تطغى أخبار المهاجرين واللاجئين الذين ينطلقون من السواحل الليبية قاصدين أوروبا على ما يجري في هذه الدولة الغارقة في الحرب. وحين يتجاهل الإعلام هول المأساة الإنسانية الواقعة، يأتي البحر بقسوته ليعدّل الأولويات بالتهامه عشرات الفقراء.

إريتريون، نيجيريون، صوماليون، سودانيون، سوريون، وعراقيون، هؤلاء يتصدّرون لائحة المغامرين بركوب البحر انطلاقاً في السواحل الليبية هرباً من الحرب والفقر، في لائحة طويلة تتضمّن أيضاً مواطنين من النيجر، غانا، سيراليون، مالي، السنغال، غامبيا، ساحل العاج، إثيوبيا، باكستان، أفغانستان، نيبال ودول أخرى.

عذابات على طريق الموت

قبل مغادرة ليبيا، يقع المهاجرون فريسة للعصابات التي تنظّم الرحلات. شهادات الواصلين إلى أوروبا تتقاطع حول إجبارهم على تسليم كل مدّخراتهم للمهربين. وبعد احتجازهم بالقوة في بيوت قريبة من الساحل، يُنقلون بالمئات، عبر زوارق مطاطية، إلى قوارب صيد متهالكة تكاد لا تتسع لبضعة عشرات من الأشخاص.

وبعد إجبارهم على استقلال القوارب، يبدأ فصل آخر من المعاناة. قلّة منهم يتسلّمون ستر نجاة. وعشرات يُجبرون على النزول إلى طابق القارب السفلي حيث يصل الأوكسيجين بصعوبة. وفي 15 تموز/ يوليو 2014، أكّدت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة العثور على 29 شخصاً ميتاً بسبب الاختناق في عنبر أحد مراكب الصيد، وتحدثت عن حادثة مروعة أخرى جرى خلالها طعن ما لا يقل عن 60 شخصاً وإلقائهم في البحر بسبب محاولتهم الهروب.

"تقوم شبكات تهريب كبيرة بزج الناس في القوارب والسفن، حتى ولو غيّروا رأيهم وعدلوا عن الهجرة. يُجْبَر الناس على الصعود إلى المراكب ولا يوجد شبكات لإعادتهم إلى اليابسة"، قالت سارة خان، العاملة في مفوضية اللاجئين. وبحسب بعض التقديرات، جنت شبكات تهريب اللاجئين عام 2014 نحو خمسة ملايين دولار.

وفي شهادة وثقتها مؤخراً المفوضية العليا، روى شاب سوداني اسمه عبدول أنه وأكثر من 200 آخرين كانوا يختنقون في مخزن القارب المظلم. وقال "لم نكن قادرين على التنفس وكنا نحاول الصعود من الباب والتنفس من خلال التشققات الموجودة في السقف. ولكن الركاب الآخرين خافوا من أن يغرق القارب لذا دفعوا بنا إلى الأسفل وضربونا أيضاً، وبعضهم كانوا يدوسون بأرجلهم على أيدينا". توفي 52 شخصاً خلال الرحلة، بعضهم اختنق وقُتل رجل سوداني طعناً بالسكين بينما كان يحاول الصعود من المخزن طلباً للمياه.

ولخّص تقرير صادر عن منظمة (هيومن رايتس ووتش) ما يتعرّض له هؤلاء المهاجرون غير الشرعيين، استناداً إلى مقابلات أجرتها معهم في إيطاليا، مؤكداً على تعرضهم لسلسلة انتهاكات تتضمّن "الاحتجاز كرهائن طوال شهور في الصحراء الكبرى، في ظروف مروعة وعنيفة... والاعتداء بالضرب بالعصي الخشبية والمواسير الحديدية والخراطيم المطاطية والسياط، وإطلاق النيران المميتة على محاولي الهرب، والتشغيل القسري، وما يرقى إلى الاحتجاز في "منازل آمنة" غير صحية ومكتظة يديرها المهربون في ليبيا في انتظار الرحيل. كما يعمد المهربون على نحو روتيني إلى تحميل قوارب غير صالحة للإبحار بما يفوق طاقتها، وتوفير طعام ومياه ووقود غير كافية للرحلة".

الأرقام تتزايد

هذه السنة، وصل حتى الآن 351.314 لاجئاً إلى السواحل الأوروبية، منهم نحو 235 ألفاً إلى اليونان، ونحو 114 ألفاً إلى إيطاليا، و2166 إلى إسبانيا و94 إلى مالطا. الواصلون إلى إيطاليا ينطلق معظمهم من السواحل الليبية.

في ما خص الواصلين إلى إيطاليا يتصدرهم الإريتريون فالنيجيريون فالصوماليون فالسودانيون فالسوريون. وفي ما خص الواصلين إلى اليونان، يتصدرهم السوريون فالأفغان فالألبان فالباكستانيون فالعراقيون.

الأرقام زادت بنسبة كبيرة. فالعام الماضي، وصل إلى سواحل الدول الأربع المذكورة 219 ألف شخص (43 ألف شخص إلى إيطاليا وحدها)، وعام 2013 وصل 60 ألف شخص فيما لم يتجاوز عدد الواصلين عام 2012 الـ22 ألفاً وخمسمئة شخص. وبحسب (هيومان رايتس ووتش)، 60% من الواصلين أتوا من سوريا وإريتريا وأفغانستان والصومال.

وبطبيعة الحال، زادت نسبة الوفيات في ما صار معروفاً بـ"قوارب الموت". حتى اللحظة، قتل هذه السنة في البحر المتوسط 2.643 شخصاً. بينما قتل العام الماضي نحو 3500 شخص، و600 عام 2013 و500 عام 2012.

وقد شهد شهر نيسان/أبريل الماضي أسوأ كارثة إنسانية عرفها البحر المتوسط حين لقي نحو 800 مهاجر غير شرعي حتفهم بعد غرق سفينتهم قبالة السواحل الليبية.

أوروبا قلقة وحائرة

في البداية، ومع بدء تدفق اللاجئين عبر البحر إلى سواحلها، أطلقت إيطاليا عملية واسعة للبحث عن "قوارب الموت" وانقاذ ركابها. وعندما تزايدت أعدادهم بكثرة صارت المهمة أصعب، كما أن روما راحت تطالب باقي دول الاتحاد الأوروبي بتوزيع اللاجئين على الجميع وهو ما يرفضه البعض. وأيضاً انتقدت بعض الدول الأوروبية العملية الإيطالية باعتبار أنها تساهم في جذب اللاجئين.

لهذه الأسباب، أُلغيت العملية الإيطالية واستُبدلت بعملية أوروبية مشتركة تديرها وكالة مراقبة الحدود الأوروبية، "فرونتكس". العملية الجديدة تبدأ من مراقبة المياه الإقليمية الأوروبية وتنتهي بالبحث عن القوارب المستخدمة لنقل اللاجئين وتدميرها، ما يعني أنها ستستعين بقطع حربية.

حالياً يطمح الأوروبيون إلى العمل خارج مياههم الإقليمية والوصول إلى محاذاة الشواطئ الليبية لمكافحة الهجرة غير الشرعية. ولكن في ظل عدم صدور قرار عن مجلس الأمن يخوّلهم ذلك، هم مضطرون لأخذ موافقة الحكومة الليبية، وفي ليبيا هناك انقسام بين حكومتين وقد يطول الوقت قبل ولادة حكومة وحدة وطنية يمكن التفاوض معها.

أما هدف أوروبا الاستراتيجي فهو بناء مخيمات للاجئين على الضفة المقابلة لشواطئها ويجري الحديث عن النيجر كونها معبراً للمهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء. وهناك سيبتّ الأوروبيون بطلبات اللجوء.

الصورة 1: إنقاذ مهاجرين بعد غرق قارب قبالة جزيرة رودس اليونانية/وكالة الصحافة الفرنسية.

الصورة 2: مهاجرون غير شرعيين في قارب في البحر المتوسط/وكالة الصحافة الفرنسية.

مواضيع ذات صلة:

Palestinians gather to receive food cooked by a charity kitchen, in Khan Younis
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية- تعبيرية

حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة، الخميس، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.

وعقب نشر التقرير، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى صحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.

وأكد المسؤولون الأمميون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.

وفي بداية الإحاطة قدم، ماكسيمو توريرو، كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.

ويُظهر التقرير أن عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي تضاعف من 705 آلاف شخص في 5 دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في 4 دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لتوريرو.

ويشار إلى أن التصنيف المتكامل للأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى "الأزمة" أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي الكارثة أو المجاعة.

وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية يزيد من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.

مجاعة مستمرة في مخيم زمزم

في السودان، قال توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر المقبل. ونبه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.

وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ.

وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا لتوريرو.

أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخ

أما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة.

وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال الفترة بين مارس وأبريل، ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 إلى فبراير 2024.

وتشير التوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان - أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.

جانب إيجابي

على الصعيد الإيجابي، قال توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.

ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول - هي أفغانستان وكينيا والكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان - انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكن جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.

ما المطلوب؟

فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق، عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي، إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدام.

وأضاف: "لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا (...) ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر".

وتحدث حسين عن مشكلة أخرى وهي "الإجهاد في مجال التمويل"- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، "لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات".

الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات

الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.

ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.

وقال أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.

أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد

وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف انعكست شهور من الحرب والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية، وأدت إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.

ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه "رديء للغاية"، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المئة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: "ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن".

ومضى قائلا: "التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها... واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي".

حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار

أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: "نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان".

في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي - بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا لأغوايو.

ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.