في السابع والعشرين من شهر تمّوز/يوليو عام 2013، عبرت خولا الحدود اللّبنانية مع أقرباءٍ لها، ممسكة بحقيبة صغيرة واحدة فيها أوراق ثبوتية وملابس قليلة وجهاز هاتف خليوي قديم من دون شاحن. عبرت خولا من دون الرجل الذي كانت قد ارتبطت به منذ أقلّ من سنة. وعند السؤال عن مكانه، قالت إنّها لا تعرف.

مرّ شهر من دون أن تعرف وبعدها شهر آخر. والآن بعد عامين على قدومها إلى لبنان، ما تزال لا تعرف.

تحاول خولا دائماً أن تبدو قويّة، لكن قريباتها يخبرن كيف تبكي كلّ حين عندما تتذكّر زوجها. خولا ليست الوحيدة في متاهة عدم معرفة مصير زوجها. ففي target="_blank">فيديو مصوّر أعدّته المفوضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين عن اللاجئة السورية رقم مليون في سجلات المفوضية، ظهرت بشرى مع ولديها بعد فرارها إلى لبنان خوفاً على حياتها وعائلتها.

كان زوج بشرى قد اختفى منذ سنة، بينما هي تواقة لأيّ أخبار عنه. قالت إنّها رأته في حلمها، كانت ممسكة بيده وتطلب منه ألّا يذهب. وروت إنّ الحلم كان بمثابة واقع حقيقي حين استيقظت. الأولوية لبشرى كانت البقاء على قيد الحياة، لكنّ أمنيتها تتلخّص في العودة إلى بلادها والأمل بلقاء زوجها.

قصّة اللجوء السوري في لبنان متشعّبة، فيها الكثير من الحكايات الفردية لأشخاص باتوا ربما أعداداً وليس أكثر في السجلات الرسمية. لكنّ هذه الهجرة القسرية في معظم الأحيان إلى البلد "الشقيق" لبنان ليست الحل الأمثل، فالبلد المضيف يعاني من أزماته ويحاول قدر الإمكان أن يبقى آمناً في ظلّ كل ما تتعرّض إليه منطقة الشرق الأوسط والحروب الدائرة فيها.

البداية..

منذ العام 2011، بدأت حركة هجرة لعدد كبير من المواطنين السوريين نحو لبنان. واضطر السوريون أن يعيشوا في ظلّ ظروف معيشية بالغة الصعوبة وحالة من القلق والخوف والعوز تفاقمت مع تفاقم عددهم. بعض هؤلاء وصلوا عبر الحدود البريّة في سيارات والبعض الآخر اضطر أن يقطع مسافات طويلة مشياً على الأقدام والعبور في مناطق غير آمنة كليّاً. ومع تفاقم الأزمة، بدت سياسة الحكومة اللبنانية ضبابية تجاه التعامل مع اللاجئين القادمين من سوريا. ولم تتمكّن الحكومة اللبنانية من إيجاد حلّ معتدل يضمن للطرفين – اللبناني والسوري – نوعاً من الطمأنينة والانضباط في حركة النزوح.

في المرحلة الأولى من النزوح، تركت الحكومة الحدود اللبنانية مفتوحةً أمام جميع المواطنين السوريين، ملتزمة صراحة بعدم ترحيل أي مواطنٍ سوري، ورافضة بنفس الصراحة إعطاء صفة اللجوء بشكل رسمي للسوريين القادمين إلى لبنان. لكنّ الحال تغيّر بعد حوالي أربع سنوات على نشوب الحرب في سوريا، حيث ناهز عدد اللاجئين السوريين المسجلين في مفوضية اللاجئين  1,113,941 لاجئ. بينما تصل تقديرات العدد الفعلي للجوء السوري في لبنان إلى حوالي مليوني نازح. وتوقّفت المفوضية بعد تاريخ شهر أيّار/مايو 2015 عن تسجيل النازحين بناء على تعليمات من الحكومة اللبنانية.

إجراءات مختلفة

في العام 2014، بدأت السلطات اللبنانية سلسلة اجراءات على اللاجئين السوريين للتخفيف من تدفقهم ومنعت النازح الذي يذهب إلى سوريا من العودة إلى لبنان. وأعلنت ممثلة مفوضية اللاجئين نينيت كيللي آنذاك "انخفاض التسجيل السنوي من 59 الفا شهريا عام 2013 الى 37 الفا شهريا، وانخفض عددهم بمعدل 44 في المئة عام 2014 مقارنة بعام 2013".

كما قام الأمن العام اللّبناني في أواخر العام 2014 بوضع معايير جديدة تنظّم دخول السّوريّين إلى لبنان والإقامة فيه. وفرض لبنان على السوريين الراغبين بدخول أراضيه استصدار تأشيرة، في ما يُعد تحولا رئيسيا عن سياسة عبور الحدود بشكل غير مقيد التي ظلت قائمة بين البلدين في الماضي.

ونصّت الشروط الجديدة على منح ست فئات مختلفة من التأشيرات يُشترط على السوريين استصدار إحداها في حال رغبتهم بدخول لبنان. وتشمل تلك التأشيرات الدخول لأغراض سياحية أو تعليمية أو طبية أو اقتصادية.

وطن بديل

شكّلت هذه الإجراءات عائقاً بالنسبة للسوريين وأنتجت معاناة للعديد منهم. يروي بلال السرحان أنّه اضطر أن يعبر رحلة طويلة للوصول إلى الحدود اللبنانية، لكنّه لم يتمكن من دخول لبنان إلّا بعد حصوله على تأشيرة تعليمية وإنفاقه الكثير من المال في سبيل ذلك.

يقول بلال "نحن لا نريد أن نعيش في لبنان.. لا نعتبره وطناً بديلاً، لكنّه المعبر الوحيد أمامنا". يقول إنّه يسعى للحصول على تأشيرة لأوروبا وقد تواصل مع أصدقاء سبقوه إلى أوروبا لهذا الغرض.

في حديثه عن لبنان، لا تبدو نبرته شديدة الودّ، كذلك أحياناً نبرة لبنانيين يتحدثون عن عبء الأزمة السورية. ويعكس هذا الأمر هوة بين البلدين، وتحديداً الشعبين. لطالما كانت العلاقة السورية-اللبنانية شديدة التعقيد، ولم يتمكّن بذلك الشعبين أن يندمجا ويتعرّفا على بعضهما البعض بشكل صائب.

يتردّد بلال قبل الإجابة عن السؤال حول هذه العلاقة. يعود ويقول إنّ "همّ السوريين الآن محصور بكيفية البقاء على قيد الحياة". ويضيف "ربما بعد أن تهدأ الأمور، بعد أن يصبح لنا وطن من جديد إن تغيرت الأوضاع في سوريا، سنتمكّن أن نصيغ علاقة مختلفة مع اللبنانيين ومع العالم بأجمعه. في الوقت الحالي، نحن رهينة للقلق. لا يهم كثيراً كيف يفكّر بنا العالم، ما يهمّ هو تصرّفاته تجاهنا. ليس الوقت الآن لتصفية الحسابات. أيّ وقت نملكه هو وقت النجاة فحسب".

الصورة: مخيم للاجئين السوريين في لبنان يظهر تردّي أوضاعهم المعيشية /وكالة الصحافة الفرنسية

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.