تحل مناسبة الاحتفال بالقرقيعان في ليلة النصف من رمضان في كل عام. يُعرف هذا الاحتفال بعدد كبير من الأسماء في شتى أنحاء الجزيرة العربية والعراق ومنطقة الأحواز الواقعة في جنوبي غرب إيران. ومن أشهر تلك الأسماء كل من الكريكعان، والناصفة، وحق الليلة، وقرقاعون، وقرنقعوه.
يُعدّ خروج الأطفال وإنشادهم الأهازيج المفرحة السمة المشتركة التي تميز الاحتفال بتلك المناسبة في شتى المناطق.
ما هو الأصل التاريخي لهذا الاحتفال؟ وما أصل كلمة قرقيعان؟ وماذا عن أبرز الطقوس التي تشيع بين الأطفال في كل منطقة في تلك المناسبة؟
لا توجد معلومة تاريخية قاطعة بخصوص أصل الاحتفال بليلة قرقيعان، وتربط الكثير من الآراء بين هذه الليلة من جهة، ومولد حفيد الرسول، الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، من جهة أخرى، حيث تذكر مصادر تاريخية أن الحسن ولد في ليلة النصف من رمضان في السنة الثالثة من الهجرة.
وبحسب هذا الرأي، فإن المسلمين ذهبوا لمنزل علي وفاطمة للتهنئة والمباركة، وكانوا يصفون الحسن بأنه "قرة عين" لأبيه وأمه. وذلك اعتماداً على ما ورد في الآية رقم 74 من سورة الفرقان "رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ". مع مرور الوقت، تحورت الكلمة لتصبح قرقيعان، وصار الشيعة ومحبو آل البيت يحتفلون بها في ليلة النصف من رمضان في كل عام.
يوجد رأي آخر يذكره الباحث محمد بن عبد الله بن محمد الشنو في كتابه "القرقيعان في ليلة الخامس عشر من رمضان". يقول الشنو إن عادة الاحتفال بالقرقيعان كانت تُمارس في العصر العباسي.
كان الفقراء والمساكين يذهبون لقصور الخليفة والأمراء والوزراء في شهر رمضان ويطلبون منهم الصدقة والطعام فينشدون قائلين:
يا صــاحب الـبيت
أجــر جـوعــان
يـا ربنـــا إعطـه
بيتـاً في عالـي الجنـان
بناءً على هذا فمن الممكن أن تكون كلمة قرقيعان قد اشتقت من كلمتي "أجر جوعان" الواردة في النشيد السابق.
أما الرأي الثالث، فيرى أصحابه أن أصل القرقيعان غير مرتبط بأي حادثة تاريخية مميزة، وأنه مجرد عيد شعبي يحتفل فيه الأطفال بصوم نصف أيام شهر رمضان، ويوزع الكبار الحلوى عليهم في ليلة القرقيعان تشجيعاً لهم على متابعة الصوم حتى نهاية الشهر. ويرى هؤلاء أن كلمة قرقيعان اشتقت من عادة قرع الأطفال على أبواب المنازل.
بين الرفض والإباحة
مثل كثير من المناسبات الدينية، كالمولد النبوي ورأس السنة الهجرية، يثار جدل فقهي دائم حول ليلة قرقيعان.
وتختلف الآراء الفقهية بخصوص حكم الاحتفال بهذه الليلة. يذهب أصحاب الرأي الأول من الفقهاء السنة والإباضية إلى حرمة الاحتفال بتلك المناسبة.
مما يعبر عن ذلك الرأي الفتوى الصادرة عن اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية، والتي جاء فيها أن "الاحتفال في ليلة الخامس عشر من رمضان أو في غيرها بمناسبة مهرجان القرقيعان بدعة لا أصل لها في الإسلام.. فيجب تركها والتحذير منها ولا تجوز إقامتها في أي مكان لا في المدارس ولا في المؤسسات أو غيرها. والمشروع في ليالي رمضان بعد العناية بالفرائض الاجتهاد بالقيام وتلاوة القرآن والدعاء".
ورد المعنى نفسه في فتوى الشيخ السعودي عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين. يقول: "هذا العيد لا أصل له في الشرع ولا في العرف العام، وحيث إنه يحتوي على هذه الأعمال وعلى الرقص والطرب وإظهار الفرح... فإنه يصبح بدعة محدثة يجب إنكارها والقضاء عليها ولا يجوز إقرارها ولا المساهمة فيها".
كذلك أفتى مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان الشيخ كهلان بن نبهان الخروصي في سنة 2018م بأنّ "قرنقشوه" -وهو الاسم الذي يُعرف به يوم قرقيعان في سلطنة عمان- عادة محرمة ولا تمت بصلة للتراث العُماني، واعتبرها "تقليداً وثنياً"، وأن أصله يعود لبعض الاحتفالات المسيحية القديمة.
على الجانب المقابل، أجاز بعض فقهاء الشيعة الاحتفال بتلك المناسبة، ولم يجدوا في ذلك بأساً.
على سبيل المثال، أصدر محمد باقر المهري وكيل المرجعيات الشيعية في الكويت في سنة 2007 بياناً جاء فيه: "إن القرقيعان الذي هو عادة شعبية وإسلامية أصله مشتق من قرة الأعين التي تستعمل في مقام السرور والفرح والبهجة والتبريك والتهنئة... وقد بقيت هذه العادة الحسنة والسنة الإسلامية إلى يومنا، هذا فصار القرقيعان عادة شعبية بالإضافة إلى أنه سنة شرعية ولكن مع الأسف الشديد بعض الحاقدين والمتحجرين والمتعصبين الذين ابتعدوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته عليهم السلام أصدروا فتاوى باطلة بتحريم هذه العادة، وأصروا على تحريمه".
وأضاف المهري: "وأنا أقول إن الذي يقول بأن القرقيعان بدعة فكلامه هذا بدعة، وهو لم يذق من طعم الفقه شيئاً".
في السياق نفسه، جاء في فتوى الشيخ صالح الكرباسي المنشورة على موقع مركز الإشعاع الإسلامي أنه "لا شك في أن الاحتفال بهذه المناسبة التي تبعث النشاط والسرور في قلوب الأطفال جائزة ما لم يُخالطها مُحرَّم كما هو الغالب، حيث إنها تعبِّر عن براءة الطفولة وصفائها، خاصة أنها بمناسبة مولد سبط الرسول المصطفى الإمام الحسن المجتبى... والغريب أنه في الآونة الأخيرة بدأت بعض الجماعات المعروفة بتوجهاتها المعادية لأهل البيت التركيز على مهاجمة هذه العادة باعتبار أنها بدعة، وعليه فهي غير جائزة. وهنا لا بد لنا أن نقول إن البدعة هي الزيادة في الدين وجعل ما ليس في الدين داخلاً في الدين... ومن الواضح أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل، حيث إننا لم نسمع بأن أحداً يعتقد بأن ما يقوم به الأطفال "القرقيعان" هو من الدين حتى يقال فيه أنه بدعة!".
مظاهر الاحتفال بالقرقيعان
تختلف مظاهر الاحتفال بالقرقيعان من مكان إلى آخر. تحتفل به بعض المناطق في ليلة النصف من رمضان فقط، بينما يُحتفل به في أماكن أخرى في أيام 14، و15، و16 رمضان.
بشكل عام، يرتدي الأطفال في هذا الاحتفال الملابس البيضاء، وعليها السديري. أما البنات فيلبسن الفساتين المزركشة، التي تظهر فيها الألوان المبهجة المثيرة للسعادة والابتهاج.
وفي سلطنة عمان مثلا يُعرف هذا اليوم باسم قرنشوه، ويخرج فيه الأطفال في شكل تجمعات بعد صلاة المغرب. ويمرون على المنازل، ويأخذون الهدايا من الكبار، وينشدون:
"قرنقشوه يوناس
عطونا بيسة حلوة
دوس دوس طلع غوازيك من المندوس
حارة حارة طلع غوازيك من السحارة".
أما في العراق، فيحتفل الأطفال بقرقيعان في بغداد والبصرة وغيرهما من المدن. ويُقال إن أصل الاحتفال يعود لسيدة يهودية عراقية اسمها (ريجنا) كانت تحب الأطفال وتعطيهم الكثير من الهدايا في ليالي رمضان.
ماتت السيدة وظل الأطفال يحيون ذكراها بهذا الاحتفال المتجدد جيلاً بعد جيل. ويتميز القرقيعان العراقي بالأنشودة المعروفة باسم "ماجينا"، والتي يردد الأطفال فيها:
"ماجينا يا ماجينا
حلّي الچيس وانطينا
تنطونا لو ننطيكم
بيت مكة نوديكم
رب العالي يخليكم
تعطونا كل ماجينا".
يُعرف هذا اليوم في البحرين باسم القرقاعون. وتشير كلمة القرقاعون أيضاً إلى السلة التي يحملها الأطفال أثناء تجوالهم في تلك الليلة، وهي سلة كبيرة مصنوعة من سعف النخيل يوضع بداخلها خليط من المكسرات من النخيل والفول السوداني والتين وبعض الحلويات. يحمل الأطفال أكياسهم ويمرون على المنازل فيجمعون الحلوى، وينشدون بعدها معبرين عن الشكر والامتنان "عساكم من عواده لا تقطعون العادة".
في الإمارات أيضاً يتم الاحتفال بتلك المناسبة، وتُعرف باسم "حق الليلة"، وينشد الصبيان فيها:
"أعطونا الله يعطيكم
بيت مكة يوديكم
عطونا من حق الله ولا بنذبح عبد الله
عطونا من حق هالليله
ولا بنذبح هالعجيلة".
أما في قطر، فتُعرف تلك الليلة بالقرنقعوه، ويُعتقد هناك أن أصولها ربما ترجع إلى تقليد الغوص بحثاً عن اللؤلؤ في القرون السابقة. كذلك تشيع مظاهر الاحتفال بالقرقيعان في السعودية، وبالتحديد في المناطق التي تكثر فيها نسبة السكان المعتنقين للمذهب الشيعي مثل القطيف والإحساء. وينشد الأطفال في هذا اليوم قائلين:
"قرقع قرقع قرقيعان
أم قصير ورميضان
عطونا الله يعطيكم
بيت مكة يوديكم
ويلحفكم بالجاعد
عن المطر والرعد
عام عام يا صيام
جعلكم تصومونه بالتمام
الله عطانا خوخ ورمان
عطونا عادت عليكم
اما الثواب ولا الجواب
ولا نيتفه من صاير الباب".
من الملاحظ أن الاحتفال بقرقيعان في السعودية قد شاع في الكثير من المدن الأخرى في السنوات الأخيرة. على سبيل المثال في سنة 2005م احتفلت الرياض بالقرقيعان للمرة الأولى، وأشعل 400 طفل وطفلة قناديل رمضان الملونة وتجولوا بها في أسواق الفيصلية، وحصلوا على العديد من الهدايا والألعاب والحلوى.