بقلم حسن عبّاس:
عام 2011، انطلق حراك الشباب اللبناني تحت عنوان "إسقاط النظام الطائفي" وسارت الأمور في مسار تصاعدي، لكن فجأة خفت الحراك من دون سبب واضح مع أنه لم يحقق شيئاً من مطالبه. والأمر نفسه تكرّر بطريقة مشابهة في حراك آخر انطلق عام 2015 على خلفية أزمة النفايات.
أسئلة كثيرة تطرحها هاتان التجربتان اللتان يراهما البعض نقطة إيجابية يمكن البناء عليها فيما يراهما آخرون سبباً للمزيد من اليأس من التغيير.
أسباب كثيرة للامتعاض
الأسباب التي تدعو إلى إطلاق حراكات كثيرة، برأي الكاتب والصحافي حسّان الزين، الذي قال لموقع (إرفع صوتك) إن "الاقتصاد في حال الخطر، وهنالك فئة محدودة تحتكر الثروة، والمديونية العامة بلغت حد الإنذار، ولا صناعة أو فرص عمل تستوعب أعداد الوافدين إلى سوق العمل، وتكلفة المعيشة مرتفعة".
موضوعات متعلقة:
شباب يجتازون اليأس والإحباط بالعمل الإنساني
أيها الشاب العراقي… لماذا تتهم بالكسل؟
وأضاف أن هذا يترافق مع انسداد في الأفق السياسي وفساد في مؤسسات الدولة.
ويشهد لبنان أزمة سياسية حادة أدت إلى بقائه بدون رئيس جمهورية منذ 25 أيار/مايو 2014 لأن النواب لم يتمكنوا من الاتفاق على مرشّح. كذلك، فشل النواب في الاتفاق على قانون انتخابي تتوافق عليه كل الكتل السياسية ما أدى إلى تعطيل الانتخابات، منذ حزيران/يونيو 2013، والتمديد لمجلس النواب مرتين.
ولذلك، برأي الزين، يرى بعض المواطنين أنه ليس أمامهم "إلا الهجرة أو الالتحاق بقنوات المنفعة السياسيّة- المذهبيّة أو الانتفاض".
من جانبه، رأى الأستاذ الجامعي والناشط باسل صالح أن "هنالك أزمة بنيوية وتاريخية وباقية في النظام. وكل فترة تُنتج هذه الأزمة مصيبة، مرّة مصيبة خصها بالكهرباء ومرة ثانية بالمياه ومرة أخرى بالنفايات أو بغيرها من الأمور التي تؤثر على حياة الناس".
وأضاف لموقع (إرفع صوتك) أن "هذه المصائب تزعج اللبنانيين وتوصل الشباب إلى مكان تتولّد لديهم نقمة كبيرة فينشأ حراك كل بضعة سنوات".
مَن هم الحراكيون؟
دائماً يُطرح السؤال في لبنان عن هوية المشاركين في الحراكات، ويقول صالح إن "الشباب المشاركون هم المتضررون من السلطة"، موضحاً أنه "في حراك إسقاط النظام الطائفي كانت هنالك صبغة يسارية على المشاركين. أما في تحرّك "طلعت ريحتكم"، ومع مشاركة الناشطين في المجتمع المدني، أضيفت توجهات ليبرالية إلى التوجهات اليسارية".
وبحسب ملاحظات الزين الذي كتب عن الحراك الأخير كتاباً بعنوان "وما أدراك ما الحراك" تشارك في الحراكات "فئات واسعة من المواطنين عموماً والشباب خصوصاً، ممّن هم في أحزاب مهمّشة أو ممّن لا يجدون أطراً سياسيّة ينضوون فيها، إضافة إلى ناشطي المنظمات المدنيّة والمستقلّين".
أسباب الفشل
فشل الحراكان إذا ما اعتبرنا أن عدم تحقيق المطالب وانفراط عقد المعترضين وخسارتهم قدرتهم على التحشيد فشلاً.
لكن المشاركين في الاعتراض على الوضع القائم يرون في ما حصل أملاً. فصالح يعتبر أن "هنالك خطاً تصاعدياً. وتشعر مجموعة أكبر من الناس أن عليها القيام بشيء ما".
بدوره، يتجنّب الزين الحكم بأن الحراكات تفشل. يفضّل القول أن الحراك الأخير "أخفق" لأنه عجز عن تنظيم نفسه، واستيعاب المواطنين الذين استجابوا له، وإدارة اللحظة السياسيّة.
وبرأيه، لو استطاع تجاوز هذه الإخفاقات، "لكان ولد ديناميّة سياسيّة لا يمكن وقفها". وعلى الرغم ممّا حصل، يعتقد الزين أن الحراك الأخير لم تختفِ مفاعيله، بل "تحوّل إلى حيويّات اجتماعيّة تبلور القليل منها في الانتخابات البلدية".
وفي تحليله لأسباب "فشل" الحراكات، قال صالح "في الحراكات يشارك شباب لديهم خبرة في العمل المطلبي وآخرون ليست لديهم أيّة خبرة، ويشارك أيديولوجيون ويساريون وأشخاص يطمحون إلى تغيير النظام بشكل تام وآخرون يطمحون إلى إجراء بعض التحسينات عليه، وجزء ثالث يطمحون فقط لكي يكونوا في السلطة وهذا كل همهم، ومشكلتهم ليست حصول سرقات بل عدم المشاركة فيها، وجزء رابع من التسلطيين، وكل هذه الأهداف تتضارب في مكان ما وهذا ما يسبب ضعف الحراك".
من جانب آخر، أشار إلى استفادة أحزاب السلطة من التجييش المذهبي لحرف أنظار الناس عن حقوقها ولفت إلى أن "هنالك مشكلة في ذهنية أبناء الطبقة الوسطى الذين يفضّلون إيجاد وظيفة في الدولة وهذا ما تؤمنه لهم أحزاب السلطة فتسيطر عليهم بسبب سيطرتها على لقمة عيشهم".
ماذا عن المستقبل؟
يحاول شباب الحراك البناء على التجارب السابقة والاستفادة منها للذهاب خطوة أبعد في المستقبل.
لا وصفة حاسمة للنجاح برأي صالح. يعتبر أن النجاح "يتطلب عمل مجموعة واسعة ولا سبيل إلا المواجهة". لكنّه يبدي اعتقاده بأنه لا يجب الاتفاق على برنامج حد أدنى من المطالب لأن هذا لا يوصل إلى أي مكان ويمكّن قوى السلطة من أن تمتطي شعارات الحراكيين. "يجب أن نرفع مطالب راديكالية"، قال.
من جانبه، يرى الزين أن القوى التي تشارك في الحراكات "ما زالت من دون الوعي السياسي المطلوب ومن دون الاستعداد التنظيمي والتواصلي الذي لا يمكن خوض المعركة من دونه".
وللنجاح، يرى الزين أن على الشباب الارتباط أكثر بالناس والخروج من مركزية العاصمة ونخبويّتها، والتمرّن على الديموقراطية والعمل الجماعي، وتنظيم أنفسهم بشكل أفضل، والاتفاق على برنامج اجتماعي سياسي والعمل على تحقيقه باعتماد الأساليب السلمية اللاعنفية.
*الصورة: من إحدى التظاهرات في بيروت/وكالة الصحافة الفرنسية
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659