بقلم إلسي مِلكونيان:

 يولي الشباب في معظم الدول العربية اهتماماً متزايداً بتأسيس مشاريع صغيرة خاصة أو شركات ناشئة تصبح مصدراً رئيسياً لرزقهم.

وترافق هذا مع عوامل مساعدة، أبرزها: ظهور حاضنات الأعمال خلال السنوات الأخيرة لتمول أصحاب الأفكار المبدعة، بحيث يمكن الاستفادة من مشاريعهم لخدمة المجتمع، مثلاً "أويسيس 500" في الأردن ( تأسست عام 2010) و"فلات 6 لابز" في مصر (تأسست عام 2011)، وغيرهما كثير من المنظمات الرائدة في هذا المجال.

من جهة أخرى، أوضح تقرير ممارسة الأعمال 2016 الذي شمل 189 دولة، أن تونس حلت في المرتبة 74 والمغرب 75، بينما حل الأردن في المرتبة 113 ومصر في المرتبة 131.

التقى موقع (إرفع صوتك) مع عدد من رواد الأعمال في الدول العربية الذين فسروا بدورهم الأسباب وراء انخراط الكثيرين من الشباب في هذا المجال، نذكرها كما يلي:

القدرة على التغيير والابتكار

كان لديه الشغف لبدء مشروع خاص به، فترك مهنته كطبيب أسنان وبدأ بمشروعه الخاص. هكذا يشرح أحمد جلال دافعه لتأسيس مشروعه "Taskty" في مصر، قائلاً لموقع (إرفع صوتك) إن "إنشاء هذا المشروع يجعلني أشعر بأنني قادر على التغيير، وهذا نوع من الابتكار طورته لسد حاجات المجتمع المصري".

ويوضح جلال أن أساس المشروع هو تقديم خدمة لم تكن موجودة قبلاً، لكنه طورها لتتلاءم مع حاجة المجتمع المصري. وكان هذا السبب الرئيسي الذي دفع حاضنة الأعمال "فلات 6 لابز" لتموله. ويقوم مشروعه على الربط بين حاجات المنازل للحرفيين والحرفيين أنفسهم عبر الرسائل النصية وتطبيقات الهاتف الجوال التي تصل الطرفين ببعض، فيتجاوب الحرفي مع طلب الزبون.

ويضيف جلال أن ضخامة السوق المصرية والدراية بخفاياها جعل نجاح المشروع ممكناً. وابتكر بدوره وسلية للدفع. يقول جلال"في الدول المتقدمة يتم الدفع عادة بواسطة بطاقات الائتمان، لكن معظم الناس في مصر ما تزال تدفع نقداً، فقمت بابتكار وسيلة تتماشى مع ثقافة المجتمع، حيث يدفع الزبون نقداً للحرفي وأنا بدوري أستقطع نسبتي عبر (فوري) وهو جهاز للدفع نقداً موجود في كل مكان".

حل لمشكلة التوظيف

غالباً ما يواجه خريجو الجامعات مشكلة في الحصول على عمل بعد التخرج. وفي ظل صعوبة الحصول على التوظيف الحكومي، يمثل مجال المشاريع الريادية حلاً للمشكلة. يقول نبيل بلال من المغرب في حديث لموقع (إرفع صوتك) "كنت أعمل في شركة اتصالات، ثم اتجهت إلى تأسيس مشروعي الخاص باسم Ma telecom Maroc  والذي يربط بين شركات الاتصالات والزبائن وأنا أعمل به منذ عدة شهور. ارتفع دخلي الشهري من 13 ألف درهم مغربي إلى 50 ألف. وسأطلق الموقع الإلكتروني الخاص بمشروعي الأسبوع المقبل".

وتسلم بلال رئاسة الجمعية الوطنية للمقاولين الذاتيين التي تشكلت الشهر الماضي لتنظم نشاط ريادي الأعمال المغاربة فتساعدهم على كتابة خطة العمل وتصلهم بالممولين.

ويمثل هذا الاتجاه تياراً مضاداً للشبان الذين ينضمون إلى الجماعات الإرهابية. فالشباب الواعي المنهمك في عمله لن يجد وقتاً لمتابعة أفكار الإرهاب السلبية، حسب بلال.

فرص للنساء أيضاً

غالباً ما نسمع عن مبادرات لتقليص الفجوة بين النساء والرجال في المجتمعات العربية. لكن وجود مسرعات الأعمال شجع الكثيرات على إنشاء مشاريع خاصة بهن، مثلاُ موقع مودا الذي يعنى بتسويق ملابس يصممها كبار مصممي الأزياء الكترونيا. تقول مؤسسة المشروع ربا عبد الهادي لموقع (إرفع صوتك) "المشاريع الناشئة منحت النساء استقلالية أكبر وفرصة للاعتماد على النفس (فتكسر بذلك القيود المجتمعية)".

وتضيف أنها تؤمن أيضاً فرصاً للمرأة لتقدم أفكار مبتكرة. بالنسبة لعبد الهادي، وافقت الجهة الممولة "أويسيس 500" وهي مسرعة الأعمال ومقرها الأردن على تمويلها لأن المشروع "يجمع بين تكنولوجيا التسوق الإلكترونية وتصفح مجلة الأزياء وأطمح إلى التوسع في لبنان ودول الخليج"، حسب عبد الهادي.

الانفتاح بعد الربيع العربي... ولكن!

بالنسبة للبعض الآخر، غيرت الثورة من الأنظمة السائدة في البلاد نحو المزيد من الانفتاح. ولهذا السبب شرع الشباب في إقامة مشاريع خاصة أملاً بالاستفادة من الانفتاح المرتقب.

يقول زيد مرسي من تونس لموقع (إرفع صوتك) "مشروعي كان موقعاً إعلامياً باسم Tunisialive يرصد أخبار تونس باللغة الإنجليزية. ونفذت مشروعاً ثانياً اسمه cogite يؤمن أماكن للعمل وهو الأول من نوعه في تونس. لكن مع الأسف لم تمض الأمور كما توقعت. فوجدت أن الانفتاح المرتقب لم يتحقق ولا مرونة في القوانين. فاضطررت إلى تقليص نشاطي".

على الرغم من أن مشروع زيد لم يحقق النجاح المطلوب إلا أنه ينصح رواد الأعمال الصاعدين، من تجربته في تونس إلى التفكير بمطابقة منتجهم مع متطلبات السوق بما يتماشى مع القوانين. كما يجب التفكير على كيفية تسويق المنتج لسد حاجة المستهلك لكي لا يعتبر "بضاعة فائضة عن الحاجة".

*الصورة: يولي الشباب في معظم الدول العربية اهتماماً متزايداً بالمشاريع الصغيرة/Shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

بقلم مايكل عادل:

كان مأمولاً أن تُفتح كل تلك الملفّات عقب إتمام الموجة الأولى من ثورة 25 يناير عام 2011. فالملفات المسكوت عنها كانت قد زادت عن الحد وربما كانت هي أهم محرّكات الثورة آنذاك كالطائفية والحريّات وقضايا المرأة والمساواة.

ولكن الأمر الصادم لم يكن مجرّد عدم مناقشة تلك القضايا والعمل عليها على النحو المُنتظر، وإنما هو حالة الردّة المثيرة للدهشة في تلك الأمور -خاصة قضايا المرأة. بالإضافة لطفو أضعاف ما كان ظاهراً من عوامل اختلال مفهوم المساواة على المستوى المجتمعي، رغم الجهود المبذولة من الأفراد والمؤسسات.

لعل أحد أهم أسباب تلك الردّة المباغتة هو عدم تقدير حجم الخلل بدقّة من قِبل العاملين على إصلاحه، بالإضافة إلى رد الفعل الشرس من فئات المنتفعين من سيادة منطق التفرقة سواء على أساس الجنس أو الدين. فهناك على سبيل المثال الجماعات الدينيّة التي ظهرت بقوّة في المجال العام والعمل السياسي الرسمي بعد الثورة، والتي لم تكتفِ بخوض المعترك السياسي رسمياً بل صارت مقرّبة إلى السُلطة الحاكمة بقدر كبير خلال الفترة الانتقاليّة الأولى في وقت ابتعاد القوى المدنية والمجتمع المدني، الأمر الذي وصل إلى الخصومة نتيجة رفض الممارسات الأمنيّة ضد الحراك الثوري.

وبناء على ذلك أصبح الصوت العالي في المجتمع -بعد الصوت الرسمي- للجماعات الدينية كالإخوان والتي لم تدرج على قائمة أولوياتها قضايا كتلك بقدر اهتمامها بقضايا الأحزاب والانتخابات وخارطة الطريق.

عطفاً على ما سبق، كان من أقوى أسلحة الحرب على أي تحرك أو عمل في إطار قضايا المرأة في مصر ما يُسمّى بالعُرف والعادات والتقاليد. والعرف هنا ليس شأناً أخلاقياً بالمرّة، بل على سبيل المثال في صعيد مصر من المعتاد أن تجد سيّدة على رأس أسرة أو كبيرة عائلة تتحكم في تقسيم التركات وحصص الأفراد من الأرض أو توزيع الدخل الناتج عن بيع الغلّة. وهذا أيضاً من العُرف. ولكن العرف الذي يقصدونه الآن حين يكون الحديث في المساواة أو حقوق المرأة هو مجموعة من الأفكار العشوائية المختلطة بالرجعيّة واهتزاز الثقة، والتي اتخذت نزعة إجرامية غير مسبوقة في فرضها كرد فعل على أي بوادر تحرر ظهرت بعد الثورة. فأصبح التحرش ليس مجرد حدثٍ يومي كما كان، بل تطور إلى ما يشبه الواجب الذي يمارسه الموتورون بشكل روتيني مضيفين إليه بعض العنف والتحدي والسباب. بالإضافة إلى الدفاع المستميت عن أي إجرام يطال المرأة بداعي تجاوزها سواء في الملبس أو الحديث مثلاً.

وإجمالاً للأمر، فإن ملف المرأة يمر بأصعب مراحله خلال السنوات الأخيرة نتيجة لعدة عوامل، منها سوء تقدير المعنيّين بالقضية بالإضافة إلى طفو الجماعات الدينية على الساحة السياسية وتصدّرهم المشهد، بالإضافة إلى عدم وجود إرادة حقيقية من قِبَل الحكومات المتعاقبة لتحقيق أي خطوة للأمام –على الأقل على المستوى الرسمي- في القضايا العديدة ضمن ملف المرأة والمساواة.

ربما يأتي التحرك الرسمي الوحيد في عهد الرئيس الانتقالي عدلي منصور، الذي أصدر حزمة قوانين جاء ضمنها قانون التحرش. ولكن الأزمة ليست دائماً في القوانين بقدر أن تحقيق المساواة يعتمد بشكل أساسي على الشق التوعوي والتعليمي والذي تتحمل مسؤوليّته الدولة جنباً إلى جنب مع المجتمع المدني.

عن الكاتب مايكل عادل: صحافي وشاعر ومدوّن وباحث مصريّ، عمل في عدد من الصحف العربية كالسفير والأخبار اللبنانية ومؤسسة الأهرام المصريّة وكذلك مدوّناً في "هافينجتون بوست" بنسختها العربيّة.

لمتابعة مايكل على صفحته على تويتر اضغط هنا. وعلى فيسبوك اضغط هنا.

الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تعبر بالضرورة عن رأي موقع (إرفع صوتك) أو شبكة الشرق الأوسط للإرسال، ويتم نشرها إيماناً بحرية التعبير وضرورة فتح الباب أمام نقاش جاد للأسباب التي أدت إلى انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.