عرف العراق أكثر من نظام سياسي على مدى تاريخ الدولة العراقية. وتعود أول تجربة برلمانية عراقية إلى عام 1924، حيث جرى تأسيس أول مجلس نيابي، في إطار الإنتداب البريطاني والعهد الملكي.
تم افتتاح المجلس التأسيسي بخطاب احتفالي ألقاه الملك في السابع والعشرين من مارس 1924. وأمضى المجلس تحت رئاسة عبد المحسن السعدون في تنفيذ مهمته الأولى وهي التصديق على المعاهدة العراقية الإنجليزية، كما عمل على إعداد الدستور الذي أسّس للنظام الملكي الدستوري، ولأول انتخابات برلمانية.
في 1925، شُكّل أول برلمان منتخب بعد كتابة الدستور وإقامة نظام ملكي دستوري، وبحسب القانون الأساسي (الدستور) لعام 1925، أصبح العراق دولة ذات سيادة، وحكومة ملكية وراثية نيابية، وسيادة المملكة العراقية للأمة (المقصود أن السيادة للشعب).
كما نصّ الدستور على أن البرلمان هو مجلس الأمة ويتألف من مجلسين، هما النواب والأعيان. يتألف الأول من أعضاء منتخبين بنسبة نائب لكل عشرين ألف ناخب من الذكور، والملك مصون وغير مسؤول، وهو يعيّن أعضاء مجلس الأعيان.
وبحسب الدستور أيضاً، كان يحق للملك تعطيل أو حل البرلمان، وفي حال لم تكن الجمعية بحالة انعقادد للملك الحق وبالتوافق مع الحكومة في إصدار مراسيم لها قوة القانون.
وما يعكس إعطاء هذه الصلاحية للملك، هو نصّ الدستور "السلطة التشريعية تعطى للبرلمان والملك"، وهذا الأمر أضعف سلطة البرلمان، وجعله تابعاً للسلطة التنفيذية.
في مقدمة المُترجم لكتاب سايفت همسلي لونكرك "العراق الحديث- من سنة 1900 إلى 1950"، يكتب سليم طه التكريتي أن هذه الفترة، أي النصف الأول من القرن العشرين، شكّلت "نقطة تحوّل أساسية كبرى في حياة الشعب العراقي كله، ذلك لأن العراق قد أصبح في أعقاب الحرب العالمية الأولى بلداً ينعم لأول مرة بعد مئات السنين المتوالية، بنوع من الحكم والتنظيم الذي لم يكن موجوداً من قبل، ولم يألفه سكانه قط، لأن هذا الحكم كان يقوم على أسس وأفكار جديدة مغايرة، هي أسس الديمقراطية البرلمانية الغربية". وهذه الفترة شهدت ولادة أول برلمان عراقي.
في كتابه "العراق- تاريخ سياسي من الاستقلال إلى الاحتلال"، يحكي المؤرّخ وأستاذ العلوم السياسية في جامعة ميامي في أوهايو عضيد داوشيه، حكاية تأسيس البرلمان العراقي الأول في عهد الملكية، الذي سمّي حينذاك بـ"المجلس التأسيسي"، ويسرد تفاصيل عملية المصادقة على المعاهدة العراقية-البريطانية (1922) التي شهدت معارضة داخل المجلس من أجل إسقاطها، لكن البريطانيين فرضوها بالقوة.
بحسب داوشيه، ضغط البريطانيون من أجل المصادقة على الاتفاقية وكانوا مصرّين على تمريرها بأقل عدد ممكن من المعارضين، لذلك، قاموا بالضغط على الملك لأجل أن يضمن وصول الأعضاء إلى مجلس النواب ممن كانوا على وئام مع السياسات البريطانية.
بالرغم من المعارضة الكبيرة والمقاطعة للجلسة، استطاع البريطانيون تمرير الإتفاقية في المجلس التأسيسي، حيث قام أعضاء الحكومة بمؤازرة من الشرطة بجلب 69 نائباً من الأعضاء المئة "كان بعضهم حرفياً قد أُجبر على النزول من داره، وجعلوهم يصوتون على الاتفاقية".
مع كل ذلك، صوّت 37 عضواً فقط لصالح الاتفاقية بينما رفضها 24 وامتنع 8 عن التصويت.
ولعب الانتداب البريطاني والحكومات المتعاقبة دوراً في تقويض سلطة البرلمان في كثير من الأحيان، كما يشرح الباحث، ومن عوامل ذلك كان قانون الانتخابات "الذي أعطى الحكومة صلاحيات التدخل في العملية الانتخابية".
نص القانون الانتخابي آنذاك على أن تجري انتخابات أولية ثم يقوم الفائزون بتلك الانتخابات بإجراء انتخابات ثانوية يختارون فيها أعضاء البرلمان. ووفر هذا النظام للحكومة والبلاط الملكي عدداً أقل من المصوتين يمكن التحكم بهم والتأثير عليهم.
ويشير داوشيه إلى أن الحكومات المتعاقبة "في حال لم تكن راضية عن وجود المعارضة، كانت دائماً ما تهدد بحل البرلمان، وفي بعض الأحيان كانت تحصل على موافقة الملك لتحقيق ذلك".
وطوال فترة الحكم الملكي، وبسبب هذا التداخل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لم يصوت البرلمان ضد أي من القرارات الحكومية.
يقول داوشيه إن "البريطانيين ربحوا هذه الجولة في المجلس النيابي الأول عبر تقويض العملية الديمقراطية من خلال استخدام القمع السياسي. واستمروا في التدخل بعمل البرلمان خلال العقد التالي، حيث كانوا يوقفون بعض القرارات والتعديلات والقوانين ويهدّدون بحل البرلمان".
وفي ذلك المجلس التأسيسي فهم العديد من البرلمانيين وظيفة مؤسستهم والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم"، فدافعوا "ببسالة" عن مصالح البلاد العليا.
كان ذلك المجلس التأسيسي، وفق تقييم داوشيه "بداية موفقة للحياة البرلمانية في العراق، إذ إن الحرية النسبية التي كانت تجري فيها النقاشات وحيادية الحكوم-بالطبع إلى حين تدخل المندوب السامي- كانت تعِدُ بدور كبير للبرلمان في الحياة السياسية في العراق".
"إلا أن الحكومات العراقية المتعاقبة مقتديةً بالبريطانيين، عملت على إضعاف دور البرلمان وجعله خاضعاً لمجلس الوزراء ورئيسه" يتابع داوشيه.