بقلم حسن عبّاس:

"نحن نوثّق من أجل الحقائق. نوثّق من أجل العدالة. نوثّق من أجل حقوق الضحايا. نوثّق من أجل حقوق مجتمعنا كأقلية تعرضت للإبادة".

هذا ما قاله مدير المنظمة الأيزيدية للتوثيق حسام عبد الله، في اختصار للدور الذي حددته لنفسها هذه المنظمة التي أبصرت النور، بعد يوم 3 آب/أغسطس 2014، حين اجتاح داعش مناطق عراقية ذات أغلبية أيزيدية.

وأضاف عبد الله لموقع (إرفع صوتك) "نوثق من أجل أن تعي الحكومات المحلية ما حصل وأن تعمل على إحقاق الحق وتشكيل المؤسسات المنوطة بذلك ومحاكمة الجناة والاعتراف بالجرائم التي ارتُكبت على أنها جرائم إبادة جماعية".

"نعمل لمجتمعنا بأيدينا"

بعد غزو داعش لمناطق الأيزيديين والانتهاكات التي ارتكبها، تأسست المنظمة بوصفها "مبادرة شبابية هادفة"، بحسب وصف عبد الله الذي اعتبر أن "للمجتمع المدني المستقل دوراً هاماً وبالأخص في العمل على القضايا الإنسانية والحقوقية".

بدأت الفكرة بين مجموعة شباب متنوّعي الاختصاصات في جبل سنجار وفي المناطق التي فرّ إليها الأيزيديون. كانوا يشعرون بأنهم يريدون القيام بشيء ما لعدم ضياع حق الضحايا. ومن هنا أتت فكرة تأسيس منظمة هدفها التوثيق وهي فكرة اقترحها عبد الله نفسه.

اقرأ أيضاً:

مادغيس ؤمادي.. مبرمج فتح باب التكنولوجيا أمام الأمازيغية

كيف تفوقوا بالدراسة حتى صاروا الأوائل على العراق؟

واليوم، صار الفريق يتكوّن من مجموعة من الشباب المدرّبين على أساليب التوثيق الصحيحة. هؤلاء ينتشرون في أماكن ومخيّمات عدّة داخل العراق وفي دول أوروبية ويعملون على حفظ الحقائق وإيصال صوت الأيزيديين إلى المجتمع الدولي.

وشرح عضو مجلس إدارة المنظمة خيري علي إبراهيم أن "الضربة التي تلقّاها المجتمع الأيزيدي على أيدي عصابات داعش كانت موجعة جداً بحيث شكّلت دافعاً قوياً لتنشيط الشباب وحثهم على البحث عن أفكار وطرق لاحتواء الصدمة ومحاولة التقليل ولو قليلاً من حجم الكارثة".

وروى لموقع (إرفع صوتك) أنهم اتفقوا على العمل لإيصال ما تعرّض ويتعرض له الشعب الأيزيدي إلى الجهات المعنية المحلية والدولية"، وجذبتهم فكرة تأسيس منظمة تُعنى بالتوثيق.

وأضاف "إن لم نعمل لمجتمعنا بأيدينا فليس هنالك من يعمل لأجلنا". من هنا كانت المنظمة التي عملت لفترة كمجموعة قبل نيلها إجازة عمل رسمية من دائرة المنظمات غير الحكومية في أربيل، في 3 آب/أغسطس 2015.

تواصل بين الأجيال

كل ناشطي المنظمة هم من الشباب والشابات، "لكننا بكل تأكيد بحاجة إلى الاستفادة مما يقوم به كبار السن ومن المعارف التي يمتلكونها. فمنهم مَن يوثّق المعاناة بقصائد أو قصص ومنهم مَن يوثّقها من خلال الكتب التاريخية والدراسات"، قال عبد الله.

وأضاف "كوني أعمل في مجال المجتمع المدني منذ عام 2003، لم أرَ شبابنا الأيزيديين مثلما أراهم الآن. هبّوا جميعاً إلى استخدام كل الوسائل والأدوات من أجل إيصال صوت الأيزيديين ومعاناتهم إلى العالم".

وتابع أن الشباب يتطوّعون بحماس في أي حدث أو مناسبة "ويقومون بمبادرات رائعة في دعم الفئات المستضعفة وإيصال صوت المختطفات ومعاناة مجتمعهم".

من جانبه، لفت إبراهيم إلى أن "همّ الشباب اليوم إحقاق الحق ومناهضة كافة أشكال التمييز العنصري ونبذ الطائفية المقيتة والتواصل بين الشعوب على أساس الإنسانية بعيداً عن اللون والعرق وما شابه ذلك، والقضاء على الأفكار المتطرفة في محاولة لخلق بيئة آمنة لحياة أفضل".

نشاطات متنوّعة

تعمل المنظمة الأيزيدية للتوثيق "بصمت" أكثر مما تنشغل بنشاطات جماهيرية. قريباً، ستصدر تقريراً يوثّق الانتهاكات التي طالت النساء والفتيات الأيزيديات.

ولكن تحيي المنظمة بعض المناسبات مثل الذكرى السنوية للإبادة الجماعية التي تعرّض لها الأيزيديون، وتعقد جلسات حوارية، وتنظم تدريبات لأعضائها وللمنظمات الصديقة بهدف بناء قدرات الشباب في عمليات الرصد والتوثيق.

وتتعاون المنظمة مع العديد من المنظمات الدولية والمحلية والمؤسسات الدولية التي لديها خبرة واسعة في كيفية العمل على إظهار الحقائق والمطالبة بالمحاسبة وبجبر الضرر.

وأيضاً، تقوم بأنشطة متنوعة لمساعدة أهالي الضحايا ولدعم الناجيات نفسياً، فضلاً عن العمل على إيصال صوت القضية الأيزيدية إلى أصحاب القرار وممارسة الضغط الجماهيري لحث المسؤولين على إنقاذ النساء والفتيات والأطفال الأيزيديين الذين ما زالوا تحت قبضة داعش.

"ننطلق من شعار واضح وهو: معرفة الحقيقة هي حق من حقوق الإنسان"، قال عبد الله مضيفاً أن عمل المنظمة يهدف إلى استخدام التوثيق الذي تقوم به من قبل الجهات المعنية وبالأخص المحاكم والمؤسسات الدولية العاملة على قضايا العدالة الجنائية".

ومن جانبه، قال إبراهيم إن المنظمة "وُلدت من رحم المعاناة ومن لهيب النار الذي أُضرم في قلوب أعضائها"، مؤكداً أن معرفة الحقيقة ومحاسبة الجناة هما ما يهمّ الشارع الأيزيدي.

*الصورة: نازحون من سنجار في مدرسة في مدينة دهوك الكردية/وكالة الصحافة الفرنسية

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بقلم مايكل عادل:

كان مأمولاً أن تُفتح كل تلك الملفّات عقب إتمام الموجة الأولى من ثورة 25 يناير عام 2011. فالملفات المسكوت عنها كانت قد زادت عن الحد وربما كانت هي أهم محرّكات الثورة آنذاك كالطائفية والحريّات وقضايا المرأة والمساواة.

ولكن الأمر الصادم لم يكن مجرّد عدم مناقشة تلك القضايا والعمل عليها على النحو المُنتظر، وإنما هو حالة الردّة المثيرة للدهشة في تلك الأمور -خاصة قضايا المرأة. بالإضافة لطفو أضعاف ما كان ظاهراً من عوامل اختلال مفهوم المساواة على المستوى المجتمعي، رغم الجهود المبذولة من الأفراد والمؤسسات.

لعل أحد أهم أسباب تلك الردّة المباغتة هو عدم تقدير حجم الخلل بدقّة من قِبل العاملين على إصلاحه، بالإضافة إلى رد الفعل الشرس من فئات المنتفعين من سيادة منطق التفرقة سواء على أساس الجنس أو الدين. فهناك على سبيل المثال الجماعات الدينيّة التي ظهرت بقوّة في المجال العام والعمل السياسي الرسمي بعد الثورة، والتي لم تكتفِ بخوض المعترك السياسي رسمياً بل صارت مقرّبة إلى السُلطة الحاكمة بقدر كبير خلال الفترة الانتقاليّة الأولى في وقت ابتعاد القوى المدنية والمجتمع المدني، الأمر الذي وصل إلى الخصومة نتيجة رفض الممارسات الأمنيّة ضد الحراك الثوري.

وبناء على ذلك أصبح الصوت العالي في المجتمع -بعد الصوت الرسمي- للجماعات الدينية كالإخوان والتي لم تدرج على قائمة أولوياتها قضايا كتلك بقدر اهتمامها بقضايا الأحزاب والانتخابات وخارطة الطريق.

عطفاً على ما سبق، كان من أقوى أسلحة الحرب على أي تحرك أو عمل في إطار قضايا المرأة في مصر ما يُسمّى بالعُرف والعادات والتقاليد. والعرف هنا ليس شأناً أخلاقياً بالمرّة، بل على سبيل المثال في صعيد مصر من المعتاد أن تجد سيّدة على رأس أسرة أو كبيرة عائلة تتحكم في تقسيم التركات وحصص الأفراد من الأرض أو توزيع الدخل الناتج عن بيع الغلّة. وهذا أيضاً من العُرف. ولكن العرف الذي يقصدونه الآن حين يكون الحديث في المساواة أو حقوق المرأة هو مجموعة من الأفكار العشوائية المختلطة بالرجعيّة واهتزاز الثقة، والتي اتخذت نزعة إجرامية غير مسبوقة في فرضها كرد فعل على أي بوادر تحرر ظهرت بعد الثورة. فأصبح التحرش ليس مجرد حدثٍ يومي كما كان، بل تطور إلى ما يشبه الواجب الذي يمارسه الموتورون بشكل روتيني مضيفين إليه بعض العنف والتحدي والسباب. بالإضافة إلى الدفاع المستميت عن أي إجرام يطال المرأة بداعي تجاوزها سواء في الملبس أو الحديث مثلاً.

وإجمالاً للأمر، فإن ملف المرأة يمر بأصعب مراحله خلال السنوات الأخيرة نتيجة لعدة عوامل، منها سوء تقدير المعنيّين بالقضية بالإضافة إلى طفو الجماعات الدينية على الساحة السياسية وتصدّرهم المشهد، بالإضافة إلى عدم وجود إرادة حقيقية من قِبَل الحكومات المتعاقبة لتحقيق أي خطوة للأمام –على الأقل على المستوى الرسمي- في القضايا العديدة ضمن ملف المرأة والمساواة.

ربما يأتي التحرك الرسمي الوحيد في عهد الرئيس الانتقالي عدلي منصور، الذي أصدر حزمة قوانين جاء ضمنها قانون التحرش. ولكن الأزمة ليست دائماً في القوانين بقدر أن تحقيق المساواة يعتمد بشكل أساسي على الشق التوعوي والتعليمي والذي تتحمل مسؤوليّته الدولة جنباً إلى جنب مع المجتمع المدني.

عن الكاتب مايكل عادل: صحافي وشاعر ومدوّن وباحث مصريّ، عمل في عدد من الصحف العربية كالسفير والأخبار اللبنانية ومؤسسة الأهرام المصريّة وكذلك مدوّناً في "هافينجتون بوست" بنسختها العربيّة.

لمتابعة مايكل على صفحته على تويتر اضغط هنا. وعلى فيسبوك اضغط هنا.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.