واشنطن - ترجمات ارفع صوتك:
شط العرب شريان الحياة في جنوب العراق. آلاف الفلاحين والصيادين يعتمدون على النهر لتأمين قوتهم اليومي.
ويمتد الشط على أكثر من 200 كيلومتر، تبدأ من نقطة التقاء نهري دجلة والفرات قرب مدينة البصرة وحتى مصب النهر في الخليج.
لكن هذ النهر يعاني من التلوث الشديد منذ عقود. وهو ما تسبب في أزمات صحية متلاحقة. موقع "بيلنجكات" الاستقصائي أجرى تحقيقا مطولا في الموضوع. وحسب التحقيق، بحلول سنة 2018، تعرض أكثر 110 ألفعراقي لمضاعفات صحية بسبب المياه الملوثة في البصرة. وهو دفع بسكان المدينة حينها إلى الخروج إلى الشارع في تظاهرات حاشدة.
لكن، لا يبدو أن الوضع سيتغير. فما تزال إمدادات المياه تتعرض للتلوث من التسربات النفطية ومياه الصرف الصحي. وهي المشاكل التي يحاول سكان البصرة توثيقها ومشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي أو مع الصحفيين الذين يغطون المنطقة.
النفط على حساب الماء
يحتضن العراق خامس أكبر احتياطي نفطي في العالم، وهو المورد الرئيسي للميزانية في البلد كله. ويتركز المخزون النفطي أساسا في الجنوب، حيث البصرة أكبر المدن هناك. وطوال العقود الماضية، كان للاستغلال النفطي أثركارثي على الموارد المائية في الجنوب. فمنذ سنة 1985، قدرت ورقة بحثية أن 200 ألف طن من بقايا النفط يتم تصريفها في مياه الخليج كل عام.
وزادت الأحداث السياسية المتلاحقة في البلاد منذ الثمانينات من أزمة تلوث شط العرب وشبكة المياه بشكل عام في الجنوب. فمع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980، والتي كان الخلاف على الشط أحد أسبابها، غرقت مئات السفن بين ناقلات نفط وسفن بحرية وسفن شحن وقوارب صيد في النهر متسببة في كارثة بيئية. وفي عام 1989، أي بعد عام واحد فقط من وقف إطلاق النار، تمت إزالة 78 حطاما من النهر.
ودمر القصف الآلاف من أشجار النخيل على ضفاف النهر في البصرة. فوفقا لورقة بحثية نشرت العام الماضي، تسببت الحرب في الإضراربخصوبة التربة، وتدمير البنية التحتية للري. وعانت الأراضي الزراعية من ارتفاع نسبة الملوحة أيضا.
ثم جاء غزو العراق للكويت عام 1991 وما تلاه من ردود فعل دولية (عاصفة الصحراء) ليعقد من أزمة شط العرب والمياه في البصرة ونواحيها، فقد استمر استهداف البنى التحتية الرئيسية، بما في ذلك محطات الطاقة اللازمة لمعالجة مياه الصرف الصحي وتنقية المياه.
وبعد عقد على هذه الحرب، تسبب سقوط نظام صدام حسين سنة 2003والانهيار التام للدولة في العراق ثم الحرب الطائفية في تعطيل الاستثمار في برامج التعافي وإعادة تأهيل البنى التحتية والموارد المتضررة، خاصة في المجال البيئي.
وذكر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، خلال تلك الفترة، أن هناك ما يقرب من 260 حطاما في شط العرب، وحذر من أنها تحمل شحنات خطيرة من المواد الكيميائية والنفط الخام والمكرر ونفط الوقود وأحماض البطاريات والمواد الكيميائية الأخرى والصواريخ قصيرة المدى والذخائر المتفجرة.
تلويث من الداخل والخارج
على عكس أغلب القطاعات الاقتصادية في العراق، كان قطاع النفط محظوظا. فقد حظي بأغلب الاستثمارات، خاصة الأجنبية. وتمكن من زيادة إنتاجه بشكل كبير بعد الحرب. وعلى الرغم من أن بعض شركات النفط الأجنبية، سعت إلى أخذ المخاوف البيئية بعين الاعتبار خلال عمليات الاستغلال النفطية، إلا أن ذلك لم يكن كافيا. فقط ظل الوضع البيئي تحت التهديد دائما. وتسبب الفساد أيضا في غياب أي استثمار حقيقي في القطاع العام في البصرة وفي البنىالتحتية البيئية، بما في ذلك خدمات المياه والصرف الصحي رغم مليارات الدولارات من عائدات النفط.
لكن تلوث شط العرب لا يأتي من الشط نفسه فقط. كثير منه في الواقع يأتي من المناطق العليا في النهر، أي قبل التقاء دجلة والفرات قرب البصرة.
فعلى طول النهرين الأكبر في العراق، تتوزع عشرات المنشآت الصناعية: محطات الطاقة، محطات تنقية المياه، محطات الصرف الصحي، مصانع الورق، المطارات الدولية مثل مطار البصرة، إضافة إلى العديد من المنشآتالأخرى المرتبطة بصناعة النفط.
ووجدت دراسة نُشرت في الموقع البحثي العلمي المتخصص Nature Research""، عام 2020، مستويات تلوث عالية في شط العرب بالمعادن الثقيلة مثل النيكل والكروم والمنغنيز والموليبدينوم والنحاس والرصاص والزنك، يعود مصدرها إلى الأسمدة ومياه الصرف الصحي وورشات لحام المعادن ومنشآتصناعة النفط.
ويواصل السكان في البصرة ومدن الجنوب الاحتجاج ضد شركات النفط. وكان ذلك أحد أسباب نزولهم إلى الشارع خلال تظاهرات سنة 2018. لكن هذه المشاكل كانت معروفة للجميع، بما في ذلك الحكومة، حتى قبل هذا التاريخ بوقت طويل. وتعترف تقارير حكومية صادرة عن وزارة البيئة العراقية في عامي 2005 و2009 بتصريف مياه الصرف الصحي في مدينة البصرة في شط العرب، بالإضافة إلى تصريف المياه الصناعية والخدمية والزراعية من محطات الطاقة والمصانع والمستشفيات.
وفي غياب الاهتمام الحكومي والإعلامي، لجأ سكان المدينة إلى مواقع التواصل الاجتماعي. وأطلق النشطاء صفحات عديدة على فيسبوك لتوثيق المشاكل البيئية التي يعاني منها شط العرب ومدينة البصرة. ويكفي كتابة عبارات مثل "شط العرب"، "تلوث"، "حطام سفن"، أو "نفط" في محركات البحث في فيسبوك أو تويتر أو يوتيوب للحصول على العشرات من نتائج البحث.
ويأتي التلوث من خارج العراق أيضا، وأساسا من الجارة إيران. فعلى سبيل المثال، في 31 يناير 2019 ، أظهرت لقطات على تويتر مياه فيضانات ضخمة قادمة من إيران، تحمل معها كميات هائلة من النفط الخام.
عن موقع بلينجكات بتصرف - رابط المقال الأصلي