بقلم علي عبد الأمير:
يثير مؤسس "الجمعية النفسية العراقية" ورئيسها الدكتور قاسم حسين صالح، قضايا جوهرية في مقاربته لمفهوم السعادة وأشكالها عند الإنسان العراقي. فمن إقراره باختلاف النظرة إلى السعادة، وصولاً إلى قوله إنّ "الفواجع اليومية المتلاحقة شكّلت لدى العراقيين فهماً سيكولوجياً مرضياً مازوشياً للسعادة".
ويرى الدكتور صالح في مداخلة مع موقع (إرفع صوتك) أنّ "السعادة تعني على صعيد الفرد رضا الإنسان عن حياته وتكون نسبية. ومع تعدد أسبابها: (مادية، دينية، أخلاقية والتمسك بالفضيلة على رأي الإغريق)، فإنها تكون بعلاقة عكسية مع مستوى الوعي، فكلما زاد وعي الإنسان كلما قل إحساسه بالسعادة. ولك أن تستشهد بقائمة طويلة من الأدباء الذين انتحروا (جاك لندن، ستيفان زفايج، همنغواي، مايكوفسكي، خليل حاوي، مهدي علي الراضي...). فيما تعني السعادة المجتمعية شعور الناس أنّهم يعيشون بأمان في ظل نظام يعتمد مبدأ العدالة الاجتماعية ويحقق لهم احتياجاتهم الحياتية".
جانب من منطقة المنصور ببغداد/علي عبد الأمير-إرفع صوتك
الأحزاب السياسية والسعادة؟
وفي متابعته للفكر السياسي العراقي المعاصر ومدى جديته في تحقيق السعادة للمواطنين، يقول الدكتور قاسم حسين صالح إنّ "المتابع للأحزاب السياسية العراقية يجد أن "الحزب الشيوعي العراقي" كان الوحيد الذي اهتم بالسعادة ووضعها في شعاره (وطن حر وشعب سعيد) رابطاً بينها والحرية، فيما حدّدها حزب البعث ضمنا بتحقيق "الوحدة والحرية والاشتراكية" الذي أثبت الواقع أنّها كانت خيالية. وحدّدها "الحزب الوطني الديمقراطي" في زمن زهوه بتحقيق "دولة وطنية دستورية ديمقراطية مستقلة"، وصولاً إلى الأحزاب الاسلامية التي لم يرد في شعاراتها ما يشير إلى السعادة، مع أنّ الدين الإسلامي يؤكّد على أنّ راحة عباد الله واجبة وأنّ السعادة الكبرى تكون في الآخرة وأنّ الدنيا دار فناء، بل أنّ قادة هذه الأحزاب عكسوا هذا المفهوم بنقيض نوعي متطرف ومخجل محتكرين السعادة لأنفسهم والشقاء لعباد الله".
سعادة تحقيق السلطة بالعنف!
ويواصل عالم النفس العراقي حديثه المثير بالقول "مع أنّ العراق يعد الآن من بين الدول الأقل سعادة، فإنّه ينفرد بكونه لم يشهد في تاريخه عقداً واحداً من السعادة. وذلك لأنّه البلد الذي كانت تؤخذ به السلطة بالقوة عبر خمسة آلاف سنة، نجم عنها اقتران شرطي بالمفهوم البافلوفي (نسبة إلى عالم النفس الروسي بافلوف)، بين السعادة والحصول على السلطة عن طريق العنف الدموي. ولك أن تتذكر ما حصل في 14 تموز/يوليو 1958 حيث طاف الناس فرحين وهم يحملون الكفوف المقطوعة لأفراد من العائلة المالكة، وما حدث في شباط/فبراير 1963 حيث التلذذ والاستمتاع بقتل وتعذيب وطنيين وتقدميين. والكارثة أنّ الأحداث التي شهدها العراق من تاريخه القديم إلى احتراب 2007 إلى جريمة سبايكر، إلى الفواجع اليومية المتلاحقة، شكّلت لدى العراقيين فهماً سيكولوجياً مرضياً مازوشياً للسعادة".
متى يفتح باب المسرات؟
ويخلص عالم النفس إلى أنّ السعادة في العراق تواجه الآن تهديدين خطيرين:
"الأول، أن العقل السياسي العراقي تبرمج فكرياً وسيكولوجياً عبر اثنتي عشرة سنة على إنتاج الأزمات، ما يعني أنّه غير قادر بالمدى المنظور على إيجاد حل يفتح باباً للسعادة. والثاني، إنّ صراع الهويات القاتلة تحكّم بالعملية السياسية العراقية بعد العام 2003 التي تبرمجت أيضاً على إشاعة الكراهية بين الناس، فضلاً عن أنّ العراقيين ورثوا عن أسلافهم عقدة الخلاف مع الآخر وأن وجع الأحداث أوصلهم إلى أنّهم صاروا يتباهون بالأحزان فيما البشر الأسوياء يتباهون بالسعادة.
ومع أنّ الغالبية المطلقة من العراقيين يرون أن باب السعادة لن يفتح على بلادهم فتوزعوا بين من اعتاد أن يعيش غريباً في وطنه ومن انكفأ على ذاته ومن يئس ومن هاجر ومن انتحر! إلّا أنّ ديمومة تظاهرات العراقيين في 2015 تعد الناس بأنّهم سائرون نحو فتح باب المسرات على وطن كان فيه حتى الظلام جميلاً".
*الصورة: جانب من منطقة المنصور ببغداد/علي عبد الأمير-إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659