"الكوفية" باللونين الأسود والأحمر
"الكوفية" باللونين الأسود والأحمر

في الموقع الرسمي لمصنع "حرباوي" المتخصص بإنتاج "الكوفية الفلسطينية الأصلية" كما يسميها، و"الوحيد في فلسطين لإنتاج الكوفيات"، يمكن ملاحظة رسم كبير يتصدّر صفحة التعريف، يصوّر ليلى خالد، المقاتلة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والمعروفة بأنها أول امرأة تخطف طائرة في أغسطس 1969، وهي ترتدي كوفية بيضاء مخططة بالأسود.

يسوّق المشروع التجاري الذي أسسه ياسر حرباوي في عام 1961 (توفي في عام 2018 ويدير أولاده المصنع)، لنفسه عبر دعم من جمعية ألمانية بعد معاناته الطويلة نتيجة انخفاض الطلب على الكوفيات في السنوات السابقة، والمنافسة التي يشهدها من مصانع أخرى حول العالم.

تساعد الجمعية عبر إدارة الموقع والتسويق للكوفيات لبيعها عبر الإنترنت، لكن يبدو أن سوق الكوفية انتعش مؤخراً بعد حرب غزة، إذ يعلن الموقع الخاص بالمصنع: "نظراً إلى زيادة الطلب وضعف القدرة على الإنتاج، فإننا نستقبل طلبات مسبقة الحجز لتأمين الكوفيات في الشحنات المقبلة".

يعود ربط الكوفية بالقضية الفلسطينية إلى عام 1936، أثناء مقاومة الإنتداب الإنجليزي، حيث تلثّم الفلاّحون الثوّار بها لإخفاء ملامحهم لتفادي اعتقالهم أو الوشاية بهم، بحسب ما تشرح سميرة درّاس من مركز التراث الفلسطيني ومقرّه الأردن.

تقول درّاس لـ"ارفع صوتك" إن "اعتماد الكوفية لم يقتصر آنذاك على أبناء القرى، بل انسحب إلى المدن بالتنسيق مع قيادات الثورة، ولبسها معظم الفلسطينيين بعدما بدأ الإنجليز حملة لاعتقال كل من يلبسها، لذا عُمم لبسها لإرباك الجيش الإنجليزي ومنعه من الوصول إلى الفدائيين واعتقالهم".

وبحسب الدرّاس، فإن اللون الأبيض في الكوفية الفلسطينية يرمز إلى الأمل والسلام، والأسود إلى الحرب والقوّة والصمود، والنقوش على الكوفية ثلاثة، وهي: أوراق الزيتون، التي تمثل القوة والمرونة والمثابرة وشجرة الزيتون هي رمز للثقافة الفلسطينية، وشِباك صيد السمك، وترمز إلى التقارب بين البحار الفلسطيني والبحر الأبيض المتوسط، أما الخط الأسود العريض، فيرمز إلى طرق التجارة التي تمرّ عبر فلسطين.

 

عراقية نسبة إلى الكوفة؟  

 

تشير درّاس إلى أن "أصل الكوفية الفلسطينية عراقي، وكانت تسمى بـ(الغترة)، أو (الشماخ) أو (الحطّة)، وهو ما يذهب إليه عدد كبير من الباحثين في تاريخ الأزياء الشرقية وأن (الشماخ) أو (أش ماخ) هي كلمة سومرية تعني غطاء الرأس، ولبسها سكان الأهوار ورسموا عليها شِباك الصيد والأمواج، وبعضهم يقول بنسب الكوفية إلى منطقة الكوفة ومنها أخذ الاسم".  

المؤرخ العراقي علي النشمي يؤكد لـ"ارفع صوتك" نسب الكوفية إلى العراق، ويقول: "نسبت إلى الكوفة فيما بعد لأن أهلها كانوا يرتدونها، وكانت لها أسماء كثيرة قبل ذلك، لكن عندما أصبحت الكوفة إحدى العواصم المهمة في زمن الإمام علي بن أبي طالب، صارت الكوفية تنسب إلى الكوفة، لأنها أيضاً كانت تنسج وتصنّع هناك".

للأب أنستاس ماري الكرملي رأي آخر، في شأن تسمية الكوفية وأصلها اللغوي. في دراسة منشورة في مجلة "المقتطف" في عدد مارس من العام 1941، بعنوان "الكوفية والعقال". يعيد الكرملي اسم الكوفية لغوياً إلى أصول لاتينية، فهي في الإيطالية cuffia وفي الإسبانية cofia وفي البرتغالية coifa وفي الفرنسية coiffe. ويشير إلى أن "بدو صحراء الشام، الممتدون إلى أرجاء مكة، كانوا يتخذونها عمرة لهم، ويصنعونها من الحرير وتثبّت حول الرأس بحبل أو بريم أو الوبر المصبوغ بأسود".

يقول النشمي لـ"ارفع صوتك" إن "الكوفية كانت في مرحلة من المراحل مادة للتمييز الطبقي. هناك كوفية خاصة بالصيّادين وأخرى برعاة الماشية، وفي فترات لاحقة، تحولت ألوان الكوفية في العراق إلى مادة للتمييز الطائفي. ترتبط السوداء بالطائفة الشيعية، والحمراء بالسنّية".

ويضيف: "لم تتخذ الكوفية طابعاً رسمياً، إلا مع الثورة العربية الكبرى، حيث تحولت إلى الزي الرسمي للجيش العربي الذي شارك فيها". وفي هذا السياق تشير الباحثة درّاس إلى "أن الجيش الأردني ما يزال حتى اليوم يعتمد الكوفية الحمراء جزءاً من زيّه العسكري الرسمي، ويظهر بها الجنود الأردنيون في استعراضات عيد الجيش وذكرى الثورة العربية الكبرى".

وفي الكتاب الذي شاركت فيه مجموعة من الباحثين وحمل عنوان "الفاشن والسياسة"، تقول المؤرخة الثقافية جان تينان، إن "ثقافة اللباس العثمانية كان لها أثر في محو الهويات الإثنية والدينية المتعلقة بالملابس العربية، وكان معتمداً لدى طبقات اجتماعية عالية (الطربوش) الأحمر كغطاء للرأس، فيما كان الفلاحون والفقراء يلبسون الكوفيات".

وتضيف: "بعد خسارة الإمبراطورية العثمانية لنفوذها في المناطق العربية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، ثم الثورة العربية الكبرى، توحّد الفلسطينيون حول الكوفية في مواجهة الاستعمار البريطاني، ومنذ ذلك الحين تحوّلت الكوفية إلى رمز وطني للكفاح الفلسطيني، واستمرت  خلال النكبة وتأسيس الدولة الإسرائيلية في عام 1948 وما بعدها حتى أيامنا هذه".

بحسب تيد سويندبورغ، أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة أركنساس، الذي درس الكوفية لأربعين عاماً، فإنها "أصبحت مرتبطة أكثر فأكثر بالحركة الوطنية الفلسطينية لأن زعيمها ياسر عرفات كان يرتديها بشكل شبه دائم في العلن، وأن إسرائيل حينما حظرت رفع العلم الفلسطيني في غزة والضفة الغربية في الفترة من عام 1967 إلى عام 1993، لوّح فلسطينيون بها بدلاً من علمهم".

ويضيف سويندبورغ لصحيفة "نيويورك تايمز" أن "كثيراً من الشبان الفلسطينيين ظهروا على شاشات التلفزة وهم يرتدون الكوفية ويرمون الحجارة على الجنود الإسرائيليين خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى بين عامي 1987 - 1993".

تشير درّاس إلى أن "الكوفية حظيت بشهرة عالمية بعدما لبسها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في الأمم المتحدة خلال إلقائه خطابه الشهير الذي قال فيه أنه يحمل غصن الزيتون في يد وبندقية الثائر في أخرى".

وتشير مؤسسة الدراسات الفلسطينية في رسالة رداً على تساؤلات "ارفع صوتك" إلى أن "الكوفية تحولت إلى زي رسمي للرئيس الراحل عرفات وكان يضعها على رأسه بطريقة كأنه يرسم بها خارطة فلسطين".

في عام 2015، اتخذت وزارة التربية والتعليم في فلسطين قراراً باعتبار يوم السادس عشر من نوفمبر "يوم الكوفية الفلسطينية"، وصار، بحسب مؤسسة الدراسات الفلسطينية، يوماً وطنياً يتوشّح به الفلسطينيون.
 

حمورابي وما قبله!

 

يعيد الكرملي في دراسته وجود العقال في فلسطين إلى نحو 900 سنة قبل المسيح، مستشهداً بما ورد في "العهد القديم" في سفر الملوك عن "شدّ الحبال على الرؤوس". كما يستند إلى الآثار التي وجدت في العراق، من تصاوير وتماثيل منها بالعقال وحده، ومنها بالصماد أو الكوفية وحدها، ومنها بالكوفية المثبتة على الرأس بالعقال. ويشير إلى "وجود تماثيل من عهد حمورابي، أي منذ زهاء 5 آلاف سنة وعلى رؤوسها العُقَلُ والكوفيات".

يؤكد ذلك النشمي في حديثه مع "ارفع صوتك" ويقول إن "الكوفية تظهر بوضوح على رأس الملك السومري كوديا في التماثيل التي بقيت من تلك الحقبة، ويعود تاريخها إلى ما قبل حمورابي بمئات السنين، وكانت تلفّ بطريقة العمامة على رؤوس الأمراء".

وعمّا إذا كان هناك "تنازع ملكية" على الكوفية بين العراقيين والفلسطينيين، يرى النشمي: "إذا ما كان الإخوة الفلسطينيون يرتدونها، فلأنها سادت وانتشرت من خلال العراق في الفترات السابقة من التاريخ، حيث أصبحت رمزاً للعرب، فأخذها الفلسطينيون بصفتها رمزاً للعروبة، وهذا ما يعتزّ به العراقيون، إذ ساهموا في تحويل الكوفية إلى رمز عربي ومن ثم إلى رمز للقضية الفلسطينية، وهذا الأمر يجمع ولا يفرّق".

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية لجامع النوري في الموصل شمال العراق
صورة تعبيرية لجامع النوري في الموصل شمال العراق

تحلُّ في منتصف الشهر الحالي ذكرى "المولد النبوي" الذي اعتبرته الحكومة العراقية إجازة رسمية لموافقته يوم 12 ربيع أول، وهو التاريخ الذي رجّحت المرويات التاريخية أنه شهد ميلاد الرسول محمد، استنادًا لمقولة ابن عباس "وُلد رسول الله عام الفيل، يوم الاثنين، الثاني عشر من شهر ربيع الأول".

بحسب الترتيب الزمني الذي أورده دكتور صلاح الدين بن محمد في دراسته "الإلزامات الواردة على بدعة الاحتفال بالمولد النبوي"، فإن أول من احتفل بالمولد النبوي هم الفاطميون سنة 362 هجرية بالقاهرة، وهي الاحتفالات التي استمرت في مصر حتى ألغاها أمير الجيوش الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي وزير المستعلي بالله سنة 490 هـ.

بعد سنوات من هذا الإلغاء سيكون للعراق الفضل في إعادة إحيائها مُجدداً لتنتشر بعدها في أصقاع العالم الإسلامي حتى اليوم، فما قصتها؟

 

البداية من الموصل

عاد الاحتفال بالمولد النبوي للظهور مُجدداً على يدي الفقيه عُمر بن محمد الموصلي، الذي تمتّع بمكانة اجتماعية كبيرة في الموصل شمال العراق بسبب فقهه وزُهده، فحاز شهرة كبيرة في العالم الإسلامي حتى تُوفي سنة 570 هـ.

بحسب كتاب "الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية" لأبي شامة المقدسي، فإن "زاوية الشيخ عمر" كانت محلاً لزيارة العلماء والفقهاء والملوك والأمراء. 

وامتلك الشيخ عُمر علاقة وطيدة بنور الدين زنكي صاحب حلب، إذ اعتاد الأخير مراسلة الشيخ عُمر لـ"استشارته في الأمور العِظام"،كما كان يزوره كل سنة في شهر رمضان لتناول الإفطار معه.

تعززت هذه المكانة حين خضعت الموصل لسُلطان نور الدين زينكي عام 566 هـ فأوصى وُلاته عليها بأن يستشيروا الشيخ عُمر في كل كبيرة وصغيرة، حتى نال لقب "المولى".

بحسب أبي شامة المقدسي فإن الشيخ عُمر هو الذي أشار على نور الدين بشراء قطعة أرض خراب في وسط الموصل وحوّلها إلى مسجد أنفق على بنائه أموالاً كثيرة، هو "جامع النوري" الذي لا يزال قائماً حتى اليوم.

لم يكن "جامع النوري" هو أكبر إنجازات الفقيه الموصلي إنما إعادة إحياء الاحتفال بـ"المولد النبي"، أيضاً. وبحسب كتاب "خدمات الأوقاف في الحضارة الإسلامية إلى نهاية القرن العاشر الهجري"، كان الشيخ عُمر كان يقيم في كل سنة داخل زاويته احتفالاً بميلاد الرسول محمد، يوجّه فيه الدعوة لحاكم الموصل وكبار رجال الدولة للحضور إلى الزاوية حيث تُقدّم لهم الأطعمة والمشروبات ويستمعون للشعراء الذين حضروا هذه الاحتفالية للتنافس على إنشاد قصائد المدح النبوي.

تزامن هذا الاحتفال مع الاهتمام الجماعي الذي أبداه أهل الموصل طيلة العهد الأتابكي بمناسبة "المولد النبوي"، فكانوا يعتادون تزيين الدور والأسواق ويتجمهرون في المساجد.

في كتاب "رسائل في حُكم الاحتفال بالمولد النبوي"، لم يستبعد مؤلّفوه أن يكون الشيخ عُمر وغيره من أهل الموصل مالوا لإقامة هذه الاحتفالات كأحد أشكال تأثرهم بالفاطميين، الذين أقاموا صلات مباشرة بحكام الموصل على مدار سنوات طويلة، في إطار مساعيهم لإسقاط دولة الخلافة العباسية في العراق.

وذكر كتاب "تاريخ الموصل" لسعيد الديوه جي، أن أبرز حكام الموصل الذين رحبوا بهذا التقارب، هم  أمراء الدولة العقيلية الشيعية مثل حسام الدولة المقلد العقيلي (386 هـ- 391 هـ) وولده معتمد الدولة قرواش، اللذين حافظا على علاقات جيدة مع خلفاء مصر حتى أن قرواش أعلن تبعيته للخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في 401 هـ، وهي خطوة لم تدم كثيراً بعدما تراجع عنها سريعاً بسبب تهديدات الخليفة القادر العباسي له بالحرب.

ووفق كتاب "الإعلام بفتاوى أئمة الإسلام حول مولده عليه الصلاة والسلام" لمحمد بن علوي الحسني، فإن الشيخ عُمر بعدما بات أول مَن احتفى بالمولد النبوي في العراق اقتدى به صاحب أربيل الملك المظفر كوكبري بن زين الدين بن بكتكين الحليف المخلص لصلاح الدين الأيوبي سُلطان مصر.

أربيل: مهرجان ديني حاشد

عمل زين الدين والد الملك المظفر الدين كوكبري والياً على الموصل، فحقّق نجاحاً كبيراً حتى أنه عندما مات سنة 563 هـ كان عدد من المدن الكبرى في العراق خاضعاً لحُكمه مثل: أربيل، شهرزور، تكريت، سنجار، حرّان وغيرها.

بعدما توفي زين الدين ورث ابنه مظفر الدين كوكبري حُكم أربيل، ولكن لصِغر سنه تولّى شؤون الإمارة أحد مماليك والده الذي خلع كوكبري عن الحُكم ونصّب بدلاً منه أخوه، هنا استعان كوكبري بصلاح الدين الأيوبي الذي أعاده أميراً على أربيل في 586 هـ.

يحكي عبد الحق التركماني في كتابه "ابن دحية الكلبي وكتابه (التنوير في مولد السراج المنير والبشير النذير)": "أخذ كوكبري عن الشيخ عُمر هذه البدعة وطوّرها وتفنن في إقامتها وبذل أموالاً عظيمة في ذلك".

وأورد كتاب "إمارة أربل في العصر العباسي" للدكتور سامي الصقار، أن كوكبري بدءاً من سنة 604 هـ "أولى اهتماماً بإقامة مهرجان ضخم للاحتفال بمولد النبي يتضمن العديد من الفعاليات التي لفتت انتباه الكثيرين من مختلف أنحاء العالم".

ووصف إحياء المناسبة: "في شهر محرم من كل عام هجري يبدأ توافد عوام المسلمين من بغداد والجزيرة ونصيبين وغيرها من البلاد على أربيل، بالإضافة إلى جماعات من الفقهاء والصوفية والشعراء، ومع بداية شهر ربيع الأول يأمر كوكبري بنصب قباب من الخشب المُزين تُخصص كل منها لاستضافة عروض رجال الأغاني والخيالة وأصحاب الملاهي، وكان الناس يزدحمون حول خيامهم لمشاهدة عروضهم".

قبل الاحتفال بيومين كان منظمو المهرجان يطلقون مسيرة ضخمة تتكوّن من مئات الإبل والبقر والغنم التي تزفّها الطبول إلى ميدان كبير تُنحر فيه وتُطبخ ثم يوُزع لحمها على الحضور، كما ذكر الكتاب.

في اليوم الأول للمهرجان كان كوكبري يحضر الاحتفال بصحبة الأعيان والفقهاء وعوام الناس لمشاهدة عروضٍ عسكرية يقوم بها بعض جنود الجيش، بعدها تُقام موائد طعام ضخمة للحضور، 

وقدر حسام الدين قِزغلي (حفيد ابن الجوزي) في كتابه "مرآة الزمان في تواريخ الأعيان"، أن أسبطة الطعام كانت تضم "100 فرس مشوية منزوعة العظام، و5 آلاف رأس غنم و10 آلاف دجاجة و30 ألف صحن حلوى".

بعد الانتهاء من الطعام، كان كوكبري يكرّم عدداً من الأعيان والفقهاء وكبار الضيوف ويوزّع عليهم الأموال. ووفق تقديرات المؤرخين فإن هذه الاحتفالات الضخمة كانت تكلف ما يزيد عن 300 ألف دينار (عملة تلك الفترة).

كيف يحتفل المسلمون بالمولد النبوي في البلدان العربية؟
يعبّر المسلمون -في كل مكان- عن حبهم للنبي من خلال مجموعة من الطقوس والشعائر الفلكلورية الشعبية المتوارثة، والتي تتنوع وتتباين باختلاف الثقافة والمكان. نرصد في هذا التقرير أهم المظاهر الاحتفالية بالمولد النبوي في مجموعة من الدول العربية.

يقول الصقار "رغم ما اشتهرت به احتفالات الخلفاء الفاطميين بالمولد النبوي من بذخٍ شديد فإنها على فخامتها تُعدُّ متواضعة إذا ما قُورنت باحتفالات أربيل، إذ كانت الحفلات الفاطمية تقتصر على ليلة واحدة تُقدم فيها الحلوى والأطعمة ثم يرتّل القرآن وتُنشد القصائد في حضرة الخليفة الفاطمي، بعكس احتفالات أربيل التي كانت تستغرق عدة أيام".

هذا الاحتفاء المهيب استدعى إشادة شهاب الدين أبو شامة في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث"، حيث قال "من أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل في مدينة أربيل في اليوم الموافق ليوم ميلاد النبي من الصدقات وإظهار الزينة والسرور".

أحد أشهر حضور هذا "المهرجان النبوي" كان المؤرّخ عمر بن الحسن حفيد الصحابي دِحية الكلبي الذي شاهد الاحتفالات 625 هـ وألّف عنها كتاباً بعنوان "التنوير في مولد السراج المنير" قرأه بنفسه على حضرة الملك فأجازه وكافأه بألف دينار.

وفيه تحدّث عن شهادته على ليلة المولد في "إربل المحروسة" وعن لقائه بـ"أفضل الملوك والسلاطين"، حسبما ذكر دكتور أنس وكاك في بحثه "قبسٌ من (التنوير في مولد السراج المنير) للحافظ أبي الخطاب بن دحية الأندلسي".