بقلم علي قيس:

كثيرة هي التحديات التي تواجه الطلبة في العراق، خصوصا في المراحل الدراسية المنتهية، بدءا بقدم أبنية المدارس وغياب الخدمات فيها، مرورا بالأوضاع العامة وعدم الاستقرار أمنيا واقتصاديا. لكن تلك الأوضاع لم تكن عائقا أمام بعض الطلبة الذين نجحوا في تحقيق طموحهم الذي سعوا إليه طيلة سنوات دراستهم.

من أقصى جنوب البلاد

الطالبة الأولى على العراق مريم عبد الكريم من قضاء الزبير غرب محافظة البصرة جنوبي العراق، حصلت على معدل 99.86، وهي خريجة ثانوية الرازي الأهلية، سبق لها أن قالت في حديث لبرنامج (شنو رأيك) الذي يبث على "راديو سوا"، إن الصعوبات كانت بالمناهج "حيث أنها صعبة وموسعة، لكن مواصلتي اليومية والدراسة المستمرة والاستعداد للامتحانات الشهرية جهود ساعدتني على النجاح بتفوق".

اقرأ أيضاً:

مادغيس ؤمادي.. مبرمج فتح باب التكنولوجيا أمام الأمازيغية

شباب أيزيديون يحاربون داعش بتوثيق جرائمه

وتتابع قولها بالإشارة إلى أن معاناة الطلبة هي بالمدارس الحكومية، فهي قديمة وتفتقر للخدمات، كما أن قاعات الدراسة بدون كهرباء، إضافة إلى أن كوادر التدريس غالبا ما تكون قليلة، مضيفة "من حسن حظي أن مدرستي أهلية، بناؤها جديد وكوادرها متميزة".

التكنولوجيا يمكن أن تكون عدو الشباب!

"هدفي المقبل أن أكمل دراسة الطب وأقدم خدماتي للناس"، تقول الطالبة من محافظة كركوك فاطمة رعد الثانية على البلاد في المرحلة الثانوية لعام 2016.

توضح فاطمة في حديثها لموقع (إرفع صوتك) أنها لم تواجه صعوبات كبيرة أثناء الدراسة، لأنها كانت في مدرسة أهلية، و "المدرسات كن يوفرن لي الظروف الملائمة، وكذلك العائلة"، حسب قولها.

وترى الطالبة الثانية على العراق أن استغلال الشباب السيء للتكنولوجيا ومواقع التواصل هو أهم أسباب تأخرهم دراسيا وثقافيا. وتضيف "بدل الاستفادة من الاختراعات والإبداعات التي تقدمها الدول الأوروبية، يسعى الشباب هنا للحصول على المتعة فقط من تلك التكنولوجيا".

فاطمة لا تملك حتى هذه اللحظة موبايل خاص بها وتستخدم هاتف والديها عند الحاجة. ولا تتصفح مواقع الإنترنت إلاّ للحاجة الملحة.

متفوق من ريف النجف

"مع بداية رحلتي الدراسية وبلوغ الوعي الكامل لدي، كنت أتمنى أن أصبح طبيبا وأساتذتي هم أكثر من حفزني لتحقيق هذا الطموح"، يقول الطالب أثير الحسناوي، من الطلبة الأوائل في محافظة النجف، مضيفا لموقع (إرفع صوتك) "كان جميع أهلي وأصدقائي وأخواني يساعدوني وبفضلهم حققت هذا الإنجاز".

حقق الحسناوي وهو خريج الدراسة الإعدادية من الفرع العلمي من (ثانوية الذكوات الاهلية) في قضاء المشخاب معدل 99 في المئة، لكن بعد جهود استثنائية بسبب الظروف التي كانت تمر بها عائلته، يوضحها بقوله "والدي متوفٍ منذ كان عمري ست سنوات. ووالدتي هي من ترعاني. عائلتي تعمل في الزراعة، والأرض ليست لنا، بل نحن مزارعون أجراء فيها. لكنها مصدر معيشتنا الوحيد".

لكن الظروف الصعبة لم تقف عائقا أمام أثير. "المعاناة التي مرت بعائلتي هي من دفعتني إلى أن أحدد لنفسي هذا الطموح وأسعى لتحقيقه".

طلاب عراقيون خلال أدائهم أحد الامتحانات2

400 ساعة دراسة من 1000 مفترضة

ورغم أن هؤلاء الطلبة الأوائل على العراق كانوا من خريجي المدارس الأهلية، إلا أن مختصين يرون أن "ما تحقق هو بجهود الطلبة وليس لأنهم درسوا في المدارس الأهلية".

"لا يمكن تعميم حالات فردية على المدارس الأهلية. السبب الرئيس هو اعتماد الطلبة على الذات"، يقول مدير عام تربية الرصافة الأولى فلاح محمود القيسي لموقع (إرفع صوتك). مضيفا "هناك مدارس أهلية حققت نسب نجاح جيدة وأخرى نسبة النجاح فيها كانت صفر في المئة".

ويتفق القيسي مع ما ذكره الطلبة من معوقات تشهدها المدارس الحكومية، موضحا "منذ 2003 إلى اليوم ارتفعت نسبة السكان وازداد معها عدد الطلبة، في المقابل لم تبن أي مدارس جديدة، هذا أثر على الدراسة بسبب تزايد عدد الطلبة في الصف الواحد".

ويتابع "المنهج تأثر أيضا، بسبب العطل الرسمية والمناسبات فإن عدد الساعات الفعلية لا يتجاوز 400 ساعة، في حين أنه من المفروض وفق المعايير أن تكون 1000 ساعة، 600 تعليمية و400 نشاطات لا صفية".

ويلفت مدير تربية الرصافة الأولى إلى أن غياب البنى التحتية من مختبرات ومستلزمات ونشاطات صفية أثر سلبا على الواقع الدراسي، يضاف إلى ذلك حالات النزوح التي رفعت نسبة أعداد الطلبة في القاعات الدراسية، مشيرا إلى أن "التربية اعتمدت على الأهالي في ترميم المدارس.. وأولياء الطلبة في تربية الرصافة الأولى ساهموا في ترميم واعمار وتجهيز المدارس بمبلغ 700 مليون دينار، بتبرعات شخصية منهم".

*الصور: طلاب عراقيون يؤدون الامتحانات/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بقلم مايكل عادل:

كان مأمولاً أن تُفتح كل تلك الملفّات عقب إتمام الموجة الأولى من ثورة 25 يناير عام 2011. فالملفات المسكوت عنها كانت قد زادت عن الحد وربما كانت هي أهم محرّكات الثورة آنذاك كالطائفية والحريّات وقضايا المرأة والمساواة.

ولكن الأمر الصادم لم يكن مجرّد عدم مناقشة تلك القضايا والعمل عليها على النحو المُنتظر، وإنما هو حالة الردّة المثيرة للدهشة في تلك الأمور -خاصة قضايا المرأة. بالإضافة لطفو أضعاف ما كان ظاهراً من عوامل اختلال مفهوم المساواة على المستوى المجتمعي، رغم الجهود المبذولة من الأفراد والمؤسسات.

لعل أحد أهم أسباب تلك الردّة المباغتة هو عدم تقدير حجم الخلل بدقّة من قِبل العاملين على إصلاحه، بالإضافة إلى رد الفعل الشرس من فئات المنتفعين من سيادة منطق التفرقة سواء على أساس الجنس أو الدين. فهناك على سبيل المثال الجماعات الدينيّة التي ظهرت بقوّة في المجال العام والعمل السياسي الرسمي بعد الثورة، والتي لم تكتفِ بخوض المعترك السياسي رسمياً بل صارت مقرّبة إلى السُلطة الحاكمة بقدر كبير خلال الفترة الانتقاليّة الأولى في وقت ابتعاد القوى المدنية والمجتمع المدني، الأمر الذي وصل إلى الخصومة نتيجة رفض الممارسات الأمنيّة ضد الحراك الثوري.

وبناء على ذلك أصبح الصوت العالي في المجتمع -بعد الصوت الرسمي- للجماعات الدينية كالإخوان والتي لم تدرج على قائمة أولوياتها قضايا كتلك بقدر اهتمامها بقضايا الأحزاب والانتخابات وخارطة الطريق.

عطفاً على ما سبق، كان من أقوى أسلحة الحرب على أي تحرك أو عمل في إطار قضايا المرأة في مصر ما يُسمّى بالعُرف والعادات والتقاليد. والعرف هنا ليس شأناً أخلاقياً بالمرّة، بل على سبيل المثال في صعيد مصر من المعتاد أن تجد سيّدة على رأس أسرة أو كبيرة عائلة تتحكم في تقسيم التركات وحصص الأفراد من الأرض أو توزيع الدخل الناتج عن بيع الغلّة. وهذا أيضاً من العُرف. ولكن العرف الذي يقصدونه الآن حين يكون الحديث في المساواة أو حقوق المرأة هو مجموعة من الأفكار العشوائية المختلطة بالرجعيّة واهتزاز الثقة، والتي اتخذت نزعة إجرامية غير مسبوقة في فرضها كرد فعل على أي بوادر تحرر ظهرت بعد الثورة. فأصبح التحرش ليس مجرد حدثٍ يومي كما كان، بل تطور إلى ما يشبه الواجب الذي يمارسه الموتورون بشكل روتيني مضيفين إليه بعض العنف والتحدي والسباب. بالإضافة إلى الدفاع المستميت عن أي إجرام يطال المرأة بداعي تجاوزها سواء في الملبس أو الحديث مثلاً.

وإجمالاً للأمر، فإن ملف المرأة يمر بأصعب مراحله خلال السنوات الأخيرة نتيجة لعدة عوامل، منها سوء تقدير المعنيّين بالقضية بالإضافة إلى طفو الجماعات الدينية على الساحة السياسية وتصدّرهم المشهد، بالإضافة إلى عدم وجود إرادة حقيقية من قِبَل الحكومات المتعاقبة لتحقيق أي خطوة للأمام –على الأقل على المستوى الرسمي- في القضايا العديدة ضمن ملف المرأة والمساواة.

ربما يأتي التحرك الرسمي الوحيد في عهد الرئيس الانتقالي عدلي منصور، الذي أصدر حزمة قوانين جاء ضمنها قانون التحرش. ولكن الأزمة ليست دائماً في القوانين بقدر أن تحقيق المساواة يعتمد بشكل أساسي على الشق التوعوي والتعليمي والذي تتحمل مسؤوليّته الدولة جنباً إلى جنب مع المجتمع المدني.

عن الكاتب مايكل عادل: صحافي وشاعر ومدوّن وباحث مصريّ، عمل في عدد من الصحف العربية كالسفير والأخبار اللبنانية ومؤسسة الأهرام المصريّة وكذلك مدوّناً في "هافينجتون بوست" بنسختها العربيّة.

لمتابعة مايكل على صفحته على تويتر اضغط هنا. وعلى فيسبوك اضغط هنا.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.