الجزائر - بقلم أميل عمراوي:

جسّد قانون الأسرة الجزائري المعدل لقانون سنة 1984 التطور الملموس في نظرة المشرّع الجزائري لقضايا الأسرة عموما والمرأة على وجه أخص، حيث أضحت الأخيرة متمتعة بعديد من الحقوق المتعلقة بحق الخلع والاستفادة من سكن الزوجية في حال الانفصال برغبة الزوج، لكن التطور في التشريع لم ينعكس على وضعها داخل المجتمع، حيث لا يعلو القانون أحياناً على التقاليد.

قانون الأسرة الجزائري

قد يكون قانون الأسرة من أكثر مشاريع القوانين التي لاقت أكبر قدر من الاهتمام الإعلامي والسياسي بالجزائر منذ الاستقلال، كونه يمس الخلية الأولى للمجتمع، بل ويرتبط بمقومات تكوينه الأساسية وهي الدين الإسلامي.

موضوعات متعلقة:

هل يستغل المتطرفون المنابر العامة في الأردن؟

شباب يسعون لأن تكون بغداد “دار سلام” حقيقية

صاحبت مناقشات البرلمان الجزائري لقانون الأسرة، بل وحتى قانون العقوبات الذي يجرم العنف ضد المرأة (2014)، تشنجات ونقاشات حادة وصلت لحد تبادل الشتائم بين نواب التيار الديمقراطي والتيار الإسلامي.

ولعل المواد المتعلقة بتحديد سن الزواج (18 سنة)، وإسقاط شرط حضور الولي بالنسبة للبنت البالغ، كانت النقاط التي أشعلت النار في البرلمان أيام المناقشة العلنية لنص المشروع، حيث لم تكد تحصل التزكية إلا بتضافر قوى الموالاة ممثلة في أحزاب الحكومة بشكل عام.

ويرى الإسلاميون أن "إسقاط شرط الولي بعدٌ عن أهم أركان النكاح السليم في الإسلام" بينما ترى أحزاب التيار الديمقراطي أن ذلك تكبيل لحرية المرأة البالغ. لكن التياران يستحسنان خلق آليات دعم المرأة مثل صندوق المطلقات الذي يلتزم بدفع مستحقات النفقة لهن إذا كان الزوج غير قادر على ذلك، فهل تحقق للمطلقات شيء مما ترمي إليه نصوص القوانين؟

هذا عدل؟

سارة شريفي، 33 عاماً، مطلقة تمكث بالبيت، تروي معاناتها لموقع (إرفع صوتك).

"دعك من القانون. أنا لا أؤمن بهذا الكلام. ماذا تعني لك بعض الدراهم التي تنتهي بمجرد بداية الشهر، لقد سئمت كتابة طلبات الإعانات من الجمعيات".

تقول سارة إن زوجها طلقها وهو لا يملك بيتا فاضطره القاضي لتأجير منزل لها ولابنتها. لكن تؤكد ذات المتحدثة "لم يكن منزلا لائقا بل كانت غرفة ضيقة وتفتقر لأدنى شروط العيش الكريم. اضطررت لتركها والعودة إلى بيت أبي، لكن النفقة التي يقدمها لي لا تكفيني حتى لشراء الحليب لهذه المسكينة"، تقول وهي تشير إلى ابنتها التي لم تبلغ بعد سنتين.

حميدة تكنيوان، تشتكي من ذات الإشكال حيث وفي روايتها لموقع (إرفع صوتك) تؤكد عدم قدرتها على تسديد كل الفواتير المتعلقة بتربية ولديها.

"صدقني القول لو كنت متعلمة لما طلبت النفقة أصلا لأنني كنت خرجت للعمل وتمكنت من تربية ولدي من دون مشاكل، لكن واقعي مرير ويحتم علي التوجه لرهن مجوهراتي حتى أتمكن من شراء لوازم المدرسة لأبنائي. أهذا عدل؟".

آليات دعم.. ولكن!

على الرغم من دخول تعديلات قانون الأسرة حيز التنفيذ، إلا أنك تصادف العديد من المطلقات المرميات بنواصي الطرقات برفقة أبنائهن يسألن الجود من المارّة.

اقترب موقع (إرفع صوتك) من إحداهن وكان الحديث عموما في ذات منحى ما ذهبت إليه سارة وحميدة بل كان واقع جميلة أشدّ وأمر.

تقول جميلة، التي تكتفي بذكر اسمها دون لقب العائلة، إن زوجها طلقها منذ أربع سنوات، وكانت إثر ذلك تتلقى النفقة الشهرية التي كانت تسد رمق ابنها بالرغم من زهدها، لكن الامر تأزم بعد هروب زوجها على متن قارب لأوروبا.

"عندما طلقني زوجي بسبب امرأة أخرى دخلت حياته، اضطرته العدالة إلى ضمان غرفة لي ولابني وكان ذلك لمدة سنة فقط كنت أتلقى النفقة خلالها، لكنه توقف لعدة شهور ولما استفسر القاضي تبين أنه ترك البلاد".

وتؤكد المتحدثة أنها وعلى الرغم من أن صندوق المطلقات تكفل بتسديد النفقة الشهرية عن زوجها إلا أنها اضطرت للبقاء في العرى لأن الإيجار انتهى منذ ذلك الحين وأضحت وابنها من دون مأوى.

"لا أستطيع استئجار بيت بالمبلغ الذي يدفعه صندوق المطلقات.. الحل الوحيد بالنسبة لي هو الشارع، أكيد سيدفع ابني الثمن معي لكن لا ذنب لي و لا له في ذلك. إنه القانون والمجتمع والآليات الناقصة التي تدعمه".

خلل

وخلصت دراسة أعدتها المحامية عائشة زيناي إلى ضرورة وضع آلية للرصد والاستماع لتحريك المعنيين بالسهر على التطبيق الصحيح للقانون.

وتلفت السيدة زيناي وهي مستشارة في مجال حقوق الإنسان، في دراستها التي حصل موقع (إرفع صوتك) على نسخة منها، إلى ضرورة معاقبة ضباط الشرطة والجمارك وأعوان الحالة المدنية المسؤولين عن عدم احترام الإجراءات المضمنة في نص القانون أو عدم تطبيقها.

وعن المادتين المتعلقتين بنفقة المطلقة وحقها في مسكن الزوجية أو أجرة مسكن إن كانت حاضنة للأطفال، كشفت الدراسة عن صعوبة تنفيذ القرارات القضائية المتعلقة بالنفقة وأجرة السكن للمطلقة، رغم توسيع صلاحيات القاضي وحقه في الفصل استعجاليا في القضايا المرتبطة بحق الحضانة والزيارة والمسكن والنفقة·

*الصورة: "لو كنت متعلمة لما طلبت النفقة أصلا"/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بقلم مايكل عادل:

كان مأمولاً أن تُفتح كل تلك الملفّات عقب إتمام الموجة الأولى من ثورة 25 يناير عام 2011. فالملفات المسكوت عنها كانت قد زادت عن الحد وربما كانت هي أهم محرّكات الثورة آنذاك كالطائفية والحريّات وقضايا المرأة والمساواة.

ولكن الأمر الصادم لم يكن مجرّد عدم مناقشة تلك القضايا والعمل عليها على النحو المُنتظر، وإنما هو حالة الردّة المثيرة للدهشة في تلك الأمور -خاصة قضايا المرأة. بالإضافة لطفو أضعاف ما كان ظاهراً من عوامل اختلال مفهوم المساواة على المستوى المجتمعي، رغم الجهود المبذولة من الأفراد والمؤسسات.

لعل أحد أهم أسباب تلك الردّة المباغتة هو عدم تقدير حجم الخلل بدقّة من قِبل العاملين على إصلاحه، بالإضافة إلى رد الفعل الشرس من فئات المنتفعين من سيادة منطق التفرقة سواء على أساس الجنس أو الدين. فهناك على سبيل المثال الجماعات الدينيّة التي ظهرت بقوّة في المجال العام والعمل السياسي الرسمي بعد الثورة، والتي لم تكتفِ بخوض المعترك السياسي رسمياً بل صارت مقرّبة إلى السُلطة الحاكمة بقدر كبير خلال الفترة الانتقاليّة الأولى في وقت ابتعاد القوى المدنية والمجتمع المدني، الأمر الذي وصل إلى الخصومة نتيجة رفض الممارسات الأمنيّة ضد الحراك الثوري.

وبناء على ذلك أصبح الصوت العالي في المجتمع -بعد الصوت الرسمي- للجماعات الدينية كالإخوان والتي لم تدرج على قائمة أولوياتها قضايا كتلك بقدر اهتمامها بقضايا الأحزاب والانتخابات وخارطة الطريق.

عطفاً على ما سبق، كان من أقوى أسلحة الحرب على أي تحرك أو عمل في إطار قضايا المرأة في مصر ما يُسمّى بالعُرف والعادات والتقاليد. والعرف هنا ليس شأناً أخلاقياً بالمرّة، بل على سبيل المثال في صعيد مصر من المعتاد أن تجد سيّدة على رأس أسرة أو كبيرة عائلة تتحكم في تقسيم التركات وحصص الأفراد من الأرض أو توزيع الدخل الناتج عن بيع الغلّة. وهذا أيضاً من العُرف. ولكن العرف الذي يقصدونه الآن حين يكون الحديث في المساواة أو حقوق المرأة هو مجموعة من الأفكار العشوائية المختلطة بالرجعيّة واهتزاز الثقة، والتي اتخذت نزعة إجرامية غير مسبوقة في فرضها كرد فعل على أي بوادر تحرر ظهرت بعد الثورة. فأصبح التحرش ليس مجرد حدثٍ يومي كما كان، بل تطور إلى ما يشبه الواجب الذي يمارسه الموتورون بشكل روتيني مضيفين إليه بعض العنف والتحدي والسباب. بالإضافة إلى الدفاع المستميت عن أي إجرام يطال المرأة بداعي تجاوزها سواء في الملبس أو الحديث مثلاً.

وإجمالاً للأمر، فإن ملف المرأة يمر بأصعب مراحله خلال السنوات الأخيرة نتيجة لعدة عوامل، منها سوء تقدير المعنيّين بالقضية بالإضافة إلى طفو الجماعات الدينية على الساحة السياسية وتصدّرهم المشهد، بالإضافة إلى عدم وجود إرادة حقيقية من قِبَل الحكومات المتعاقبة لتحقيق أي خطوة للأمام –على الأقل على المستوى الرسمي- في القضايا العديدة ضمن ملف المرأة والمساواة.

ربما يأتي التحرك الرسمي الوحيد في عهد الرئيس الانتقالي عدلي منصور، الذي أصدر حزمة قوانين جاء ضمنها قانون التحرش. ولكن الأزمة ليست دائماً في القوانين بقدر أن تحقيق المساواة يعتمد بشكل أساسي على الشق التوعوي والتعليمي والذي تتحمل مسؤوليّته الدولة جنباً إلى جنب مع المجتمع المدني.

عن الكاتب مايكل عادل: صحافي وشاعر ومدوّن وباحث مصريّ، عمل في عدد من الصحف العربية كالسفير والأخبار اللبنانية ومؤسسة الأهرام المصريّة وكذلك مدوّناً في "هافينجتون بوست" بنسختها العربيّة.

لمتابعة مايكل على صفحته على تويتر اضغط هنا. وعلى فيسبوك اضغط هنا.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.