The moon rises over the Iraqi flag in the center of Baghdad, Iraq, Wednesday, April 5, 2023. (AP Photo/Hadi Mizban)
صورة للعلم العراقي يرفرف وخلفه يبدو القمر مكتملاً في صورة مؤرخة في 5 أبريل 2023

في العلم العراقي القديم (انظر الصورة أدناه) تبدو عبارة "الله أكبر" مكتوبة بخط غريب، مع "خطأ إملائي" يتمثل بوضع همزة على الألف في لفظ الجلالة "الله".

العلم الذي اعتمده نظام صدام حسين من العام 1991 حتى سقوطه

العلم بشكله هذا اعتُمد في العراق عام 1991 حينما قرر صدام حسين، إضافة عبارة "الله أكبر" للعلم بخط يده. ويبدو أن الرئيس العراقي المعروف ببطشه، إما ارتكب الخطأ الإملائي ولم يجرؤ أحد من المحيطين فيه على تصحيحه، وإما أنه، كما تشير بعض المصادر، تقصّد وضع الهمزة لتعزيز لفظ الكلمة باللهجة البغدادية التي تبرز الألف في أوائل الكلمات.

في الحالتين، نحن أمام راية رسمها صدام حسين على مزاجه السياسي، وفرضها شعاراً لشعب كامل.

هذه النسخة من العلم العراقي استمرت إلى ما بعد سقوط النظام البعثي، حينما تقرر عام ٢٠٠٤ تغيير العلم. وشكل العراق لجنة لإقامة مسابقة لتصميم علم جديد للعراق، وتقدم فنانون عراقيون بتصاميمهم، وجرى انتقاء ستة تصاميم للاختيار بينها، من دون التوصل إلى خيار نهائي، مع أن تصميم الفنان والمهندس العراقي رفعت الجادرجي نوقش بشكل جديّ حينذاك، لكنه أثار موجة من الاعتراضات.

في تصميم الجادرجي، كان اللون الأبيض غالباً على العلم مع وجود هلال في المنتصف وفي الجزء السفلي خطان لونهما أزرق، يمثلان نهري دجلة والفرات، وخط أصفر يرمز للأقلية الكردية. وتمت إزالة عبارة "الله أكبر".

اعتبر كثيرون أن العلم الجديد يمثل خروجاً عن التصميم المعتاد للأعلام العربية ويعمد إلى إسقاط الذاكرة الجماعية للعراقيين، إضافةً لكونه شبيهاً بالعلم الإسرائيلي.

كل هذه الاتهامات التي وجهت للعلم الوليد قضت عليه قبل اعتماده. وعلى أثره، اتُفق على اعتماد علم مؤقت، هو العلم العراقي في زمن صدام، لكن مع كتابة "الله أكبر" بالخط الكوفي والإبقاء على "همزة صدّام".

العلم العراقي الذي صممه رفعت الجادرجي

في عام ٢٠٠٨ جرت إزالة النجوم الثلاث من العلم، بالإضافة لإزالة الهمزة من الألف في كلمة "الله" بالخط الكوفي، بعد اعتراض الأكراد في إقليم كردستان، على رفع علم يذكّر بصدام حسين، ليصير العلم المعتمد حالياً، الذي وافق الأكراد على رفعه في الإقليم بعد إزالة ما يذكر فيه بصدّام والبعث، خصوصا النجوم الثلاث والهمزة.

وهذه النجوم الثلاث (باللون الأخضر) أضيفت إلى العلم عام 1963 بعد توقيع الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق.

وفي عام 1921 تم اعتماد علم الثورة العربية علماً موحداً للبلاد، وتم إعلان قيام المملكة العراقية الهاشمية إثر تنصيب الملك فيصل الأول ابن الشريف حسين ملكاً على العراق. كان العلم يحوي خطوطاً أفقية بالترتيب، أسود وأبيض وأخضر ونجمتين سباعيتين ترمزان للمحافظات الأربع عشرة في المملكة.

بعد سقوط الملكية في العراق جرى تغيير العلم، حيث صدر قانون عام 1959 يشرح بالتفصيل أسباب اختيار التصميم والألوان وما يرمز إليه من معان.

وبحسب القانون (102 لسنة 1959)، المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 27 يونيو من العام نفسه: "يتألف علم الجمهورية العراقية من الأسود والأبيض والأخضر والأحمر العاتك والأصفر، وهي الألوان التي تمثل أدواراً مجيدة في تاريخ العرق والأمة العربية".

يكون شكل العلم، بحسب القانون "مستطيلاً طوله ضعفا عرضه ويقسم عموديا إلى ثلاثة مستطيلات متساوية، أولها من جهة السارية الأسود فالأبيض فالأخضر، ويتوسط المستطيل الأبيض النجم العربي (نجم ذو ثمانية رؤوس) لونه أحمر عاتك رمزاً لثورة 14 تموز (يوليو) وتتوسط النجم دائرة ذات لون أصفر يحيط بها حزام أبيض".

ترمز ألوان العلم، وفق القانون، لما يأتي: اللون الأسود لكل من راية الرسول العربي (محمد) وراية العرب في صدر الإسلام وراية العرب في العراق، والأخضر يرمز لراية العلويين، والأبيض لراية العرب في الشام، والأحمر العاتك لثورة 14 تموز 1958 ولراية العرب في الأندلس، أما الأصفر فيرمز لراية صلاح الدين الأيوبي.

ويمثل النجم المثمّن الأحمر العاتك والدائرة الصفراء العرب والأكراد، رمزاً لتكوينهما الشعب العراقي منذ القدم، بحسب نص القانون المذكور سابقاً.

في عام 1963، أقر تعديل العلم بقانون جديد، ينص على أن يتكون من ثلاثة ألوان: الأسود والأبيض والأحمر، وبه ثلاث نجوم كل منها ذات خمس شعب لونها أخضر، والمسافات بين النجوم الثلاث وحافتي العلم متساوية ويكون العلم مستطيل الشكل عرضه ثلثا طوله. بحيث يضم ثلاثة مستطيلات متساوية بصورة أفقية، أعلاها باللون الأحمر وأوسطها باللون الأبيض، وأسفلها باللون الأسود، وتتوسط النجوم المستطيل الأبيض.

وبقي العلم كذلك، حتى عام 1991 حين وضع صدام حسين بصمته عليه بخط يده.

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية لجامع النوري في الموصل شمال العراق
صورة تعبيرية لجامع النوري في الموصل شمال العراق

تحلُّ في منتصف الشهر الحالي ذكرى "المولد النبوي" الذي اعتبرته الحكومة العراقية إجازة رسمية لموافقته يوم 12 ربيع أول، وهو التاريخ الذي رجّحت المرويات التاريخية أنه شهد ميلاد الرسول محمد، استنادًا لمقولة ابن عباس "وُلد رسول الله عام الفيل، يوم الاثنين، الثاني عشر من شهر ربيع الأول".

بحسب الترتيب الزمني الذي أورده دكتور صلاح الدين بن محمد في دراسته "الإلزامات الواردة على بدعة الاحتفال بالمولد النبوي"، فإن أول من احتفل بالمولد النبوي هم الفاطميون سنة 362 هجرية بالقاهرة، وهي الاحتفالات التي استمرت في مصر حتى ألغاها أمير الجيوش الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي وزير المستعلي بالله سنة 490 هـ.

بعد سنوات من هذا الإلغاء سيكون للعراق الفضل في إعادة إحيائها مُجدداً لتنتشر بعدها في أصقاع العالم الإسلامي حتى اليوم، فما قصتها؟

 

البداية من الموصل

عاد الاحتفال بالمولد النبوي للظهور مُجدداً على يدي الفقيه عُمر بن محمد الموصلي، الذي تمتّع بمكانة اجتماعية كبيرة في الموصل شمال العراق بسبب فقهه وزُهده، فحاز شهرة كبيرة في العالم الإسلامي حتى تُوفي سنة 570 هـ.

بحسب كتاب "الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية" لأبي شامة المقدسي، فإن "زاوية الشيخ عمر" كانت محلاً لزيارة العلماء والفقهاء والملوك والأمراء. 

وامتلك الشيخ عُمر علاقة وطيدة بنور الدين زنكي صاحب حلب، إذ اعتاد الأخير مراسلة الشيخ عُمر لـ"استشارته في الأمور العِظام"،كما كان يزوره كل سنة في شهر رمضان لتناول الإفطار معه.

تعززت هذه المكانة حين خضعت الموصل لسُلطان نور الدين زينكي عام 566 هـ فأوصى وُلاته عليها بأن يستشيروا الشيخ عُمر في كل كبيرة وصغيرة، حتى نال لقب "المولى".

بحسب أبي شامة المقدسي فإن الشيخ عُمر هو الذي أشار على نور الدين بشراء قطعة أرض خراب في وسط الموصل وحوّلها إلى مسجد أنفق على بنائه أموالاً كثيرة، هو "جامع النوري" الذي لا يزال قائماً حتى اليوم.

لم يكن "جامع النوري" هو أكبر إنجازات الفقيه الموصلي إنما إعادة إحياء الاحتفال بـ"المولد النبي"، أيضاً. وبحسب كتاب "خدمات الأوقاف في الحضارة الإسلامية إلى نهاية القرن العاشر الهجري"، كان الشيخ عُمر كان يقيم في كل سنة داخل زاويته احتفالاً بميلاد الرسول محمد، يوجّه فيه الدعوة لحاكم الموصل وكبار رجال الدولة للحضور إلى الزاوية حيث تُقدّم لهم الأطعمة والمشروبات ويستمعون للشعراء الذين حضروا هذه الاحتفالية للتنافس على إنشاد قصائد المدح النبوي.

تزامن هذا الاحتفال مع الاهتمام الجماعي الذي أبداه أهل الموصل طيلة العهد الأتابكي بمناسبة "المولد النبوي"، فكانوا يعتادون تزيين الدور والأسواق ويتجمهرون في المساجد.

في كتاب "رسائل في حُكم الاحتفال بالمولد النبوي"، لم يستبعد مؤلّفوه أن يكون الشيخ عُمر وغيره من أهل الموصل مالوا لإقامة هذه الاحتفالات كأحد أشكال تأثرهم بالفاطميين، الذين أقاموا صلات مباشرة بحكام الموصل على مدار سنوات طويلة، في إطار مساعيهم لإسقاط دولة الخلافة العباسية في العراق.

وذكر كتاب "تاريخ الموصل" لسعيد الديوه جي، أن أبرز حكام الموصل الذين رحبوا بهذا التقارب، هم  أمراء الدولة العقيلية الشيعية مثل حسام الدولة المقلد العقيلي (386 هـ- 391 هـ) وولده معتمد الدولة قرواش، اللذين حافظا على علاقات جيدة مع خلفاء مصر حتى أن قرواش أعلن تبعيته للخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في 401 هـ، وهي خطوة لم تدم كثيراً بعدما تراجع عنها سريعاً بسبب تهديدات الخليفة القادر العباسي له بالحرب.

ووفق كتاب "الإعلام بفتاوى أئمة الإسلام حول مولده عليه الصلاة والسلام" لمحمد بن علوي الحسني، فإن الشيخ عُمر بعدما بات أول مَن احتفى بالمولد النبوي في العراق اقتدى به صاحب أربيل الملك المظفر كوكبري بن زين الدين بن بكتكين الحليف المخلص لصلاح الدين الأيوبي سُلطان مصر.

أربيل: مهرجان ديني حاشد

عمل زين الدين والد الملك المظفر الدين كوكبري والياً على الموصل، فحقّق نجاحاً كبيراً حتى أنه عندما مات سنة 563 هـ كان عدد من المدن الكبرى في العراق خاضعاً لحُكمه مثل: أربيل، شهرزور، تكريت، سنجار، حرّان وغيرها.

بعدما توفي زين الدين ورث ابنه مظفر الدين كوكبري حُكم أربيل، ولكن لصِغر سنه تولّى شؤون الإمارة أحد مماليك والده الذي خلع كوكبري عن الحُكم ونصّب بدلاً منه أخوه، هنا استعان كوكبري بصلاح الدين الأيوبي الذي أعاده أميراً على أربيل في 586 هـ.

يحكي عبد الحق التركماني في كتابه "ابن دحية الكلبي وكتابه (التنوير في مولد السراج المنير والبشير النذير)": "أخذ كوكبري عن الشيخ عُمر هذه البدعة وطوّرها وتفنن في إقامتها وبذل أموالاً عظيمة في ذلك".

وأورد كتاب "إمارة أربل في العصر العباسي" للدكتور سامي الصقار، أن كوكبري بدءاً من سنة 604 هـ "أولى اهتماماً بإقامة مهرجان ضخم للاحتفال بمولد النبي يتضمن العديد من الفعاليات التي لفتت انتباه الكثيرين من مختلف أنحاء العالم".

ووصف إحياء المناسبة: "في شهر محرم من كل عام هجري يبدأ توافد عوام المسلمين من بغداد والجزيرة ونصيبين وغيرها من البلاد على أربيل، بالإضافة إلى جماعات من الفقهاء والصوفية والشعراء، ومع بداية شهر ربيع الأول يأمر كوكبري بنصب قباب من الخشب المُزين تُخصص كل منها لاستضافة عروض رجال الأغاني والخيالة وأصحاب الملاهي، وكان الناس يزدحمون حول خيامهم لمشاهدة عروضهم".

قبل الاحتفال بيومين كان منظمو المهرجان يطلقون مسيرة ضخمة تتكوّن من مئات الإبل والبقر والغنم التي تزفّها الطبول إلى ميدان كبير تُنحر فيه وتُطبخ ثم يوُزع لحمها على الحضور، كما ذكر الكتاب.

في اليوم الأول للمهرجان كان كوكبري يحضر الاحتفال بصحبة الأعيان والفقهاء وعوام الناس لمشاهدة عروضٍ عسكرية يقوم بها بعض جنود الجيش، بعدها تُقام موائد طعام ضخمة للحضور، 

وقدر حسام الدين قِزغلي (حفيد ابن الجوزي) في كتابه "مرآة الزمان في تواريخ الأعيان"، أن أسبطة الطعام كانت تضم "100 فرس مشوية منزوعة العظام، و5 آلاف رأس غنم و10 آلاف دجاجة و30 ألف صحن حلوى".

بعد الانتهاء من الطعام، كان كوكبري يكرّم عدداً من الأعيان والفقهاء وكبار الضيوف ويوزّع عليهم الأموال. ووفق تقديرات المؤرخين فإن هذه الاحتفالات الضخمة كانت تكلف ما يزيد عن 300 ألف دينار (عملة تلك الفترة).

كيف يحتفل المسلمون بالمولد النبوي في البلدان العربية؟
يعبّر المسلمون -في كل مكان- عن حبهم للنبي من خلال مجموعة من الطقوس والشعائر الفلكلورية الشعبية المتوارثة، والتي تتنوع وتتباين باختلاف الثقافة والمكان. نرصد في هذا التقرير أهم المظاهر الاحتفالية بالمولد النبوي في مجموعة من الدول العربية.

يقول الصقار "رغم ما اشتهرت به احتفالات الخلفاء الفاطميين بالمولد النبوي من بذخٍ شديد فإنها على فخامتها تُعدُّ متواضعة إذا ما قُورنت باحتفالات أربيل، إذ كانت الحفلات الفاطمية تقتصر على ليلة واحدة تُقدم فيها الحلوى والأطعمة ثم يرتّل القرآن وتُنشد القصائد في حضرة الخليفة الفاطمي، بعكس احتفالات أربيل التي كانت تستغرق عدة أيام".

هذا الاحتفاء المهيب استدعى إشادة شهاب الدين أبو شامة في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث"، حيث قال "من أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل في مدينة أربيل في اليوم الموافق ليوم ميلاد النبي من الصدقات وإظهار الزينة والسرور".

أحد أشهر حضور هذا "المهرجان النبوي" كان المؤرّخ عمر بن الحسن حفيد الصحابي دِحية الكلبي الذي شاهد الاحتفالات 625 هـ وألّف عنها كتاباً بعنوان "التنوير في مولد السراج المنير" قرأه بنفسه على حضرة الملك فأجازه وكافأه بألف دينار.

وفيه تحدّث عن شهادته على ليلة المولد في "إربل المحروسة" وعن لقائه بـ"أفضل الملوك والسلاطين"، حسبما ذكر دكتور أنس وكاك في بحثه "قبسٌ من (التنوير في مولد السراج المنير) للحافظ أبي الخطاب بن دحية الأندلسي".