لوح طيني يشكّل جزءاً من ملحمة جلجامش استعاده العراق من الولايات المتحدة الأميركية في العام 2021 بعد ان فقد من متحف عراقي- أرشيفية
لوح طيني يشكّل جزءاً من ملحمة جلجامش استعاده العراق من الولايات المتحدة الأميركية في العام 2021 بعد ان فقد من متحف عراقي- أرشيفية

عرفت بلاد الرافدين حضارة عريقة قوية منذ آلاف السنين. تمكن العراقيون القدماء خلالها من تدوين أفكارهم وقصصهم ومعتقداتهم عبر اختراعهم الكتابة في الألف الرابع قبل الميلاد.

وكانت ملحمة جلجامش أحد أهم النصوص الأدبية التي وصلتنا من تلك الفترة التاريخية الموغلة في القدم. من هو جلجامش؟ وما هي قصته؟  وكيف أثرت ملحمته الخالدة في الوجدان الإنساني الجمعي؟

 

السومريون والكتابة

 

يذكر الباحثون أن السومريين عاشوا في الجزء الجنوبي من بلاد ما بين النهرين بدءاً من منتصف الألف الخامس قبل الميلاد.

بنى السومريون العديد من المدن المتطورة في المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات في جنوب العراق، من أشهر تلك المدن كل من كيش، وأوروك، وأور، ولجش، وإيسن.

في تلك المدن ظهرت الإرهاصات الأولى لعلوم الحساب والطب والفلك والهندسة والري. وتطورت التقنيات المرتبطة بمهن الزراعة والتجارة والصناعة، كما بُنيت المعابد والقصور والأسواق والمنازل. وكذلك، وضع السومريون نظاماً سياسياً للحكم والإدارة. 

ظهرت الكتابة السومرية في بلاد سومر في فترة موغلة في القدم. يحددها الباحثون بسنة 3200 قبل الميلاد على وجه التقريب. عُرفت تلك الكتابة باسم الكتابة المسمارية لأنها كانت تُكتب على ألواح من الطين أو الشمع أو الحجر بأدوات حادة، وكانت رسومها تشبه المسامير ولذلك عُرفت بهذا الاسم.

بدأ العراقيون القدماء في استخدام الكتابة المسمارية بشكل مبسط للتعبير عن بعض الأمور الحياتية السهلة والمباشرة. ولكن بعد فترة، تطورت تلك الكتابة لتصبح أكثر تعقيداً وتركيباً. ومن خلالها، دوّن أهل العراق نصوصهم المقدسة وقوانينهم المهمة.

يقول المؤرخ الأميركي ويل ديورانت في كتابه قصة الحضارة: "يغلب على الظن أن الانتقال من الكتابة إلى الأدب تطلب عدة مئات من السنين. فقد ظلت الكتابة قروناً عدة أداة تستخدم في الأعمال التجارية لكتابة العقود والصكوك، وقوائم البضائع التي تنقلها السفن، والإيصالات ونحوها؛ ولعلها كانت بالإضافة إلى هذا أداة لتسجيل الشؤون الدينية، ومحاولة للاحتفاظ بالطلاسم السحرية، والإجراءات المتبعة في الاحتفالات والمراسم، وبالأقاصيص المقدسة، والصلوات والتراتيل، حتى لا تبيد أو يدخل عليها المسخ والتغيير...". في هذا السياق التاريخي، تم تدوين ملحمة جلجامش.

 

قصة الملحمة

 

تبدأ الملحمة بالحديث عن جلجامش، بطل مدينة أوروك العظيم، فتصفه بأنه "هو الذي اشتركت الآلهة في صنع صورته؛ فأضفى عليه الجمال شمش السماوي ، وحباه أدد البطولة. على أروع صورة خلق الآلهة العظام جلجامش: بلغ طول قامته أحد عشر ذراعاً، وعرض صدره تسعة أشبار. ثلثاه إلهي، والثلث (الباقي) بشري! وهيئة جسمه شامخة"، كما يقول نص الملحمة.

رغم ذلك المديح، تذكر الملحمة أن جلجامش اغتر بقوته، وصار جباراً يظلم أهل مدينته فهو "لا يترك الابن لأبيه. يقهر الشعب بالليل وفي وضح النهار. إن جلجامش لا يترك العذراء لحبيبها، ولا ابنة البطل، ولا زوجة المحارب".

لوح جلجامش.. لغز الاختفاء والعودة

ظل مفقودا لأكثر من 30 سنة.. سُرق من العراق وبيع في أوروبا وأميركا، قبل أن يقع في يد السلطات الأميركية. القصة الكاملة للوح جلجامش وكيف استعاده العراق في هذا الوثائقي من إنتاج ارفع صوتك.

Posted by ‎Irfaa Sawtak - ارفع صوتك‎ on Wednesday, September 29, 2021

بسبب تلك المظالم، رفع سكان أوروك شكواهم إلى الآلهة، فانعقد المجمع الإلهي وأُصدرت الأوامر إلى الإلهة آرورو بأن تخلق بطلاً يكون قادراً على هزيمة جلجامش، "فغسلت آرورو يديها. وأخذت قبضة من الطين ورمتها في البرية. وخلقت أنكيدو الجبار، بطلاً وربيب سكون الليل".

لما عرف جلجامش بأمر أنكيدو الذي يصاحب الحيوانات ويعيش بجوار أحد الأنهار، أمر أحد الصيادين أن يذهب إليه ويحتال عليه، وقال له: "اذهب يا صياد، وخذ معك بغيٍّا. فإذا ما اقترب الوحش البري -يقصد أنكيدو- فاجعلها تخلع ثوبها، وتكشف عن فتنتها، وما إن يقع عليها بصره، حتى يقترب منها، لكن حيواناته ستنكره، وهي التي تربت معه في البرية".

نجحت الخطة، واستسلم أنكيدو لروح المدنية التي حملتها له المرأة فاستسلم لها. ووافق أن يذهب معها إلى الوركاء ليقابل جلجامش. ولما وصل أنكيدو إلى الوركاء دخل في معركة عظيمة ضد جلجامش. وفي النهاية "قبَّلا بعضهما وعقدا أواصر الصداقة بينهما".

تحكي القصة بعد ذلك أن جلجامش طلب من صديقه الجديد أن يساعده في قتل الوحش العظيم خمبابا، حارس غابات الأرز. وتسهب الملحمة في وصف استعداد البطلين لتلك المهمة الصعبة. وكيف أنهما صنعا أسلحة جديدة لهما، وخاضا رحلة طويلة في الغابات حتى وصلا إلى الوحش وتمكنا من قتله. ثم عادا مرة أخرى إلى أوروك وحظيا بالتهنئة والإشادة من جميع من فيها من السكان.

هنا، تتدخل الإلهة عشتار للمرة الأولى في الأحداث. تعجب كثيراً بجلجامش وتطلب منه أن يكون زوجاً لها، فتقول له: "تعال يا جلجامش! كن زوجي! امنحني فيض قوتك! فتكون زوجي، وأكون زوجتك. سآمر لك بعربة من الذهب واللازورد، عجلاتها من ذهب، وقرونها من نحاس أصفر".

رفض جلجامش عرض عشتار، وذكّرها بعشاقها السابقين الذين خدعتهم وقضت عليهم واحداً بعد آخر. "لم تكد عشتار تسمع هذا الكلام، حتى تملَّكها الغضب وصعدت إلى السماء، مثلت في حضرة أبيها آنو، وجرت دموعها أمام أمها آنتوم، وقالت: أبتاه! لقد سبّني جلجامش وأهانني، ألحق بي إهاناته واحدة بعد الأخرى".

طلبت عشتار من أبيها أن يعطيها ثور السماء العظيم ليقتل جلجامش. ولما وافق أخذت الثور وأنزلته للوركاء فعاث فيها فساداً وقتل الكثير من أهلها. ولكن جلجامش وأنكيدو تصديا له ونجحا في قتله.

هنا، تذكر الملحمة أن الآلهة اجتمعت وقررت أن تعاقب البطلين. وفي نهاية الاجتماع أُصدر الأمر بموت أنكيدو، ليعيش جلجامش بعدها في حزن عظيم "وبعد أن غطى وجه الصديق كما يُغطى وجه العروس، أخذ يحوم حوله كالنسر، كلبؤة اختُطف منها أشبالها. وطفق يذهب ويجيء أمام فراشه، وينتف شعره المسترسل ويرمي به على الأرض، ويمزق ثيابه ويُلقي بها كأنها شيء بخس لا يلمس"

قرر جلجامش بعد وفاة صاحبه أن يعتزل الحياة. وبدأ البحث عن أوتنابشتيم الذي وهبته الآلهة سر الخلود بعد الطوفان، ليعرف منه كيف يتغلب على الموت. بعد رحلة طويلة يعثر جلجامش على البشري الخالد ويطلب منه سر الخلود، فيقول له أوتنابشتيم الحكيم: "الموت القاسي لا يرحم. هل نبني بيتاً لا يفنى؟ هل نختم عقداً لا يبلى؟ هل يقتسم الإخوة ميراثاً يبقى؟ أيعم الأرض إلى الأبد الحقد، وتدوم مياه الفيضان إذا امتلأ النهر، فيبقى المد ويطغى؟".

أمام إلحاح جلجامش كشف له أوتنابشتيم عن سر الخلود. وكشف له عن وجود نبات في قاع النهر، وأن من أكل منه يظل حياً ولا يقرب منه الموت. نزل عندها جلجامش إلى النهر وقطف من ذلك النبات الذي يشبه الورد. وخرج مسروراً بما يحمله، وقال: "سأحملها معي إلى أوروك، وأعطيها للناس ليأكلوا منها، وبذلك أجربها… ولسوف آكل منها ليرجع إلي شبابي".

لم تسر خطة جلجامش كما أراد. نزل ذات يوم أثناء رحلة العودة إلى النهر ليستحم. فأتى الثعبان وأكل النبتة. ولما عرف جلجامش بما وقع جلس يبكي على الشاطئ وقد عرف أن سر الخلود ضاع منه إلى الأبد، فقال مختتماً أحداث تلك الملحمة: "لمن كل ذراعي؟ ولمن قد نزف القلب دماه؟ لم أجن لنفسي خيراً. بل قدمت الخير لأسد الترب-يقصد الثعبان".

 

كيف أثرت ملحمة جلجامش في الوجدان الإنساني؟

 

يعتقد الكثير من المؤرخين أن جلجامش كان شخصية حقيقية، وأنه كان ملكاً لدولة الوركاء السومرية، وأنه قد تم تأليهه بعد فترة من وفاته عندما أختاره العراقيون القدماء ليصبح بطلاً أسطورياً تجتمع فيه صفات البشر والآلهة في آن واحد.

على الأرجح، دونت القصص الأولى عن جلجامش في الألف الثاني قبل الميلاد، وبالتزامن مع حلول العصر البابلي القديم في الألف الثاني قبل الميلاد تم تجميع القصص المتناثرة حول جلجامش لتصبح ملحمة واحدة طويلة.

في منتصف القرن التاسع عشر، اُكتشفت معظم مواد ملحمة جلجامش ضمن خرائب مكتبة معبد الإله نابو، وفي مكتبة قصر الملك الآشوري آشور بانيبال في مدينة نينوى. كما عُثر على العديد من الشظايا والألواح التي دونت عليها بعض أجزاء تلك الملحمة في مناطق مختلفة من بلاد الرافدين.

قدم عالم الآثار البريطاني جورج سميث أول ترجمة لنصوص تلك الملحمة في سبعينات القرن التاسع عشر. وفي سنة 1891م، قام ألفريد جيرمواس بترجمتها إلى اللغة الألمانية. وتتابعت بعد ذلك الترجمات بجميع اللغات. ومن أبرزها الترجمة العربية التي نشرها عالم الآثار العراقي طه باقر في سنة 1962م.

يتفق الباحثون على التأثير العميق الذي تركته ملحمة جلجامش في الوجدان الإنساني الجمعي. على سبيل المثال يذكر عالم اللغويات الأميركي باري بي باول في كتابه "هوميروس" أن تلك الملحمة انتشرت في آسيا الصغرى في العصور القديمة. وانتقلت أفكارها ومضامينها إلى بلاد اليونان، فأسهمت في صياغة وتشكيل الأدب اليوناني القديم.

من جهة أخرى، يربط بعض الباحثين بين قصة الطوفان السومري الواردة في ملحمة جلجامش، وقصة الطوفان الواردة في سفر التكوين في النصوص التوراتية. يذكر الباحث المصري سيد القمني في كتابه "قصة الخلق: منابع سفر التكوين" أن الملحمة العراقية كانت أحد المصادر الرئيسة التي اعتمد عليها العبرانيون عند تدوين أسفارهم المقدسة.

بشكل عام، يمكن القول إن ملحمة جلجامش حافظت لنفسها على مكانة سامية بين جميع الآثار الأدبية التي نُقلت لنا من العصور القديمة. حاول طه باقر أن يوضح ذلك في مقدمة ترجمته للملحمة، فقال: "لعلني لا أبالغ إذا قلت إنه لو لم يأتنا من حضارة وادي الرافدين من منجزاتها وعلومها ومتونها شيء سوى هذه الملحمة لكانت جديرة أن تتبوأ تلك الحضارة مكانة سامية بين الحضارات العالمية القديمة".

مواضيع ذات صلة:

صورة أرشيفية ملتقطة من فيديو مسجل لنشرة أخبار قدمها غازي فيصل أثناء عمله داخل العراق
صورة أرشيفية ملتقطة من فيديو مسجل لنشرة أخبار قدمها غازي فيصل أثناء عمله داخل العراق

في العاشر من ديسمبر الجاري، تحلّ ذكرى وفاة "شيخ المذيعين العراقيين" غازي فيصل، الذي يُعتبر من أبرز الوجوه في تاريخ الإعلام العراقي. عمل نحو ٤٠ عاماً في تقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية.

عاش فيصل سنواته الأخيرة في مصر، البلد الذي توفي فيه أيضاً إثر سكتة قلبية، وأعيدت جثمانه ليُدفن في مقبرة وادي السلام بمحافظة النجف العراقية. تعتبر هذه المقبرة أكبر مقبرة في العالم.

 

حفيد الثوار

 

غازي فيصل هو حفيد شخيّر الهيمص، أحد قادة "ثورة العشرين" (1920) ضد الاحتلال البريطاني. اعتاد جده استضافة اجتماعات الثوار في منزله. قبض عليه الإنجليز وأودعوه في سجن الحلّة العسكري برفقة عددٍ كبير من رموز الثورة، وهي واقعة خلّدها الشاعر السيد هبة الدين الشهرستاني في قصيدة ذكر فيها أسماء قادة الثورة من ضمنهم "شخير من آل البوسلطان/ ثم الفتى أمين أبو نعمان".

حُكم على الهيمص بالإعدام سنة 1922، فنعته جريدة الوقائع العراقية الرسمية، ثم بعث الملك فيصل عزاءً إلى أخيه الشيخ عبود الذي شارك بدوره في أحداث الثورة، وبعدها بـ20 عاماً قاد أبناء عشيرته لمقارعة الجيش البريطاني فور اندلاع "ثورة الكيلاني" (1941)، بحسب كتاب "ذكريات وخواطر: عن أحداث عراقية في الماضي القريب" لعبود الهيمص.

كثيراً ما عبّر غازي عن سعادته وفخره بجذوره الثورية، معتبراً أن إعدام جده "واحدة من اللحظات التي صنعت مجد أسرته"، كما قال في إحدى المقابلات. وأضاف "أفخر جداً أن جدي وإخوته شاركوا في هذه الثورة الكبرى التي كانت سبباً في أن ينال العراق حُكماً وطنياً".

 

مذيع النشرة الرسمية

 

حسبما روى في حوارٍ له، فإن موهبة فيصل الخطابية ظهرت مبكراً، حتى أن أستاذه في اللغة العربية تنبّأ له بأنه سيُصبح مذيعاً، وكان يشجّعه بِاستمرار على الانضمام إلى مهرجانات الخطابة خلال المرحلة الإعدادية، حيث حقّق المرتبة الأولى في أغلب المسابقات.

بعد اتمامه دراسته عام 1965، تقدّم فيصل بطلبٍ إلى هيئة إذاعة بغداد للعمل كمذيع، فخضع لاختبارٍ ترأسه أستاذ اللغة الشهير مصطفى جواد، الذي وافق على إلحاقه بفريق المذيعين. حينها كانت الإذاعة العراقية تعجُّ بعددٍ كبير من المذيعين الأكفاء، مثل سعاد الهرمزي ومحمد علي كريم وحافظ القباني وإبراهيم الزبيدي، وغيرهم.

في بداية رحلته الإذاعية عمل تحت إشراف المذيع الراحل سليم المعروف، ولم يُطلّ حينذاك إلا بنشراتٍ بسيطة يقول فيها عبارات موجزة، حتى وقع حدثٍاً طارئاً اعتذر بموجبه المذيع الرئيس عبداللطيف السعدون، فاضطر المعروف إلى تكليف فيصل بالأمر.

عقب نجاحه في أداء النشرة اعتمد في مهام أكثر صعوبة. عزا فيصل الفضل في رفع كفاءته إلى بيئة العمل داخل المؤسسة الإعلامية العراقية، التي لم تكتفِ فقط بإعداد "مذيعيين" بل "إذاعيين" شاملين، ليسوا قادرين فقط على قراءة الأخبار ولكن كتابتها وتحريرها وإعدادها وإخراجها إذاعياً، وفق تعبيره.

من "راديو بغداد"، انتقل فيصل إلى "تلفزيون العراق" عام 1966، وكان يترأّسه الإعلامي أنور السامرائي.

بدأ بقراءة نشرات الأخبار، ثم صار من الوجوه الإعلامية الناطقة بلسان نظام صدام حسين، خاصةً مع إطلالاته الشهيرة على التلفزيون الرسمي ليُلقي آخر أنباء العمليات القتالية مع إيران ثم مع الكويت لاحقاً.

في كتابه "شاي وخبز"، علّق الروائي العراقي خضير الزيدي على طريقة اختيار مذيعي التلفزيون العراقي خلال حقبة صدام حسين، قائلاً: "نشرة الأخبار الرئيسية تمرُّ عبر آلية معقدة للموافقة السياسية لتقديم ما يُوجب تقديمه من الزيارات (الميمونة)".

"ومذيع الأخبار تم اختياره وفق التوجه (الثوري المرعب) بشاربه الكث وصوته الجهوري وقسمات وجهه القاسية، إنه فصل من الرعب العراقي. من رشدي عبد الصاحب إلى غازي فيصل"، أضاف الزيدي.

لم يقتصر دور فيصل على إلقاء النشرات الإخبارية، فكثيراً ما كان يقوم بالسفر إلى الدول العربية لتغطية مؤتمرات القمة ونقل مراسم الحج وإجراء مقابلات مع بعض القادة مثلما فعل مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

كما شغل عدة مناصب إدارية رفيعة في هيئة التلفزيون وترأّس أقسامٍ شتى داخل التلفزيون والإذاعة، فعُيّن مديراً لإذاعة بغداد وإذاعة "صوت الجماهير" ثم مديراً للإذاعات الدولية.

 

مغادرة العراق

 

فور سقوط نظام صدام حسين، اقتحم عدد من المحتجين مبنى الإذاعة وأحرقوا بعضاً من أرشيفها بما حوته من تاريخ شخصي لغازي فيصل، لذا اعتبرها واحدةً من اللحظات المؤلمة في حياته.

في عام 2006 قرّر فيصل الرحيل عن العراق بسبب تردّي الأوضاع الأمنية (بداية الحرب الطائفية) مغادراً صوب مصر. 

ورغم الغياب، استمر تواجده على الساحة الإعلامية العراقية. يقول إحسان السامرائي في كتابه "الفضائيات الإخبارية: دورها في توجيه الرأي العام سياسياً"، إنه التقى بفيصل عام 2013 حين كان يعمل مديراً لبرامج قناة "البغدادية"، التي بدأ بثّها في سبتمبر 2005 بتمويلٍ من رجل الأعمال العراقي عون حسين الخشلوك.

وكشف فيصل للسامرائي، أن القناة يعمل بها قرابة 450 فرداً، يتوزعون في مكاتب "البغدادية" المنتشرة داخل بريطانيا ومصر والأردن وسوريا والعراق وعددٍ من الدول الإسكندنافية.

بعد انتهاء تجربته في هذه القناة لم يلتحق بمؤسسة إعلامية أخرى، لكنه لم يبتعد كثيراً عن العراق وأخباره بعدما ظهر عدة مرات كمُحللٍ في محطات تلفزيونية مصرية للتعليق على أحداث خاصة بالشأن العراقي، أو في محطات عراقية يعبّر فيها عن مدى اشتياقه إلى أرض الوطن.

قال  فيصل في إحدى هذه اللقاءات "أنا بغداد، فهي تسري في دمي وشراييني ولا يمكن إلا أن تعيش معي".

في 10 ديسمبر 2021، تعرّض فيصل لسكتة قلبية، نقل على إثرها  لإحدى مستشفيات القاهرة، وتوفي هناك، عن عُمر 76 عاماً.

نُقل جثمان فيصل إلى بغداد ليُدفن في ترابها حسب وصيته، ليحظى في بلده بجنازة مؤثرة شهدت حضوراً بارزاً رُفعت فيه لافتات قالت "وداعاً أبا علي.. شيخ المذيعين".