصريّ، عمل في عدد من الصحف العربية كالسفير والأخبار اللبنانية ومؤسسة الأهرام المصريّة وكذلك مدوّناً في "هافينجتون بوست" بنسختها العربيّة.

لمتابعة مايكل على صفحته على تويتر اضغط هنا. وعلى فيسبوك اضغط هنا.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.