شوارع بغداد خالية بسبب حظر التجول

بغداد - دعاء يوسف:

على مدى الأسابيع الماضية، لجأت وزارة الصحة العراقية إلى تعليق ملصقات على الجدران لتوجيه رسائل صحية حول الوقاية من العدوى بفيروس الكورونا الجديد.

وتأتي تلك الرسائل في وقت يستخف فيه الكثير من الاشخاص بتعليمات البقاء في البيت. فمثلاً، أحد الملصقات عن الفيروس، تظهر فيه رجلا يضع على أنفه منديلا ورقياً عند العطس، وغيرها تحوي تعليمات صحية عن أعراض العدوى وكيفية حماية نفسك والآخرين من الوباء.

وترى سوسن طارق، التي تعمل في مختبر للتحليلات المختبرية، أنها فرصة لتوعية الناس في التصدي لهذا الوباء، ولكنها قد تكون غير ناجعة.

وعبرت سوسن عن قلقها من مسألة أخرى تتعلق بسخرية الناس من أي شيء تقدمه الجهات الصحية، والتي يصفها كثيرون بأنها لتحقيق مصالح وفرص لسرقات جديدة.

وتقول "الناس لم تعد تثق بالحكومة ولا بوزاراتها، وتعتقد أن كل خدمة تقوم بها هي لخدمة مصالحها لا لخدمة الشعب".

ولكنها تعود وتؤكد أن حملات التوعية والتثقيف التي يشارك فيها الكثير من الشباب المتطوعين كفيلة بتجاوز كل شيء.

لا يتاح التجول بشوارع العاصمة بغداد إلا بالمرور على مجموعة من نقاط التفتيش الأمنية، بعد فرض حظر التجوال في عموم البلاد لكبح انتشار فيروس كورونا. 

وتشكل المهمة التي تقوم بها النقاط التفتيشية، ممارسات ترتبط بالعمل الأمني كالتأكد من شخصية المار وطرح الأسئلة المتعلقة بأسباب كسره لحظر التجوال.

ويسرد ياسر أحمد، الذي يعمل في وظيفة حكومية، عندما خرج من بيته صباح (٢٥ آذار/مارس) الجاري لاستلام راتبه الشهري من ماكينة الصراف الآلي الواقع في منطقة المنصور الخاوية من المارة تقريباً.

ويقول لـ(ارفع صوتك) "في كل شارع واستدارة سيتم إيقافك. وستكون بمواجهة الحواجز البلاستيكية والخرسانية التي تعزل منطقة عن غيرها قبل أن يسمح لك رجل الأمن باجتيازها".

 ويتابع أحمد (٤٩عاماً)  "عندما جاء دوري في إحدى نقاط التفتيش سألني رجل الأمن: لماذا خرجت من بيتك، ومتى تعود؟".

لا بد من احتجازه

وتشير زينب قاسم، وهي موظفة حكومية أيضا، إلى أن أكثر الأمور التي تحرص عليها النقاط التفتيشية الآن تتعلق بمنعك من التجوال في شوارع المدينة واحتجازك في حال رفضك العودة للبيت.

وتقول لـ(ارفع صوتك)، إن "التجوال في الشوارع الرئيسة ليس أمراً سهلاً، لقد شاهدت رجال الأمن وهم يحتجزون رجلاً كان مع زوجته رغم أنهما كانا يرتديان للكمامات والقفازات، لأنه الرجل تصرف بردود مستفزة وعدوانية رافضاً العودة للبيت. فكان لا بد من احتجازه".

وكانت قيادة عمليات بغداد في العراق، قد هددت باعتقال كل من يخرق حظر التجوال المفروض في المدينة باستثناء الحالات الطارئة كإجراءات لمكافحة فيروس كورونا، داعية المواطنين إلى الامتثال لتوجيهات السلطات.

زقاق المحلة

ولكن، لو حاولت ألاّ تصل الشوارع الرئيسة وتكتفي بالتجوال داخل زقاق محلتك فإن أكثر ما يشد انتباهك هو أن البعض غير متفاعل مع حظر التجوال، فالأسواق والمتاجر وغيرها من محال البقالة والمخابز تستقبل الزبائن دون احتياطات للأزمة أو مخاوف.

يعترف عمار هاشم، وهو يدير مخبزاً، أن بعض الزبائن لا يأخذون أية احترازات بشأن الفيروس، ويسخرون منه.

ويقول عمار (٢٧عاماً): "الآن، يحدث أن تشاهد الأطفال وهم يركضون ويمرحون في الأزقة وأمام البيوت وكأنهم يقضون أيام العطلة- لا حظر التجوال- بالأوقات المسلية".

ويشير إلى أن المتاجر ما زالت مزدحمة بالمشترين حتى الآن. "عندما تطلب من البعض ألاّ يتجمعون يقولون لك: أين نذهب، نشعر بالضجر والملّل من البيت".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.