مع تدفق اللاجئين العراقيين وبوتائر متسارعة بحثا عن ملجأ آمن خارج البلاد، بدت الحقيقة ضائعة. فلا مؤشرات يمكن الوثوق بها والتحقق من عمق الظاهرة وتأثيراتها، ولا مواقف رسمية (حكومية كانت أم برلمانية) يمكن اعتبارها محطة حقيقة للتعاطي مع الظاهرة، غير التعبير عن القلق تارة مع التخفيف من حجمها واستهجانها الذي يقدم نظرة استعلائية تارة اخرى.

صمت أقرب الى الإنكار

حين دعت "لجنة الهجرة" في البرلمان العراقي عبر النائبة لقاء وردي، الحكومة إلى دراسة الاسباب التي دفعت النازحين للهجرة بطرق غير شرعية ووضع حلول لها، شدد وزير الهجرة والمهجرين جاسم محمد على أن "موقف الوزارة ليس مع هجرة الشباب والعوائل خاصة وان البلاد تنعم بالثروات والخيرات وباستطاعة العراق ان يؤمن العيش الكريم والحياة المناسبة لأبنائه عن طريق تغيير ما بأنفسنا والعمل على حل المشاكل المستعصية واحدة تلو الأخرى ورسم خطط جادة وموضوعية تمكننا من تحقيق ما نصبو إليه"، معربا في الوقت نفسه عن أسفه للموجة المستمرة لهجرة العوائل والشباب من البلاد.

الوزير اتصل هاتفيا؟

وفي حلقة خاصة بموضوع الهجرة الى خارج البلاد، من برنامج "بالعراقي" عبر قناة "الحرة"، بدا الناطق باسم وزارة الهجرة والمهجرين، target="_blank">ستار نوروز، وكأنه عاجز عن فهم حقيقة  الظاهرة وتأثيراتها ودلالاتها سياسيا واجتماعيا، لكنه أشار إلى أن الوزير بحث الأمر هاتفيا مع بعض مسؤولي الخارجية العراقية.

ولا تبدو مواقف "المفوضية العليا لحقوق الإنسان" في العراق بحال أفضل من الحكومة، لجهة الإعراب عن القلق وضرورة التحرك السريع لإنقاذ الموقف. فهي تعيد ما هو بديهي في واحد من مواقفها الأخيرة عبر القول إن "آلاف العراقيين هاجروا للخارج، بسبب الوضع الأمني وسوء الخدمات"، فيما تشير الى أن "هذه الهجرة زادت من نسب العازفين عن الزواج ونسبة العنوسة في العراق"، دون أن تنسى التأكيد على "قيام الحكومة العراقية بإجراءات فورية واقتصادية لإمكانية إعادة هذه العوائل (المهاجرة)".

"ضغط مكوكي"؟

وبالعودة إلى المواقف التي سجلتها الحلقة الخاصة من برنامج "بالعراقي" في حلقته عن الهجرة، فقد ناشد عضو "المفوضية العليا لحقوق الإنسان"، target="_blank">فاضل العزاوي، الحكومة العراقية بضرورة التحرك السريع والمؤثر لوقف ما وصفه بـ"الهجرة غير المدروسة وغير الممنهجة"، ضمن أسلوب عمل قائم على "الضغط المكوكي".

كردستان العراق: جرس الإنذار

وفي الأزمة ذاتها، إعتبر نائب عن الكتلة الخضراء التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني في برلمان الإقليم، هجرة المواطنين وخاصة الشباب قضية "دولية وعالمية". فيما طالب حكومة الإقليم بمعالجتها وعرضها في برلمان كردستان.

وقال النائب سالار محمود، إنه "على حكومة إقليم كردستان مراجعة مسألة هجرة المواطنين بالأخص الشباب بشكل تفصيلي وعليها التدقيق بالمسألة على الصعيد المحلي على ان يتم طرح المعالجات والمقترحات في البرلمان لسن قانون او آلية لمعالجة المسالة".

وكان برلمان إقليم كردستان قد أعلن تشكيل لجنة للتحقيق في حادثة غرق عدد من المواطنين الكرد خلال محاولتهم الهجرة الى خارج الإقليم. وأكد أن الأيام المقبلة ستشهد الإعلان عن نتائج التحقيق (لم تعلن). وفيما حمّل حكومة الإقليم مسؤولية حل مشاكل الشباب، طالب وسائل الإعلام بـ"عدم تحريض الشباب على الهجرة من خلال تضخيم هذه الظاهرة".

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".