هجوم مكيشيفة.. يدق صفير الإنذار
هجمات مسلحة متكررة لفلول داعش في الأسابيع الأخيرة تزامنت مع تحذيرات من عودة نشاط التنظيم، الذي استغل الأزمات السياسية والاقتصادية والصحية بالعراق، في إعادة ترتيب صفوف من تبقى من عناصره.
وفي قراءة تحليلية للخبير في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي، يرى أن الهجمات الأخيرة لمفارز وشبكات داعش "تدق صفير الإنذار نظرا لتداعيات تلك الهجمات التي ترتكز على تطييف العمليات الإرهابية في المناطق المختلطة سكانيا أو عسكريا أو التي لها رمزية دينية خاصة".
وتعتبر هذه العمليات مؤشرا على تعاون لثلاث قواطع عمليات لتنظيم داعش "كركوك وديالى وصلاح الدين" للتنسيق فيما بينهم في إطار عسكري أمني مقنن ومنظم، بالإضافة إلى أن هذه العمليات تساهم في تحقيق الثأر والتمويل الذاتي وإثبات الوجود لدى قيادات وافراد التنظيم، من خلال عودة التغطية الإعلامية الدولية والمحلية لقواطع عملياتهم.
رمزية رمضان
لشهر رمضان مزية قتالية خاصة لدى "التنظيمات الإرهابية التكفيرية"، حيث تكثر فيه الروح التنافسية بين أفرادها من أجل تنفيذ عمليات انتحارية.
ولهذا الجانب أكثر من حادثة، منها عملية مديرية استخبارات كركوك يوم ٢٨ نيسان/ أبريل الماضي، حيث قام بتنفيذها إرهابي ليس عراقي، بحسب بيان وكالة أعماق الداعشية.
وإنغماسية عملية مكيشيفة فجر يوم ٢ أيار/ مايو، والتي تعتبر عملية نوعية لأنها استخدمت انتحاري وانغماسي في الوصول إلى داخل المدن السكنية، "وهذا تحول نوعي"، وفقا للهاشمي.
ويقول "كانت داعش طيلة عامي 2018 و2019 تبحث عن مأوى في المناطق المفتوحة، منطقة الخانوكة بتلال حمرين، في منطقة جبال قرة جوغ جنوب قضاء مخمور، في وداي الشاي ووادي زغيتون في كركوك، مناطق وادي العظيم وجزيرة جلام ومنطقة مطيبيجة في صلاح الدين، وغيرها، لكنها اليوم أصبحت تقاتل داخل أحزمة المدن الريفية وتهاجم داخل المدن الحضرية".
نقاط الضعف
مثل هذه العمليات تتطلب انتباها من قبل دوائر الاستخبارات والمعلومات والتحليل، لأن عناصر التنظيم التي تنفذ في مثل هذه المناطق تحتاج إلى عدة أمور، أهما مضافة قريبة من الهدف وأخرى بعيدة وبينهما ناقل وساعي بريد وعنصر استخباري ومجهز السلاح والأحزمة الناسفة، كما أنهم بحاجة إلى معسكر للتدريب الرياضي والعسكري ومقر للتحكم والسيطرة لتقديم القدرات التخطيطية والتي تظهر بوضوح في تنفيذ العمليات الجماعية مــن خلال المزج بين جميع المفارز التي كلفت بتنفيذ العملية، سواء كانت استخبارية واستطلاع أو تقنية أو نقل ولوجستي أو مفرزة إسناد.
ويوضح الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، أن هذا الارتباط والتنـسيق "برز لنا بوضوح في هجوم يوم ٢ أيار/مايو على نقاط المرابطة للحشد الشعبي في ناحية مكيشيفة من خلال الترابط في أداء الهجمات".
حيث تشير تسريبات أمنية مطلعة في الحشد الشعبي أن الهجوم بدأ منسقا على أربع مناطق تقع في محيط مدينة سامراء وهي مكيشيفة ومطيبيجة والدور وتل الذهب، بحسب الهاشمي.
تفاصيل الهجوم والانسحاب
ويروي الهاشمي تفاصيل الهجوم، بقوله:
الهجوم أنطلق من منطقة جزيرة جلام شرق النهر ومن الضفة المقابلة لمدينة الدور.
القوة الهجومية 4-5 مفارز، يتراوح عديد كل مفرزة مابين 10-11 إرهابيا.
الهجوم ركز على إحدى نقاط التفتيش التابعة لقوات الشهيد الصدر لواء 35 حشد شعبي في منطقة مكيشيفة، وأدى إلى مقتل جميع أفراد النقطة، والبالغ عددهم 6 عناصر من الحشد الشعبي.
وافتتحت هذه النقطة قبل أيام بعد انسحاب فوج طوارئ الديوانية.
وعند تقدم دورية من الحشد الشعبي مع قوة من الشرطة الاتحادية ومفرزة من الاستخبارات إلى مكان الحادث، انفجرت عبوة ناسفة على دورية تابعة للواء 35 حشد شعبي، أدت إلى مقتل بعض العناصر وجرح ثلاثة آخرين.
في الشهادة الأمنية أعلاه، نلاحظ أن المهاجمين اختاروا نقطة مرابطة أنشأت حديثا، وهذا يعني أن لديه استطلاع استخباري قريب ولديه ما يمكنه من الاقتراب لتلك النقاط العسكرية بدون حذر أو ريبة، وهذا يعني أن جهة أمنية أو عسكرية قريبة مخترقة من قبل متعاون مع هذه المفارز، وجهة ثانية ناقلة، ساعدت هذه المفارز على العبور من جزيرة جلام عبر النهر، والانسحاب مرة أخرى عبر النهر إلى الضفة الشرقية.
بعد انسحاب فلول داعش كان من المفترض استمرار المطاردة والتي تفرضها قواعد حرب الشوارع أو حرب العصابات وطبيعتها القتالية التي تتطلب الدقة والسرعة والذكاء بدرجة أولى.
ويمثل الدعم الجوي والمروحي العنصر الأهم بعد المعلومات الاستخبارية في إنجاز مهمة المطاردة، وهو جزء هام من التحضير العام والشامل لأنهاء قدرات المفارز المتواجدة في المناطق المفتوحة.
التكتيك الجديد
يعتمد تكتيك داعش الجديد على الترابط بين قواطع "ديالى، كركوك، صلاح الدين"، في نقاط جغرافية مشتركة محصنة بالتضاريس الطبيعية، المتمثلة هنا بـ"جزيرة جلام".
هذه النقاط تقوم بالاستقبال وتهيئة الدعم اللوجستي، ومن ثم توزيع المهام على المفارز والتخطيط للهجوم، والطريقة الأساسية لتنفيذ عمليات نوعية في هذا التكتيك من خلال "الانهاك المجهد"، عمليات في جبهات متعددة تنهك القوات التقليدية المرابطة في معسكرات وثكنات ونقاط أمنية.
ثم مراقبة الثغرات والمناطق الهشة وتنفيذ الهجوم، ولهذا يجب تدمير النقاط المشتركة بين قواطع العمليات الداعشية، فإن تدمير تلك المناطق يستلزم قوات خاصة مدربة عــلى أعــلى مــستوى لإحــداث هــذا الاجتثاث وقطع الترابط والتنسيق وآلية التواصل بين قواطع عمليات العدو من خلال استراتيجيات مدروسة ومجربة مسبقا سواء من المنطقة المفتوحة أو المنطقة المشتركة وهو الذي ينبغي أن ترصده دوائر المعلومات والاستخبارات.