بقلم جنى فواز الحسن:

تولد أحياناً السعادة من تفاصيلٍ صغيرة وسط كل الصخب الذي يحيط بنا أو حتّى من الرغبة بها حين تكون وسائلها وسبلها شبه معدومة. رنا قاروط وابنها جميل رسما مؤخراً حكاية أمل رسمت البسمة على وجوه كثرٍ ممّن يحيطون بهم وعلى وجوه غرباءٍ حتّى أدهشتهم الطاقة الإيجابية التي خرجت بها رنا وولدها إلى الحياة على الرغم من الظروف القاسية في لبنان.

في غضون شهرٍ واحد، تمكّن جميل، ابن الست سنوات والمصاب بالتوحّد، أن يرسم 100 لوحة تمّ عرضها لاحقاً في دار المصوّر في بيروت. سطع نجم جميل في المعرض مستقطباً المهتمين والفنانين وباع معظم رسوماته.

في حديث لموقع (إرفع صوتك)، تقول رنا "ربما أفضل ما حدث في الموضوع هو أنّه حدث بعفوية وعن طريق الصدفة".

وتروي "جميل هو ابني الأوّل وهو ولد مصاب بالتوحّد. بدأ بالرسم، كانت لدينا علبة ألوان مائية. ثمّ أدخلت بعدها الفن التلصيقي وصرنا بعدها نستعين بأمور موجودة في المطبخ كالأرز والعدس. كانت البداية بأربعة لوحات والآن يستطيع جميل أن يرسم 10 لوحات في الجلسة الواحدة".

منذ بداية نشأته، لم تتعامل رنا مع ولدها بإحباط أو أسى وتقول إنّها لم تحب يوماً أيّ شعور بالشفقة تجاه جميل كأنّ يقول بها أحدهم "حرام"  بدافع التعبير عن تعاطف مع حالته. أنشأت له صفحة على "فيسبوك" وكتبت عنه وعنها وعن علاقتها به. ومن خلال عينيها اللتين صورته بهما بحب، أصبح نجماً لمتابعيه ومتابعيها.

تقول رنا إنّها تحاول أن تدفع جميل إلى القيام بما يحب أكثر من أن يفتعل شيئاً ما. وتضيف "بتّ أصوّر هذه اللوحات وأسميتها باللوحات لأنّي شعرت أنّها تحمل أمراً جميلاً وأنشرها عبر صفحة فيسبوك التي أنشأتها لجميل".

"بدأت هذه اللوحات بلفت أنظار أشخاص عاديين وفنانين وأشخاص يهتمون بالفن. وبالصدفة سألت أصدقائي في "دار المصور" إن كانوا يوافقون على عرض لوحات جميل ووافقوا بلا تردد. كما قامت صديقتي صاحبة دار الخياط الصغير بتصنيع بطاقات بريدية postcards تحمل لوحات لجميل واقتباسات من كتاباتي".

يرسم وهو سعيد..

ما يُفرح رنا هو أنّ الحماسة من قبل دار النشر ودار المصوّر لرسم جميل أتت "لأنّ عمل جميل جيّد وليس لأنّه طفل متوحد".

وتقول الأم لطفلين "يرسم جميل وهو فرح وسعيد وأنا أساعده كذلك وأحياناً المعالِجة التي تعمل معه. أطفال التوحّد بحاجة دائماً إلى المرافقة ولا أحب الادعاء أنّ جميل يستطيع القيام بكل شيء وحده".

الرسم لمداواة الأم والرفض

"كل رغبة بالاستمرار تأتي من ألم نرفض أن نعيشه"، تقول رنا. وهي تشرح أنّ الفترة التي لجأ فيها جميل للرسم أتت أثناء ظروف صعبة عاشوها في المنزل.

12305834_985995861442528_1856030184_n

تصف كذلك الوضع العام في لبنان أثناءها وأزمة النفايات التي كانت في أوجّها في البلاد ورائحة القمامة التي كانت تتسلّل إلى منزلهم خلال الرسم، كأنّ هذا الفعل الأخير أتى بمثابة رسالة لتحدّي الوضع القائم والقاتم.

لا تتكلّم رنا عن نفسها كأنّها اجترحت معجزة عبر تشجيع ولدها ودفعه إلى تقديم أفضل ما بوسعه. تتساءل "لماذا نركز دائماً على ما ينقص وليس ما هو موجوداً؟ لماذا نقول جميل لا يزال يرتدي الحفاضات ولا يتكلّم.. لماذا لا نقول جميل يرسم؟".

وتقول كأنّها تجيب على تساؤلها "يجب أن نركز على ما يستطيع الإنسان أن يقدّمه وليس على ما يعجز عن تقديمه، فكلنا لدينا عجز في مكان ما".

ديموقراطية التعليم

ووسط كل النجاح الذي حقّقه الفنان الصغير، تتكلّم رنا عن حقوق الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بأن يندمجوا مع أطفال آخرين وأن يكونوا محتضنين من أوطانهم ومجتمعاتهم.

*الصور: لوحات جميل وصورة لجميل ووالدته تُنشر بإذنٍ من رنا.

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659

مواضيع ذات صلة:

المغرب - بقلم زينون عبد العالي:

على الرغم من الأزمات المتتالية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، يحافظ سكّانها على بصيص أمل ويطمحون إلى تحقيق سعادتهم يوم تصبح بلدانهم خالية من الفوضى والحروب التي تقض مضجعهم.

السعادة خيار فردي

وإذا كانت السعادة اختياراَ فردياً بحسب معظم الدراسات التي أجريت حول الموضوع، وفي ظل تعدد المفاهيم والمعايير التي تحدد سعادة الشخص وتعاسته، فليس هناك وصفة محدّدة لتحقيق السعادة. ويقول الأخصائي في علم النفس الاجتماعي مصطفى الشكدالي لموقع (إرفع صوتك) "من البديهي أن تؤثر الأوضاع التي يعيشها العالم العربي من حروب وتقلبات اقتصادية واجتماعية على الاستقرار النفسي وسعادة الفرد العربي".

مشكلنتا في بنية التفكير

ويضيف الشكدالي أنّ "المشكلة مرتبطة ببنية التفكير في هذه المجتمعات، ذلك أنّ أفراده إمّا يعيشون في الماضي ويحنون إليه، وإمّا يفكرون في المستقبل كبريق أمل. وبالتالي، حين لا نعيش هنا والآن، أيّ في الحاضر، ونثابر ونجتهد، نكون قد أخطأنا في البحث عن السعادة، إذ تكون أمانينا غير واقعية، وغير مرتبطة بالاجتهاد والسعي، بل تعتمد فقط على الأقوال دون الأفعال".

خمس خطوات لتحقيق السعادة

من جهة أخرى، تقترح الأخصائية النفسية والمدربة في التنمية البشرية رقية الهوري خمس خطوات ترى أنّها قد تحقق سعادة الإنسان إذا ما تم العمل بها. فإذا أردت أن تكون سعيداً، حسب المدربة، عليك أن:

1- تنظف عالمك الداخلي من شوائب الماضي، وذلك عن طريق التخلص من التوتر والقلق، بتبني استراتيجيات وتقنيات لتحفيز الشعور الإيجابي والمصالحة مع الذات.

2- تطوير قوة التحمل لديك وتنميتها، والثقة في النفس لتفادي الأمراض النفسية، وذلك بمعرفة القوة الكامنة داخلك واستثمارها بشكل أفضل.

3- السماء لا تمطر سعادة، وبالتالي من الواجب عليك أن تعمل وتسعى من أجل تحقيقها، والبحث عنها في أبسط الأمور الحياتية.

4- تطوير أشكال التعامل مع ذاتك والتعاطف معها، وليس إهمالها والاهتمام بأمور أخرى قد تكون سببا في تعاستك.

5- وأخيراً، السعادة تتحقق بالعطاء. أثبتت الدراسات أن الناس الذين يواظبون على فعل الأعمال الخيرية يحسّون بالرضى والسعادة أكثر من أولئك المنغلقين على ذواتهم. لذا كن فاعل خير، تكن سعيداً في حياتك.

*الصورة:  "السماء لا تمطر سعادة، وبالتالي من الواجب عليك أن تعمل وتسعى من أجل تحقيقه"/shutterstock

يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659