.يحمل العلم السعودي عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وهو أحد أشهر أعلام الدول الإسلامية
.يحمل العلم السعودي عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وهو أحد أشهر أعلام الدول الإسلامية

توصلت دراسة نشرها مركز "باو" الأميركي للأبحاث عام 2014، إلى وجود 64 دولة حول العالم تحمل رموزاً دينية في أعلامها الوطنية، وأكثر هذه الرموز ترتبط بالديانتين الأكبر حول العالم وهما المسيحية والإسلام، بواقع 31 علم دولة برموز مسيحية، و21 برموز إسلامية.

بين الدول الإسلامية، عشر دول عربية هي: الجزائر والبحرين والعراق والأردن وليبيا والمغرب وتونس والسعودية وموريتانيا وجزر القمر.

وعلم إسرائيل هو الوحيد الذي يحمل رمزاً يهودياً، بينما يحمل علم الهند رموزاً هندوسية وبوذية.

الأكثر شيوعاً في الرموز الإسلامية الظاهرة في أعلام الدول، النجمة والهلال، ومثال عليه أعلام تركيا والجزائر وتونس وبروناي وأوزباكستان. فيما تحضر الكتابة الإسلامية باللغة العربية في أعلام بلدان أخرى كالعراق (الله أكبر)، والسعودية (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وإيران (الله، الله أكبر).

وتدل الرموز الدينية في الأعلام غالباً على تبنيّ الدولة للدين الإسلامي كدين أساسي، إما في التشريع، كما في إيران والسعودية، أو أن غالبية السكان يعتنقون الدين الإسلامي كما في تركيا أو تونس أو العراق وغيرها...

العلم السعودي يحمل الشهاديتين: لا اله إلا الله محمد رسول الله
علم إيران

واذا كانت السعودية مثلاً، تحمل منذ تأسيسها رموزاً دينية في علمها الذي اعتمد اللون الأخضر ذي الدلالة الإسلامية، فإن دولاً أخرى أضافت الرموز الدينية بعد تبدّلات سياسية طرأت عليها، كما هو الحال مع إيران، التي بدأت بإضافة رمز "الله" و22 عبارة "الله أكبر" إلى علمها بعد الثورة الإسلامية عام 1979، واعتمد العلم الجديد عام 1980 بطلب من مرشد الثورة روح الله الخميني، بعد إزالة رمز الشمس والأسد الذي يحمل سيفاً، الذي كان معتمداً طوال فترة حكم الشاه.

وفي العراق، قام صدام حسين في فترة ما سميّ بـ"الحملة الإيمانية" بإضافة عبارة "الله أكبر" للعلم بخط يده في عام 1991، ثم بعد سقوط النظام عام 2003، شهد العراق نقاشاً محتدماً حول العلم ورموزه التي تذكّر بالمرحلة البعثية، ليتم تغيير عبارة "الله أكبر" في العلم المكتوبة بخط يد صدّام واستبدالها بأخرى مكتوبة بالخط الكوفي، ليحافظ العراق على رمزية الإسلام في رايته.

عن العلم العراقي والهمزة في "الله أكبر" التي أضافها صدام حسين بخط يده
العلم بشكله هذا اعتُمد في العراق عام 1991 حينما قرر صدام حسين، إضافة عبارة "الله أكبر" للعلم بخط يده. ويبدو أن الرئيس العراقي المعروف ببطشه، إما ارتكب الخطأ الإملائي ولم يجرؤ أحد من المحيطين فيه على تصحيحه، وإما أنه، كما تشير بعض المصادر، تقصّد وضع الهمزة لتعزيز لفظ الكلمة باللهجة البغدادية التي تبرز الألف في أوائل الكلمات.

ومن المفارقات الملفتة أن العراق لديه حدود مع ست دول، أربع منها هي إيران والسعودية والأردن وتركيا تحمل رموزاً دينية في أعلامها.

وعلم الأردن مستوحى من الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين، والألوان التي يتضمنها تدل: الأسود يرمز لراية الدولة العباسية، والأبيض للدولة الأموية، والأخضر راية آل البيت، والأحمر راية الثورة العربية الكبرى.

فيما النجمة السباعية التي أضافها عبدالله ابن الشريف حسين عام 1928 فتدلّ على سورة "الفاتحة" في القرآن، التي تتكون من سبع آيات.

وفي ليبيا، أعيد استخدام علم الاستقلال الذي يحمل رمز الهلال والنجمة بعد سقوط نظام القذافي عام 2011، الذي كان يعتمد المستطيل الأخضر علماً للبلاد بعد تغيير اسم الدولة إلى "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية".

ويحضر الهلال مع النجمة الخماسية التي تدل إلى أركان الاسلام الخمسة في العلم الجزائري والموريتاني، كما يحضر الهلال وحده في راية جزر القمر، والنجمة وحدها في علم المغرب، أما البحرين فتبرز أركان الإسلام في العلم المعتمد منذ عام 2002 عبر المثلثات الخمس التي تظهر متداخلة بين اللونين الأحمر والأبيض.

علم البحرين

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية لجامع النوري في الموصل شمال العراق
صورة تعبيرية لجامع النوري في الموصل شمال العراق

تحلُّ في منتصف الشهر الحالي ذكرى "المولد النبوي" الذي اعتبرته الحكومة العراقية إجازة رسمية لموافقته يوم 12 ربيع أول، وهو التاريخ الذي رجّحت المرويات التاريخية أنه شهد ميلاد الرسول محمد، استنادًا لمقولة ابن عباس "وُلد رسول الله عام الفيل، يوم الاثنين، الثاني عشر من شهر ربيع الأول".

بحسب الترتيب الزمني الذي أورده دكتور صلاح الدين بن محمد في دراسته "الإلزامات الواردة على بدعة الاحتفال بالمولد النبوي"، فإن أول من احتفل بالمولد النبوي هم الفاطميون سنة 362 هجرية بالقاهرة، وهي الاحتفالات التي استمرت في مصر حتى ألغاها أمير الجيوش الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي وزير المستعلي بالله سنة 490 هـ.

بعد سنوات من هذا الإلغاء سيكون للعراق الفضل في إعادة إحيائها مُجدداً لتنتشر بعدها في أصقاع العالم الإسلامي حتى اليوم، فما قصتها؟

 

البداية من الموصل

عاد الاحتفال بالمولد النبوي للظهور مُجدداً على يدي الفقيه عُمر بن محمد الموصلي، الذي تمتّع بمكانة اجتماعية كبيرة في الموصل شمال العراق بسبب فقهه وزُهده، فحاز شهرة كبيرة في العالم الإسلامي حتى تُوفي سنة 570 هـ.

بحسب كتاب "الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية" لأبي شامة المقدسي، فإن "زاوية الشيخ عمر" كانت محلاً لزيارة العلماء والفقهاء والملوك والأمراء. 

وامتلك الشيخ عُمر علاقة وطيدة بنور الدين زنكي صاحب حلب، إذ اعتاد الأخير مراسلة الشيخ عُمر لـ"استشارته في الأمور العِظام"،كما كان يزوره كل سنة في شهر رمضان لتناول الإفطار معه.

تعززت هذه المكانة حين خضعت الموصل لسُلطان نور الدين زينكي عام 566 هـ فأوصى وُلاته عليها بأن يستشيروا الشيخ عُمر في كل كبيرة وصغيرة، حتى نال لقب "المولى".

بحسب أبي شامة المقدسي فإن الشيخ عُمر هو الذي أشار على نور الدين بشراء قطعة أرض خراب في وسط الموصل وحوّلها إلى مسجد أنفق على بنائه أموالاً كثيرة، هو "جامع النوري" الذي لا يزال قائماً حتى اليوم.

لم يكن "جامع النوري" هو أكبر إنجازات الفقيه الموصلي إنما إعادة إحياء الاحتفال بـ"المولد النبي"، أيضاً. وبحسب كتاب "خدمات الأوقاف في الحضارة الإسلامية إلى نهاية القرن العاشر الهجري"، كان الشيخ عُمر كان يقيم في كل سنة داخل زاويته احتفالاً بميلاد الرسول محمد، يوجّه فيه الدعوة لحاكم الموصل وكبار رجال الدولة للحضور إلى الزاوية حيث تُقدّم لهم الأطعمة والمشروبات ويستمعون للشعراء الذين حضروا هذه الاحتفالية للتنافس على إنشاد قصائد المدح النبوي.

تزامن هذا الاحتفال مع الاهتمام الجماعي الذي أبداه أهل الموصل طيلة العهد الأتابكي بمناسبة "المولد النبوي"، فكانوا يعتادون تزيين الدور والأسواق ويتجمهرون في المساجد.

في كتاب "رسائل في حُكم الاحتفال بالمولد النبوي"، لم يستبعد مؤلّفوه أن يكون الشيخ عُمر وغيره من أهل الموصل مالوا لإقامة هذه الاحتفالات كأحد أشكال تأثرهم بالفاطميين، الذين أقاموا صلات مباشرة بحكام الموصل على مدار سنوات طويلة، في إطار مساعيهم لإسقاط دولة الخلافة العباسية في العراق.

وذكر كتاب "تاريخ الموصل" لسعيد الديوه جي، أن أبرز حكام الموصل الذين رحبوا بهذا التقارب، هم  أمراء الدولة العقيلية الشيعية مثل حسام الدولة المقلد العقيلي (386 هـ- 391 هـ) وولده معتمد الدولة قرواش، اللذين حافظا على علاقات جيدة مع خلفاء مصر حتى أن قرواش أعلن تبعيته للخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في 401 هـ، وهي خطوة لم تدم كثيراً بعدما تراجع عنها سريعاً بسبب تهديدات الخليفة القادر العباسي له بالحرب.

ووفق كتاب "الإعلام بفتاوى أئمة الإسلام حول مولده عليه الصلاة والسلام" لمحمد بن علوي الحسني، فإن الشيخ عُمر بعدما بات أول مَن احتفى بالمولد النبوي في العراق اقتدى به صاحب أربيل الملك المظفر كوكبري بن زين الدين بن بكتكين الحليف المخلص لصلاح الدين الأيوبي سُلطان مصر.

أربيل: مهرجان ديني حاشد

عمل زين الدين والد الملك المظفر الدين كوكبري والياً على الموصل، فحقّق نجاحاً كبيراً حتى أنه عندما مات سنة 563 هـ كان عدد من المدن الكبرى في العراق خاضعاً لحُكمه مثل: أربيل، شهرزور، تكريت، سنجار، حرّان وغيرها.

بعدما توفي زين الدين ورث ابنه مظفر الدين كوكبري حُكم أربيل، ولكن لصِغر سنه تولّى شؤون الإمارة أحد مماليك والده الذي خلع كوكبري عن الحُكم ونصّب بدلاً منه أخوه، هنا استعان كوكبري بصلاح الدين الأيوبي الذي أعاده أميراً على أربيل في 586 هـ.

يحكي عبد الحق التركماني في كتابه "ابن دحية الكلبي وكتابه (التنوير في مولد السراج المنير والبشير النذير)": "أخذ كوكبري عن الشيخ عُمر هذه البدعة وطوّرها وتفنن في إقامتها وبذل أموالاً عظيمة في ذلك".

وأورد كتاب "إمارة أربل في العصر العباسي" للدكتور سامي الصقار، أن كوكبري بدءاً من سنة 604 هـ "أولى اهتماماً بإقامة مهرجان ضخم للاحتفال بمولد النبي يتضمن العديد من الفعاليات التي لفتت انتباه الكثيرين من مختلف أنحاء العالم".

ووصف إحياء المناسبة: "في شهر محرم من كل عام هجري يبدأ توافد عوام المسلمين من بغداد والجزيرة ونصيبين وغيرها من البلاد على أربيل، بالإضافة إلى جماعات من الفقهاء والصوفية والشعراء، ومع بداية شهر ربيع الأول يأمر كوكبري بنصب قباب من الخشب المُزين تُخصص كل منها لاستضافة عروض رجال الأغاني والخيالة وأصحاب الملاهي، وكان الناس يزدحمون حول خيامهم لمشاهدة عروضهم".

قبل الاحتفال بيومين كان منظمو المهرجان يطلقون مسيرة ضخمة تتكوّن من مئات الإبل والبقر والغنم التي تزفّها الطبول إلى ميدان كبير تُنحر فيه وتُطبخ ثم يوُزع لحمها على الحضور، كما ذكر الكتاب.

في اليوم الأول للمهرجان كان كوكبري يحضر الاحتفال بصحبة الأعيان والفقهاء وعوام الناس لمشاهدة عروضٍ عسكرية يقوم بها بعض جنود الجيش، بعدها تُقام موائد طعام ضخمة للحضور، 

وقدر حسام الدين قِزغلي (حفيد ابن الجوزي) في كتابه "مرآة الزمان في تواريخ الأعيان"، أن أسبطة الطعام كانت تضم "100 فرس مشوية منزوعة العظام، و5 آلاف رأس غنم و10 آلاف دجاجة و30 ألف صحن حلوى".

بعد الانتهاء من الطعام، كان كوكبري يكرّم عدداً من الأعيان والفقهاء وكبار الضيوف ويوزّع عليهم الأموال. ووفق تقديرات المؤرخين فإن هذه الاحتفالات الضخمة كانت تكلف ما يزيد عن 300 ألف دينار (عملة تلك الفترة).

كيف يحتفل المسلمون بالمولد النبوي في البلدان العربية؟
يعبّر المسلمون -في كل مكان- عن حبهم للنبي من خلال مجموعة من الطقوس والشعائر الفلكلورية الشعبية المتوارثة، والتي تتنوع وتتباين باختلاف الثقافة والمكان. نرصد في هذا التقرير أهم المظاهر الاحتفالية بالمولد النبوي في مجموعة من الدول العربية.

يقول الصقار "رغم ما اشتهرت به احتفالات الخلفاء الفاطميين بالمولد النبوي من بذخٍ شديد فإنها على فخامتها تُعدُّ متواضعة إذا ما قُورنت باحتفالات أربيل، إذ كانت الحفلات الفاطمية تقتصر على ليلة واحدة تُقدم فيها الحلوى والأطعمة ثم يرتّل القرآن وتُنشد القصائد في حضرة الخليفة الفاطمي، بعكس احتفالات أربيل التي كانت تستغرق عدة أيام".

هذا الاحتفاء المهيب استدعى إشادة شهاب الدين أبو شامة في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث"، حيث قال "من أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل في مدينة أربيل في اليوم الموافق ليوم ميلاد النبي من الصدقات وإظهار الزينة والسرور".

أحد أشهر حضور هذا "المهرجان النبوي" كان المؤرّخ عمر بن الحسن حفيد الصحابي دِحية الكلبي الذي شاهد الاحتفالات 625 هـ وألّف عنها كتاباً بعنوان "التنوير في مولد السراج المنير" قرأه بنفسه على حضرة الملك فأجازه وكافأه بألف دينار.

وفيه تحدّث عن شهادته على ليلة المولد في "إربل المحروسة" وعن لقائه بـ"أفضل الملوك والسلاطين"، حسبما ذكر دكتور أنس وكاك في بحثه "قبسٌ من (التنوير في مولد السراج المنير) للحافظ أبي الخطاب بن دحية الأندلسي".