"أكثر من نصف عدد سكان سوريا نازحون... وعلى الرغم من تدفق اللاجئين بأعداد كبيرة، فإن معظم البلدان المضيفة لم تتلقَّ دعماً دولياً حقيقياً.

وفي محاولة للإفلات من الأوضاع البائسة، يخاطر اللاجئون والمهاجرون بأرواحهم للوصول إلى أماكن آمنة. هذه خلاصة تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية بعنوان "أزمة اللاجئين العالمية: مؤامرة الإهمال"، في 15 حزيران (يونيو) الماضي.

مرّ على بدء الثورة السورية نحو أربع سنوات ونصف السنة. الثورة التي بدأت سلمية وطالبت بالحرية والديموقراطية واجهها النظام بحملة قمعية شرسة أخرجت المعتدلين من الصورة وأحلّت مكانهم تدريجياً مجموعات إسلامية معظمها متطرّف. وبين سندان آلة النظام القمعية ومطرقة التنظيمات المتطرفة والإرهابية، حلّت الكارثة على الشعب السوري فقُتل بين 220 و230 ألف شخص وهُجّر الملايين حول العالم.

خارطة الانتشار في دول الجوار

في بيان أصدرته في تموز (يوليو) الماضي، قالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إن "عدد اللاجئين السوريين جراء النزاع في بلادهم الذي اندلع عام 2011 تخطى أربعة ملايين، بينهم مليون هربوا من سوريا خلال الأشهر العشرة الأخيرة وحدها". وأوضحت أن القسم الأكبر منهم يقيم في دول الجوار. هؤلاء يُضافون إلى نحو 7.6 مليون نازح داخل الأراضي السورية، ما يعني أن عدد المشردين من منازلهم يكاد يصل إلى 12 مليون شخص.

وبعد أن كان عدد اللاجئين المسجلين في نهاية آب (أغسطس) 2013 ثلاثة ملايين، ها هو اليوم 4.088.078 لاجئاً. وتتوقع المفوضية أن يصل عدد اللاجئين بحلول نهاية السنة إلى 4.27 ملايين.

معظم اللاجئين يتوزّعون على دول الجوار السوري. وبحسب آخر أرقام المفوضية، تستقبل تركيا 1.938.999 لاجئاً، ولبنان 1.113.941، والأردن 629.245، والعراق 249.436، ومصر 132.375. وكانت المفوضية قد تحدثت عن تواجد 24.055 لاجئاً سورياً في شمال أفريقيا. هذه الأرقام هي فقط للاجئين المسجّلين في سجلات المفوضية وهنالك الآلاف غيرهم ممن لم يتم تسجيلهم.

تقاعس دولي عن دعم اللاجئين

في تقريرها المذكور عن أزمة اللاجئين، أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن اتفاقية اللاجئين أرست الفكرة القائلة إن "المجتمع الدولي يجب أن يعمل معاً للتصدي لأزمات اللاجئين، كي لا يضطر بلد واحد أو عدد قليل من البلدان، إلى التصدي لها بمفرده". لكنها لفتت إلى أن "هذا المبدأ الأساسي يتم تجاهله في الوقت الراهن، مما يؤدي إلى عواقب مدمرة حيث أن النظام الدولي لحماية اللاجئين ينهار".

نظرة سريعة إلى أرقام مفوضية اللاجئين تساعد على فهم ما تقصده منظمة العفو. فمن أصل نحو 4.5 مليارات دولار تشكل مجموع المبالغ الضرورية لمساعدة اللاجئين في الداخل السوري وفي دول الجوار، قدّم المجتمع الدولي فقط 36% من التمويل اللازم.

هذا النقص في التمويل يؤدي إلى مواجهة اللاجئين نقصاً حاداً في المساعدات الغذائية والخدمات الصحية والتعليم. وبحسب مفوضية اللاجئين، يعيش نحو 86% من اللاجئين السوريين في الأردن تحت خط الفقر البالغ 3.2 دولار يومياً، ويعيش أكثر من نصف السوريين اللاجئين في لبنان في أماكن إيواء دون المستوى المطلوب.

"غزو" اللاجئين لأوروبا

تؤكد منظمات حقوق الإنسان أن على الدول الغنية واجب استقبال أعداد من اللاجئين للتخفيف قليلاً عن دول الجوار التي أرهقها ثقل استقبال مئات الآلاف منهم. وحتى الآن، تقول الدراسات أن أعداد اللاجئين في الدول الغنية تُراوح بين 100 و150 ألفاً.

syria 2

وبحسب تقدير مشترك بين منظمة "أوكسفام"، "منظمة العفو الدولية"، "هيئة إنقاذ الطفولة"، و"مجلس اللاجئين النرويجي"، على الدول الغنية استيعاب 5% على الأقل من اللاجئين قبل نهاية العام الحالي، أي 190 ألف لاجئ. وترى "منظمة العفو الدولية" أنه يجب إعادة توطين عدد مماثل خلال السنة المقبلة. أما المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فتسعى، بحسب تقييماتها، إلى إعادة توطين 130 ألف لاجئ فقط قبل نهاية 2016.

من هنا، تتوجه الأنظار بشكل خاص إلى الاتحاد الأوروبي كونه مقصداً لأعداد كبيرة من اللاجئين السوريين تتزايد باضطراد. في أيار (مايو) الماضي، اجتمعت المفوضية الأوروبية لدراسة المسألة خاصةً أن إيطاليا واليونان، الدولتين الأقرب إلى منطقة الأزمة، تشهدان تدفقاً كبيراً غير شرعي للاجئين وتطالبان بتوزيعهم على كل دول الاتحاد.

وبدون تحديد جنسيات اللاجئين، لم تتفق الدول الأوروبية إلا على إعادة توزيع 32.256 لاجئاً وصلوا إلى الدولتين المذكورتين، وعلى استقبال 20 ألفاً من المقيمين في دول أخرى وهم "في حاجة ماسة للحماية الدولية"، وذلك ليس فوراً بل في غضون عامين. وأيضاً فشلت المفوضية في تحديد حصص الدول الـ28 من هذه الأعداد وتأجل الاتفاق على الأمر.

وأمام العوائق التي تمنع السوري من اللجوء إلى أوروبا بشكل قانوني، تزداد الرحلات المحفوفة بالمخاطر بحراً وبراً والتي أدت إلى وفاة كثيرين. وأكدت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أن السوريين يشكلون ثلث المهاجرين الـ 137 ألفاً الذين عبروا البحر المتوسط قاصدين أوروبا في النصف الأول من العام الحالي.

وقالت آنا شيا، الباحثة في مجال حقوق اللاجئين والمهاجرين في منظمة العفو الدولية، إن "الحكومات تقول إن المهربين أو المتاجرين بالبشر هم المشكلة. لكن واقع الأمر أن التهريب أو الإتجار بالبشر هو النتيجة، وتقاعس الحكومات عن التحرك الكافي هو السبب الأساسي... وتتحمل الحكومات المسؤولية الأدبية عن منعهم من استخدام القنوات الآمنة والقانونية".

التقاعس عن استقبال اللاجئين السوريين يبرز أيضاً في رفض استقبال دول الخليج لبعضهم. وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير نشرته في كانون الأول (ديسمبر) الماضي "إن دول الخليج الغنية تقاعست عن استضافة لاجئين من سوريا في تجاهل مخجل".

شارك في النقاش:

لماذا تقاعست دول الخليج الغنية وإيران الإسلامية عن استضافة لاجئين من سوريا والعراق؟

الصورة 1: لاجئون سوريون شرّدتهم الحرب/وكالة الصحافة الفرنسية

الصورة 2: لاجئون سوريون تجمعوا في ميناء فرنسي عام 2013 سعياً للعبور إلى بريطانيا/وكالة الصحافة الفرنسية

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".