أعاد اعتداء مجموعة من الزائرين العراقيين على قبر مؤسس الدولة الأموية الصحابي معاوية بن أبي سفيان، النقاش حول حماية الآثار السورية وتحديد المسؤوليات في ما يتعلق بالكثير من المواقع الأثرية والتاريخية والدينية التي تتعرض للاستباحة والتخريب والتدمير منذ عام 2011.
وصف المجلس الإسلامي السوري الاعتداء بأنه يأتي "ضمن ممارسات طائفية دنيئة وبشعة"، حمّل مسؤوليتها لما أسماه "الخطر الإيراني الطائفي التوسعي".
وبمعزل عن الحساسية والصراع التاريخي، فإن "غالبية السوريين ينظرون إلى معاوية باحترام وتقدير، نظراً إلى مكانته التاريخية ودوره في بناء المجد الذي نعمت به دمشق لما يناهز ١٠٠ عام في فترة الحكم الأموي"، بحسب الباحث والروائي السوري تيسير خلف.
ويقول لـ"ارفع صوتك" إن "الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد كان يعتزّ بمعاوية، وكان يضع لوحة له في قصره، لذا فإن الموضوع بالنسبة إلى السوريين بغالبيتهم ليس طائفياً".
تعرّض قبر معاوية للتدمير أيام العباسيين، وأعيد بناؤه أكثر من مرة، وأقدم تجديد كان في الفترة الأيوبية - المملوكية، وُجدد أيضاً خلال العقود الأخيرة، وفقاً لخلف.
ويضيف: "يشكّل قبر معاوية معلماً تاريخياً مهماً، للعالم عموماً وللمسلمين خصوصاً، ويوثّق حقبة طويلة من التاريخ المؤسس للوجود الإسلامي في العالم عبر الحكم الأموي، وهو مثل الكثير من الآثار السورية، يجب أن تكون تحت سلطة وحماية الدولة".
دور "اليونسكو"
يطرح الاعتداء على القبر وما سبقته من اعتداءات طالت مقامات ورموزاً تاريخية، منها تمثال الفيلسوف والشاعر العربي أبي العلاء المعرّي في معرّة النعمان على يد تنظيم جبهة "النصرة"، تساؤلات عن قدرة النظام السوري على حماية المقامات التاريخية الكثيرة الموجودة في البلد.
وخلال السنوات الماضية، تعرّضت مواقع أثرية كثيرة للتدمير والتخريب على يد تنظيمات متطرفة مثل "داعش" وجبهة "النصرة"، كما كان النظام نفسه سبباً أيضاً خلال عمليات القصف التي نفذها.
هذا الملف يؤرق علماء الآثار المهتمين بالتاريخ حول العالم، خاصة السوريين منهم.
عالم الآثار والمؤرخ السوري سعد فنصة أحد المنغمسين في تتبّع أحوال الآثار السورية ورصد الضرر الذي لحق بها، يبدو حزيناً وغاضباً لما انتهت إليه الكثير من آثار سوريا.
يحمّل فنصة النظام السوري بدرجة أولى المسؤولية عن "تعرّض الثروة الآثارية والتاريخية السورية للتخريب والنهب".
ويقول لـ"ارفع صوتك" إن "التعامل مع الآثار بخفّة ليس جديداً على النظام السوري، بل يعود إلى عقود قبل اندلاع الثورة عام 2011".
ويضيف: "تعرضت الكثير من المواقع الأثرية إما للتخريب بسبب عمليات التنقيب والحفر العشوائية أو للنهب والسرقة، لكن مرحلة ما بعد عام 2011، كانت مجنونة".
يبدو العالم السوري متشائماً من إمكانية ضمان حماية الآثار والمقامات السورية في المستقبل "في ظل وجود النظام السوري"، كما لا يبرّئ منظمة "اليونيسكو" والمجتمع الدولي والدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية من تقصيرهم في حماية الآثار والتدخل الحازم لمنع الاعتداءات التي تطالها.
"وصل الأمر إلى بيع قطع أثرية منقّبة من سوريا على موقع (ebay) التجاري" وفقاً لفنصة الذي يشير إلى أن "المتاحف العالمية اتخمت بالآثار السورية المسروقة".
وفي عام ٢٠١٥ قالت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) إن "تنظيم داعش نهب الآثار في المناطق الخاضعة لسيطرته في سوريا، ولعل أبرزها مدينة تدمر".
"لا أحد يستطيع أن يحمي قبراً في مقبرة"، يقول الباحث والمؤرخ تيسير خلف.
ويضيف لـ"ارفع صوتك" أن "مقبرة الباب الصغير التي تضم ضريح معاوية، مفتوحة لجميع الناس ومن العبث تخصيص حراس لحمايتها، وهذا الأمر (أي الخوف من الاعتداء على القبور والمقامات) لم يكن مطروحاً في سوريا قبل عام 2011، لكن هذا لا يعفي النظام من مسؤولية حماية المواقع الأثرية في المناطق الخاضعة لسيطرته".
الأمم المتحدة طرف مراقب وليست لديها قدرة واقعية على التدخل في هذه الأمور، بحسب خلف الذي يؤكد أن "حماية الآثار مهمة الحكومات والدول، ويفترض بالنظام السوري أن يضطلع بهذا الدور طالما أنه يحكم البلاد".
ويشير إلى أن "الاعتداء على قبر معاوية حدث في العاصمة دمشق التي يسيطر عليها النظام السوري بشكل كامل".
تقتصر محاولات حماية الآثار السورية اليوم، بحسب فنصة، على جهود فردية لبعض النشطاء والمؤرخين وعلماء الآثار الحريصين على تاريخ بلدهم، وليس هناك، كما يؤكد أي جهد مؤسساتي فعّال لحماية الآثار، لا على المستوى المحلي، ولا الدولي.