بقلم علي عبد الأمير:

منذ أن أحكمت الاحزان العامة على العراق مع بدء مواسم الاعتقال الجماعية والموت السياسي والانقلابات العسكرية ثم الحروب الواسعة والحصار والارهاب، نشطت وسيلة تعبير لم يعرفها أهل بلاد الرافدين من قبل، ألا وهي السخرية من الظروف الصعبة التي يعيشونها، وتحديدا منذ العام 1980 الذي شهد بدء مسلسل الحروب الخارجية، حتى اليوم.

وكانت السخرية قد اتخذت وسيلة النكتة وروح الدعابة. ولكنها في الحقيقة لم تكن إلا "سخرية سوداء". وبسببها دفع عراقيون أرواحهم ثمنا لروح السخرية تلك، لا سيما أنها كانت تمس رأس النظام السابق أو حزبه ومؤسساته الأمنية والسياسية. وهكذا تكرست السخرية تعاملا ضاحكا مع الحياة القاسية بحثا عن سعادة صارت شبه مستحيلة.

لاحقا، ومنذ أن سقطت منظمة الخوف السياسية والأمنية في العام 2003، نشطت وسائل تعبير واسعة استخدمت "الفكاهة أو السخرية" كنوع من التعويض عن غياب السعادة.

وضمن هذا السياق التعبيري، يقول الكاتب صالح الحمداني "الفكاهة أو السخرية هي جزء لا يتجزأ من تفاعلاتنا اليومية كبشر في كافة أرجاء المعمورة، سواء كنا نتحدث مع عابر سبيل أثناء تسوقنا لمشترياتنا أم أثناء محادثة مع صديق في مقهى أو حتى حين نتحدث مع ضابط شرطة في محاولة للتخلص من مخالفة مرورية."

ويضيف الحمداني، الذي عرف باستخدامه السخرية إطاراً لنهجه الاجتماعي الناقد، "على المستوى الشخصي والعملي، أميل إلى دمج الفكاهة أو السخرية في كتاباتي سواء تلك التي  تنشر في الصحف أو التي أضعها على صفحات التواصل الاجتماعي. أنا أنظر للفكاهة كأداة اتصال ممتازة تجعل القارئ والكاتب والموضوع في بودقة إنسانية واحدة لا يشعر أي منا أنه فوق النقد ولا يشعر بالضيق من حجم النقد. كما أني أشعر أن الفكاهة تطيل من دورة حياة المعلومة التي أود تناولها في كتاباتي.. بمعنى أنها تظل راسخة في الذاكرة لفترة أطول ويتم تبادلها بين الآخرين بشكل أكبر مما لو كانت جادة."

 ويضيف الحمداني في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أن أهمية السخرية تأتي كونها وسيلة "تساعدنا كبشر على تكوين علاقات إنسانية مع الآخرين وعلى نحو غير متكلف. هي حبة دواء سحرية تسهم في ذوبان الأقنعة الرسمية التي تغطي وجوهنا بشكل لا إرادي جراء ضغوط الحياة وتستبدلها بألفة وسماحة وإن لم تدم سوى للحظات بسيطة."

الضحك يعزز من تماسكنا الاجتماعي؟

وفي حين تعزز في الصورة الاجتماعية العراقية المحافظة أن الضحك علامة على خفة غير محببة، و "تعارض مظاهر الاحترام"، فإن الكاتب الحمداني يرى عكس ذلك. ويقول "قدرتنا على الضحك تعزز من تماسكنا الاجتماعي، وتقلل بالطبع من كمية التوتر والقلق خصوصا في مجتمعات تعاني من أزمات خطيرة كالعراق".

السعادة بين تسديد الديون وتفادي الانتحاريين

ويخلص الحمداني إلى أنه "في المجتمعات الآمنة، منسوبات السعادة مختلفة. فما ينشده الأوروبي أو الأميركي قد يكون سعادة من نوع مختلف عما ينشده العربي مثلا، وإن كانت هناك بعض المشتركات الانسانية. وبالتالي أكثر ما يضحك الأخير هي قائمة همومه التي تبدأ بتحصيل لقمة العيش لأولاده، مرورا بتسديد قائمة ديون الشهر المنصرم وتفادي العبوات الناسفة ولا تنتهي بالانتحاريين.  لا أدري إن كانت (السعادة) كقيمة مطلقة موجودة في عالمنا أصلا، لكن ظلالها قد تكون للبعض ملموسة في شعورهم بالراحة والأمان والاستقرار وقدرتهم على تحقيق الأحلام وإن تطلب الأمر بعض الوقت. أما في عالمنا العربي، فذات هذه الظلال هي غاية لا يمكن بلوغها إلا في الأحلام عندما يكون سريرك وثيرا وغطاءك وفيرا ربما.. للأسف أصبحت السعادة لدينا  تقاس بقدرتك على قضاء يوم واحد أو نصف يوم من دون منغصات".

*الصورة: أطفال في ريف الفرات الاوسط بالعراق/علي عبد الأمير-إرفع صوتك

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

المغرب - بقلم زينون عبد العالي:

على الرغم من الأزمات المتتالية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، يحافظ سكّانها على بصيص أمل ويطمحون إلى تحقيق سعادتهم يوم تصبح بلدانهم خالية من الفوضى والحروب التي تقض مضجعهم.

السعادة خيار فردي

وإذا كانت السعادة اختياراَ فردياً بحسب معظم الدراسات التي أجريت حول الموضوع، وفي ظل تعدد المفاهيم والمعايير التي تحدد سعادة الشخص وتعاسته، فليس هناك وصفة محدّدة لتحقيق السعادة. ويقول الأخصائي في علم النفس الاجتماعي مصطفى الشكدالي لموقع (إرفع صوتك) "من البديهي أن تؤثر الأوضاع التي يعيشها العالم العربي من حروب وتقلبات اقتصادية واجتماعية على الاستقرار النفسي وسعادة الفرد العربي".

مشكلنتا في بنية التفكير

ويضيف الشكدالي أنّ "المشكلة مرتبطة ببنية التفكير في هذه المجتمعات، ذلك أنّ أفراده إمّا يعيشون في الماضي ويحنون إليه، وإمّا يفكرون في المستقبل كبريق أمل. وبالتالي، حين لا نعيش هنا والآن، أيّ في الحاضر، ونثابر ونجتهد، نكون قد أخطأنا في البحث عن السعادة، إذ تكون أمانينا غير واقعية، وغير مرتبطة بالاجتهاد والسعي، بل تعتمد فقط على الأقوال دون الأفعال".

خمس خطوات لتحقيق السعادة

من جهة أخرى، تقترح الأخصائية النفسية والمدربة في التنمية البشرية رقية الهوري خمس خطوات ترى أنّها قد تحقق سعادة الإنسان إذا ما تم العمل بها. فإذا أردت أن تكون سعيداً، حسب المدربة، عليك أن:

1- تنظف عالمك الداخلي من شوائب الماضي، وذلك عن طريق التخلص من التوتر والقلق، بتبني استراتيجيات وتقنيات لتحفيز الشعور الإيجابي والمصالحة مع الذات.

2- تطوير قوة التحمل لديك وتنميتها، والثقة في النفس لتفادي الأمراض النفسية، وذلك بمعرفة القوة الكامنة داخلك واستثمارها بشكل أفضل.

3- السماء لا تمطر سعادة، وبالتالي من الواجب عليك أن تعمل وتسعى من أجل تحقيقها، والبحث عنها في أبسط الأمور الحياتية.

4- تطوير أشكال التعامل مع ذاتك والتعاطف معها، وليس إهمالها والاهتمام بأمور أخرى قد تكون سببا في تعاستك.

5- وأخيراً، السعادة تتحقق بالعطاء. أثبتت الدراسات أن الناس الذين يواظبون على فعل الأعمال الخيرية يحسّون بالرضى والسعادة أكثر من أولئك المنغلقين على ذواتهم. لذا كن فاعل خير، تكن سعيداً في حياتك.

*الصورة:  "السماء لا تمطر سعادة، وبالتالي من الواجب عليك أن تعمل وتسعى من أجل تحقيقه"/shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659