Iraqi President Saddam Hussein delivers his address to the nation from Baghdad, Iraq, Spt. 29, 1980.  (AP Photo/National Iraqi…
صدام حسين في العام 1980 خلال خطاب موجه للعراقيين

في شهر مارس الماضي قامت الولايات المتحدة الأميركية بإعادة قطع أثرية قديمة ومقتنيات تعود لحقبة صدام حسين، إلى الحكومة العراقية، عبر سفارتها في واشنطن.

 هذا الأمر يتكرر منذ سنوات، حيث تُعيد السلطات الأميركية كل ما يتم ضبطه في عمليات التهريب التي يقوم بها تجار آثار غير شرعيين عبر حدود بلادها، لكن اللافت في الخبر المنشور على موقع دائرة الهجرة والجمارك الأميركية، أنه بات يتم التعاطي مع المقتنيات المتعلقة بفترة حكم صدام حسين على أنها عناصر أثرية، ومواد تدخل ضمن ما تقوم عصابات الآثار بتهريبه عبر الحدود من العراق إلى باقي دول العالم.

في عام 2012 مثلاً، تلقى عناصر من الأمن الداخلي الأميركي معلومات عن قيام أشخاص بتهريب ونقل مقتنيات مسروقة، خصوصاً أشياء مطلية بالذهب من مطار صدام حسين وأحد قصوره. وقد جرى ضبط مقتنيات، مثل قبضة مخصصة لقرع الباب، وجرّة ماء ثمينة، وصحن لوضع الصابون في الحمّام، كلها مأخوذة من أحد قصور صدّام حسين.

ويجري عرض الكثير من القطع التي تعود إلى حقبة صدام حسين عبر مواقع تجارية، كموقع "eBay" الشهير، وأخرى أكثر تخصصاً مثل "تاريخ للبيع"، الذي يمكن العثور فيه على وثائق من "مجلس قيادة الثورة" موقعة باللون الأحمر بخط صدّام حسين، تعود لثمانينات القرن الماضي، وتباع قيمة الوثيقة الواحدة بعد الحسم حوالي 2700 دولار أميركي.

فيما يعرض الموقع قطعة نقدية من فئة خمسة وعشرين ديناراً عليها صورة صدام حسين مع إشارة إلى معركة القادسية، يبلغ سعرها 600 دولار.

بدلة عسكرية لرتبة كولونيل في الجيش العراقي في زمن صدام معروضة للبيع على موقع eBay

على موقع "eBay" يمكن العثور على مئات القطع المرتبطة بزمن صدام، منها عملات ورقية ومعدنية تتراوح أسعارها بين بضعة دولارات وتصل إلى مئات الدولارات. بالإضافة إلى مقتنيات شخصية لكنها لا تعود إلى صدام شخصياً، بل كانت مملوكة من عراقيين عاشوا خلال فترة حكمه واحتفظوا بالكثير من "الإكسسوارات" التي تميز تلك الحقبة، منها ساعات يد طبعت عليها صورة صدام حسين كانت تباع في الأسواق أو تقدّم كهدايا في قصوره.

إحدى هذه الساعات معروضة بسعر 945 دولاراً، وساعة جيب أخرى قديمة مع سلسلة بلون الذهب على صورة صدام حسين واسمه، معروضة بسعر 1600$ دولار. وهناك الكثير من "التذكارات" العسكرية المرتبطة بالجيش العراقي في حقبة صدام، من مثل البدلات العسكرية ورتب الضباط التي كانت توضع على الأكتاف، فضلاً عن نياشين وقبعات عسكرية (بيريه) أيضاً تباع بأسعار متفاوتة، فمثلاً تباع "بدلة عسكرية نادرة لكولونيل عراقي"، بـ500 دولار، وقبعة عسكرية بـ 189 دولاراً.  

وثيقة موقعة من صدام حسين معروضة على موقع "تاريخ للبيع" بألفين وسبعمئة دولار

بالإضافة إلى المقتنيات من حقبة صدام، يشيع بيع الكثير من المطبوعات والمناشير التي انتشرت بعد الغزو الأميركي للعراق، خصوصاً المتعلقة بلوائح المسؤولين العراقيين البعثيين المطلوبين للعدالة، بينها مثلاً "بوستر" عليه صورة سيف الدين فليح حسن طه الراوي (قائد قوات الحرس الجمهوري) وعبارة "مطلوب"، مع تضمن البوستر مكافأة بمبلغ مليون دولار لمن يقدم معلومات إلى "القوات الأمنية العراقية أو التحالف"، تقود إلى اعتقاله، وهو معروض للبيع على موقع "eBay" بسعر 116 دولاراً.

فيما يعرض مشتركون عبر الموقع "بوستر" آخر وزعه الجيش الأميركي وعليه صور المطلوبين البعثيين، يباع بـ65 دولاراً، بينما يباع العديد من أوراق الشدّة التي طبعت عليها صور المسؤولين البعثيين المطلوبين بأسعار متفاوتة.

وقد شاع في فترة اعتقال صدام وما رافقها أن يحتفظ مواطنون وحتى جنود أميركيون بتذكارات، منها مثلاً العلم الأميركي الذي لُف به تمثال صدّام لحظة إسقاطه.

بعد عشرين عاماً... ما مصير العلم الأميركي الذي غطى وجه تمثال صدام حسين؟
يقول تيم ماكلوفلين لمراسل الصحيفة، إنه تلقى في العام 2009 رسالةً من المتحف الوطني لسلاح مشاة البحرية، تسأله اذا كان يقبل بالتبرع بالعلم لعرضه في المتحف بوصفه "علامة تاريخية فارقة". في ذلك الوقت كان العلم محفوظاً في صندوق يعود لوالد ماكلافلين. سأل تيم المسؤولين عن المتحف مجموعة أسئلة حول كيفية عرض العلم وقرر بعدها أن افضل مكان له في قبو منزله.

يروي جون نيكسون في كتابه "استجواب الرئيس" (الذي يتحدث عن مرحلة اعتقال صدام واستجوابه)، كيف أن أحد الجنود الأميركيين من الذين كانوا يحرسون صدّام "حصل على بعض من شعر لحية صدام كتذكار، بعد أن قام حلاق الجيش بحلق لحية الديكتاتور العراقي".

وهذا النوع من التذكارات الشخصية لا يمكن تقدير ثمنها، وقد لا يقدم من احتفظوا بها على بيعها، وقد يرثها من بعدهم أبناؤهم، ولا تدخل السوق إلا بعد سنوات طويلة من الاحتفاظ بها.

بوستر للمطلوبين للعدالة من قيادات حزب البعث معروض للبيع على موقع eBay

هذا السوق الذي يجمع بين مقتنيات "شرعية" تعود ملكيتها لأفراد امتلكوها واحتفظوا بها في تلك القترة، وبين مقتنيات "غير شرعية" صير إلى تهريبها في السوق السوداء إلى خارج العراق، يطرح إشكالية تتعلق بالتوثيق لتلك المرحلة، وعمّا إذا كان يجب التعامل مع المقتنيات المرتبطة بحقبة صدام حسين على أنها مقتنيات أثرية مفترضة لها قيمتها التاريخية التي يجب المحافظة عليها ومحاربة الاتجار بها وتهريبها وأن تكون بعهدة السلطات الرسمية العراقية.

"هناك حاجة إلى تقييم هذه المقتنيات والتثبت منها، قبل الحديث عن قيمتها التاريخية، لأنها قد لا تكون ذات قيمة فعلية"، يقول أستاذ تاريخ الفن والآثار في جامعة المستنصرية محمد العبيدي، لـ "ارفع صوتك".

بالنسبة إليه، فإن "زمناً لا يقل عن 250 سنة يجب أن يمر على هذه المقتنيات حتى تدخل مرحلة الأثر ثم يتم التعامل معها على هذا الأساس".

بالتالي، يوضح العبيدي، فإن هذه المقتنيات ترتبط بملّاكها الشخصيين "والزمن الكفيل في أن يضعها في كفة الآثار مثلها مثل أي ممتلكات أخرى لدى الناس من تلك الحقبة، سواء أكانت مسكوكات ذهبية أو ساعات أو أقلام أو هدايا كانت تقدّم في زمن صدّام".

مواضيع ذات صلة:

صورة تعبيرية لجامع النوري في الموصل شمال العراق
صورة تعبيرية لجامع النوري في الموصل شمال العراق

تحلُّ في منتصف الشهر الحالي ذكرى "المولد النبوي" الذي اعتبرته الحكومة العراقية إجازة رسمية لموافقته يوم 12 ربيع أول، وهو التاريخ الذي رجّحت المرويات التاريخية أنه شهد ميلاد الرسول محمد، استنادًا لمقولة ابن عباس "وُلد رسول الله عام الفيل، يوم الاثنين، الثاني عشر من شهر ربيع الأول".

بحسب الترتيب الزمني الذي أورده دكتور صلاح الدين بن محمد في دراسته "الإلزامات الواردة على بدعة الاحتفال بالمولد النبوي"، فإن أول من احتفل بالمولد النبوي هم الفاطميون سنة 362 هجرية بالقاهرة، وهي الاحتفالات التي استمرت في مصر حتى ألغاها أمير الجيوش الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالي وزير المستعلي بالله سنة 490 هـ.

بعد سنوات من هذا الإلغاء سيكون للعراق الفضل في إعادة إحيائها مُجدداً لتنتشر بعدها في أصقاع العالم الإسلامي حتى اليوم، فما قصتها؟

 

البداية من الموصل

عاد الاحتفال بالمولد النبوي للظهور مُجدداً على يدي الفقيه عُمر بن محمد الموصلي، الذي تمتّع بمكانة اجتماعية كبيرة في الموصل شمال العراق بسبب فقهه وزُهده، فحاز شهرة كبيرة في العالم الإسلامي حتى تُوفي سنة 570 هـ.

بحسب كتاب "الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية" لأبي شامة المقدسي، فإن "زاوية الشيخ عمر" كانت محلاً لزيارة العلماء والفقهاء والملوك والأمراء. 

وامتلك الشيخ عُمر علاقة وطيدة بنور الدين زنكي صاحب حلب، إذ اعتاد الأخير مراسلة الشيخ عُمر لـ"استشارته في الأمور العِظام"،كما كان يزوره كل سنة في شهر رمضان لتناول الإفطار معه.

تعززت هذه المكانة حين خضعت الموصل لسُلطان نور الدين زينكي عام 566 هـ فأوصى وُلاته عليها بأن يستشيروا الشيخ عُمر في كل كبيرة وصغيرة، حتى نال لقب "المولى".

بحسب أبي شامة المقدسي فإن الشيخ عُمر هو الذي أشار على نور الدين بشراء قطعة أرض خراب في وسط الموصل وحوّلها إلى مسجد أنفق على بنائه أموالاً كثيرة، هو "جامع النوري" الذي لا يزال قائماً حتى اليوم.

لم يكن "جامع النوري" هو أكبر إنجازات الفقيه الموصلي إنما إعادة إحياء الاحتفال بـ"المولد النبي"، أيضاً. وبحسب كتاب "خدمات الأوقاف في الحضارة الإسلامية إلى نهاية القرن العاشر الهجري"، كان الشيخ عُمر كان يقيم في كل سنة داخل زاويته احتفالاً بميلاد الرسول محمد، يوجّه فيه الدعوة لحاكم الموصل وكبار رجال الدولة للحضور إلى الزاوية حيث تُقدّم لهم الأطعمة والمشروبات ويستمعون للشعراء الذين حضروا هذه الاحتفالية للتنافس على إنشاد قصائد المدح النبوي.

تزامن هذا الاحتفال مع الاهتمام الجماعي الذي أبداه أهل الموصل طيلة العهد الأتابكي بمناسبة "المولد النبوي"، فكانوا يعتادون تزيين الدور والأسواق ويتجمهرون في المساجد.

في كتاب "رسائل في حُكم الاحتفال بالمولد النبوي"، لم يستبعد مؤلّفوه أن يكون الشيخ عُمر وغيره من أهل الموصل مالوا لإقامة هذه الاحتفالات كأحد أشكال تأثرهم بالفاطميين، الذين أقاموا صلات مباشرة بحكام الموصل على مدار سنوات طويلة، في إطار مساعيهم لإسقاط دولة الخلافة العباسية في العراق.

وذكر كتاب "تاريخ الموصل" لسعيد الديوه جي، أن أبرز حكام الموصل الذين رحبوا بهذا التقارب، هم  أمراء الدولة العقيلية الشيعية مثل حسام الدولة المقلد العقيلي (386 هـ- 391 هـ) وولده معتمد الدولة قرواش، اللذين حافظا على علاقات جيدة مع خلفاء مصر حتى أن قرواش أعلن تبعيته للخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله في 401 هـ، وهي خطوة لم تدم كثيراً بعدما تراجع عنها سريعاً بسبب تهديدات الخليفة القادر العباسي له بالحرب.

ووفق كتاب "الإعلام بفتاوى أئمة الإسلام حول مولده عليه الصلاة والسلام" لمحمد بن علوي الحسني، فإن الشيخ عُمر بعدما بات أول مَن احتفى بالمولد النبوي في العراق اقتدى به صاحب أربيل الملك المظفر كوكبري بن زين الدين بن بكتكين الحليف المخلص لصلاح الدين الأيوبي سُلطان مصر.

أربيل: مهرجان ديني حاشد

عمل زين الدين والد الملك المظفر الدين كوكبري والياً على الموصل، فحقّق نجاحاً كبيراً حتى أنه عندما مات سنة 563 هـ كان عدد من المدن الكبرى في العراق خاضعاً لحُكمه مثل: أربيل، شهرزور، تكريت، سنجار، حرّان وغيرها.

بعدما توفي زين الدين ورث ابنه مظفر الدين كوكبري حُكم أربيل، ولكن لصِغر سنه تولّى شؤون الإمارة أحد مماليك والده الذي خلع كوكبري عن الحُكم ونصّب بدلاً منه أخوه، هنا استعان كوكبري بصلاح الدين الأيوبي الذي أعاده أميراً على أربيل في 586 هـ.

يحكي عبد الحق التركماني في كتابه "ابن دحية الكلبي وكتابه (التنوير في مولد السراج المنير والبشير النذير)": "أخذ كوكبري عن الشيخ عُمر هذه البدعة وطوّرها وتفنن في إقامتها وبذل أموالاً عظيمة في ذلك".

وأورد كتاب "إمارة أربل في العصر العباسي" للدكتور سامي الصقار، أن كوكبري بدءاً من سنة 604 هـ "أولى اهتماماً بإقامة مهرجان ضخم للاحتفال بمولد النبي يتضمن العديد من الفعاليات التي لفتت انتباه الكثيرين من مختلف أنحاء العالم".

ووصف إحياء المناسبة: "في شهر محرم من كل عام هجري يبدأ توافد عوام المسلمين من بغداد والجزيرة ونصيبين وغيرها من البلاد على أربيل، بالإضافة إلى جماعات من الفقهاء والصوفية والشعراء، ومع بداية شهر ربيع الأول يأمر كوكبري بنصب قباب من الخشب المُزين تُخصص كل منها لاستضافة عروض رجال الأغاني والخيالة وأصحاب الملاهي، وكان الناس يزدحمون حول خيامهم لمشاهدة عروضهم".

قبل الاحتفال بيومين كان منظمو المهرجان يطلقون مسيرة ضخمة تتكوّن من مئات الإبل والبقر والغنم التي تزفّها الطبول إلى ميدان كبير تُنحر فيه وتُطبخ ثم يوُزع لحمها على الحضور، كما ذكر الكتاب.

في اليوم الأول للمهرجان كان كوكبري يحضر الاحتفال بصحبة الأعيان والفقهاء وعوام الناس لمشاهدة عروضٍ عسكرية يقوم بها بعض جنود الجيش، بعدها تُقام موائد طعام ضخمة للحضور، 

وقدر حسام الدين قِزغلي (حفيد ابن الجوزي) في كتابه "مرآة الزمان في تواريخ الأعيان"، أن أسبطة الطعام كانت تضم "100 فرس مشوية منزوعة العظام، و5 آلاف رأس غنم و10 آلاف دجاجة و30 ألف صحن حلوى".

بعد الانتهاء من الطعام، كان كوكبري يكرّم عدداً من الأعيان والفقهاء وكبار الضيوف ويوزّع عليهم الأموال. ووفق تقديرات المؤرخين فإن هذه الاحتفالات الضخمة كانت تكلف ما يزيد عن 300 ألف دينار (عملة تلك الفترة).

كيف يحتفل المسلمون بالمولد النبوي في البلدان العربية؟
يعبّر المسلمون -في كل مكان- عن حبهم للنبي من خلال مجموعة من الطقوس والشعائر الفلكلورية الشعبية المتوارثة، والتي تتنوع وتتباين باختلاف الثقافة والمكان. نرصد في هذا التقرير أهم المظاهر الاحتفالية بالمولد النبوي في مجموعة من الدول العربية.

يقول الصقار "رغم ما اشتهرت به احتفالات الخلفاء الفاطميين بالمولد النبوي من بذخٍ شديد فإنها على فخامتها تُعدُّ متواضعة إذا ما قُورنت باحتفالات أربيل، إذ كانت الحفلات الفاطمية تقتصر على ليلة واحدة تُقدم فيها الحلوى والأطعمة ثم يرتّل القرآن وتُنشد القصائد في حضرة الخليفة الفاطمي، بعكس احتفالات أربيل التي كانت تستغرق عدة أيام".

هذا الاحتفاء المهيب استدعى إشادة شهاب الدين أبو شامة في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث"، حيث قال "من أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل في مدينة أربيل في اليوم الموافق ليوم ميلاد النبي من الصدقات وإظهار الزينة والسرور".

أحد أشهر حضور هذا "المهرجان النبوي" كان المؤرّخ عمر بن الحسن حفيد الصحابي دِحية الكلبي الذي شاهد الاحتفالات 625 هـ وألّف عنها كتاباً بعنوان "التنوير في مولد السراج المنير" قرأه بنفسه على حضرة الملك فأجازه وكافأه بألف دينار.

وفيه تحدّث عن شهادته على ليلة المولد في "إربل المحروسة" وعن لقائه بـ"أفضل الملوك والسلاطين"، حسبما ذكر دكتور أنس وكاك في بحثه "قبسٌ من (التنوير في مولد السراج المنير) للحافظ أبي الخطاب بن دحية الأندلسي".