الحكواتي مهنة لا تزال موجودة ولكن كتراث فلكلوري- صورة من دمشق/  أرشيف عام 2006
الحكواتي مهنة لا تزال موجودة ولكن كتراث فلكلوري- صورة من دمشق/ أرشيف عام 2006

الكندرجي، والقزاز، والطرابيشي، والداية، والمبيّض، والدومري، واليهودي العتيق، جميعها أسماء مهن حرفية وتراثية اشتهرت فيها العاصمة السورية دمشق عبر العصور.

وكان الحرفيون المنتشرون في معظم أحيائها القديمة، ومناطق مثل التكية السليمانية وخان باشا وباب توما وغيرها، يبدعون بإضافة لمساتهم الخاصة على حرف توارثوها عن أسلافهم، حتى تطبعت بطابع خاص يميز أهل هذه المدينة عن سواها.

في الوقت الحالي، تشهد دمشق انقراض العديد من الحرف التقليدية، وأخرى مهددة بالزوال.

 

حرف انقرضت

التقى "ارفع صوتك" بالباحث السوري في التراث الشعبي، محي الدين قرنفلة، وهو صاحب مؤلفات عديدة في المجال: "زينة الكلام في دمشق الشام" و"الشخصية الشعبية الدمشقية"، ليحدثنا عن أهم المهن الشعبية التي اشتهرت بها دمشق في الماضي.

يبيّن: "هناك العديد من المهن اليدوية الدمشقية التي انقرضت بحكم الحداثة، ومهن ما زالت موجودة في المجتمع ولكن كتراث فولكلوري مثل الحكواتي، ﻭﺃﺧﺭﻯ ﻗﺩﻳﻣﺔ ﺟﺩﺍً ﻟﻛﻧﻬﺎ ﻣﺳﺗﻣﺭﺓ ﻓﻲ ﺩﻣﺷﻖ ﻭﻟﻭ ﺑﺷﻛﻝ ﻣﺧﺗﻠﻑ، ﻣﺛﻝ ﻣﻬﻧﺔ ﺍﻟﺧﻁّﺎﺑﺔ، ﻭﺍﻟﻌﺭﺽ ﺣﻠﺟﻲ (وهو شخص كان يتواجد في الأسواق العمومية أو أمام المحاكم والدوائر الرسمية ليكتب للناس معاملاتهم الرسمية أو شكواهم)".

في الوقت نفسه، يعدد قرنفلة المهن التي انقرضت تماما من دمشق، وهي: ﺍلسقّا، والمبيّض، والطرابيشي، والداية، والندابة، والملقّن، والمصوراتي الشمسي، والكاراكوزي، وغيرها.

ويعلل ﺳبب انقراضها بـ"ﻋﺩﻡ ﺍﻟﺣﺎﺟﺔ ﻟﻣﻧﺗﺟﺎﺗﻬﺎ بسبب التطور والحداثة، فمنها ﻣﺎ ﺗﻡ ﺍلاﺳﺗﻐﻧﺎء ﻋﻧﻬﺎ ﺑﺳﺑﺏ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﻣﺻﻧﻊ ﻛﺑﻳﺭ ﻓﻳﻪ ﻣﺋﺎﺕ ﺍﻟﻌﻣﺎﻝ ﻛﻣﻬﻧﺔ ﺍﻟﻛﻧﺩﺭﺟﻲ مثلا، ﻭﻣﻧﻬﺎ ﺑﺳﺑﺏ ﺍﻟﺗﻘﺩﻡ ﺍﻟﻌﻠﻣﻲ ﻛﻣﻬﻧﺔ ﺍﻟﺩﺍﻳﺔ التي ﺗﻡ ﺍلاﺳﺗﻐﻧﺎء ﻋﻧﻬﺎ ﻭﺣﻠﺕ ﻣﺣﻠﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻭﻧﻳﺔ، كذلك انتهت ﻣﻬﻧﺔ ﺍﻟﻣﺑﻳﺽ ﻣﻊ اﺳﺗﻐﻧﺎء ﺍﻟﻧﺎﺱ ﻋﻥ ﺃﻭﺍﻧﻲ ﺍﻟﻧﺣﺎﺱ ﺍﻟتي ﻛﺎﻧﺕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻼﺕ ﺗﺗﻔﺎﺧﺭ ﺑﻛﻣﻳتها في بيوتهم، وحلت محلها أواني ﺍﻷﻟﻣﻧﻳﻭﻡ ﻭﺍﻟﺳﺗﺎﻧﻠﺱ ﺳﺗﻳﻝ ﻭقبلها ﺃﻭﺍﻧﻲ ﺍﻟﺷﻳﻧكو".

ويشرح قرنفلة لـ"ارفع صوتك" عن كل مهنة من المنقرضة، كالآتي: 

 

السقّا

ﺍﻟﻌﺎﻣﻝ ﺍﻟﻣﺳﺅﻭﻝ ﻋﻥ ﺗﻧﻅﻳﻑ ﺍﻟﺷﻭﺍﺭﻉ ﻋﻧﺩ ﺍﻟﻔﺟﺭ أﻭ ﻭﻗﺕ ﺍﻟﻣﻐﻳﺏ، ﻭﺇﻳﺻﺎﻝ ﺍﻟﻣﻳﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻣﺧﺎﺯﻥ ﻭﺍﻟﺟﻭﺍﻣﻊ ﻭﺍﻟﻣﻧﺎﺯﻝ. كان ﻳﺣﻣﻝ ﻋﻠﻰ ﻅﻬﺭﻩ ﻛﻳﺳﺎً ﻣﺻﻧﻭﻋﺔ ﻣﻥ ﺟﻠﺩ ﺍﻟﻣﺎﻋﺯ، ﻳﻣﻸﻩ ﺑﺎﻟﻣﺎء ﻗﺑﻝ ﺳﻘﺎﻳﺔ ﺍﻟﺷﻭﺍﺭﻉ ﻭﺍﻟﺣﺩﺍﺋﻖ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺭﺗﺩﻱ ﻟﺑﺎﺳﺎً ﻓﻭﻕ ﺛﻳﺎﺑﻪ ﻣﻥ ﺍﻟنايلون ﻟﺩﺭء ﺍﻟﻣﻳﺎﻩ ﻋﻥ ﺟﺳﻣﻪ. انقرضت مهنته مع ﺑﺩء ﻋﻣﻝ ﺷﺭﻛﺔ ﻣﻳﺎﻩ "ﻋﻳﻥ ﺍﻟﻔﻳﺟﺔ" ﻭﻭﺻﻭﻝ ﺍﻟﻣياه ﺇﻟﻰ ﻛﻝ ﺑﻳﺕ في دمشق. 

 

ﺍﻟﻣُﺑﻳّﺽ

ﻛﺎﻧﺕ ﻣﻌﺭﻭﻓاً ﻓﻲ ﺯﻣﻥ اﻧﺗﺷﺎﺭ ﺍﻷﻭﻋﻳﺔ ﺍﻟﻧﺣﺎﺳﻳﺔ ﻗﺑﻝ اﺧﺗﺭﺍﻉ ﺍﻷﻟﻣﻧﻳﻭﻡ أﻭ (ﺍﻷﻻﻣﻳﻧﻭ ﻛﻣﺎ ﻳﺳميه ﺃﻫﺎﻟﻲ ﺩﻣﺷﻖ)، ﻭﻛﺎﻥ المبيّض ﻳﺗﺟﻭﻝ ﻓﻲ ﺍﻷﺣﻳﺎء ﻭﻳﻧﺎﺩﻱ ﻟﻳﺄﺗﻳﻪ ﺍﻟﺯﺑﺎﺋﻥ ﺑﺎﻷﻭﻋﻳﺔ ﺍﻟﻧﺣﺎﺳﻳﺔ ﻟﻛﻲ ﻳﺑﻳﺿﻬﺎ (ينظفها) ﻋﻥ ﻁﺭﻳﻖ ﻣﺳﺣﻭﻕ ﻣﻠﺣﻲ ﺧﺷﻥ، ﺃﻭ ﺣﺗﻰ ﺑﻌﺽ ﺍﻟﺭﻣﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺳﻁﺢ ﺍﻟﻭﻋﺎء مستعيناً بقطعة ﺧﻳﺵ، ﻗﺑﻝ ﺃﻥ ﻳﺿﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﺎﺭ ﻟﺗﺭﺗﻔﻊ ﺣﺭﺍﺭﺗﻬﺎ ﻭﻳﻘﻭﻡ ﺑﻁﻼﺋﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺻﺩﻳﺭ، ﻭﻫﻭ ﻳﺅﺩﻱ ﺣﺭﻛﺔ ﺻﻌﺑﺔ، إذ ﻳﻠﻑ ﺟذﻋﻪ ﻓﻲ اﺗﺟﺎﻫﻳﻥ ﺑﺻﻭﺭﺓ ﻣﺗﺗﺎﻟﻳﺔ ﻣﻘﺎﻭﻣﺎً ﺍﻟﺣﺭﺍﺭﺓ.

و آﺧﺭ ﻣﺑﻳﺽ ﺣﻘﻳﻘﻲ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺩﻣﺷﻖ ﻣﻧﺫ 25 عاماً.

 

ﺍﻟﻁﺭﺍﺑﻳﺷﻲ

ﻣﺧﺗﺹ بصناعة ﻭﺻﻳﺎﻧﺔ ﻭﻛﻲ ﺍﻟﻁﺭﺍﺑﻳﺵ (قبعات تقليدية) ﻭﺇﺻﻼﺡ ﺃﻱ ﻛﺳﺭﺓ ﺃﻭ اﻋﻭجاج ﻗﺩ ﻳﺻﻳﺑﻪ (ﺣﻳﺙ ﻛﺎﻧﺕ ﺍﻟﺧﺎﻣﺎﺕ ﺃﺣﻳﺎﻧﺎً ﺗﺳﺗﻭﺭﺩ ﻣﻥ ﺍﻟﻧﻣﺳﺎ) ﻭﻛﺎﻧﺕ ﻣﻬﻧﺔ ﻣﻌﺭﻭﻓﺔ، ﻭﻟﺻﺎﺣﺑﻬﺎ ﻣﻛﺎﻧﺔ ﺍﺟﺗﻣﺎﻋﻳﺔ ﻣﺣﺗﺭﻣﺔ.

بقيت هذه المهنة ﺣﺗﻰ ﻣﻁﻠﻊ ﺍﻟﺳﺑﻌﻳﻧيﺎﺕ ﻋﻧﺩﻣﺎ ﺑﺩﺃت ﺗﺗﺭﺍﺟﻊ ﺑﺳﺑﺏ ﺗﺧﻠﻲ ﺍﻟﻧﺎﺱ ﻋﻥ ﻁﺭﺍﺑﻳﺷﻬﻡ ﺗﻣﺎﺷﻳﺎً ﻣﻊ ﺍﻟﺣﺩﺍﺛﺔ.

وﻛﺎﻥ ﺍﻟﻁﺭﺍﺑﻳﺷﻲ ﻳﺟﻬﺯ ﻫﻳﺎﻛﻝ ﺍﻟﻁﺭﺍﺑﻳﺵ ﻣﻥ ﺍﻟﺧﻭﺹ ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺏ أﻛﺑﺭ ﺍﻟﻣﻘﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﻣﺷﺗﺭﻛﺔ ﻟﺭﺅﻭﺱ ﺍﻟﻧﺎﺱ، ﺛﻡ ﻳﻘﻭﻡ ﺑﻭﺿﻌﻬﺎ ﺣﻭﻝ ﻗﺎﻟﺏ ﻧﺣﺎﺳﻲ ﻭﻳﻐﻁﻳﻬﺎ ﺑﺎﻟﺟﻭﺥ ﻭﻳﻘﻭﻡ ﺑﺗﺛﺑﻳﺗﻬﺎ ﺑﻣﻛﺑﺱ ﺧﺎﺹ، ﺛﻡ ﺗﺄﺗﻲ ﺑﻌﺩ ﺫﻟﻙ ﻣﺭﺣﻠﺔ ﺍﻟﻛﻲ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻣﺭﺣﻠﺔ ﺍﻟﻧﻬﺎﺋﻳﺔ ﻗﺑﻝ ﺗﺛﺑﻳﺕ ﺍﻟﺯﺭ ﻟﻳﺻﺑﺢ ﺍﻟﻁﺭﺑﻭﺵ ﺟﺎﻫﺯﺍً.

و ﺁﺧﺭ ﻁﺭﺍﺑﻳﺷﻲ في ﺩﻣﺷﻖ ﻛﺎﻥ يعمل ﻓﻲ ﺣﻲ ﺍﻟﻘﻧﻭﺍﺕ. 

 

ﺍﻟﺩﺍﻳﺔ

ﺃﻭ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﺔ، وهي المرأة ﺍﻟﺗﻲ ﺗﻘﻭﻡ ﺑﺗﻭﻟﻳﺩ ﺍﻟﻧﺳﺎء ﻭﺗﻘﻁﻊ ﺍﻟﺣﺑﻝ ﺍﻟﺳﺭﻱ ﻟﻠﻣﻭﻟﻭﺩ ﻭﺗﺳﺎﻋﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺗﻘﺎﻁ ﺃﻧﻔﺎﺳﻪ ﺍﻷﻭﻟﻰ.

وكانت ﺍﻟﺩﺍﻳﺔ ﺻﺎﺣﺑﺔ ﻣﻛﺎﻧﺔ ﻣﻬﻣﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻣﺟﺗﻣﻊ، ﻭﻫﻲ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻋﻥ ﺍﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻭﻧﻳﺔ ﺍﻟﻣﻭﺟﻭﺩﺓ ﺍﻟﻳﻭﻡ ﻷﻧﻬﺎ ﻟﻡ ﺗﻛﻥ ﻣﺗﻌﻠﻣﺔ، ﻭﻻ ﺗﺳﺗﺧﺩﻡ ﺃﻱ ﻭﺳﻳﻠﺔ ﻁﺑﻳﺔ ﺣﺩﻳﺛﺔ ﻓﻲ ﻋﻣﻠﻬﺎ، ﻭﻛﺎﻧﺕ ﻏﺎﻟﺑﺎً ﻣﺭﺟﻌﺎً ﻁﺑﻳﺎً ﻟﻧﺳﺎء ﺍﻟﺣﻲ.

ﻭﻫﻧﺎﻙ ﺩﺍﻳﺎﺕ ﻛﺎﻧﺕ ﻟﻬﻡ ﺷﻬﺭﺓ ﻭﺍﺳﻌﺔ، ﻭﻣﻧﻬﻡ ﻣﻥ ﺍﺭﺗﻛﺑﺕ ﺃﺧﻁﺎء ﺗﺳﺑﺑﺕ ﻓﻲ ﻛﻭﺍﺭﺙ ﻣﻥ ﻭﻓﺎﺓ ﺍﻷﻡ ﻭﺍﻟﻣﻭﻟﻭﺩ أﻭ ﻭﻓﺎﺓ ﺍﻟﻣﻭﻟﻭﺩ، ﻭﻗﺩ ﺟﺳﺩﺕ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺩﻭﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺩﺭﺍﻣﺎ ﺍﻟﺳﻭﺭﻳﺔ ﺍﻟﻔﻧﺎﻧﺔ ﻫﺩﻯ ﺷﻌﺭﺍﻭﻱ ﻣﺭﺍﺕ ﻋﺩﺓ (أم زكي في باب الحارة).

 

ﺍﻟﻧﺩّﺍﺑﺔ

وﻫﻲ ﺳﻳﺩﺓ ﻳﺗﻡ ﺍﺳﺗﺋﺟﺎﺭﻫﺎ ﻣﻥ ﻗﺑﻝ ﻋﺎﺋﻠﺔ ﺍﻟﻣﺗﻭﻓﻲ ﻛﻲ ﺗﻧﺩﺏ ﻋﻠﻳﻪ ﻗﺑﻝ ﻭﺑﻌﺩ ﺧﺭﻭﺝ ﺍﻟﺟﻧﺎﺯﺓ، ﻭﻫﻲ ﺗﻧﺩﺏ ﺑﺻﻭﺕ ﻋﺎل ﻭﺭﻧّﺎﻥ، ﻭﻋﻧﺩﻫﺎ ﻛﻠﻣﺎﺕ ﺧﺎﺻﺔ ﺗﺻﻑ ﻓﻳﻬﺎ ﺍﻟﻣﺗﻭﻓى، ﻭﺗﺻﺭﺥ ﺑﻣﺭﺍﺭﺓ وﺗﺑﻛﻲ ﺍﻟﻧﺳﺎء ﺣﻭﻟﻬﺎ وتنوح. 

 

ﺍﻟﻣﻠﻘﻥ

كان ﺃﺣﺩ ﺃﻫﻡ ﺭﻛﺎﺋﺯ ﺍﻟﻣﺳﺭﺡ قديما، إذ ﻳﺟﻠﺱ ﻋﻠﻰ ﺧﺷﺑﺔ ﺍﻟﻣﺳﺭﺡ ﺩﺍﺧﻝ ﺍﻟﻐﺭﻓﺔ ﺍﻟﻣﺧﺻﺻﺔ ﻟﻪ ﻭاﺳﻣﻬﺎ (ﺍﻟﻛﻣﺑﻭﺷﻳﺔ)، ﺣﺎﻣﻼً ﺍﻟﻧﺹ ﺍﻟﻣﺳﺭﺣﻲ ﺑﻳﻥ ﻳﺩﻳﻪ، ﻭﻧﺎﻗﻼً ﺗﺭﻛﻳﺯﻩ ﺑﻳﻥ ﺍﻟﻣﻣﺛﻠﻳﻥ ﻟﺗﺫﻛﻳﺭﻫﻡ ﺑﺄﻱ ﺣﻭﺍﺭ ﻗﺩ ﻳﻔﻭﺗﻬﻡ.

 

ﺍﻟﻣﺻﻭﺭﺍﺗﻲ ﺍﻟﺷﻣﺳﻲ

كان يحمل ﺍﻟﻛﺎﻣﻳﺭﺍ ﺍﻟﻘﺩﻳﻣﺔ ﻭﻏﻁﺎءﻬﺎ ﺍﻟﻘﻣﺎﺷﻲ ﺍﻷﺳﻭﺩ، ﻭاﻋﺗﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻁﻭﺍﻑ ﺩﺍﺧﻝ ﺷﻭﺍﺭﻉ ﺍﻟﻣﺩﻳﻧﺔ ﺍﻟﺭﺋﻳﺳﺔ، ﺑﻬﺩﻑ ﺗﺻﻭﻳﺭ ﺍﻟﻧﺎﺱ ﻭﺇﻋﻁﺎﺋﻬﻡ ﺻﻭﺭﻫﻡ ﺍﻟﻔﻭﺭﻳﺔ، ﻣﻘﺎﺑﻝ ﻣﺑﻠﻎ ﻣﻥ ﺍﻟﻣﺎﻝ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺳﻣﻰ ﺷﻌﺑﻳﺎً "ﺳﺗﻭﺩﻳﻭ ﺑﺣﺑﺵ" .

وﻛﺎﻥ المصوراتي ﻳﺿﻊ ﺧﻠﻔﻳﺔ ﺳﻭﺩﺍء ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺟﺩﺍﺭ، ﻭﻣﻌﻪ ﻛﺭﺳﻲ ﻣﻥ ﺍﻟﺧﺷﺏ ﺍﻟﻣﻘﺷﺵ ﻭﺍﻟﺗﺻﻭﻳﺭ ﺷﻣﺳﻲ، ﻭﻛﺛﻳﺭﺍً ﻣﺎ ﻛان المصو ينتشرون ﻓﻲ ﺷﺎﺭﻉ ﺍﻟﻧﺻﺭ. 

 

اﻟﻛﺭﻛﻭﺯﺍﺗﻲ

ﺃﻭ ﺍﻟﻣﺧﺎﻳﻝ، وكان ﻳﺗﺎﺑﻊ ﺍﻷﺣﺩﺍﺙ ﺍﻟﺗﻲ ﺗﺩﻭﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻣﺩﻳﻧﺔ ﻟﻧﻘﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻧﺎﺱ ﺑﺷﻛﻝ ﻓﻧﻲ ﺑﺳﻳﻁ ﻓﻲ ﺍﻟﻣﻘﺎﻫﻲ. ﻭﻛﺛﻳﺭﺍً ﻣﺎ ﻳﺟﺭﻱ ﺣﻭﺍﺭ ﺑﻳﻥ ﺷﺧﻭﺻﻪ (ﻛﺭﺍﻛﻭﺯ ﻭﻋﻳﻭﺍﻅ) ﺍﻟﻭﺭﻗﻳﺔ أﻭ ﺍﻟﺟﻠﺩﻳﺔ ﻋﺑﺭ ﺗﺣﺭﻳﻛﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻅﻝ ﺑﺄﺻﺎﺑﻌﻪ ﺍﻟﻌﺷﺭﺓ ﺑﺧﻔﺔ ﻭﺳﺭﻋﺔ.

وكان الكركوزاتي يتميز بقدرته على التحدث ﺑﺄﺻﻭﺍﺕ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻟﻠﺗﻣﻳﻳﺯ ﺑﻳﻥ ﺍﻟﺷﺧﺻﻳﺎﺕ (دمى متحركة)، ﺣﺗﻰ أﻧﻪ كان ﻗﺎﺩﺭا ﻋﻠﻰ أﻥ ﻳﻌﻁﻲ ﺃﺻﻭﺍﺕ ﻋﺭﺍﺿﺔ ﺑﺄﻛﻣﻠﻬﺎ ﻭﻳﻣﺛﻝ ﻣﺷﺎﻫﺩ ﺻﺎﺧﺑﺔ ﻭﺣﺭﺑﻳﺔ أﺣﻳﺎﻧﺎً ﻓﻲ ﺑﺭﺍﻋﺔ ﻧﺎﺩﺭﺓ.

ﻳﺣﺎﻭﻝ ﺍﻟﺑﻌﺽ ﺍﻟﻳﻭﻡ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺗﻧﺷﻳﻁ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻣﻬﻧﺔ ﻭﻟﻛنها ﻟﻳﺱ ﻛﻣﺎ ﻛﺎﻧﺕ ﺇﻁﻼﻗﺎً. 

 

ﺍﻟﺩﻭﻣﺭﻱ

وهو ﻣﻥ كان ﻳﺣﻣﻝ ﺍﻟﻧﻭﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺣﺎﺭﺍﺕ ﺩﺍﺧﻝ ﺃﺣﻳﺎء ﻣﺩﻳﻧﺔ ﺩﻣﺷﻖ، ﻛﻣﺎ كان ﻳُﻌﻧﻰ ﺑﺈﻧﺎﺭﺓ ﺍﻟﺟﻭﺍﻣﻊ، ﻭﻣﻬﻣﺗﻪ ﺇﺷﻌﺎﻝ ﺍﻟﻔﻭﺍﻧﻳﺱ ﺍﻟﻣﻌﻠﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺣﺎﺭﺍﺕ ﻭﺍﻷﺯﻗﺔ ﻭﺍﻟﺟﻭﺍﻣﻊ.

كان ﻻ ﻳﺧﺭﺝ ﻟﻌﻣﻠﻪ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺟﻭ ﺑﺎﺭﺩﺍً، ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ أربعينية ﺍﻟﺷﺗﺎء، ﺧﻭﻓﺎً ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺳﻪ ﻣﻥ ﺍﻟﺑﺭﺩ، ومن هنا جاء المثل "ﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺩﻭﻣﺭﻱ" ﺃﻱ أﻥ ﺍﻟﺩﻭﻣﺭﻱ ﻟﻡ ﻳﺧﺭﺝ ﻟﻌﻣﻠﻪ ﻣﻥ ﺷﺩﺓ ﺍﻟﺑﺭﺩ.

 

ﺍﻟﻣﺧﺭﺯ

ﻛﺎﻥ ﻳﻣﺗﻬﻥ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻣﻬﻧﺔ ﻳﻬﻭﺩﻱ ﻳﺩﻭﺭ ﺑﻳﻥ ﺍﻟﺣﺎﺭﺍﺕ ﻭﺍﻷﺯﻗﺔ ﻓﻲ ﺩﻣﺷﻖ ﺍﻟﻘﺩﻳﻣﺔ، ﻭﻳﻧﺎﺩﻱ "ﻣﺧﺭﺯ مخرز" ﻹﺻﻼﺡ ﺃﻭﻋﻳﺔ ﻭﺯﺑﺎﺩﻱ ﺍﻟﺻﻳﻧﻲ ﺍﻟﻣﻛﺳﻭﺭﺓ ﻋﺑﺭ ﺍﻟﺧﺭﺯ، ﻋﻥ ﻁﺭﻳﻖ ﺩﻣﺞ ﻗﻁﻌﺗﻳﻥ ﺑﺧﻳﻁ ﻭﺳﻠﺳﻠﺔ، وهي ﺗُﺷﻭّﻩ ﺍﻟﻭﻋﺎء ﻭﻟﻛنها ﺗﺣﻔﻅﻪ ﻣﻥ ﺍﻟﺗﻠﻑ، ﻭﻳﺑﻘﻰ ﻟﻠﺻّﻣﺩ (للزينة) ﻓﻘﻁ ﻋﻠﻰ ﺭﻑ ﺍﻟﻛﺗﺑﻳﺔ (المكتبة) ﻟﻳﻌﻁﻲ ﺟﻣﺎلا ﻓﻲ ﻣﻛﺎﻧﻪ، ﻟﻛﻧﻪ ﻓﻘﺩ ﻭﻅﻳﻔته.

 

ﺍﻟﻳﻬﻭﺩﻱ ﺍﻟﻌﺗﻳﻖ

كان اليهودي العتيق ﻳﺩﻭﺭ ﺑﻳﻥ ﺍﻟﺣﺎﺭﺍﺕ ﻭﺍﻷﺯﻗﺔ، ﻳﺣﻣﻝ ﻋﻠﻰ ﻅﻬﺭﻩ ﻛﻳﺱ ﺧﻳﺵ ﻛﺑﻳﺭ، ﻣﻧﺎﺩﻳﺎً ﺑﺻﻭﺗﻪ ﺍﻟﻣﺭﺗﻔﻊ "ﺑﺎﻷﻭﺍﻋﻲ ﺍﻟﻌﺗﺊ ﻳﺎﺻﺣﻭﻥ، ﺑﺎﻟﺻﺑﺎﺑﻳﻁ ﺍﻟﻌﺗﺊ ﻳﺎ ﺻﺣﻭﻥ"، ﻭﻣﺿﻳﻔﺎً "ﻳﻠﻲ ﻋﻧﺩﻩ ﺗﺧﻭﺗﺔ، ﻳﻠﻲ ﻋﻧﺩﻩ ﻓﺭﺷﺎﺕ، ﻳﻠﻲ ﻋﻧﺩﻩ ﺧﺯﺍﻧﺎﺕ"، ﻭﻳﻣﻁﻬﺎ ﻭﻳﺿﻐﻁ آﺧﺭﻫﺎ.

يقوم عادة ﺑﺷﺭﺍء ﺍﻷﻟﺑﺳﺔ ﺍﻟﻘﺩﻳﻣﺔ ﻣﻘﺎﺑﻝ ﻣﺑﻠﻎ ﻣﻥ ﺍﻟﻣﺎﻝ أﻭ ﻣﺑﺎﺩﻟﺗﻬﺎ ﺑﺻﺣﻭﻥ ﻧﺧﺏ ﺭﺍﺑﻊ ﺃﻭ ﺃﻱ ﺃﺩﺍﺓ ﻣﻁﺑﺧﻳﺔ ﺃﺧﺭﻯ.

ﻭﻛﺎﻧﺕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺷﺧﺻﻳﺔ ﺗﺳﻣﻰ ﻋﻧﺩ ﻋﺎﻣﺔ ﺃﻫاﻟﻲ ﺩﻣﺷﻖ "ﺣﺭﺍﻣﻳﺔ ﺍﻟﻧﻬﺎﺭ" ﻷﻧﻬﻡ ﻳﺳﺗﻐﻠﻭﻥ ﺣﺎﺟﺔ ﺍﻟﻧﺎﺱ ﻟﻠﻣﺎﻝ ﻭﻳﺷﺗﺭﻭﻥ ﺣﺎﺟﻳﺎﺗﻬﻡ ﺑﺛﻣﻥ ﺑﺧﺱ.

 

ﺍﻟﺩﻗﺎﻕ

ﺗﺻﻠﺢ ﺍﻟﺗﺳﻣﻳﺔ ﻟﻌﺩﺓ ﻣﻬﻥ،  ﻣﻧﻬﻡ ﻣﻥ ﻳﺩﻕ ﺍﻟﺻﻭﻑ ﻭﻟﻛﻥ ﺍﻟﻣﻧﻘﺭﺽ ﻣﻧﻬﺎ ﻫﻭ ﺩﻗﺎﻕ ﺍﻷﻗﻣﺷﺔ ﺍﻟﺗﻲ ﺗﺧﺭﺝ ﻣﻥ ﻭﺭﺷﺎﺕ ﺍﻟﻧﻭﻝ ﺍﻟﻌﺭﺑﻲ ﻭﺍﻟﺻﺎﻳﺎﺕ، ﻭﻓﻲ ﻣﺩﻳﻧﺔ ﺩﻣﺷﻖ ﺑﺣﻲ ﺍﻟﺷﺎﻏﻭﺭ هناك ﺷﺎﺭﻉ اسمه ﺍﻟﺩﻗﺎﻗﻳﻥ، ﻭﻫﻭ ﻣﻧﻁﻘﺔ ﺗﺟﺎﺭﻳﺔ ﺣﺎﻟﻳﺎً، ﻛﺎﻧﺕ ﻣﻬﻧﺔ ﺍﻟﺩﻗﺎﻗﻳﻥ ﺑﻧﻔﺱ ﺍﻟﻣﻛﺎﻥ، ﻭﻣﻥ ﻫﻧﺎ ﺃﺗﺕ ﺗﺳﻣﻳﺗﻪ.

 

ﺍﻟﺑﻳﻁﺎﺭ

وهو ﻣﻥ ﻳﻘﻭﻡ ﺑﺗﺭﻛﻳﺏ ﻭﺗﺛﺑﻳﺕ ﺣذﻭﺓ ﺍﻟﺣﺻﺎﻥ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﺎﻫﺭﺍً ﻓﻲ ﻣﺩﻳﻧﺔ ﺩﻣﺷﻖ ﺣﺗﻰ ﻣﻧﺗﺻﻑ ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﻌﺷﺭﻳﻥ، ﺣﻳﻧﻣﺎ ﺗﺭﺍﺟﻊ اﻋﺗﻣﺎﺩ ﺍﻟﻧﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺣﺻﻧﺔ، ﻣﻘﺎﺑﻝ ﺭﻛﻭﺏ ﺍﻟﺳﻳﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺣﺩﻳﺛﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻛﻝ ﺣﻲ ﻣﻥ أﺣﻳﺎء ﺍﻟﻣﺩﻳﻧﺔ ﻭﺍﺣﺩ ﻣﻧﻬﻡ ﺣﺗﻰ ﺍﻧﻘﺭﺿﺕ ﺍﻟﻣﻬﻧﺔ ﻧﻬﺎﺋﻳﺎً.

 

ﺍﻟﻁﺭﺍﺑﺔ

وهو ﺑﺎﺋﻊ ﺍﻟﺗﺭﺍﺏ ﺍﻟﻣﻭﺟﻭﺩ ﺣﺻﺭﺍً ﻋﻧﺩ ﺑﺎﺏ ﺍﻟﺳﻼﻡ، ﺍﻟﻣﺯﻭﺩ ﺍﻟﺭﺋﻳﺳﻲ ﻟﺟﻣﻳﻊ ﺍﻟﻣﻌﻣﺎﺭﻳﻳﻥ ﻳﻭﻣﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺫﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺿﻊ ﺍﻟﺗﺭﺍﺏ ﻋﻠﻰ الحمير ﻭﻳﺭﺳﻠﻬﺎ ﻟﻭﺭﺷﺎﺕ ﺍﻟﺑﻧﺎء. وﻣﻥ ﻫﻧﺎ ﺟﺎء ﻣﺛﻝ ﺷﻌﺑﻲ ﻳﻘﻭﻝ "ﺭﺍﻳﺢ ﺟﺎﻳﺔ ﻣﺗﻝ ﺣﻣﻳﺭ ﺍﻟﻁﺭﺍﺑﺔ"، واﻧﻘﺭﺿﺕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻣﻬﻧﺔ ﻧﻬﺎﺋﻳﺎً.

 

ﻣﺟﻠﺦ ﺍﻟﺳﻛﺎﻛﻳﻥ ﻭﺍﻟﻣﻘﺻﺎﺕ

ﻛﺎﻥ ﻳﺣﻣﻝ ﻋﻠﻰ ﻅﻬﺭﻩ ﺍﻵﻟﺔ ﺍﻟﺗﻲ ﻫﻲ ﻋﺑﺎﺭﺓ ﻋﻥ ﺩﻭﻻﺏ ﻛﺑﻳﺭ ﻣﺭﻓﻖ ﺑﺩﻋﺎﺳﺔ ﻳﺩﻭﻳﺔ ﻳﺩﻭﺳﻬﺎ ﺑﻘﺩﻣﻪ، ﻓﻳﺩﻭﺭ ﺣﺟﺭ ﺍﻟﺟﻠﺦ ﻟﻳﻘﻭﻡ ﻫﻭ ﺑﺳﻥ ﺍﻟﻣﻘﺹ أﻭ ﺍﻟﺳﻛﻳﻥ ﻣﻘﺎﺑﻝ ﺃﺟﺭ ﻣﻌﻳﻥ، ﻭﻛﺎﻥ ﻋﻧﺩ ﻭﺻﻭﻟﻪ ﻟﻠﺣﻲ أﻭ ﺍﻟﺣﺎﺭﺓ ﻳﻧﺎﺩﻱ ﺑﺻﻭﺕ ﻣﺭﺗﻔﻊ "ﻣﺟﻠﺦ ﺳﻛﺎﻛﻳﻥ ﻭﻣﻘﺻﺎﺕ"، ﺛﻡ ﻳﻧﺗﻘﻲ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﻣﻥ ﺯﻭﺍﻳﺎ ﺍﻟﺣﺎﺭﺓ ﻭﻳﻘﻑ ﻋﻧﺩﻫﺎ ﺳﺎﻋﺎﺕ ﻳﻌﻣﻝ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺑﻧﺷﺎﻁ ﻭﻳﺣﺻﻝ ﻋﻠﻰ ﻗﻭﺕ ﻳﻭﻣﻪ. 

 

ﺍﻟﺑﻭﺍﺑﻳﺭﻱ

كان ﻓﻲ ﻛﻝ ﺣﻲ أﻭ ﺣﺎﺭﺓ من حارات دمشق ﺑﻭﺍﺑﻳﺭﻱ، وﻣﻬﻣﺗﻪ ﺗﺻﻠﻳﺢ ﻭﺻﻳﺎﻧﺔ ﺑﺎﺑﻭﺭ ﺍﻟﻛﺎﺯ، ﺍﻟﺫﻱ ﺍﻧﺗﺷﺭ ﻣﻁﻠﻊ ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﻌﺷﺭﻳﻥ ﻭﺃﺯﺍﺡ ﺍﻟﻛﺎﻧﻭﻥ (الذي يعمل بالفحم).

ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻧﻪ ﺛﻼﺙ ﻣﻘﺎﺳﺎﺕ ﻭﻧﻭﻋﺎﻥ: ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ ﻭﺍﻷﺧﺭﺱ، ﻭﻣﻧﻪ ﺿﻣﻥ ﻋﻠﺑﺔ ﻳﺻﻁﺣﺑﻭﻧﻪ ﻟﻠﺳﻳﺭﺍﻥ (الرحلات) أﻭ ﻟﻣﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﻣﻝ. 

ﻭﻏﺎﻟﺑﺎً ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻬﺗﺭﺉ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﺑﺎﺑﻭﺭ أﻭ ﺗﺗﻠﻑ ﺍﻟﻔﺎﻟﺔ أﻭ ﺟﻠﺩﺓ ﺍﻟﻣﻧﻔﺎﺥ أﻭ ﻳﻬﺗﺭﺉ ﺍﻟﺷﻧﺑﺭ (أجزاء البابور)، ﻓﻳﻘﻭﻡ ﻫﻭ ﺑﺗﺑﺩﻳﻝ ﻭﺇﺻﻼﺡ ﻣﺎ ﺗﻠﻑ ﻣﻧﻪ، ﻭيعيده ﺟﺩﻳﺩﺍً.

ﻭﺍﻟﺑﻌﺽ ﻣﻣﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﻣﺎﺭﺱ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻣﻬﻧﺔ ﻭﻻ ﻳﻣﻠﻙ ﻣﺣﻼً، ﻛﺎﻥ ﻳﺭﻛﺏ ﺩﺭﺍﺟﺔ ﻫﻭﺍﺋﻳﺔ ﻭﻳﺩﺧﻝ ﺍﻷﺯﻗﺔ ﻭﺍﻟﺣﺎﺭﺕ، ﻣﻧﺎﺩﻳﺎ ﺑﺻﻭﺕ ﻣﺭﺗﻔﻊ "ﻣﺻﻠﺢ ﺑﺎﺑﻭﺭ ﺍﻟﻛﺎﺯ"، ﻓﻳﺧﺭﺝ ﺇﻟﻳﻪ ﻣﻥ ﻫﻭ ﺑﺣﺎﺟﺔ ﻟﺻﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﺑﺎﺑﻭﺭ ﺍﻟﺧﺎﺹ ﺑﻪ ﻭﻳﺗﻔﻖ ﻣﻌﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺟﺭ ﺣﺳﺏ ﺍﻟﺣاﻟﺔ.

 

ﺍﻟﻛﻧﺩﺭﺟﻲ

ﺃﻳﺿﺎً ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﻛﻝ ﺣﻲ ﻣﺣﻝ ﻟﻠﻛﻧﺩﺭﺟﻲ، ﺍﻟﺫﻱ يصنع الأحذية ﻣﻥ ﺍﻟﺟﻠﺩ ﺍﻷﺻﻠﻲ، كما كان ﻳﻘﻭﻡ ﺑﺻﻳﺎﻧﺗﻬﺎ ﻣﻥ ﺗﺭﻛﻳﺏ ﻧﺻﻑ ﻧﻌﻝ ﻋﻧﺩ ﺍﻫﺗﺭﺍء ﺍﻟﻧﻌﻝ، أﻭ ﺗﺭﻛﻳﺏ ﻛﻌﺏ ﻟﻠﺣﺫﺍء ﻋﻧﺩ ﺗﻠﻑ ﺍﻟﻛﻌﺏ، ﻭﻳﻌﻣﻝ ﻷﻫﻝ ﺍﻟﺣﻲ ﺑﺎﻟﺗﻘﺳﻳﻁ ﺍﻟﻣﺭﻳﺢ ﻟﻣﻥ ﻳﻔﺻﻝ أﻛﺛﺭ ﻣﻥ ﺣﺫﺍء ﻟﻪ ﻭﻷﺑﻧﺎﺋﻪ.

 

القزاز

انقرضت من دمشق، ولكنها ﻣﻭﺟﻭﺩﺓ ﻋﻠﻰ ﻧﻁﺎﻕ ﻣﺣﺎﻓﻅﺔ ﻁﺭﻁﻭﺱ ﺣﺎﻟﻳﺎً. وﻛﺎﻥ ﺳﻛﺎﻥ ﺣﻲ ﻛﺎﻣﻝ ﺑﺷﺎﺭﻉ ﺑﻐﺩﺍﺩ ﺑﺩﻣﺷﻖ ﺍﺳﻣﻪ لغاية اﻠﻳﻭﻡ ﺣﻲ ﺍﻟﻘﺯﺍﺯﻳﻥ، ﻳﻌﻣﻠﻭﻥ ﺑﺎﺳﺗﺧﺭﺍﺝ ﺍﻟﺷﺭﺍﻧﻖ ﻣﻥ ﺩﻭﺩﺓ ﺍﻟﻘﺯ ﻟﺻﻧﺎﻋﺔ ﺧﻳﻭﻁ ﺍﻟﺣﺭﻳﺭ، ﻣﻥ ﺑﺳﺎﺗﻳﻥ ﺷﺎﺭﻉ ﻣﺭﺷﺩ ﺧﺎﻁﺭ ﺣﺎﻟﻳﺎً، أﻭ ﻣﻛﺎﻥ ﺣﻲ ﺍﻟﻌﺩﻭﻱ ﺑﺩﻣﺷﻖ.

 

ﺍﻟﺳﻳّﻭﻑ

كانت ﻣﻥ أﻫﻡ ﺍﻟﻣﻬﻥ ﺍﻟمنتشرة ﻓﻲ ﺳﻭﻕ ﺍﻟﺳﻼﺡ ﻗﺭﺏ ﺍﻟﺑﺯﻭﺭﻳﺔ ﺗﻌﻧﻰ ﺑﺻﻧﺎﻋﺔ ﺍﻟﺳﻳﻑ ﺍﻟﺩﻣﺷﻘﻲ، الذي ﻁﺎﺭﺕ ﺷﻬﺭﺗﻪ للآﻓﺎﻕ، ﻭﻋﺟﺯﺕ ﺩﻭﻝ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﻋﻥ ﻣﻌﺭﻓﺔ ﺗﺭﻛﻳﺑﺗﻪ، حيث ﻛﺎﻥ ﺁﻝ ﺍﻟﺳﻳﻭﻓﻲ ﻓﻲ ﺩﻣﺷﻖ ﺃﺑﻘﻭﻫﺎ ﺳﺭﺍً، ﻭﻟﻡ ﺗﻌﺭﻑ ﺣﺗﻰ ﺃﻭﺍﺧﺭ ﺍﻟﻘﺭﻥ ﺍﻟﻌﺷﺭﻳﻥ. 

 

ﺻﻧﺎﻋﺔ ﻗﺭﺏ ﺍﻟﺟﻠﺩ

ﻛﺎﻥ ﻫﻧﺎﻙ ﻣﻥ ﻳﺻﻧﻊ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻘﺭﺏ ﻭﻳﺑﻳﻌﻬﺎ ﻟﻘﻭﺍﻓﻝ ﺍﻟﺟٍﻣﺎﻝ ﺍﻟﺗﻲ ﺧﺻﺻﺕ ﻟﻠﺳﻔﺭ ﺍﻟﻁﻭﻳﻝ ﻟﺗﺧﺯﻳﻥ ﺍﻟﻣﻳﺎﻩ ﻭﻧﻘﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻅﻬﻭﺭ ﺍﻟﺩﻭﺍﺏ، ﻟﺳﺩ اﺣﺗﻳﺎﺟﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﻓﻠﺔ في ﺣﺎﻝ ﻓﻘﺩﻭﺍ ﺃﻣﺎﻛﻥ ﺍﻵﺑﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻁﺭﻳﻖ.

 

ﺍﻟﻣﻛﺎﺭﻱ 

ﻫﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻋﻣﻠﻪ ﺗﺄﺟﻳﺭ ﺍﻟﺣﻣﻳﺭ ﻭﺍﻟﺧﻳﻝ ﻟﻧﻘﻝ ﺍﻟﺭﻛﺎﺏ ﺩﺍﺧﻝ ﺍﻟﻣﺩﻳﻧﺔ، ﻓﻛﺎﻥ ﻳﻣﺗﻠﻙ ﻋﺩﺩا ﻣﻥ ﺍﻟﺣﻣﻳﺭ ﻭﺭﺅﻭﺱ ﺍﻟﺧﻳﻝ، ﻭﻳﺅﺟﺭﻫﺎ ﻟﻣﻥ ﻳﺭﻏﺏ، ﻋﻼﻭﺓ ﻋﻠﻰ أﻥ ﺍﻟﻣﻛﺎﺭﻱ ﻛﺎﻥ ﻳﺳﺎﻓﺭ ﻣﻊ ﺍﻟﻘﺎﻓﻠﺔ، ﻭﻫﻭ ﻣﺳﺅﻭﻝ ﻋﻥ ﺍﻟﺟﻣﻳﻊ، ﻭﻳﻌﺭﻑ ﺍﻟﻁﺭﻳﻖ ﻭﺃﻣﺎﻛﻥ ﺍﻟﻣﻳﺎﻩ ﻭﺍلاﺳﺗﺭﺍﺣﺎﺕ، ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺟﻣﻳﻊ ﺍلاﻧﺻﻳﺎﻉ ﻷﻭﺍﻣﺭﻩ. 

مواضيع ذات صلة:

مارتن لوثر كينغ في خطابه الأشهر "لدي حلم"، أمام جماهير غفيرة من الأميركيين في العاصمة واشنطن- تعبيرية
مارتن لوثر كينغ في خطابه الأشهر "لدي حلم"، أمام جماهير غفيرة من الأميركيين في العاصمة واشنطن- تعبيرية

"إذا كان بينكم من امتلك عبداً خلال حياته، فليرفع يده رجاءً"، بهذه الكلمات يبدأ الناشط والمحامي الأميركي المتخصص بقضايا العنصرية جيفري روبنسون محاضرته عن تاريخ العبودية والعنصرية في الولايات المتحدة في إحدى قاعات مسارح مدينة نيويورك.

ينتظر روبنسون لبرهة ليرى ما إذا كان أحد في الصالة سيرفع يده، ثم يكمل "ليس هناك يد واحدة ارتفعت في هذه القاعة. العبودية ليست خطأنا، لم نرتكبها، لم نتسبب بها. لسنا مسؤولين عن حدوثها، لكنها تاريخنا المشترك. وعندما نحاول أن نحوّر التاريخ أو أن نبالغ في شأنه، نكون في حالة إنكار لمن نحن عليه حقاً، ونعيق إمكانياتنا لتخطي الموضوع والسير قدماً كمجتمع وكأمّة".

قامت شبكة "نيتفلكس" بتحويل محاضرة روبنسون إلى فيلم وثائقي بعنوان "من نحن؟"، يبحث في جذور العنصرية الأميركية، ويضيء على جوانب مظلمة من تاريخ العبودية في الولايات المتحدة.

في الثاني من ديسمبر من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي لإلغاء الرقّ، الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة اتفاقية الأمم المتحدة لقمع الاتجار بالأشخاص واستغلال بغاء الغير في عام 1949.

بحسب الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة، فإن "الرق تطوّر وتجلى بأساليب مختلفة عبر التاريخ. وفي وقتنا هذا، ما زالت بعض أشكال الرق التقليدية القديمة قائمة على نحو ما كانت عليه في الماضي، وتحول بعض منها إلى أشكال جديدة".

وتوثق التقارير الصادرة عن هيئات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية "استمرار وجود الأشكال القديمة من الرق المجسدة في المعتقدات والأعراف التقليدية".

ونتجت هذه الأشكال من الرق، بحسب الأمم المتحدة، عن "التمييز القائم منذ عهد طويل ضد أكثر الفئات استضعافا في المجتمعات مثل: أولئك الذين ينظر إليهم على أنهم من طبقة اجتماعية دنيا، والأقليات القبلية والسكان الأصليين".

 

العبودية في أميركا

قطعت الولايات المتحدة أشواطاً طويلة في الانتقال من العبودية إلى الحرية والديمقراطية، ولا يزال الكفاح مستمراً في البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1865، حيث كانت العبودية أحد أسباب اندلاعها، وإعلان سبع ولايات انفصالها مشكّلة الولايات الكونفدرالية، ثم انضمام أربع ولايات أخرى إليها بعد وصول أبراهام لينكولن إلى رئاسة البلاد ليتضمن برنامجه بند إلغاء العبودية، الأمر الذي رفضته الولايات الانفصالية.

وتعود جذور العبودية في أميركا إلى سنة 1619، حينما رست سفينة هولندية على متنها عشرين شخصاً جُلبوا من أفريقيا خلافاً لإرادتهم، إلى المستعمرات البريطانية في ولاية فرجينيا كعبيد.

وفي سنة 1636، جرى إطلاق أول سفينة عبودية أميركية تحت اسم "الرغبة The Desire"، تلاها إنشاء ثلاث سفن أخرى مخصصة لجلب العبيد من أفريقيا حملت أسماء "الثورة"، و"الأمل"، و"الازدهار".

هذه الأسماء، بحسب جيفري روبنسون، تشير إلى "الطريقة التي كان ينظر فيها التفوق العرقي الأبيض إلى العبودية في تلك الفترة".

ويشرح في محاضرته كيف أن العبودية كانت حاضرة في جميع أدبيات ذلك الزمن، وكانت مشرّعة عبر القوانين التي تُسنّ لإدارة العبودية وتعزيزها. وللدلالة على مدى انتشار العبودية بشكل "عادي" في تلك الفترة، فإن ثمانية من أصل أول 12 رئيساً للولايات المتحدة، كانوا مالكين لعبيد.

في سنة 1662، سنّت ولاية فرجينيا قانوناً يعتبر أبناء الأمهات المستعبدات، عبيداً أيضاً. وهدف القانون، بحسب روبنسون "تفادي أن يقوم الأطفال الذين يولدون نتيجة اغتصاب الأسياد البيض للنساء المستعبدات الأفارقة بالمطالبة بالنسب. حتى لو ولدوا بعيون زرقاء أو نمش، هذا لا يجعل منهم بشراً أحراراً بحسب ذلك القانون، بل يولدون عبيداً ويبقون عبيداً".

فرجينيا أقرت بعد ذلك قانوناً آخر يمنع العبيد من أن يصيروا أحراراً عبر اعتناق المسيحية، ويعتبر القانون أن المسيحية بمثابة "هبة من المالك إلى العبد، ولا تغيّر في طبيعة العلاقة بينهما". في 1669، أصدرت الولاية قانوناً آخر، يجيز قتل الشخص المستعبد إذا حاول مقاومة سيّده.

وفي عام 1739 اندلعت ثورة قادها "العبيد" في مدينة ستونو بولاية ساوث كارولاينا، وكانت عنيفة لدرجة أن بعض البيض قطعت رؤوسهم، بحسب روبنسون. وبعد هذه الثورة أصدرت الولاية مجموعة قوانين لـ"ضبط العبيد ومنعهم من التمرّد"، تنصّ على "ضرورة أن يبقى العبد مقيّداً وخاضعاً".

في تلك الفترة التي امتدت من عام 1619 حتى تمرير الكونغرس في 31 يناير 1865، التعديل الدستوري الثالث عشر الذي نصّ أنه "لا يسمح بالرق والتشغيل القسري إلا في حال كان بحكم قضائي، في الولايات المتحدة وفي أي مكان خاضع لسلطتها"، كانت ممارسة العبودية جزءاً من تركيبة المجتمع الأميركي، وكان العبيد جزءا من آلية الإنتاج الزراعي والصناعي، يعملون في إنتاج القطن والتبغ والحبوب، وكان هناك أسواق لبيع وشراء العبيد، كما أن شركات التأمين تبيع بوالص لتأمين حياة العبيد في حال وفاتهم، يحصل المالك بموجبها على مال التأمين.

وكانت المصارف أيضاً تقدم قروضاً لشراء العبيد بالتقسيط. وتقام أسواق العبودية في المدن الرئيسية داخل الولايات. في ولاية ساوث كارولاينا مثلاً، لا يزال متحف سوق العبودية القديم في شارلستون شاهداً على تلك الحقبة.

يقول المدير التنفيذي للمتحف ايستا كلارك خلال مقابلة ضمن الفيلم الوثائقي "من نحن؟"، إن "السوق كان يفتح لستة أيام في الأسبوع، يباع فيه عبيد من أعمار حديثي الولادة حتى سبعين سنة".

ويوضح أن العبيد لم يكونوا يمتلكون أسماء عائلات، بل يعرفون فقط بأسمائهم الأولى، وهذه الأسماء تتغير مع تغير المالك. وفي المتحف نماذج عن أصفاد معدنية كانت تستخدم لتكبيل المستعبدين بالسلاسل، بعضها صمّم ليلائم أطفالاً في عمر ثلاث أو أربع سنوات.

 

"إعلان تحرير العبيد"

بعد فترة قصيرة من تنصيب لينكولن في 1861 اندلعت الحرب الأهلية، وانضمت أربع ولايات جنوبية أخرى إلى الكونفدرالية، فيما استمرت أربع ولايات مؤيدة للعبودية شمال الجنوب الأميركي في الاتحاد.

استجاب لينكولن إلى دعوات مناهضي الرق لتحرير جميع العبيد الأميركيين بعد انطلاق الحرب الأهلية. وفي ظل استمرار الحرب، بدأت الحكومة التي سيطر عليها الجمهوريون آنذاك، تدرك المزايا الإستراتيجية لتحرير الرق المتمثلة في إضعاف الكونفدرالية من خلال تجريدها من جزء مهم من العمالة التي تعتمد عليها.

وبانسحاب 11 ولاية من الاتحاد، تقلص عدد المشرعين المؤيدين للعبودية في الكونغرس. في عام 1862 ألغى الكونغرس القوانين الخاصة بمعاقبة العبيد الفارين، وجرم العبودية في المناطق التابعة للولايات المتحدة والواقعة خارج حدودها الجغرافية، وسمح للينكولن بتجنيد العبيد المحررين في الجيش.

في الأول من يناير 1863، أصدر لينكولن إعلانا بإلغاء الرق، ودعا الجيش إلى تحرير جميع العبيد في الولايات التي لا تزال متمردة وأعلن أن أولئك العبيد الذين قدر عددهم بثلاثة ملايين أصبحوا أحرارا "الآن ومستقبلا وإلى الأبد".

بذلك نجح لينكولن في تحويل الحرب الأهلية من حرب ضد انفصال ولايات عن البلاد إلى "حرب من أجل ولادة جديدة للحرية"، مثلما قال في خطاب "غيتسبيرغ" عام 1863.

أشكال أخرى للعبودية

لم تنته العبودية بشكل حاسم وكامل بعد ذلك التاريخ، إذ استمرت في مراحل مختلفة لاحقاً، كما حصل جرّاء ما عُرف بـ"قوانين جيم كرو"، التي كرّست ممارسات عنصرية في الولايات الجنوبية خصوصاً، تمنع الاختلاط بين البيض والسود، في فصل عنصري صريح وصل حدّ منع السود من ارتياد الحانات التي يرتادها البيض أو الشرب من الماء الذي يشربونه.

ومارست هذه القوانين أبشع أنواع التهميش والإقصاء بحق الأميركيين الأفارقة واستمرت منذ 1876 وبقيت سارية في بعض الولايات حتى ستينيات القرن الماضي.

في عام 1965 كان إقرار قانون الحق في التصويت، بتوقيع من الرئيس الأميركي ليندون جونسون، نهاية مرحلة طويلة من إقصاء الأميركيين الأفارقة من حق التصويت خصوصاً في الولايات الجنوبية، ووضع قيوداً وعقوبات على الولايات التي تحاول تغيير قوانين حقوق التصويت.

إقرار هذا القانون كان نتاج نضالات طويلة خاضها السود وعلى رأسهم في تلك الحقبة الناشط السياسي مارتن لوثر كينغ، الذي ألقى عام 1963 خطابه الشهير "لدي حلم".

وبالفعل تحقق بعض من حلم كينغ مع إقرار قانون حق التصويت، لكنه ما لبث أن اغتيل في الرابع من أبريلن 1968 على يد أحد المتعصبين البيض.

كان لقانون حق التصويت الأثر الأبرز في زيادة تمثيل الأميركيين الأفارقة في مجلسيّ الشيوخ والنواب وفي إدارات الدولة ووزاراتها، وشهدت أميركا في الانتخابات الرئاسية لعام 2008 حدثاً تاريخياً تمثّل في انتخاب باراك أوباما، كأول رئيس أميركي أسود يصل إلى البيت الأبيض واستمر في المنصب لولايتين.

ولا تزال الولايات المتحدة تحرص من خلال قوانينها ومؤسساتها ومجتمعها المدني على محاربة العنصرية، التي يرى كثير من الأميركيين السود أنها لا تزال تُمارَس ضدهم، وتتمظهر خصوصاً في ممارسات الشرطة بحق السود، أبرزها ما حدث مع جورج فلويد، الذي حرّك مقتله على يد شرطي أبيض احتجاجات ضخمة في مختلف الولايات، فصارت قضيته قضية رأي عام، وحكمت المحكمة على قاتله الذي اعترف بجريمته بـ22 سنة ونصف في سجن مينيسوتا.

وفي عام 2014 أثيرت في أميركا قضية التعويضات والديون المالية المترتبة على الخزانة الأميركية لتغطية 250 عاماً من العبودية التي عانى منها السود، حيث يعتبر المطالبون بتسوية مالية لـ"أحفاد العبيد" أنها يمكن ان تعالج ما يعتبرونه "عدم المساواة العرقية" التي لا تزال حاضرة حتى اليوم في أميركا.