في شهر مارس الماضي قامت الولايات المتحدة الأميركية بإعادة قطع أثرية قديمة ومقتنيات تعود لحقبة صدام حسين، إلى الحكومة العراقية، عبر سفارتها في واشنطن.
هذا الأمر يتكرر منذ سنوات، حيث تُعيد السلطات الأميركية كل ما يتم ضبطه في عمليات التهريب التي يقوم بها تجار آثار غير شرعيين عبر حدود بلادها، لكن اللافت في الخبر المنشور على موقع دائرة الهجرة والجمارك الأميركية، أنه بات يتم التعاطي مع المقتنيات المتعلقة بفترة حكم صدام حسين على أنها عناصر أثرية، ومواد تدخل ضمن ما تقوم عصابات الآثار بتهريبه عبر الحدود من العراق إلى باقي دول العالم.
في عام 2012 مثلاً، تلقى عناصر من الأمن الداخلي الأميركي معلومات عن قيام أشخاص بتهريب ونقل مقتنيات مسروقة، خصوصاً أشياء مطلية بالذهب من مطار صدام حسين وأحد قصوره. وقد جرى ضبط مقتنيات، مثل قبضة مخصصة لقرع الباب، وجرّة ماء ثمينة، وصحن لوضع الصابون في الحمّام، كلها مأخوذة من أحد قصور صدّام حسين.
ويجري عرض الكثير من القطع التي تعود إلى حقبة صدام حسين عبر مواقع تجارية، كموقع "eBay" الشهير، وأخرى أكثر تخصصاً مثل "تاريخ للبيع"، الذي يمكن العثور فيه على وثائق من "مجلس قيادة الثورة" موقعة باللون الأحمر بخط صدّام حسين، تعود لثمانينات القرن الماضي، وتباع قيمة الوثيقة الواحدة بعد الحسم حوالي 2700 دولار أميركي.
فيما يعرض الموقع قطعة نقدية من فئة خمسة وعشرين ديناراً عليها صورة صدام حسين مع إشارة إلى معركة القادسية، يبلغ سعرها 600 دولار.
على موقع "eBay" يمكن العثور على مئات القطع المرتبطة بزمن صدام، منها عملات ورقية ومعدنية تتراوح أسعارها بين بضعة دولارات وتصل إلى مئات الدولارات. بالإضافة إلى مقتنيات شخصية لكنها لا تعود إلى صدام شخصياً، بل كانت مملوكة من عراقيين عاشوا خلال فترة حكمه واحتفظوا بالكثير من "الإكسسوارات" التي تميز تلك الحقبة، منها ساعات يد طبعت عليها صورة صدام حسين كانت تباع في الأسواق أو تقدّم كهدايا في قصوره.
إحدى هذه الساعات معروضة بسعر 945 دولاراً، وساعة جيب أخرى قديمة مع سلسلة بلون الذهب على صورة صدام حسين واسمه، معروضة بسعر 1600$ دولار. وهناك الكثير من "التذكارات" العسكرية المرتبطة بالجيش العراقي في حقبة صدام، من مثل البدلات العسكرية ورتب الضباط التي كانت توضع على الأكتاف، فضلاً عن نياشين وقبعات عسكرية (بيريه) أيضاً تباع بأسعار متفاوتة، فمثلاً تباع "بدلة عسكرية نادرة لكولونيل عراقي"، بـ500 دولار، وقبعة عسكرية بـ 189 دولاراً.
بالإضافة إلى المقتنيات من حقبة صدام، يشيع بيع الكثير من المطبوعات والمناشير التي انتشرت بعد الغزو الأميركي للعراق، خصوصاً المتعلقة بلوائح المسؤولين العراقيين البعثيين المطلوبين للعدالة، بينها مثلاً "بوستر" عليه صورة سيف الدين فليح حسن طه الراوي (قائد قوات الحرس الجمهوري) وعبارة "مطلوب"، مع تضمن البوستر مكافأة بمبلغ مليون دولار لمن يقدم معلومات إلى "القوات الأمنية العراقية أو التحالف"، تقود إلى اعتقاله، وهو معروض للبيع على موقع "eBay" بسعر 116 دولاراً.
فيما يعرض مشتركون عبر الموقع "بوستر" آخر وزعه الجيش الأميركي وعليه صور المطلوبين البعثيين، يباع بـ65 دولاراً، بينما يباع العديد من أوراق الشدّة التي طبعت عليها صور المسؤولين البعثيين المطلوبين بأسعار متفاوتة.
وقد شاع في فترة اعتقال صدام وما رافقها أن يحتفظ مواطنون وحتى جنود أميركيون بتذكارات، منها مثلاً العلم الأميركي الذي لُف به تمثال صدّام لحظة إسقاطه.
يروي جون نيكسون في كتابه "استجواب الرئيس" (الذي يتحدث عن مرحلة اعتقال صدام واستجوابه)، كيف أن أحد الجنود الأميركيين من الذين كانوا يحرسون صدّام "حصل على بعض من شعر لحية صدام كتذكار، بعد أن قام حلاق الجيش بحلق لحية الديكتاتور العراقي".
وهذا النوع من التذكارات الشخصية لا يمكن تقدير ثمنها، وقد لا يقدم من احتفظوا بها على بيعها، وقد يرثها من بعدهم أبناؤهم، ولا تدخل السوق إلا بعد سنوات طويلة من الاحتفاظ بها.
هذا السوق الذي يجمع بين مقتنيات "شرعية" تعود ملكيتها لأفراد امتلكوها واحتفظوا بها في تلك القترة، وبين مقتنيات "غير شرعية" صير إلى تهريبها في السوق السوداء إلى خارج العراق، يطرح إشكالية تتعلق بالتوثيق لتلك المرحلة، وعمّا إذا كان يجب التعامل مع المقتنيات المرتبطة بحقبة صدام حسين على أنها مقتنيات أثرية مفترضة لها قيمتها التاريخية التي يجب المحافظة عليها ومحاربة الاتجار بها وتهريبها وأن تكون بعهدة السلطات الرسمية العراقية.
"هناك حاجة إلى تقييم هذه المقتنيات والتثبت منها، قبل الحديث عن قيمتها التاريخية، لأنها قد لا تكون ذات قيمة فعلية"، يقول أستاذ تاريخ الفن والآثار في جامعة المستنصرية محمد العبيدي، لـ "ارفع صوتك".
بالنسبة إليه، فإن "زمناً لا يقل عن 250 سنة يجب أن يمر على هذه المقتنيات حتى تدخل مرحلة الأثر ثم يتم التعامل معها على هذا الأساس".
بالتالي، يوضح العبيدي، فإن هذه المقتنيات ترتبط بملّاكها الشخصيين "والزمن الكفيل في أن يضعها في كفة الآثار مثلها مثل أي ممتلكات أخرى لدى الناس من تلك الحقبة، سواء أكانت مسكوكات ذهبية أو ساعات أو أقلام أو هدايا كانت تقدّم في زمن صدّام".