بقلم علي عبد الأمير:
هل السعادة عند الشباب العراقيين لها مستويات معينة؟ ولماذا يبدو الفرح في العراق اليوم مرتبطاً بالتهريج والسخرية؟ متى تعتقد أن هناك حالة سعادة عرفها العراقيون؟ وهل تتوقع مستقبلاً سعيداً لهم، وكيف؟
هذه أسئلة تقدّم بها موقع (إرفع صوتك) للكاتب والناشط العراقي الشاب، حسين العسلاوي، الذي اختار توجيه نداء لقطاع عريض ممن سيشكلون المستقبل في مجتمعه، ووضع له عنوان "فتشوا عن السعادة في جيب المستقبل".
ويرى العسلاوي الذي بدا مثيراً للجدل في مداخلاته لوسائل الاعلام العراقية، والمتلفزة منها على وجه الخصوص، حين اختار السباحة ضد تيار الوعي الاجتماعي السائد وبشأن العديد من القضايا المهمة في بلاده، أنّ "الناظم البياني لخط السعادة في العراق، ومنذ ما يزيد على عقدين، يسجل انحداراً، لا سيما بين صفوف الشباب، وذلك مرتبط بجملة من الخيبات المتراكمة التي تتجلى بالأنظمة السياسية تارة وفي صعود التيار الديني تارة أخرى".
قيم النشوة والحبور
وفي مقاربته لتلك "الانتكاسات التي وفرت غطاء الكآبة والبؤس والقنوط والإحباط، وطردت مضامين البهجة والفرح والسعادة، بمختلف فنونها"، فهو يرى أنّ سعادة نسبية قد تحققت خلال مرحلة السبعينات وما قبلها، "وقد تجلت بالاستقرار السياسي النسبي، وانتشار التعليم ومحو الأمية، وتطلع الشباب إلى العالم المتحضر، زيادة ابتعاث طلاب الجامعات للخارج، نقل تجارب دول أوروبا وأميركا والاتحاد السوفيتي آنذاك، ظهور المسارح الجادة في نشر الابتسامة. كل هذه العوامل مدّت الشباب بزخم معنوي، جدّد على ضوئها الأفكار والممارسات والسلوكيات، فضلاً عن استقرار دخل الفرد، الذي تزامن مع وجود "صحافة" تعزز الوعي المدني. هذه المعطيات غمرت الأجيال بمنتهى قيم النشوة والحبور وأضحى الأمل في متناول اليد، وصارت فلسفة السعادة جزءاً من ثقافة التعامل".
السعادة... طاقة إيجابية
ويعتقد العسلاوي أن تلك الحقبة (سبعينيات القرن الماضي في العراق) مثلت "زمن السعادة والطاقة الإيجابية"، قبل أن "تداهم العراق لحظة النكوص المروعة، مع دخول عقد الثمانينات حتّى يومنا هذا. وهو خلاف ما تقدم، إذ بدأ صعود الخطاب الديني عبر الحملات الإيمانية سابقاً والإسلام السياسي حالياً، الذي يركز في أحد مفاصله على الحزن والانتظار كجزء من ثقافة المواساة والتعبد، ومغامرات النظام السابق في شن الحروب الخاسرة، وما تركته من أثر في حرق منظم لأحلام الشباب، إلى جانب فشل الحكومات المتعاقبة بعد التغيير عام 2003 في ايجاد فضاء آمن، بالإضافة إلى سرقة المال العام، وظهور الطائفية والاقتتال الداخلي، وانتشار الفكر المتطرف والارهاب، مما أدّى إلى اختفاء الطبقة المدنية وفشل المنظومة التعليمية والقيمية".
قل لي ما سعادتك، أقول من أنت؟
أوضاع صعبة كهذه بدت بالنسبة لحسين العسلاوي وجيله كأنّها "كرّست البؤس وخلقت أجيالاً لا تعرف او لم تعش السعادة، وهو مؤشر خطير على المجتمع وتهشيم للإنسان الفاعل والمساهم في صناعة الابتسامة والضحك والفرح. الإحباط هذا مهّد الطريق أمام ظهور فنون جديدة لم تكن مألوفة للنكتة والسخرية، بيد أنّها غير معبرة وفي الغالب مخجلة ولا تنطوي على شيء من الثقافة والمتعة كما كان سائداً".
وبحسب تيار من الشباب العراقي الذي يبدو واعياً لقضية تمرّده على القيم الاجتماعية السائدة، ويسعى حسين العسلاوي إلى الاقتراب منه، فمقياس السعادة "يتفاوت تبعاً إلى الشاب وما يصبو اليه، فبعضهم سعادته في الوظيفة، وآخر في الاستقرار آو السفر، ومنهم من يعقد الأمل على الدراسة أو الزواج وتكوين عائلة".
ويعتقد الكاتب والناشط العسلاوي أن "على الدولة أن تعالج عمق المشكلة، عبر وضع استراتيجية للفرح تتمثل في المهرجانات الثقافية والاجتماعية وتوسيع دور العرض الفني المسرحي والسينمائي ونشر ثقافة التسامح وتوفير فرص العمل وغيرها من المجالات التي يتعلم منها الإنسان معنى أن يفرح، خاصّةًلأنّ الفرد العراقي قادر على الابتكار والخلق وفقاً لدراسات حديثة أكدت ذلك".
الصورة: مدخل كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل/علي عبد الأمير-إرفع صوتك
يمكنكم التواصل معنا وإرسال الفيديوهات والصور لموقعنا عبر تطبيق “واتساب” على الرقم 0012022773659