رغم مرور نحو ست سنوات على تحرير مدينة الموصل شمال العراق من تنظيم داعش، لا تزال الآثار الإسلامية التي دمرها مقاتلوه طيّ النسيان، ولم تصدر حتى اللحظة إحصائية رسمية بالمواقع التي اختفت عن الوجود خلال عامي 2014 و2015، ولكن إعادة افتتاح جامع شيخ مشايخ قبيلة شمر البدوية عجيل الياور (1882- 1940)، الجمعة، في ثاني أيام رمضان، أعاد هذا الملف للضوء.
وتولت عائلة الشيخ الياور تمويل إعادة بناء الجامع وتأهيله على نفقتها الشخصية، دون الالتزام بالقواعد العلمية للترميم، على اعتبار أن هذا الصرح ليس قديماً إلى هذه الدرجة، فقد بني على ضريح الشيخ الياور بعيد موته يوم 12 نوفمبر 1940.
في المقابل، أبدى العديد من المراقبين مخاوفهم من أن يتم التعامل مع باقي المعالم الإسلامية المدمرة بالعقلية نفسها.
من هو الشيخ الياور؟
توفي الياور، وهو شيخ بدوي واسع النفوذ كان يلقب بـ"ملك العراق غير المتوّج"، بينما كان يقود سيارته الخاصة قرب قصره في ناحية الشرقاط.
ولمع اسمه بعد ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني للعراق، ويعتبره البعض القائد الفعلي لها، حيث نجح بالتعاون مع عدد من الضباط العراقيين الذين كانوا مع قوات الأمير ثم الملك فيصل الأول في احتلال قلعة تلعفر يوم 4 يونيو 1920.
وبعد عام خلف والده الشيخ عبد العزيز الياور في رئاسة قبيلة شمر المليونية، وانتخب عام 1924 عضوا في المجلس التأسيسي العراقي عن لواء الموصل، وشارك في وضع القانون الأساسي للمملكة العراقية.
وبعد علاقة ملتبسة مع الإنجليز، دعته الحكومة البريطانية عام 1937 بصفته الشخصية لحضور احتفالات تتويج الملك جورج السادس والد الملكة اليزابيث الثانية، وزار الشيخ عجيل بريطانيا مرة ثانية عام 1939، عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية، على أمل أن يضمنوا ولاء قبيلة شمر في حال نشبت الحرب مع ألمانيا، حيث شاعت أنباء عن انحيازه للألمان مع من انحازوا من زعماء الحركة القومية العربية آنذاك، على رأسهم رشيد عالي الكيلاني (1892 - 1965). وقد دعي في لندن لحضور المناورات عسكرية وبحرية خلافاً للأعراف الدبلوماسية.
الآثار التي دمرها داعش
بدأت عمليات التدمير والإزالة للآثار الإسلامية في الموصل بحسب البروفيسور عامر الجميلي الأستاذ في جامعة الموصل، برباط المتصوف أبو الفتح الأزدي الموصلي بتاريخ 16 يونيو 2014، وهو ينتمي للعصر العباسي الأول، أي بعد أسبوع واحد من احتلال المدينة من قبل تنظيم داعش.
بعدها بأربعة أيام (20 يونيو 2014)، تم تدمير ضريح وقبة مؤرخ الموصل عز الدين ابن الاثير الشيباني الموصلي، صاحب كتاب "الكامل في التاريخ" و"أسد الغابة في معرفة الصحابة".
وبتاريخ 23 يوليو 2014، تم تهديم جامع النبي دانيال الذي يعود للفترة المغولية، ومسجد الشيخ أبو العلا الذي يعود إلى الفترة العثمانية، والمدرسة الحمدانية وهي المدرسة المعروفة عند عامة أهل الموصل بمشهد الإمام يحيى بن القاسم بن الحسن بن الامام علي بن أبي طالب، وتعود للفترة الحمدانية.
في اليوم التالي، دمر داعش المدرسة النظامية، نسبة للوزير نظام الملك، وهي معروفة عند العوام بمقام الإمام محمد بن الحنفية أو علي الأصغر، وتعود للفترة السلجوقية.وفي اليوم الذي تلاه تم تدمير مشهد الإمام عون الدين بن الحسين، ويعود هو الآخر للفترة الأتابكية.
وكان اليوم الثاني من سبتمبر 2014، الأكثر وحشية على صعيد التدمير، إذ تم هدم داعش المدرسة الزينية ثم الكمالية، وهي معروفة عند عامة أهل الموصل بمسجد شيخ الشط، وتعود للقرن السادس الهجري من الفترة الأتابكية.
كما تم تفجير المدرسة العزية، المنسوبة لعز الدين مسعود بن قطب الدين مودود، ومقام الإمام الباهر بن الإمام زين العابدين، وهو يعود للفترة الأتابكية، والمدرسة النورية نسبة للسلطان نور الدين زنكي، ومسجد الصاغرجي، وهو من الفترة العثمانية، بالإضافة لمسجد عيسى دده الكيلاني والمقبرة المجاورة له من الفترة الأليخانية.
وفجر داعش تفجير مسجد الشيخ السطان أويس الجلائري، من الفترة الجلائرية-المملوكية بتاريخ 30 ديسمبر 2014، ومسجد المتصوف محمد الرضواني من الفترة العثمانية وكذلك مسجد الشيخ عجيل الياور ومسجد العامرية في اليوم نفسه.
وخلال عام 2015 تم تدمير مسجد العباس من الفترة الأليخانية بتاريخ 5 فبراير، وكذلك مسجد الشيخ محمد الأباريقي من الفترة العثمانية بتاريخ 20 فبراير. ومقام الإمام إبراهيم من الفترة الأتابكية بتاريخ 11 مارس 2015.
ومما يؤسَف له، غياب التوثيق على هذا الصعيد. ويُحسب للمؤرخ والآثاري السوري- الفرنسي نقولا سيوفي، أنه كان أول من وضع سجلاً للكتابات العربية الإسلامية المنتشرة في مشيدات الموصل التاريخية أثناء عمله قنصلاً للحكومة الفرنسية في ثمانينيات القرن التاسع عشر، ويمثل المرجع الوحيد، علماً أن الكثير من الأحداث السياسية توالت على العراق منذ ذلك الوقت، وهدمت معظم المسيدات والآثار التي جاء سيوفي على ذكرها.
مخاوف من الترميم
يأمل المهتمون بآثار الموصل أن تشجع إعادة إعمار مسجد الشيخ الياور، ذات الطابع العائلي، السلطات العراقية المسؤولة، كي ترصد ميزانيات تعيد للموصل طابعها التاريخي الذي تميزت به منذ أكثر من ألف عام، حيث انحصر الاهتمام خلال السنوات الماضية بالمواقع الآشورية القديمة التي طالها التخريب والتدمير والسرقة، رغم الأهمية البالغة لذلك.
وإن كان الترميم الذي رأيناه للمسجد لا يبشر بخير، رغم أن المشرف عليه مهندس معماري كبير ومعروف هو أحمد يوسف العمري الموصلي، بسبب عدم إعادته إلى طرازه القديم ذي القباب المميزة والمئذنة الفريدة، فإن ما ينتظر من عمليات ترميم المعالم التراثية الأخرى هو أن تلتزم بشروط الترميم العلمية، بحيث تعاد الأبنية إلى سابق عهدها بقدر الإمكان، وهي مهمة كبيرة، نظراً لأن تدمير داعش لهذه المعالم كان كاملاً، وتلته عمليات تجريف واسعة النطاق حاولت أن تمحو أي أثر لهذه المباني.
واللافت أن الحكومة العراقية لم تصدر حتى الآن أي بيان يتضمن إحصائية للمعالم التي دمرتها قوات داعش في الموصل، وما عرضناه في هذا التقرير، مبنٍ على إحصائية أعدها الدكتور عامر الجميلي.