Iraqi rescue workers search for survivors in the rubble following a landslide that hit Qattarat al-Imam Ali shrine on the outskirts of the holy city of Kerbala
عمال إنقاذ يحاولون الوصول إلى أحياء بعد انهيار جزء من قطارة الإمام علي قرب كربلاء.

شهد العراق يوم السبت الماضي حادثًا أليمًا في مقام قطّارة الإمام علي بالقرب من كربلاء. انهارت كتل صخرية كبيرة الحجم في المقام ودفنت تحتها عددًا من الزائرين. استمرت أعمال الإنقاذ منذ وقوع الحدث وحتى الساعة في محاولة انقاذ الأحياء المسجونين تحت الركام، فيما أعلنت السلطات عن مقتل 7 من الزوار حتى الآن.

صرحت قوات الدفاع المدني العراقي بأن المعلومات الأولية للحادث تشير إلى أن انهيار القطّارة وقع بسبب التشبع بالرطوبة للساتر الترابي الملاصق للمزار؛ مما أدى إلى انهيار كومة ترابية على سقف المزار.

نلقي الضوء في هذا المقال على القصة التاريخية للقطّارة، وعلى ظهور المقام في العصر الحديث، وما ارتبط بذلك من طقوس قام بها الآلاف من الشيعة عند هذا المقام في السنوات السابقة.

 

الأصل التاريخي للقطّارة

 

وردت قصة قطّارة الإمام علي بن أبي طالب في العشرات من المصادر الشيعية القديمة. من تلك المصادر كل من "الأمالي" للشيخ الصدوق، وكتاب "الفتوح" لابن أعثم الكوفي، و"الإرشاد" للشيخ المفيد، و"مناقب آل أبي طالب" لابن شهر آشوب، فضلًا عن "بحار الأنوار" لمحمد باقر المجلسي.

تذكر تلك المصادر أن عليا بن أبي طالب قاد جيشه سنة 37هـ لقتال والي الشام معاوية بن أبي سفيان. خرج الخليفة الرابع بجيشه من الكوفة وتحرك ناحية أرض صفين، وهي أرض تقع في منطقة وسيطة بين العراق والشام. لمّا اقترب جيش الإمام علي من كربلاء أصيب الجند بالعطش، وبحثوا كثيرًا عن مصدر للماء العذب ولكنهم لم يعثروا على شيء. أُسقط في أيدي الجميع وبدا أن الجيش العراقي سيهلك من العطش.

هنا تذكر السردية الروائية الشيعية أن علي بن أبي طالب أمر جنده عندها بالحفر في مكان محدد في الصحراء. أطاع الجنود الأمر وبدأوا بالحفر والتنقيب، بعد ساعة وجدوا صخرة عظيمة وعجزوا عن إزالتها من مكانها. "فلمّا رآهم -أي علي- قد اجتمعوا وبذلوا الجهد في قلع الصخرة فاستصعبت عليهم، لوى رجله عن سرجه حتى صار على الأرض، ثمّ حسر عن ذراعيه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحرّكها، ثمّ قلعها بيده ودحا بها أذرعًا كثيرة، فلمّا زالت عن مكانها ظهر لهم بياض الماء، فتبادروا إليه فشربوا منه، فكان أعذب ماء شربوا منه في سفرهم..."!، كما يذكر محمد باقر المجلسي في "بحار الأنوار".

لم تنته القصة هنا، تذكر المصادر الشيعية أن راهبًا مسيحيًا كان يراقب جيش علي من صومعته القريبة من مكان الحفر. لمّا رأى ما فعله الخليفة، نزل من صومعته وأسرع إلى علي وقال له: "والله ما بُنى هذا الدير إلاّ بذلك الماء، وإنّ لي في هذه الصومعة منذ كذا سنة ما علمت بمكان هذا الماء، وإنّها عين يقال لها عين راحوما، ما استخرجها إلاّ نبىّ أو وصىّ نبىّ، ولقد شرب منها سبعون نبيّاً وسبعون وصيّاً!".

بحسب القصة التراثية، أيقن الراهب أن عليا بن أبي طالب هو "الوصي الشرعي" لنبي آخر الزمان، وأنه "الإمام المُفترض الطاعة". آمن الراهب وأسلم ونطق بالشهادتين أمام الجميع، ورافق الإمام عليا في مسيره إلى صفين "ثمّ سار وهذا الراهب معه، فكان يتغدى ويتعشى مع عليّ، حتى صار إلى صفّين، فقاتل فقُتل، فقال عليّ لأصحابه: اطلبوه! فطلبوه فوجدوه، فصلّى عليه علي ودفنه واستغفر له، ثمّ قال: هذا منّا أهل البيت"، كما في "الفتوح" لابن أعثم الكوفي.

قُتل الراهب في المعركة، وتوقفت الحرب بين معسكري العراق والشام بعد أن اتفق الطرفان على التحكيم. رجع بعدها الخليفة الرابع إلى الكوفة مرة أخرى، وتناسى الناس ما وقع عند عين راحوما. رغم ذلك، بقيت الروايات حول تلك العين حاضرة في الوجدان الشيعي الجمعي عبر القرون. اعتبر الشيعة أن في هذه القصة الإعجازية دليلًا دامغًا على إمامة علي بن أبي طالب. وعدّوها من بين الشواهد التي تثبت وصية النبي له وأحقيته بالخلافة دونًا عن جميع الصحابة.

 

ما هي قطّارة الإمام علي؟

 

مرت مئات السنين دون أن يتمكن أهل العراق من تحديد مكان عين راحوما الواردة في الروايات الشيعية. تغير الأمر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. في تلك الفترة تم اكتشاف قبر السيد أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن محمد الحائري، المعروف باسم أحمد بن هاشم -والذي ينتهي نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب- في منطقة عين التمر. تسبب اكتشاف القبر في إحياء تلك المنطقة الصحراوية، وقدم الكثير من المسافرين لزيارة هذا القبر والتبرك بصاحبه.

وفي ستينات القرن العشرين، لاحظ العديد من الزائرين أن هناك عينًا تفيض بالماء على الطريق الصحراوي إلى القبر. كانت تلك العين ينبوعا صغيرا للماء العذب، يقع في شق صخري عميق، وينزل إليه الزائرون بنحو سبعين درجة. وعلى السطح تقع، بالقرب منه، بحيرة الرزازة التي تمتلئ بالمياه المالحة. تعجب المسافرون من عذوبة الماء ولم يعرفوا على مصدره. هنا، تم استدعاء الروايات القديمة التي تحدثت عن معجزة عين راحوما، ورُبطت تلك العين بما ورد في المصادر الشيعية، وسُميت بقطّارة الإمام علي لأن الماء يفيض منها على شكل قطرات.

ورد الوصف التفصيلي للقطّارة في موسوعة أمير المؤمنين، التابعة للمكتبة الحيدرية في العراق. جاء في الموسوعة: "تقع القطّارة على بعد 15 كم تقريباً إلى الغرب من مركز مدينة كربلاء، يوصلك إليها طريق معبّد بمسافة 3 كيلو متر تقريبًا، يقع إلى يمين الشارع المؤدي لقضاء عين التمر، وما إن تدخل بذلك الطريق حتّى يفاجئك منحدر صخري هائل يتوسطه شق عميق، وفي أسفل النهاية الحرجة لهذا الشق تقع القبّة الصغيرة التي أنشأها على حفرة صغيرة، تعلوها صخرة يقطر منها الماء".

رغم الأهمية الكبرى التي تمتعت بها القطّارة منذ ستينات القرن الماضي، إلا أنها تعرضت لبعض أعمال التخريب. على سبيل المثال، نُقل عن بعض مؤسسي مقام القطّارة قوله: "كنا في غاية الحذر والتحرز من النظام البائد الذي كان رجاله يأتون هذه المنطقة بين فترة وأخرى، وقد انتشر خبر هذه القطّارة مما جعل المحبين وأتباع أهل البيت يتوافدون بصورة سرية إلى المكان يتبركون بماء القطّارة، فكان مشروع إقامة مقام يليق بهذه المعجزة يراودنا ولكن السلطة كانت تطاردنا، بعد سقوط النظام بدأنا بالمشروع واعتمادًا على تبرعات المؤمنين ببناء حجرة صغيرة كانت النواة للمشروع الأكبر الذي نحن بصدده الآن، هذا والزائرون يتوافدون بصورة متزايدة حتى تكتظ المنطقة بهم ويضيق المقام لكثرتهم. في عام 2011 باشرنا وبجهود ذاتية وبما نستطيع أن نجمعه مما ندخره ومما يتبرع به الزائرون والخيّرون للتوسعة التي نحن الآن في مراحلها المتقدمة". تحدثت بعض المصادر أيضًا عن محاولة مجموعة من العناصر الإرهابية لتخريب المقام في سنة 2006م، عندما عملت على "هدم هذا المشهد وطمره بالصخور وكذلك اقتلاع النخلة الملاصقة للقطّارة والتي تعود هي الأخرى لمئات السنين".

 

لماذا يزور الشيعة القطّارة؟

 

تحول مكان قطّارة الإمام علي بن أبي طالب لواحد من المعالم الدينية المهمة التي يقصدها الشيعة بالزيارة من كافة المدن العراقية. خصوصًا وأنه يقع على مسافة قريبة من مدينة كربلاء. يذكر بعض الخدام والسدنة المشرفين على القطّارة "أن الزوار تأتي لمقام وقطّارة الإمام علي من كل مدن العراق للزيارة والتبرك، ومشاهدة هذه المعجزة الإلهية على يد الإمام علي وتأخذ ماءً كثيرًا للشفاء من الأمراض وطلب الرزق والإنجاب، وقد استجاب الله ببركة الإمام علي للعديد من الزوار بهذا المكان المبارك"، كما في المكتبة الحيدرية.

ربط البعض بين العوائد المادية والمالية الضخمة التي يجنيها المشرفون على إدارة مقام القطّارة من جهة، والانهيار الصخري الذي وقع في المقام من جهة أخرى. على سبيل المثال رجح الجيولوجي صباح حسن عبد الأمير من محافظة كربلاء أن سبب انهيار القطّارة يعود -بالمقام الأول- إلى استغلالها بشكل معيب من قِبل المشرفين على إدارتها بهدف جني الأرباح من تبرعات الزائرين الطالبين للبركة. يقول عبد الأمير أن المشرف على بناء المقام "قام بمد أنابيب ماء في أسفل التلال لديمومة خروج المياه وهو ما سبب تفتت تربة المنطقة بفعل نضوح الماء منها ثم أقام عليها منشاة خراسانية لم تتحملها الطبقات الرملية الهشة ما أدى إلى انهيارها".

من جهته، قال مدير الوقف الشيعي في العراق -وهو الجهة المسؤولة عن إدارة جميع المزارات المقدسة في العراق- إن القطّارة غير تابعة للوقف "وأن هذا المزار لا يعود للوقف الشيعي وغير مسجل لديه، ولا الأرض التي أُقيم عليها والمنشآت التي فيه، فهو مبني دون موافقة الوقف، لأنه لم يثبت تاريخيًا حتى الآن". 

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية لجامع النوري في الموصل شمال العراق
صورة تعبيرية لجامع النوري في الموصل شمال العراق

تحلُّ في منتصف الشهر الحالي ذكرى "المولد النبوي" الذي اعتبرته الحكومة العراقية إجازة رسمية لموافقته يوم 12 ربيع أول، وهو التاريخ الذي رجّحت المرويات التاريخية أنه شهد ميلاد الرسول محمد، استنادًا لمقولة ابن عباس "وُلد رسول الله عام الفيل، يوم الاثنين، الثاني عشر من شهر ربيع الأول".

بحسب الترتيب الزمني الذي أورده دكتور صلاح الدين بن محمد في دراسته "الإلزامات الواردة على بدعة الاحتفال بالمولد النبوي"، فإن أول من احتفل بالمولد النبوي هم الفاطميون سنة 362 هجرية بالقاهرة، وهي الاحتفالات التي استمرت في مصر حتى ألغاها أمير الجيوش الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي وزير المستعلي بالله سنة 490 هـ.

بعد سنوات من هذا الإلغاء سيكون للعراق الفضل في إعادة إحيائها مُجدداً لتنتشر بعدها في أصقاع العالم الإسلامي حتى اليوم، فما قصتها؟

 

البداية من الموصل

عاد الاحتفال بالمولد النبوي للظهور مُجدداً على يدي الفقيه عُمر بن محمد الموصلي، الذي تمتّع بمكانة اجتماعية كبيرة في الموصل شمال العراق بسبب فقهه وزُهده، فحاز شهرة كبيرة في العالم الإسلامي حتى تُوفي سنة 570 هـ.

بحسب كتاب "الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية" لأبي شامة المقدسي، فإن "زاوية الشيخ عمر" كانت محلاً لزيارة العلماء والفقهاء والملوك والأمراء. 

وامتلك الشيخ عُمر علاقة وطيدة بنور الدين زنكي صاحب حلب، إذ اعتاد الأخير مراسلة الشيخ عُمر لـ"استشارته في الأمور العِظام"،كما كان يزوره كل سنة في شهر رمضان لتناول الإفطار معه.

تعززت هذه المكانة حين خضعت الموصل لسُلطان نور الدين زينكي عام 566 هـ فأوصى وُلاته عليها بأن يستشيروا الشيخ عُمر في كل كبيرة وصغيرة، حتى نال لقب "المولى".

بحسب أبي شامة المقدسي فإن الشيخ عُمر هو الذي أشار على نور الدين بشراء قطعة أرض خراب في وسط الموصل وحوّلها إلى مسجد أنفق على بنائه أموالاً كثيرة، هو "جامع النوري" الذي لا يزال قائماً حتى اليوم.

لم يكن "جامع النوري" هو أكبر إنجازات الفقيه الموصلي إنما إعادة إحياء الاحتفال بـ"المولد النبي"، أيضاً. وبحسب كتاب "خدمات الأوقاف في الحضارة الإسلامية إلى نهاية القرن العاشر الهجري"، كان الشيخ عُمر كان يقيم في كل سنة داخل زاويته احتفالاً بميلاد الرسول محمد، يوجّه فيه الدعوة لحاكم الموصل وكبار رجال الدولة للحضور إلى الزاوية حيث تُقدّم لهم الأطعمة والمشروبات ويستمعون للشعراء الذين حضروا هذه الاحتفالية للتنافس على إنشاد قصائد المدح النبوي.

تزامن هذا الاحتفال مع الاهتمام الجماعي الذي أبداه أهل الموصل طيلة العهد الأتابكي بمناسبة "المولد النبوي"، فكانوا يعتادون تزيين الدور والأسواق ويتجمهرون في المساجد.

في كتاب "رسائل في حُكم الاحتفال بالمولد النبوي"، لم يستبعد مؤلّفوه أن يكون الشيخ عُمر وغيره من أهل الموصل مالوا لإقامة هذه الاحتفالات كأحد أشكال تأثرهم بالفاطميين، الذين أقاموا صلات مباشرة بحكام الموصل على مدار سنوات طويلة، في إطار مساعيهم لإسقاط دولة الخلافة العباسية في العراق.

وذكر كتاب "تاريخ الموصل" لسعيد الديوه جي، أن أبرز حكام الموصل الذين رحبوا بهذا التقارب، هم  أمراء الدولة العقيلية الشيعية مثل حسام الدولة المقلد العقيلي (386 هـ- 391 هـ) وولده معتمد الدولة قرواش، اللذين حافظا على علاقات جيدة مع خلفاء مصر حتى أن قرواش أعلن تبعيته للخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في 401 هـ، وهي خطوة لم تدم كثيراً بعدما تراجع عنها سريعاً بسبب تهديدات الخليفة القادر العباسي له بالحرب.

ووفق كتاب "الإعلام بفتاوى أئمة الإسلام حول مولده عليه الصلاة والسلام" لمحمد بن علوي الحسني، فإن الشيخ عُمر بعدما بات أول مَن احتفى بالمولد النبوي في العراق اقتدى به صاحب أربيل الملك المظفر كوكبري بن زين الدين بن بكتكين الحليف المخلص لصلاح الدين الأيوبي سُلطان مصر.

أربيل: مهرجان ديني حاشد

عمل زين الدين والد الملك المظفر الدين كوكبري والياً على الموصل، فحقّق نجاحاً كبيراً حتى أنه عندما مات سنة 563 هـ كان عدد من المدن الكبرى في العراق خاضعاً لحُكمه مثل: أربيل، شهرزور، تكريت، سنجار، حرّان وغيرها.

بعدما توفي زين الدين ورث ابنه مظفر الدين كوكبري حُكم أربيل، ولكن لصِغر سنه تولّى شؤون الإمارة أحد مماليك والده الذي خلع كوكبري عن الحُكم ونصّب بدلاً منه أخوه، هنا استعان كوكبري بصلاح الدين الأيوبي الذي أعاده أميراً على أربيل في 586 هـ.

يحكي عبد الحق التركماني في كتابه "ابن دحية الكلبي وكتابه (التنوير في مولد السراج المنير والبشير النذير)": "أخذ كوكبري عن الشيخ عُمر هذه البدعة وطوّرها وتفنن في إقامتها وبذل أموالاً عظيمة في ذلك".

وأورد كتاب "إمارة أربل في العصر العباسي" للدكتور سامي الصقار، أن كوكبري بدءاً من سنة 604 هـ "أولى اهتماماً بإقامة مهرجان ضخم للاحتفال بمولد النبي يتضمن العديد من الفعاليات التي لفتت انتباه الكثيرين من مختلف أنحاء العالم".

ووصف إحياء المناسبة: "في شهر محرم من كل عام هجري يبدأ توافد عوام المسلمين من بغداد والجزيرة ونصيبين وغيرها من البلاد على أربيل، بالإضافة إلى جماعات من الفقهاء والصوفية والشعراء، ومع بداية شهر ربيع الأول يأمر كوكبري بنصب قباب من الخشب المُزين تُخصص كل منها لاستضافة عروض رجال الأغاني والخيالة وأصحاب الملاهي، وكان الناس يزدحمون حول خيامهم لمشاهدة عروضهم".

قبل الاحتفال بيومين كان منظمو المهرجان يطلقون مسيرة ضخمة تتكوّن من مئات الإبل والبقر والغنم التي تزفّها الطبول إلى ميدان كبير تُنحر فيه وتُطبخ ثم يوُزع لحمها على الحضور، كما ذكر الكتاب.

في اليوم الأول للمهرجان كان كوكبري يحضر الاحتفال بصحبة الأعيان والفقهاء وعوام الناس لمشاهدة عروضٍ عسكرية يقوم بها بعض جنود الجيش، بعدها تُقام موائد طعام ضخمة للحضور، 

وقدر حسام الدين قِزغلي (حفيد ابن الجوزي) في كتابه "مرآة الزمان في تواريخ الأعيان"، أن أسبطة الطعام كانت تضم "100 فرس مشوية منزوعة العظام، و5 آلاف رأس غنم و10 آلاف دجاجة و30 ألف صحن حلوى".

بعد الانتهاء من الطعام، كان كوكبري يكرّم عدداً من الأعيان والفقهاء وكبار الضيوف ويوزّع عليهم الأموال. ووفق تقديرات المؤرخين فإن هذه الاحتفالات الضخمة كانت تكلف ما يزيد عن 300 ألف دينار (عملة تلك الفترة).

كيف يحتفل المسلمون بالمولد النبوي في البلدان العربية؟
يعبّر المسلمون -في كل مكان- عن حبهم للنبي من خلال مجموعة من الطقوس والشعائر الفلكلورية الشعبية المتوارثة، والتي تتنوع وتتباين باختلاف الثقافة والمكان. نرصد في هذا التقرير أهم المظاهر الاحتفالية بالمولد النبوي في مجموعة من الدول العربية.

يقول الصقار "رغم ما اشتهرت به احتفالات الخلفاء الفاطميين بالمولد النبوي من بذخٍ شديد فإنها على فخامتها تُعدُّ متواضعة إذا ما قُورنت باحتفالات أربيل، إذ كانت الحفلات الفاطمية تقتصر على ليلة واحدة تُقدم فيها الحلوى والأطعمة ثم يرتّل القرآن وتُنشد القصائد في حضرة الخليفة الفاطمي، بعكس احتفالات أربيل التي كانت تستغرق عدة أيام".

هذا الاحتفاء المهيب استدعى إشادة شهاب الدين أبو شامة في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث"، حيث قال "من أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل في مدينة أربيل في اليوم الموافق ليوم ميلاد النبي من الصدقات وإظهار الزينة والسرور".

أحد أشهر حضور هذا "المهرجان النبوي" كان المؤرّخ عمر بن الحسن حفيد الصحابي دِحية الكلبي الذي شاهد الاحتفالات 625 هـ وألّف عنها كتاباً بعنوان "التنوير في مولد السراج المنير" قرأه بنفسه على حضرة الملك فأجازه وكافأه بألف دينار.

وفيه تحدّث عن شهادته على ليلة المولد في "إربل المحروسة" وعن لقائه بـ"أفضل الملوك والسلاطين"، حسبما ذكر دكتور أنس وكاك في بحثه "قبسٌ من (التنوير في مولد السراج المنير) للحافظ أبي الخطاب بن دحية الأندلسي".