Models are dressed in traditional Iraqi costumes during a fashion show at the Iraqi National Museum during the holy month of…
من عرض أزياء للملابس العراقية التقليدية في المتحف الوطني في بغداد- تعبيرية

"يكاد يكون (كتاب ألف ليلة وليلة) عَلَماً ثانياً على بغداد، لأن آثار حضارتها المادية ألح عليها طغيان الدهر حتى محاها، أما هي في هذا الكتاب فلا يزال سناها باهياً لم يخُب وصداها مدوياً لم ينقطع"، يكتب أحمد حسن الزيّات في كتابه "في أصول الأدب"، الذي أفرد فيه فصلاً كاملاً للحديث عن تاريخ الحكايات العربية التي جمعت في كتابٍ اشتهر بِاسم "ألف ليلة وليلة".

يرى الزيّات أن لهذه الحكايات فضل كبير على بغداد بعدما حفظت للتاريخ حضارتها الغابرة وخلّدتها بين الناس كـ"متحف للأعاجيب" مؤدية في ذلك دوراً مناظراً لما فعلته النقوش التي خلّفها الفراعنة على جدران معابدهم ومقابرهم.

ورغم أن أحداث القصص تدور في كثير من مدن العراق مثل البصرة والموصل والأنبار وواسط إلا أن بغداد استأثرت بالاهتمام الأكبر باعتبارها مدينة مركزية للسياسة والعلم والمعرفة والترف، كما يقول محمد عبدالرحمن يونس في بحثه "القاهرة في حكايات ألف ليلة وليلة".

بحسب يونس فإن الحكايات منحت بغداد أفضلية على مدن عربية كبيرة أخرى كالقاهرة ودمشق ليس فقط من حيث عدد الحكايات وإنما على مستويات عديدة مثل تعدد القصص وتشعّب الملامح الاجتماعية والسياسية والثقافية للمدينة وقتها بسبب قُدرة بغداد المنفتحة حضارياً على استيعاب الجنسيات المختلفة.

وفقاً للكتاب فإن بغداد امتلكت سوراً عظيماً كان يُغلق عند الغروب مخافة تسلل الأعداء إليها ليلاً، وحفلت دروبها وأسواقها بمغامرات كبار التجار بيعاً وشراءً، وكثيراً ما شهدت الجولات السرية للخليفة العباسي هارون الرشيد لرصد أحوال الرعية.

بشكلٍ غير مباشر انتقدت حكايات "ألف ليلة وليلة" بشدة حالة الطبقية التي تردّى إليها المجتمع البغدادي والذي انقسم إلى "سباع تفترس كل شيء؛ المال والنساء وأموال الخراج وإلى كلاب مذعورة لا يحقُّ لها الاقتراب من مكامن السباع المفترسة"، وفقاً لما أورده دكتور محمد يونس في دراسته "ملامح شخصيّة الخليفة هارون الرشيد في حكايا ألف ليلة وليلة".

فيروز وأم كلثوم
بغداد في الأغاني.. أم كلثوم وفيروز وعبد الوهاب وكاظم الساهر وآخرون
من جيل المغنين والمغنيات الجدد، أطلقت الفنانة الأردنية ديانا كرزون في العام 2016 أغنية بعنوان "ودّيني على بغداد/ روحي مشتاقة لبغداد" من كلمات أحمد هندي وألحان علي بدر، وقد حصدت ملايين المشاهدات عبر موقع "يوتيوب". كما غنت الفنانة السورية فايا يونان في العام 2018 قصيدة للشاعر اللبناني زاهي وهبي وألحان حازم شاهين مطلعها "بغداد بين النهرين كتبها الله قصيدة/ بغداد بين الشفتين تعويذة عذراء".

أشهر قصص بغداد

يروي أنس داود في كتابه "الأسطورة في الشعر العربي الحديث" أن شوارع بغداد شهدت العديد من حكايات "ألف ليلة وليلة" مثل قصة علاء الدين التاجر الثري الذي سافر من مصر إلى بغداد وهاجمه الأعراب في الطريق ونهبوا تجارته فخسر كل أمواله لكنه ينجح في الوصول إلى بغداد ويلتقي بالمغنيّة "زبيدة العوديّة" التي يتزوجها. ذات ليل يمرَّ هارون الرشيد متنكراً في زي الدراويش بمنزلها ويستمع إلى قصة التاجر فيأمر بمساعدته وإنقاذه من محنته.

أيضاً عرفت بغداد قصة سندباد الذي خاض العديد من المغامرات البحرية ثم بنى لنفسه داراً فسيحة في بغداد كانت مليئة بالجواري والعبيد وأقام مجالساً يروي فيها طرائف رحلاته، وغير ذلك من الحكايات التي كشفت كثيراً من جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية داخل عاصمة العباسيين في ذلك الوقت.

وفي هذا السياق، تقول سهير القلماوي في كتابها "ألف ليلة وليلة"، إن هناك حكايات أخرى حملت تأثيراً بابلياً مثل قصة بلوقيا وقصة مدينة النحاس وقصة عبدالله بن فاضل وإخواته، وتتابع أن بعض القصص التي دارت حول الخلفاء وبلاطهم منحتنا صورة اجتماعية مميزة عن حجم الثراء والبذخ الذي تنعّموا فيه في ذلك الوقت.

 

هارون وزبيدة

لعب معظم الخلفاء العباسيون دوراً هامشياً في أغلب الحكايات العربية مثلما جرى مع المستنصر بالله بن المرتضى والمنتصر والمستعين، باستثناء الخليفة هارون الرشيد الذي نال أهمية كبيرة في هذا الكتاب بعدما تركّزت عدة حكايات عليه وعلى بلاطه، وربما كان لذيوع هذه الحكايات دوراً أساسياً في الشهرة الكبيرة التي نالها الرشيد في العصور الحالية شرقاً وغرباً.

تعتبر القلماوي، أن قصص هارون الرشيد وطريقته في التعامل مع الحكم مثّلت ركناً أساسياً من حصة بغداد من الحكايات.

قدّم الكتاب الرشيد باعتباره شخصية ذات هالة أسطورية فرضت قبضة من حديد على دولته مترامية الأطراف، فكان يكفي ذِكر اسمه ليرتعد الولاة والعمّال والجُباه حتى ولو كانوا في الأصقاع البعيدة عن بغداد، حسبما يذكر يونس في بحثه.

أسطرة الليالي العربية لشخصية هارون قدمته بأشكالٍ متعددة تناقضت مع صورته الورعة التي قدّمتها كتب التاريخ التقليدية كرجل "يصلي كل يومٍ وليلة مئة ركعة"؛ فهو، بحسب "ألف ليلة وليلة" شخص طائش غاضب يتوعّد خولي بستانه الشيخ إبراهيم بالصلب إن لم تحسن جاريته الغناء، وهو نهم في شرب الخمر حتى أنه كان يتورط في القسم على أمور يندم عليها حينما يفيق من حالة السُكر ويحتاج إلى فتوى "مصطنعة" لتبرّأته منها.

وفق "ألف ليلة وليلة" فإن الرشيد كان حريصاً في أوقاتٍ كثيرة على التأكيد على شرف نسبه فكان يقسم قائلاً "وحق اتصال نسبي بالخلفاء من بني العبّاس"، وأنه كان يعامل وزيره جعفر البرمكي باحتقار غير مبرّر حتى أنه كان يخاطبه من وقتٍ لآخر بـ"كلب الوزراء"، وكان يتوعّده بالصلب لو لم يُنفذ تعليماته كما يجب.

في المقابل قدّمته حكايات أخرى كشخصٍ مغامر يقوم بجولات ليلية متنكراً بصحبة الوزير جعفر أو معاونه مسرور السيّاف ليتفقد أحوال الرعية ويرصد تصرفاتهم، وفي الصباح كان يغدق العطاء للصالحين منهم ويأمر بمعاقبة المجرمين، وفي حكاية أبي الشامات أظهر الرشيد إعجاباً بالموسيقى فهو يطلب الاستماع إلى وصلة غناء حتى "يحصل لنا انتعاش، فإن السماع لقومٍ كالغذاء ولقوم كالدواء"، حسبما ذكرت القصة على لسان الرشيد.

بحسب الحكايات فإن الرشيد ظهر عاشقاً للنساء وامتلك آلاف الجواري الحِسان أشهرهن الجارية "دنانير" التي أشعلت خلافاً كبيراً بينه وبين زوجته  زبيدة التي كان يكنّ لها الخليفة العباسي لها محبّة كبيرة أيضاً ومنحها مكانة كبيرة في دولته.

المساحة الكبيرة التي نالها هارون الرشيد حتّمت أن تظهر زوجته زبيدة في أكثر من موضع كأهم امرأة في السُلطة العباسية، وكنموذج نسائي موازٍ للرشيد فهي أيضاً تملك الجواري والعبيد والقصور وصلاحيات كبيرة تخوّل لها إصدار الأوامر لتُنفذ دون مناقشة من جميع مسؤولي الدولة، فكان يعرّفها مسرور السياف بـ"زوجة أمير المؤمنين عم النبي"، وكان على الجميع "تقبيل الأرض فور رؤيتها" إجلالاً لمكانتها.

في حكاية "هارون الرشيد مع محمد بن علي الجوهري"، تستدعي زبيدة تاجراً ثرياً يقيم في بغداد ولما حاول التملُّص من الدعوة تلقى تهديداً مبطّناً من خادمتها "يا سيدي لا تجعل السيدة زبيدة تغضب عليك وتبقى عدوتك، قُم كلّمها". في الحكاية خاف الجوهري من غضب زبيدة وما قد يجلبه عليه من نفي خارج بغداد أو مصادرة أمواله.

ومن خلال قصة أخرى يمكن تبيّن مدى غيرتها من تعلّق هارون بإحدى جواريه وتُدعى "قوت القلوب"، فتدبّر محاولة فاشلة لقتلها.

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية لجامع النوري في الموصل شمال العراق
صورة تعبيرية لجامع النوري في الموصل شمال العراق

تحلُّ في منتصف الشهر الحالي ذكرى "المولد النبوي" الذي اعتبرته الحكومة العراقية إجازة رسمية لموافقته يوم 12 ربيع أول، وهو التاريخ الذي رجّحت المرويات التاريخية أنه شهد ميلاد الرسول محمد، استنادًا لمقولة ابن عباس "وُلد رسول الله عام الفيل، يوم الاثنين، الثاني عشر من شهر ربيع الأول".

بحسب الترتيب الزمني الذي أورده دكتور صلاح الدين بن محمد في دراسته "الإلزامات الواردة على بدعة الاحتفال بالمولد النبوي"، فإن أول من احتفل بالمولد النبوي هم الفاطميون سنة 362 هجرية بالقاهرة، وهي الاحتفالات التي استمرت في مصر حتى ألغاها أمير الجيوش الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي وزير المستعلي بالله سنة 490 هـ.

بعد سنوات من هذا الإلغاء سيكون للعراق الفضل في إعادة إحيائها مُجدداً لتنتشر بعدها في أصقاع العالم الإسلامي حتى اليوم، فما قصتها؟

 

البداية من الموصل

عاد الاحتفال بالمولد النبوي للظهور مُجدداً على يدي الفقيه عُمر بن محمد الموصلي، الذي تمتّع بمكانة اجتماعية كبيرة في الموصل شمال العراق بسبب فقهه وزُهده، فحاز شهرة كبيرة في العالم الإسلامي حتى تُوفي سنة 570 هـ.

بحسب كتاب "الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية" لأبي شامة المقدسي، فإن "زاوية الشيخ عمر" كانت محلاً لزيارة العلماء والفقهاء والملوك والأمراء. 

وامتلك الشيخ عُمر علاقة وطيدة بنور الدين زنكي صاحب حلب، إذ اعتاد الأخير مراسلة الشيخ عُمر لـ"استشارته في الأمور العِظام"،كما كان يزوره كل سنة في شهر رمضان لتناول الإفطار معه.

تعززت هذه المكانة حين خضعت الموصل لسُلطان نور الدين زينكي عام 566 هـ فأوصى وُلاته عليها بأن يستشيروا الشيخ عُمر في كل كبيرة وصغيرة، حتى نال لقب "المولى".

بحسب أبي شامة المقدسي فإن الشيخ عُمر هو الذي أشار على نور الدين بشراء قطعة أرض خراب في وسط الموصل وحوّلها إلى مسجد أنفق على بنائه أموالاً كثيرة، هو "جامع النوري" الذي لا يزال قائماً حتى اليوم.

لم يكن "جامع النوري" هو أكبر إنجازات الفقيه الموصلي إنما إعادة إحياء الاحتفال بـ"المولد النبي"، أيضاً. وبحسب كتاب "خدمات الأوقاف في الحضارة الإسلامية إلى نهاية القرن العاشر الهجري"، كان الشيخ عُمر كان يقيم في كل سنة داخل زاويته احتفالاً بميلاد الرسول محمد، يوجّه فيه الدعوة لحاكم الموصل وكبار رجال الدولة للحضور إلى الزاوية حيث تُقدّم لهم الأطعمة والمشروبات ويستمعون للشعراء الذين حضروا هذه الاحتفالية للتنافس على إنشاد قصائد المدح النبوي.

تزامن هذا الاحتفال مع الاهتمام الجماعي الذي أبداه أهل الموصل طيلة العهد الأتابكي بمناسبة "المولد النبوي"، فكانوا يعتادون تزيين الدور والأسواق ويتجمهرون في المساجد.

في كتاب "رسائل في حُكم الاحتفال بالمولد النبوي"، لم يستبعد مؤلّفوه أن يكون الشيخ عُمر وغيره من أهل الموصل مالوا لإقامة هذه الاحتفالات كأحد أشكال تأثرهم بالفاطميين، الذين أقاموا صلات مباشرة بحكام الموصل على مدار سنوات طويلة، في إطار مساعيهم لإسقاط دولة الخلافة العباسية في العراق.

وذكر كتاب "تاريخ الموصل" لسعيد الديوه جي، أن أبرز حكام الموصل الذين رحبوا بهذا التقارب، هم  أمراء الدولة العقيلية الشيعية مثل حسام الدولة المقلد العقيلي (386 هـ- 391 هـ) وولده معتمد الدولة قرواش، اللذين حافظا على علاقات جيدة مع خلفاء مصر حتى أن قرواش أعلن تبعيته للخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في 401 هـ، وهي خطوة لم تدم كثيراً بعدما تراجع عنها سريعاً بسبب تهديدات الخليفة القادر العباسي له بالحرب.

ووفق كتاب "الإعلام بفتاوى أئمة الإسلام حول مولده عليه الصلاة والسلام" لمحمد بن علوي الحسني، فإن الشيخ عُمر بعدما بات أول مَن احتفى بالمولد النبوي في العراق اقتدى به صاحب أربيل الملك المظفر كوكبري بن زين الدين بن بكتكين الحليف المخلص لصلاح الدين الأيوبي سُلطان مصر.

أربيل: مهرجان ديني حاشد

عمل زين الدين والد الملك المظفر الدين كوكبري والياً على الموصل، فحقّق نجاحاً كبيراً حتى أنه عندما مات سنة 563 هـ كان عدد من المدن الكبرى في العراق خاضعاً لحُكمه مثل: أربيل، شهرزور، تكريت، سنجار، حرّان وغيرها.

بعدما توفي زين الدين ورث ابنه مظفر الدين كوكبري حُكم أربيل، ولكن لصِغر سنه تولّى شؤون الإمارة أحد مماليك والده الذي خلع كوكبري عن الحُكم ونصّب بدلاً منه أخوه، هنا استعان كوكبري بصلاح الدين الأيوبي الذي أعاده أميراً على أربيل في 586 هـ.

يحكي عبد الحق التركماني في كتابه "ابن دحية الكلبي وكتابه (التنوير في مولد السراج المنير والبشير النذير)": "أخذ كوكبري عن الشيخ عُمر هذه البدعة وطوّرها وتفنن في إقامتها وبذل أموالاً عظيمة في ذلك".

وأورد كتاب "إمارة أربل في العصر العباسي" للدكتور سامي الصقار، أن كوكبري بدءاً من سنة 604 هـ "أولى اهتماماً بإقامة مهرجان ضخم للاحتفال بمولد النبي يتضمن العديد من الفعاليات التي لفتت انتباه الكثيرين من مختلف أنحاء العالم".

ووصف إحياء المناسبة: "في شهر محرم من كل عام هجري يبدأ توافد عوام المسلمين من بغداد والجزيرة ونصيبين وغيرها من البلاد على أربيل، بالإضافة إلى جماعات من الفقهاء والصوفية والشعراء، ومع بداية شهر ربيع الأول يأمر كوكبري بنصب قباب من الخشب المُزين تُخصص كل منها لاستضافة عروض رجال الأغاني والخيالة وأصحاب الملاهي، وكان الناس يزدحمون حول خيامهم لمشاهدة عروضهم".

قبل الاحتفال بيومين كان منظمو المهرجان يطلقون مسيرة ضخمة تتكوّن من مئات الإبل والبقر والغنم التي تزفّها الطبول إلى ميدان كبير تُنحر فيه وتُطبخ ثم يوُزع لحمها على الحضور، كما ذكر الكتاب.

في اليوم الأول للمهرجان كان كوكبري يحضر الاحتفال بصحبة الأعيان والفقهاء وعوام الناس لمشاهدة عروضٍ عسكرية يقوم بها بعض جنود الجيش، بعدها تُقام موائد طعام ضخمة للحضور، 

وقدر حسام الدين قِزغلي (حفيد ابن الجوزي) في كتابه "مرآة الزمان في تواريخ الأعيان"، أن أسبطة الطعام كانت تضم "100 فرس مشوية منزوعة العظام، و5 آلاف رأس غنم و10 آلاف دجاجة و30 ألف صحن حلوى".

بعد الانتهاء من الطعام، كان كوكبري يكرّم عدداً من الأعيان والفقهاء وكبار الضيوف ويوزّع عليهم الأموال. ووفق تقديرات المؤرخين فإن هذه الاحتفالات الضخمة كانت تكلف ما يزيد عن 300 ألف دينار (عملة تلك الفترة).

كيف يحتفل المسلمون بالمولد النبوي في البلدان العربية؟
يعبّر المسلمون -في كل مكان- عن حبهم للنبي من خلال مجموعة من الطقوس والشعائر الفلكلورية الشعبية المتوارثة، والتي تتنوع وتتباين باختلاف الثقافة والمكان. نرصد في هذا التقرير أهم المظاهر الاحتفالية بالمولد النبوي في مجموعة من الدول العربية.

يقول الصقار "رغم ما اشتهرت به احتفالات الخلفاء الفاطميين بالمولد النبوي من بذخٍ شديد فإنها على فخامتها تُعدُّ متواضعة إذا ما قُورنت باحتفالات أربيل، إذ كانت الحفلات الفاطمية تقتصر على ليلة واحدة تُقدم فيها الحلوى والأطعمة ثم يرتّل القرآن وتُنشد القصائد في حضرة الخليفة الفاطمي، بعكس احتفالات أربيل التي كانت تستغرق عدة أيام".

هذا الاحتفاء المهيب استدعى إشادة شهاب الدين أبو شامة في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث"، حيث قال "من أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل في مدينة أربيل في اليوم الموافق ليوم ميلاد النبي من الصدقات وإظهار الزينة والسرور".

أحد أشهر حضور هذا "المهرجان النبوي" كان المؤرّخ عمر بن الحسن حفيد الصحابي دِحية الكلبي الذي شاهد الاحتفالات 625 هـ وألّف عنها كتاباً بعنوان "التنوير في مولد السراج المنير" قرأه بنفسه على حضرة الملك فأجازه وكافأه بألف دينار.

وفيه تحدّث عن شهادته على ليلة المولد في "إربل المحروسة" وعن لقائه بـ"أفضل الملوك والسلاطين"، حسبما ذكر دكتور أنس وكاك في بحثه "قبسٌ من (التنوير في مولد السراج المنير) للحافظ أبي الخطاب بن دحية الأندلسي".